فاطمة ليست كبقية النساء قطعاً ويقيناً بل هي مقياس للناس بالحق والباطل، والخير والشر، والنور والظلمة، والطاعة والمعصية، وبالتالي هي مقياس للدِّين والدُّنيا، فمَنْ عرف فاطمة وسعى لرضاها هو سعيد الحظ والجد في الدارين لأنها تلتقط شيعتها ومحبيها من صحراء المحشر، لأن الله تعالى عندما زوَّجها في السماء...
ولدت السيدة فاطمة (ع) فجر الجمعة 20 جمادى الآخرة في السنة /5/ من البعثة النبوية
مقدمة ولائية
إلى الآن لم نعِ ونفهم معنى الولاية الرَّبانية، وحتى علماؤنا الأعلام لم يستطيعوا أن يبلوروا المعنى الحقيقي للولاية ويُعطوه للأمة الإسلامية بالشَّكل الذي يُعرِّفوها بالولاية الحقيقية، ومدى عظمتها وسعتها ورحمتها ورأفتها وعطفها ولطفها في هذه الأمة، فقصَّرت الأمة الإيمانية في ذلك، وتنكَّرت وجحدت الأمة الإسلامية عن سوء فهم، أو عن عمد عن هذه النِّعمة الرَّبانية التي هي تمام كل النِّعم، وهي اللَّبِنة التي أكملت لهم الدِّين الإسلامي العظيم، ولذا بها يتحقق رضا الرَّب سبحانه وتعالى وهو ما جاء في الآية الكريمة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3)
نعم؛ هناك أبحاث هي في القمَّة عن الولاية الرَّبانية، ومعانيها السَّامية، ولكن معظمها لم تخاطب الأمة بل النُّخبة فقط ولذا أهملتها الأمة ولم تأخذ بها لأنها فوق مستواها ولا تفهمها على حقيقتها ولا تعي تجلياتها في الواقع الذي تعيشه في أيامها، فبقيت تلك الكتب للخواص يتناولونها في الدَّرس والبحث العلمي العالي ولا يطرحونها حتى في المباحثات والجلسات العادية بينهم لأنهم يعتبرونها أبحاث خاصة، وأما الأبحاث المبسَّطة فهي قليلة جداً ولن أذكر أمثلة على ذلك حتى لا ندخل في الخصوصيات.
حصر الولاية بالسُّلطة
والمشكلة العويصة التي لم نستطع الخروج منها في مسألة الولاية هي إدخالها في مسألة الخلافة، والسلطة والحكم، أي في الشأن السياسي، وبعضهم حصرها في هذا الأمر للأسف الشديد، وما هي إلا الجانب التنفيذي منها وهو ما يرتبط بالحكم والسلطة السياسية الدنيوية فقط، وهذا الجانب رغم أهميته في الحياة اليومية وتأثيره الكبير على حياة الأمة إلا أنه لم يكن ذا بال أو شأن من أولياء الله الذين اختارهم الله على علم وعيَّنهم حكاماً على الناس بأمره وتبيين وتنصيب من رسول الله (ص).
فالسياسة والسلطة هي التي تقوِّي جانب الإمام والولي لأنه يكون لديه قوة تنفيذية وسلطة إجرائية فعلية وما يُسمِّيه الفقهاء ب(مبسوط اليد)، ولكن إذا لم يكن كذلك كولي الله الأعظم أمير المؤمنين الإمام علي (ع) حينما أقصته السلطة القرشية عن منصبه، وأبعدته عن حقه، وعن قيادة الناس، وهي تعلم أنه أولى الناس بالناس، وكفَّت يده المباركة عن الجانب التنفيذي لربع قرن حيث تعاوروها فيما بينهم وحسب الاتفاق الذي عقدوه وكتبوه في صحيفتهم في حجة الوداع، ولكن هذا لم ولن يلغِ ولايته على الأمة حتى على الخلفاء والحكام ولذا من المعروف قول الخليفة الثاني خاصة: (هذا -علي بن أبي طالب- مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، أو مسلم ومسلمة)، فهو الإمام الذي بايعوه جميعاً في يوم غدير خم، ولكنهم انقلبوا عليه فغصبوا الخلافة وهي الجانب السياسي ولكن لم يستطيعوا أن يغتصبوا الولاية والإمامة والحجيَّة منه فهو إمامهم جميعاً وباعترافهم أيضاً.
