فمَنْ ينظر إلى مسألة العمر والسِّن في مسائل الدِّين فهو يخالف رب العالمين بقول واحد وواضح تماماً، إذ أن من البديهيات أن ذلك لا علاقة له بمسألة العمر والسن في الإنسان فنوح نبي والسيد المسيح ويحيى أنبياء كرام وعظام دون فرق بينهم في أمر السماء والكل أمَرَ الله بطاعتهم...

ولد الإمام الحجة بن الحسن المهدي (ع) في 15 شعبان 255 ه واستلم الولاية في 260 ه


مقدمة عقائدية

العقيدة هي ما يعقد في القلب من أمر الرَّب سبحانه وتعالى، فهي ليست من الأمور الخارجية البسيطة بل هي من الأمور الأساسية التي يقوم عليها الإنسان في حياته ويتقوَّم على أساسها فكره وأخلاقه، والناس في هذا العصر الرقمي الأغبر أضاعوا أنفسهم بضياع عقائدهم فترى أكثرهم كالأنعام وأضل سبيلاً والعياذ بالله.

وقبل أيام سافر أحد الأخوة من العلماء والسادة الأجلاء إلى البرازيل بمهمة شرعية لمراقبة عمليات الذبح للحوم المستوردة من هذا البلد، فسألته: كيف وجدت الله تعالى والدِّين في هذا البلد سيدنا؟ فقال بشيء من الأسف والخجل: لا وجود لله ولا للدِّين في البلد للأسف الشديد، فالناس همَّهم أن يأكلوا ويشربوا ويتسافدوا ويناموا فقلت له: كما وصفهم الله تعالى في كتابه كالأنعام، فضحك وقال: نعم بل هم أضل من الأنعام.

فالعقيدة مقياس للقيم الإلهية، وميزان لمدى تديُّن الإنسان، فهي ليست طارئة على حياتنا بل هي كل شيء فيها ولذا نحن -بحمد الله وفضله- نؤمن بأن الإسلام دين وتمدين، عقل وعلم، فكر وحضارة، قرآن وسُنة، وحلال وحرام، وطهارة ونجاسة، وهو يحكم كل حياتنا ويطهِّرها وينقِّيها ويزكِّيها من كل عيب أو رجس مادي أو معنوي لأنه دين الله أنزله ليُنقذنا من ظلمات الجهل والتخلف ويرفعنا إلى قمَّة الحضارة والرُّقي الإنساني.

ومن العقائد الأساسية التي هي مقياس لأعمالنا هو قبولنا لأوامر الله وطاعته في كل ما أمرنا به، وكذلك قبولنا بأوامر رسول الله (ص) وكل ما جاء به من الله تعالى، ولا يكون لنا من الأمر شيء أو خيرة تخالف ذلك كله سواء رضينا أو لا، لأن الله لا يقول إلا الحق والصدق، ولا يأمرنا إلا بما يحقق مصالحنا ولذا يقول العلماء: (إن مدارك الأحكام ومصالحها وحكمتها قد لا ندركها)، فنؤمن بها ونسلِّّم لأمر الله ونطيعه فيها، كصلاة الصبح لماذا هي ركعتان فأين المصلحة فيها، وما هي البركة التي جعلها الله فيها؟ لا ندري حقيقة.

وأصحاب الأئمة (عليهم السلام) ضربوا أروع الأمثلة على هذا التسليم فعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): وَاَللَّهِ لَوْ فَلَقْتَ رُمَّانَةً بِنِصْفَيْنِ، فَقُلْتَ هَذَا حَرَامٌ وَهَذَا حَلاَلٌ، لَشَهِدْتُ أَنَّ اَلَّذِي قُلْتَ حَلاَلٌ حَلاَلٌ وَأَنَّ اَلَّذِي قُلْتَ حَرَامٌ حَرَامٌ، فَقَالَ: رَحِمَكَ اَللَّهُ رَحِمَكَ اَللَّهُ). (رجال الکشي: ج۱ ص۲4۹)

وهذا هو التسليم لأمر الله ورسوله وأوليائه، وهذا لا يؤتاه إلا كل ذو حظٍّ عظيم من هذه الأمة المرحومة إذ أن أثقل شيء على النفس البشرية أن تتقبل مثل هذا التكليف، إذ كيف يطيع إنسان مثله يراه أمامه بشر يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق فكيف يخضع له، وهو لا يدري أن الامتحان هو بهذا الخضوع لمَنْ أمر الله بطاعته والتسليم له بكل ما يقول ويأمر، ولذا امتحن الله إبليس والملائكة بالسجود لآدم (ع) فسجد الملائكة الطائعون وأبى ورفض إبليس الجبار المتكبر فطرده الله من رحمته وجوار قدسه وهكذا هو الامتحان للبشر بطاعة الرسول والولي والتسليم له دون النَّظر إلى أي شيء آخر لا العمر ولا السن ولا الجاه ولا المال ولا أي شيء من قيم الدنيا ومادياتها الزائفة الزائلة، قال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (القصص/68)، فالأمر والخيرة هي من الله والطاعة المطلق لله تعالى ولمَنْ فوَّضه بأمره.

