مجلة النبأ - العدد 41 - شوال 1420 - كانون الثاني 2000

اكتب لنا

اعداد سابقة

الكتّاب

الموضوعات

العدد41

الصفحة الرئيسية

الشهيد الثاني

من أعلام الشيعة (1)

الشيخ زين الدين الجبعي العاملي

13 شوال ذكرى ولادته


علي الشمري


الشيخ زين الدين بن نور الدين علي بن احمد بن محمد بن علي بن جمال الدين بن تقي بن صالح بن مشرف العاملي الشامي الطلوسي الجبعي المعروف بابن الحاجة النحاريري الشهير بـ(الشهيد الثاني)

ولد في 13 شوال سنة 911 من أعلام الشيعة، في قرية جبعا إحدى قرى جبل عامل في جنوب لبنان

كان أبوه من كبار أفاضل عصره، وكذلك جداه جمال الدين والتقي، وجده الاعلى الشيخ صالح من تلاميذ العلامة وكذلك باقي اجداده الثلاثة كانوا أفاضل أتقياء، وكذا بنو عمومته وأبناءه، تسلسل فيهم العلم والفضل زماناً طويلاً وسموا بسلسلة الذهب والمشهور في منطقة جبل عامل (لبنان) أن آل زين الدين الذين يقطنون في صفد البطيخ هم من ذريته، وكذلك آل الظاهر في النبطية التحتا وكان لا يعيش له اولاد فمات له اولاد ذكور كثيرون قبل الشيخ حسن (من زوجته الثانية).

منزلته ومكانته في ميدان العلم والمعرفة

كان الشيخ زين الدين عالماً فاضلاً جليل القدر عظيم الشأن رفيع المنزلة تقياً نقياً ورعاً زاهداً عابداً حائزاً صفات الكمال، متفرداً بها بما لا يشاركه فيها غيره مفخرة من مفاخر الكون وحسنة من حسنات الزمان كان فقيهاً ماهراً في الدرجة العليا بين الفقهاء محدثاً أصولياً مشاركاً في جميع العلوم الإسلامية (النحو والصرف والبيان والمنطق واللغة والأدب والعروض والقوافي والاصول والفقه والتفسير وعلم الحديث وعلم الرجال وعلم التجويد واصول العقائد والحكمة العقلية والهيئة والهندسة والحساب وغير ذلك)

ويقال إن السبب في قراءته علم التجويد أن الشيخ داود الأنطاكي الطبيب صلى خلفه، فقال أنا أقرأ منه فبلغه ذلك فقرأ علم التجويد والف في كثير من هذه العلوم المؤلفات النافعة الفائقة والفقه أظهر واشهر فنونه وكتبه ومنها كتابي المسالك والروضة فهي مدار التدريس من عصره حتى اليوم ومحط أنظار المؤلفين والمصنفين ومرجع العلماء والمجتهدين، وقد صحح كتب الحديث وقرأها وأقرأها وبلغ به علو الهمة إلى قراءة كتب العامة في جل الفنون ورواية أكثرها عن مؤلفيها بالإجازة، وطاف البلاد لأجل ذلك كدمشق ومصر وفلسطين وبيت المقدس واستانبول وغيرها

كما إشتغل الشيخ زين الدين في التدريس في المدارس العامة فسافر إلى استانبول لذلك ونال قبولاً تاماً من أرباب الدولة واعطي تدريس المدرسة النورية في بعلبك، ولم يحتج إلى شهادة قاضي صيدا كما كان معمولاً عليه في ذلك الوقت

وما ظنك برجل يؤلف مؤلفاته العظيمة الخالدة تلك على مر الدهور والأعوام وهو في حالة خوف على دمه، لا يشغله ذلك عنها مع ما تقتضيه هذه الحالة من توزع الفكر واشتغال البال عن التفكير بمسألة من مسائل العلم يؤلفها بين جدران البيوت المتواضعة وحيطان الكروم، لا في قصور شاهقة ورياض ناضرة ولا مساعد له ولا معين، حتى على تدبير معاشه ونقل الحطب لدفئه وصنع طعامه، فهو رحمه الله عاش في ظروف صعبة للغاية وفي ظل حالة من الفقر والحرمان، لا كما هو حال نوابغ علماء ايران على سبيل المثال الذين كانوا يتمتعون بنضارة العيش ولهم الخدم والحشم وسعة المعاش، فلو ذاق الشيخ البهائي مثلاً ما ذاق الشهيد الثاني وامثاله من جبل عامل من مرارة العيش وجشوبة المطعم والملبس لقال وهو يذهب في ركاب الشاه عباس وامره نافذ في مملكته وقبة قبره تزار كما تزار قبور الانبياء والاوصياء، وترعى الدولة صيانة مرقده لقال رحم الله أبي الذي أتى بي من جبل عامل إلى بلاد العجم، وخلصني مما يعانيه علماء جبل عامل من المشاق التي تنوء بحملها الجبال، وحقاً أن جبل عامل مضيعة العلماء احياء وامواتاً وما ظنك برجل من اعظم العلماء واكابر الفقهاء يحرس زرعه (الكرم) ليلاً، ويطالع الدروس، وفي الصباح يلقي الدروس على الطلبة، وكرمه الذي كان له في جبع معروف محله إلى الآن، ويحتطب لعياله ويشتغل بــالتجارة أحياناً، وكان داره ديواناً مفتوحاً للضيوف والواردين وغيرهم يخدمهم بنفسه ويباشر أمور بيته ومعاشه بنفسه، وهكذا كانت طريقة علماء جبل عامل في الزهد والقناعة والجد والكد والعمل للمعاش