فالولاية واجبة من الله كالنبوة والرسالة ولكن الخلافة والحكم فهو شأن داخلي في الأمة وإليها يعود التكليف فإن قبلت خيرة الله وسلَّمت إليه أمرها وقيادتها فهي التي تتنعَّم بفضله وعدله في الحكم، وإلا فهي تبوء بإثمها وتعاني من حكام الظلم والجور من طغاتها المتسلِّطين عليها بالحديد والنار، وهذا التاريخ يشهد ولن نذهب بعيداً فالقرآن الحكيم ضرب لنا الكثير من الأمثلة عن ذلك لا سيما في بني إسرائيل، حيث اختار لهم الله نبياً عظيماً يُضرب به المَثل عندهم، وهو هارون، ولكن ما أن غاب عنهم موسى حتى تركوا هارون واتَّبعوا السامري الذي أخذ منهم حُلي نسائهم وصنع لهم عجلاً من الذَّهب وأمرهم أن يعبدوه وتركوا هارون وحيداً ولما أمرهم بالتوحيد وعبادة الله تعالى أرادوا أن يبطشوا به ويقتلوه، قال تعالى: (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) (سورة طه: 94)
وتلك هي قصة هارون هذه الأمة ووليها وإمامها وحجة الله عليها الإمام علي بن أبي طالب (ع) الذي عيَّنه الله واختاره عليهم ونصبه رسول الله (ص) ولياً وإماماً لهم، وبايعوه على السَّمع والطاعة، ولكنهم وقبل أن يغمض رسول الله (ص) عينه الشَّريفة عن هذه الدنيا الفانية انقلبوا عليه ولم يسمعوا ولم يطيعوا أمره بل حاولوا مراراً قتله، واغتياله، بعد أن قتلوا زوجته أولى شهداء الولاية وجنينها وأحرقوا عليه داره وبنت المصطفى فيها كما يقول شاعر النيل مفتخراً، ورغم كل ما فعلوه لم تنخلع الولاية منه والحجيَّة عنه في حال من الأحوال لأنه اختيار واجتباء واصطفاء من الله تعالى، وهذا ليس لشخصه الكريم بل لكل الأئمة المعصومين من ذريته وبنيه (صلوات الله عليهم أجمعين) فهم أهل الولاية لا تنفك عنهم في أي حال أبداً.
فاطمة (ع) والولاية الرَّبانية
وفي هذا السِّياق سأشير سريعاً عن ارتباط مسألة الولاية بسيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء (ع) التي قدَّمت نفسها المباركة وهي في ريعان شبابها، وولدها المحسن شهداء في طريق الولاية الرَّبانية، وذلك بمواقفها التي وقفتها من أجل الولاية الحقة وإثباتها لأهلها لا سيما لبعلها الإمام والولي الأعظم الذي انقلبت عليه سلطة قريش وتخاذلت عنه الأنصار جميعاً فلم يفوا بالبيعة لرسول الله (ص) من بعد وفاته، حيث أنهم لم يستجيبوا لنداءات السيدة الزهراء (ع) وخطاباتها الخاصَّة والعامة للأسف الشديد فأصابتهم لعنة بني أمية -كما أُسميها- في التاريخ حيث نكَّل بهم جيش يزيد الشَّر في وقعة الحرَّة المشؤومة المشهورة في التاريخ بعد كربلاء.
والأحاديث الشَّريفة تحدِّد لنا أفقاً يجب ألَّا نعدوه ولا نجتازه بالنِّسبة للسيدة فاطمة، وهي أننا لا يمكن أن نعرفها حق معرفتها، و(إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةَ لِأَنَّ اَلْخَلْقَ فُطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا)، فمعرفتها محصورة بأبيها وبعلها والأئمة من بنيها، وذلك كما بيَّنه ولدها الإمام جعفر بن محمد الصَّادق (ع) بقوله: (إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمْهَرَ فَاطِمَةَ (عَ) رُبْعَ الدُّنْيَا، فَرُبْعُهَا لَهَا، وَأَمْهَرَهَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، تُدْخِلُ أَعْدَاءَهَا النَّارَ، وَتُدْخِلُ أَوْلِيَاءَهَا الجَنَّةَ، وَهِيَ الصِّدِّيقَةُ الكُبْرَى، وَعَلَى مَعْرِفَتِهَا دَارَتْ القُرُونُ الأُولَى)، أي أن الكون قام على معرفتها في عالم الأنوار والأرواح والأشباح قبل عالم الدنيا هذه، فمَنْ عرف فاطمة الزهراء (ع) في تلك العوالم والنشأة الأولى يمكن أن يرتقي بمعرفته تلك في مراقي العلم والمعرفة في هذه الدُّنيا الدَّنية.