مشكلة السِّن في الأنبياء (ع)

وهنا نلقي نظرة على تاريخ وقصص الأنبياء الكرام من البشر لا سيما الذين حدَّثنا القرآن الحكيم عنهم، فبنظرة بسيطة وسطحية نعرف أن مشكلة السِّن والكبر والصغر لا شأن لها ولا علاقة في مسألة الرسالة الربانية والنبوة الإلهية إذ أن العمر يتعلَّق بحركة الفلك والشمس والقمر لضبط حركة الإنسان في هذه الدنيا، وهي مخلوقة لله تعالى وخاصة بحركة الأرض والمجموعة الشمسية فقط، وأما الزمن فهو شيء خاص بالناس وحياتهم وأمر الله أسمى وأعلى من الزمن، وهو الذي يختار أنبياءه من عالم الذر بل من عالم الأمر فيرعاهم من قبل أن يُخلقوا ثم يسدد آباءهم وأمهاتهم عندما يلتقوا على أمر الله وشرعه، إذ أنه لا يجوز لا عقلاً ولا نقلاً أن يولد نبي من مشرك أو كافر لأنه طاهر وأولئك نجسون فلا يمكن أن يأتي الطاهر منهما هذا عدا عن المؤثرات الوضعية للنطفة وأثر الوراثة وما اكتشفه العلماء الآن بثورة الجينوم والخريطة الوراثية.

ولذا نجد في قصص الأنبياء الكرام نبياً عمره حوالي ثلاثة آلاف عام، وآخر يكلم الناس في المهد، فأين مسألة ومشكلة العمر في ذلك كله؟ فنبي الله نوح (ع) وهو أطول الناس عمراً كما قال له جبرائيل (ع) على ما في الرواية، فكان نبياً مرسلاً ومن أولي العزم، وكذلك السيد المسيح (ع) كان ابن ست ساعات فقط وهو في المهد وكلَّم الناس وأقام عليهم الحجة وقال: (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) (مريم/34)، فما الفرق بينهما في النبوة والرسالة؟

فلا علاقة للنبوة والرسالة وأمر الله تعالى بالعمر والسِّن كبراً أو صغراً فنوح نبي مرسل، والمسيح نبي مرسل، وكذلك ابن خالته يحيى بن زكريا الذي آتاه الله النبوة والحكم والكتاب صبياً كما قال تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (مريم/12)، فهل تجد من فرق بينه وبين أباه زكريا، أو بينهما وبين السيد المسيح أو بينهم وبين إبراهيم الخليل ونوح من جهة النبوة والرسالة؟ كلا بل هم جميعاً شرع سواء في النبوة ويتفاضلون فيما بينهم بالرسالة والشريعة والكتاب أي بالتكليف بالنسبة للبشر أنفسهم.

فمَنْ ينظر إلى مسألة العمر والسِّن في مسائل الدِّين فهو يخالف رب العالمين بقول واحد وواضح تماماً، إذ أن من البديهيات أن ذلك لا علاقة له بمسألة العمر والسن في الإنسان فنوح نبي والسيد المسيح ويحيى أنبياء كرام وعظام دون فرق بينهم في أمر السماء والكل أمَرَ الله بطاعتهم والتسليم لهم فيما جاؤوا به من أمر السماء، فنوح أمر قومه بالتوحيد ونبذ عبادة الأصنام، ولذلك السيد المسيح وهو في المهد جاء بنفس الرسالة والمضمون ولكن بزمان مختلف وقوم مختلفون أيضاً، لأن دين الله واحد من عند الواحد الأحد الفرد الصمد، ولا خلاف في الأصول ولكن هناك بعض الاختلافات في الفروع والتشريعات لأنها ترتبط بالزمن والتقدم البشري علمياً وفكرياً وثقافياً وعقلياً، فهي متطورة ومتقدِّمة على البشر في كل ذلك ولذا مهما تقدم البشر يرون التشريع الرباني يسبقهم بقرون ضوئية، وهذا القرآن الحكيم أعظم وأكبر شاهد على ذلك كله.

