روي عن علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: (إذا فقد الخامس من ولد السابع، فالله الله في أديانكم لا يزيلنكم أحد عنها، يا بني: إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غَيْبَة، حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من الله (عز وجل) امتحن بها خلقه).
وعن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: (إن لصاحب هذا الأمر غَيْبَة لا بد منها، يرتاب فيها كل مبطل)، قلت له: ولم جعلت فداك؟ قال: (الأمر لا يُؤذن لي في كشفه لكم). قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: (وجه الحكمة في غيبته، وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله (تعالى ذكره)، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلى وقت افتراقهما. يا ابن الفضل، إن هذا الأمر أمر من الله، وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه (عز وجل) حكيم صدّقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وإنْ كان وجهها غير منكشف).
من المغالطات التي يقع بها بعض المؤمنين أنهم يعطون لأنفسهم صلاحيات كبرى تمتد إلى مناطق في العقيدة ليس من الممكن البت فيها، إذ تجدهم يسارعون إلى تبيان "حكمة الله" في هذا الشأن أو ذاك مستندين لا إلى شيء سوى ما داخل نفوسهم من أيديولوجيات وغايات.
إن الإمام الصادق (عليه السلام) يشير إلى الغاية من غَيْبَة الإمام باعتبار أن معرفة الحكمة من ورائها أمر من خصائص مرحلة (ما بعد الظهور)، كما هي العبرة من إيراد قصة لقاء موسى بالخضر (عليهما السلام) في القرآن، ولا ريب في أن هذا شأن كل تخطيط بشري بعيد المدى، ناهيك عن التخطيط الرباني الذي يظل بعيداً عن إدراكنا المحدود. فإن الناس يبالغون في تقدير التأثيرات القريبة للمشاريع الاستراتيجية، ويقللون من تقدير تأثيراتها البعيدة، حيث إن الإنسان ينظر إلى الأمور غالباً من منظار المدة التي يعيش فيها أعوام عمره، وعندما تكون الحال كهذه، فما بالك بما يحدث حين يحاول المرء التفكر في مشروع استراتيجي تعدى الحدود البشرية للزمن، كما هو حال مشروع (غَيْبَة الإمام)؟!
يقول الإمام الشيرازي (قده): (انتظار الفرج من أهم التكاليف ومن أعظم العبادات، وإن انتظار الفرج ليس بمعنى الانتظار القلبي فحسب، وإنْ كان الانتظار القلبي منه، لكن بمعنى العمل أيضاً لأجله (عجل الله تعالى فرجه)، ولأجل أن يعجل الله ظهوره، فكما أن الانتظار بالنسبة إلى الزارع أن يهيّأ الأرض وكل ما يرتبط بالزرع، هكذا (انتظار الفرج)، فعلينا في غيبة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أن نهيئ أنفسنا ومجتمعنا بالعمل الصالح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وننتظر دولته العادلة).
اضف تعليق