فهي الصدِّيقة الكبرى فلا صدِّيقة من جنسها تقربها عدا عن أنها تتجاوزها -حاشاها- فهي الذِّروة العالية، والدُّرة الغالية، بل هي أيقونة الولاية الرَّبانية من النساء، ولذا لا امرأة من جنسها معصومة إلا هي روحي فداها، فهي المخلوقة المكرَّمة الوحيدة في بنات جنسها، وكأن خالقها العظيم جمع كل الفضائل والكمالات التي أودعها في المرأة وجعلها في فاطمة الزهراء (ع) ومنها أفاضت على غيرها من بنات جنسها، فكلهن يُقَسن بفاطمة فهي المقياس، ولا يقاس بها غيرها، والمرأة أو النساء عادة في المجتمع البشري ضلع قاصر ومضطهد لا سيما في جاهلية العرب الأولى، ولذا قصَّروا في معرفتها أولئك الأصحاب رغم كل ما سمعوا من رسول الله (ص) بحقها حيث أنه رفعها عن البشر والبشرية حيث قال فيها مراراً وتكراراً بحديث شبه متواتر: (بأنها حوراء إنسيَّة)، فهي فيهم ولكن ليست منهم ولا هم منها إلا بالشكل فقط.
وقال أيضاً: (يا فاطمة؛ إِنَّ اَللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَيَغْضَبُ لِغَضَبِكِ، وَيَرْضَى لِرِضَاكِ)، وقال (ص): (إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضىٰ لرضاها)، (المستدرك علىٰ الصحيحين: ج٣ ص ١٥٣)، وهذه الرواية بالذات احتجت بها سيدة النساء على رجال قريش فاعترفوا بها فقالت: (نشدتكما الله أ لم تسمعا رسول الله يقول: (رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمَنْ أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومَنْ أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومَنْ أسخط فاطمة فقد أسخطني؟) قالا: نعم؛ سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قالت: (فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه)، فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر يبكي، حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: (والله لأدعونَّ الله عليك في كل صلاة أصليها). (الإمامة والسياسة؛ للدِّينَوري: ج1 ص31)
ففاطمة ليست كبقية النساء قطعاً ويقيناً بل هي مقياس للناس بالحق والباطل، والخير والشر، والنور والظلمة، والطاعة والمعصية، وبالتالي هي مقياس للدِّين والدُّنيا، فمَنْ عرف فاطمة وسعى لرضاها هو سعيد الحظ والجد في الدارين لأنها تلتقط شيعتها ومحبيها من صحراء المحشر، لأن الله تعالى عندما زوَّجها في السماء جعل مهرها الجنَّة والنار، أي أنها وزوجها أمير المؤمنين (ع) قسيما الجنة والنار فيقولا للجنة هذا لي فخذيه وللنار هذا لك على أساس ذلك المقياس الرَّباني ألا وهو الولاية الإلهية الحقَّة.
وفي الحقيقة والواقع أن فاطمة لن يعرفها الخلق إلا في يوم المحشر حيث يأمرها الله تعالى أن تدخل إلى الجنَّة ففي حديث طويل وجليل وجميل قَالَ جَابِرٌ لِأَبِي جَعْفَرٍ (ع): جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ فِي فَضْلِ جَدَّتِكَ فَاطِمَةَ (ع) إِذَا أَنَا حَدَّثْتُ بِهِ الشِّيعَةَ فَرِحُوا بِذَلِكَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ... ثُمَّ يُنَادِي الْمُنَادِي [مُنَادٍ] وَهُوَ جَبْرَئِيلُ (ع): أَيْنَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، أَيْنَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِد،ٍ أَيْنَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، أَيْنَ آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ، أَيْنَ أُمُّ كُلْثُومٍ أُمُّ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، فَيَقُمْنَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا أَهْلَ الْجَمْعِ لِمَنِ الْكَرَمُ الْيَوْمَ؟ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ [وَفَاطِمَةُ]: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.
فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ: يَا أَهْلَ الْجَمْعِ إِنِّي قَدْ جَعَلْتُ الْكَرَمَ لِمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَفَاطِمَةَ، يَا أَهْلَ الْجَمْعِ طَأْطِئُوا الرُّؤوسَ وَغُضُّوا الْأَبْصَارَ فَإِنَّ [إِنَ] هَذِهِ فَاطِمَةُ تَسِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَأْتِيهَا جَبْرَئِيلُ بِنَاقَةٍ مِنْ نُوقِ الْجَنَّةِ مُدَبَّجَةَ الْجَنْبَيْنِ خِطَامُهَا مِنَ اللُّؤْلُؤِ الْمُحَقَّقِ الرَّطْبِ عَلَيْهَا رَحْلٌ مِنَ الْمَرْجَانِ فَتُنَاخُ بَيْنَ يَدَيْهَا فَتَرْكَبُهَا فَيَبْعَثُ إِلَيْهَا مِائَةَ أَلْفِ مَلَكٍ فَيَصِيرُوا عَلَى يَمِينِهَا، وَيَبْعَثُ إِلَيْهَا مِائَةَ أَلْفِ مَلَكٍ يَحْمِلُونَهَا عَلَى أَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يُصَيِّرُوهَا [يُسَيِّرُوهَا] عِنْدَ [عَلَى] بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا صَارَتْ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ تَلْتَفِتُ فَيَقُولُ اللَّهُ: يَا بِنْتَ حَبِيبِي مَا الْتِفَاتُكِ وَقَدْ أَمَرْتُ بِكِ إِلَى جَنَّتِي [الْجَنَّةِ]؟ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ أَحْبَبْتُ أَنْ يُعْرَفَ قَدْرِي فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ، فَيَقُولُ اللَّهُ [تَعَالَى]: يَا بِنْتَ حَبِيبِي ارْجِعِي فَانْظُرِي مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حُبٌّ لَكِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِكِ خُذِي بِيَدِهِ فَأَدْخِلِيهِ الْجَنَّةَ).