مشكلة السِّن في الأولياء (ع)

وكذلك المسألة واحدة والقول هو القول في أولياء الله وأئمة الناس أجمعين، فأمرهم بيد الله وتكليفهم من عنده تعالى ولا ربط ولا شأن للبشر فيها وقد لا يدركون معناها ولكن الله ضرب لهم الأمثال في القرآن حتى لا يضلوا أو يزلوا في مسألة العمر وكبر السن، وكذلك الأمر في المجتمع الذي يعيشون فيه يرون شاباً يتمتع بذكاء خارق وكاريزما قيادية عجيبة فيتقدَّم على شيوخ قومه وكم في التاريخ من أمثلة على ذلك؟

وهنا يجب أن ننتبه إلى قوانين الله الحاكمة في هذا الكون، وهي ما نسمِّيه السُّنن الربانية الحاكمة في هذا الكون كقانون الحركة الذي يضبط المجرة كلها والشمس بكبرها، وهو نفسه يضبط حركة الذرة والخلية الواحدة، والقانون أو السُّنَّة لا ترتبط بالعمر أو السِّن أو حتى بالزمن أصلاً لأنه أعلى وأرقى من الزمن نفسه، ولذا نجد أن النبي يؤيده الله بالمعجزة وهي خرق السُّنن والقوانين الحاكمة التي لا يمكن أن يخرقها إلا خالقها وواضعها تعالى.

وكذلك الولاية فهي عطاء رباني لأشخاص بأعيانهم وأشخاصهم وخصوصياتهم يختارهم الله ويصطفيهم ويعيِّنهم ثم يبيِّنهم وينصِّبهم على الناس أولياء ويأمر بطاعتهم والتزام أمرهم ونهيهم في أمور الدِّين والدنيا والحياة برمتها لأنهم قادة البشر وسادتهم كل في زمانه وعصره ولا علاقة للسن في ذلك كله، فهم كالأنبياء الكرام فهل كان السيد المسيح (ع) عندما كلفه الله وأمره بالرسالة وأمر الناس بطاعته أكبر أهل زمانه وأسن قومه؟ كلا قطعاً بل كان أصغرهم لأنه كان في المهد ابن ساعات لا يتجاوزها.

الإمام المهدي (ع) وصغر السِّن

وهنا نأتي إلى هذه المسألة البسيطة بساطة الماء والهواء في هذه الحياة ولكن اتخذها بعض الجهال وأبناء أبو الجهل الذين رضعوا لبان التخلف من رجال قريش وبعض صبيان النار المروانية أو أكلوا من فروع الشجرة الملعونة في القرآن الأموية وراحوا يقيِّمون ويقيسون العقيدة والأمة ورجالات الفكر والعلم والفقه بعقولهم الفاسدة، وعقائدهم الجامدة، ويهرفون بما لا يعرفون ولو رجعوا إلى القرآن الكريم والواقع الذي يعيشونه لرأوا الحقيقة ماثلة أمام أعينهم ولكنهم أعمى أعينهم التعصب، وجمَّد عقولهم للأسف الشديد.

وراحوا يتطاولون على مَنْ هو السبب في وجودهم، وعيشهم، ورزقهم، وسيدهم، وإمامهم الذين إذا لم يعرفوه ماتوا على غير هذه الملة ففي الحديث النبوي الشريف يقول: (مَن مَاتَ وَليسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) (صحيح مسلم: ح1851 والحديث صحيح)، و(من مات بغيرِ إمامٍ مات ميتةً جاهليةً)، و(مَنْ مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)، أو (مات على غير هذه الملَّة)، أو(قيل له: مت يهودياً أو نصرانياً)، فهي روايات متواترة بالمعنى إذا لم نقل بالتواتر اللفظي، فالحديث ثابت وهو حجة على جميع أفراد هذه الأمة المكلَّفين منها بأن يعرفوا إمام زمانهم الذي افترض الله عليهم طاعته وهو سائلهم عنه في قبورهم وعند حشرهم ونشرهم وحسابهم، فمَنْ هو هذا الإمام يا أمة الإسلام؟

