بعض الأحكام لم تكن في طور التطبيق الفعلي في بداية البعثة النبوية الشريفة، كذلك هنالك بعض الأحكام التي لم تطبق بعد ولن تطبق حتى عصر الظهور، وهنا يأتي الدور الذي يمكن أن نؤديه من الناحية الحقوقية في التمهيد لقيام الدولة المهدوية، وذلك التحلي بالأخلاق الحميدة فرديا واجتماعيا التي تُحبب...

ما هو الدور الذي يمكن أن نؤديه من الناحية الحقوقية في التمهيد لقيام الدولة المهدوية؟ وكيف يمكن تحقيق الدولة المهدوية العالمية في ظل التنوع الديني والقومي والثقافي؟

حينما نتحدث عن "الدولة المهدوية" فإنما نتحدث عن "المدينة الفاضلة" التي يحلم بها جميع البشر بمختلف ثقافاتهم وأفكارهم وأديانهم وقومياتهم.

 ومع أنه لا يمكن أن تقام المدينة الفاضلة إلا في زمن الظهور المقدس، إلا انه بإمكان العالم أن يسير نحو تلك المدينة من خلال السير التدريجي الذي رسم معالمه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام للمؤمنين والحالمين بتلك المدينة طوال مراحل ابتدأت بالبعثة حوالي ١٣ قبل الهجرة و٢٦٠ عاما بعد هجرة نبي الإسلام وحتى بدء عصر الغيبة، حيث كان لكل مرحلة صبغتها الخاصة حسب الظروف، فكانت الأحكام والتشريعات مثلا في بداية مسيرتها مصبوغة بصبغة الردع والتحذير والتخويف من أجل الحثّ على تطبيق الواجبات والكفّ عن المحرمات، وكان من جملتها الحدود والقصاص، إلا انه شيئا فشيئا وبالتدريج بدأت الصبغة تتغير، فلقد مُنع من إجراء الحدود ما لم يطبق الدين بالكامل، واصطبغت العقوبة الرادعة بصبغة العرف.. 

وكما هو الأمر في عهد النبوة التي ابتدأ بالطوفان العالمي ثم خرق العادات بتحول العصا إلى ثعبان، ثم الطب الإعجازي بإبراء الأبرص والأعمى ومن ثم انتهت بالنبي الخاتم والتعلم بالقلم والحثّ على القراءة والبحث العلمي.. كذلك في عهد الإمامة التي ابتدأت بالتنصيب الغديري والإقبال الجماهيري على أميرالمؤمنين عليه السلام ثم اتجهت نحو بناء المجتمع وتعليمهم أصول الاستنباط والتفرُّع على الأصول..

وبعبارة أخرى؛ فإنَّ سير التاريخ البشري اتجه نحو العقلنة والتكامل وإدارة الأمور بقدرات طبيعية وبمسؤولية اجتماعية وفردية.

وكما انه في بداية الأمر جرت حادثة المباهلة وكان نتاجها أن قربت وجهات نظر الأديان؛ فمثلا: كفَّ النصارى عداوتهم تجاه المسلمين ببركة تلك الحادثة، فقد وصل الأمر في عهد الإمام الحسن العسكري عليه السلام -وهو آخر إمام من أئمة عهد الحضور- إلى أن يربط العالم الإسلامي بالعالم المسيحي، والشرقي بالغربي، من خلال الزواج المقدَّس الذي أنجب خاتم الأئمة والأوصياء عليه وعليهم جميعا سلام الله.

وكما أن بعض الأحكام لم تكن في طور التطبيق الفعلي في بداية البعثة النبوية الشريفة، كذلك هنالك بعض الأحكام التي لم تطبق بعد ولن تطبق حتى عصر الظهور، وهنا يأتي الدور الذي يمكن أن نؤديه من الناحية الحقوقية في التمهيد لقيام الدولة المهدوية، وذلك التحلي بالأخلاق الحميدة -فرديا واجتماعيا- التي تُحبب الآخرين بالإلتحاق بنا من خلال قاعدة "كونوا دعاة لنا صامتين".

من هنا ومن خلال ما مرّ؛ نستنتج؛ تدرُّجية التوجه نحو "المدينة الفاضلة" الموعودة لتصل ذروتها في التكامل حين الإذن بالظهور، وهذا هو التمهيد المطلوب، حيث من خلال التمرن والتدريب الحضاري نقترب لهذا الهدف، وليس التعايش والسلام مع أصحاب مختلف الثقافات بتنوعهم القومي والديني إلا المادة الحقوقية المختزلة لهذه المهمة.

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات تحت عنوان: (حماية حقوق الإنسان في ظل الدول المهدوية)

اضف تعليق