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَاللَّهِ يَا جَابِرُ إِنَّهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ لَتَلْتَقِطُ شِيعَتَهَا وَمُحِبِّيهَا كَمَا يَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الْحَبَّ الْجَيِّدَ مِنَ الْحَبِّ الرَّدِيِّ فَإِذَا صَارَ شِيعَتُهَا مَعَهَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ يُلْقِي اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَلْتَفِتُوا فَإِذَا الْتَفَتُوا يَقُولُ [فَيَقُولُ] اللَّهُ: يَا أَحِبَّائِي مَا الْتِفَاتُكُمْ وَقَدْ شَفَعَتْ فِيكُمْ فَاطِمَةُ بِنْتُ حَبِيبِي؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ أَحْبَبْنَا أَنْ يُعْرَفَ قَدْرُنَا فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: يَا أَحِبَّائِي ارْجِعُوا وَانْظُرُوا مَنْ أَحَبَّكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَةَ، انْظُرُوا مَنْ أَطْعَمَكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَةَ، انْظُرُوا مَنْ كَسَاكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَةَ، انْظُرُوا مَنْ سَقَاكُمْ شَرْبَةً فِي حُبِّ فَاطِمَةَ، انْظُرُوا مَنْ رَدَّ عَنْكُمْ غِيبَةً فِي حُبِّ فَاطِمَةَ، خُذُوا بِيَدِهِ وَأَدْخِلُوهُ الْجَنَّةَ). (تفسير فرات: ج1 ص299)
فاطمة أيقونة الولاية الربانية
وما يمكن لنا أن نفهمه ونعرفه في هذه الدنيا ونحن في غاية القصور والتقصير بحقها سلام الله عليها، هو أن نعرف بأنها البرزخ والرابطة ما بين الرِّسالة الخاتمة، والولاية الرَّبانية العظمى، وأنها لم ترتقِ إلى الرسالة ولكنها لم تقصر عن مرتبة الولاية العلوية العظمى، ولذا قال ولدها وحفيدها ومحيي آثارها الإمام جعفر الصَّادق (ع): (لَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ لم يكن لِفَاطِمَةَ كُفْؤٌ فِي وَجْهِ اَلْأَرْضِ آدَم فَمَنْ دُونَهُ)، وهو منقول عن جده رسول الله (ص) عندما عوتب بشأن فاطمة وزواجها فقال (ص): (لو لم يخلق الله علي بن أبي طالب ما كان لفاطمة كفو)، أي أن نظيرها في الخلق كان أمير المؤمنين وهي سيدة نساء العالمين، ولذا كانت هي حجة على الحجج من أبنائها كما يؤكد ولدها الإمام الحسن العسكري (ع) بقوله: (نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة علينا)، فمَنْ يدرك هذا المعنى لفاطمة فقد عرفها، حيث أنه عرف بأنها حجة الله على إمامه وحجة الله عليه، فطاعتها واجبة كطاعة أبيها رسول الله (ص) وبعلها أمير المؤمنين ولي الله الأعظم (ع)، وهنا يجب أن ينكسر القلم لأننا فطمنا عن معرفة أكثر من ذلك.
ففاطمة (ع) هي المخلوقة الوحيدة أي أنها الأيقونة الفريدة، والدُّرة اليتيمة التي خلقها الله لمحمد (ص) وأهداها لعلي (ع) لتكون مستودع أسرار الرَّب، ومنبع العلوم الملكوتية في عالم البشر الناسوتية، فجهلها مَنْ ظنَّ بأنها بشرية فقط، وقصَّر عنها مَنْ نظر إلى حقيقتها فأغشت بصره بنورها ولم يعرف حقيقتها، وأما مَنْ توقف حيث أوقفه أهل البيت (ع) بأحاديثهم بحقها ومعرفتها فاستنار بها وأحبها ووالاها واعتقد بها دون إفراط بحقها أو تفريط، وهم النمرقة الوسطى جعلنا الله منهم، وفيهم، معهم ممَّن تلتقطهم فاطمة وتشفع لهم في يوم المحشر.
اضف تعليق