ليس لأحد من هذه الأمة جواب إلا مَنْ يقول: إنه الإمام المهدي من آل محمد (صلوات الله عليهم)، الذي نؤمن به وندين الله بإمامته وولايته علينا وعلى الكون كله، فهو الإمام الذي ادَّخره الله ليكون منقذ البشرية ومخلِّصها من شقائها وتسلُّط هؤلاء الأشقياء عليها، وهم الذين سيملؤون الأرض ظلماً وجوراً وفساداً، فيظهره الله ويسدده ويؤيده ليقوم بأكبر عملية تطهير لهذه الكرة الترابية منذ أن خُلقت، ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (يَنْزِلُ بِأُمَّتِي فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ بَلاَءٌ شَدِيدٌ مِنْ سُلْطَانِهِمْ لَمْ يَسْمَعِ اَلنَّاسُ بِبَلاَءٍ أَشَدَّ مِنْهُ حَتَّى تَضِيقَ عَلَيْهِمُ اَلرَّحْبَةَ وَحَتَّى تَمْلَأَ اَلْأَرْضَ جَوْراً وَظُلْماً ثُمَّ إِنَّ اَللَّهَ يَبْعَثُ رَجُلاً يَمْلَأُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ اَلسَّمَاءِ وَسَاكِنُ اَلْأَرْضِ لاَ تَدَّخِرُ اَلْأَرْضُ مِنْ بَذْرِهَا شَيْئاً إِلاَّ أَخْرَجَتْهُ وَ اَلسَّمَاءُ مِنْ قَطْرِهَا شَيْئاً إِلاَّ صَبَّهُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً يَعِيشُ فِيهِمْ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَاناً أَوْ تِسْعاً يَتَمَنَّى اَلْأَحْيَاءُ اَلْأَمْوَاتَ مِمَّا صَنَعَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ اَلْأَرْضِ مِنَ اَلْخَيْرِ). (المستدرك للحاكم: ج 4 ص 465 والحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)

هذا أمر الله وعمله في وليي الله تعالى ولا أحد يستطيع أن يقول ذلك أو يفعله، فكيف يفوه به أعظم مخلوق ونبي مرسل في هذا العالم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً ونصف تقريباً؟ فهذا أمر واقع لا محيص عنه ولا محيد كما أن الفساد قد استشرى في هذه الدنيا فالإصلاح آتٍ حتماً وقطعاً، لأن الأرض يرثها الصالحون وليس الفاسدون أو الطالحون أو أمثالهم من الطغاة والجبارين قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء/105)، فالأرض ميراث الأنبياء وليس الأشقياء والفراعنة والنماريد والقوارين فهؤلاء حقاً الآن نرى جميعاً كيف تحقق قول الله تعالى فيهم: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم/41)، وإذا ظهر الفساد على العالِم أن يُظهر علمه، وإذا لم ينفع كما في عصرنا فالله سبحانه له حكمه وقوله الفصل: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (الإسراء/16)، والقرية هنا إشارة إلى الحضارة وربنا سبحانه يقول: إرادة الهلاك تتعلق بالناس الذين نأمرهم بالصلاح فيفسدوا، وبالطاعة فيعصوا، وبالإيمان فيكفروا، وبذلك يستحقون نزول العذاب والهلاك بسبب فسادهم وظلمهم وحضارتهم تستأهل التدمير بعد التعمير، وتلك هي سُنَّة الله في الخلق.

والإمام المهدي (عج) الذي ولد في ليلة النصف من شعبان عام 255 من الهجرة الشريفة وتسنَّم كرسي الولاية وهو في الخامسة من عمره الشريف فهذا ليس بدعاً من أنبياء والرسل كما تقدم حيث تسلَّم عيسى الأمر وهو في المهد، ويحيى وهو صبياً، وحتى جده الإمام الجواد كان ابن ست وولده الهادي كان ابن ثمان فأين البدعة في الأمر أيها الناس، ويا أمة الحبيب المصطفى (ص)؟

فمسألة العمر هي ليست مسألة ولا هي مشكلة إلا عند ضعاف النفوس ومعدومي الإيمان، وأما مَنْ كان له مجرَّد اطلاع على القرآن الحكيم وآياته المباركة فإنه يعرف أن مثل هذه المسألة لا وجود لها ولكن أتباع السلطة القرشية الذين ليس لهم حجة على ولي الله فيها حين انقلبوا عليه في السقيفة المشؤومة احتجوا بمسألة السن أو العمر علماً أنه كان في سن السيد المسيح (ع) حين رفعه الله إليه (33 سنة) فأين المشكلة في أن يلي أمور الأمة وهو في عنفوان الرجولة والقوة والعطاء؟

اضف تعليق