مما ذكره ابن العوادي في رسالته، إن الشيخ زين الدين العاملي (الشهيد الثاني)، كان يصلي المغرب والعشاء جماعة في مسجده، ويشتغل فيما بين المغرب والعشاء بتصحيح كتب الحديث وقراءتها وإقرائها، ثم يذهب إلى الكرم (الزرع) لحراسته من السراق، ومن تدريسه في اليوم المقبل، ويشتغل عند اللزوم ينقل الحطب ليلاً على حمار إلى منزله ويقوم في الليل بأداء النوافل كلها، فإذا طلع الفجر جاء إلى مسجده فصلى فيه صلاة الصبح وعقب ما شاء، ثم يشرع في البحث والتدريس، ثم ينظر في أمر معاشه والواردين عليه من ضيوف ومتخاصمين فيقضي بينهم ثم يصلي الظهرين في وقتيهما ويصرف باقي يومه بالمطالعة والتأليف ولا يدع لحظة تمضي من عمره في غير اكتساب فضيلة وإفادة مستفيد، وخلف مائتي كتاب بخطه من تأليفه وتأليف غيره

منذ صغر سنه ولج ميدان العلم والمعرفة، وقد أتم ختم القرآن الكريم سنة 930هـ وهو إذ ذاك في سن تسع سنين، واشتغل بعد ذلك بقراءة الفنون العربية والفقه على يد والده قدس سره إلى أن توفي في العشر الأواسط من شهر رجب سنة 935هـ، وفي شهر شوال من نفس السنة إرتحل في سبيل طلب العلم إلى ميس، واشتغل في التعليم عند الشيخ علي بن عبد العالي قدس سره إلى أواخر سنة 933 ثم ارتحل إلى كرك نوح، وواصل تعلمه عند الشيخ علي الميسي، حيث تزوج من ابنته، وكانت زوجته الكبرى وأولى زوجتيه، وبقي في كرك نوح لغاية سنة 937 وقد درس خلال تلك السنوات مختلف العلوم

بعدها إرتحل إلى دمشق واستغل فيها بطلب العلم على يد الشيخ الفاضل المحقق الفيلسوف شمس الدين محمد بن مكي، فقرأ عنده كتب الطب من قبيل الموجز النفيسي وغاية القصد في معرفة الفصد من مصنفات الشيخ المبرور ذاته، وفصول الفرغاني في الهيئة وبعض حكمة الإشراق للسهروردي، كما درس علم القراءة وقراءة القرآن بقراءة نافع وابن كثير وابي عمرو وعاصم، ثم رجع إلى جبع سنة 938، وفي 941 عاد إلى دمشق ثانياً أول سنة 943، والتحق في اجتماعات الدروس عند الشيخ شمس الدين بن طولون الدمشقي الحنفي، وقرأ عليه جملة من الصحيحين وأجازه روايتهما

وفي أول سنة 943 رحل إلى مصر لتحصيل ما أمكن من العلوم، وقد درس عند ستة عشر شيخاً من اكابر أساتذة مصر، منهم الشيخ شهاب الدين أحمد الرملي الشافعين والملا محمد علي الكيلاني والشيخ شهاب الدين بن النجار الحنبلي والشيخ أبو الحسن البكري، ومن خلالهم تعلم مختلف مفاهيم وأصول مذاهب أهل السنة، وفي شوال 943 ارتحل من مصر إلى الحجاز الشريف، وزار قبر النبي‡ وأدى الحج والعمرة، ثم عاد إلى وطنه لبنان وقريته جبع، حيث كان قدومه إلى البلاد كرحمة نازلة، وغيوث هاطلة أحيا بعلومه نفوساً أماتها الجهل وازدحم عليه أولوا العلم والفضل، وابتهجت أهل المعارف وأضاءت أشهر ما اجتهد في تحصيله منه وأشاع وظهر من فوائده ما لم يطرق الأسماع

ابتدأ امره في الاجتهاد سنة 944 واتسعت دائرته وانتشر في سنة 948، فيكون عمره لما اجتهد 33 سنة، وكان في ابتداء امره يبالغ في الكتمان، وشرع في شرح الإرشاد

وبعد أن استفاض محيطه وطلابه بعلومه، سافر إلى العراق للتشرف بزيارة مراقد ائمة أهل البيت عليهم السلام وكان خروجه في 17 ربيع الثاني سنة 946هـ، ورجوعه في 15 شعبان منها

وفي منتصف ذي الحجة 948هـ سافر لزيارة بيت المقدس في فلسطين، واجتمع في تلك السفرة بالشيخ شمس الدين بن أبي اللطف المقدسي، وقرأ عليه بعض صحيح الإمام البخاري وبعض صحيح مسلم، وأجازه إجازة عامة، ثم رجع إلى وطنه الأم جبع، وأقام به إلى أواخر سنة 951 مشتغلاً بمطالعة العلم ومذكراته

وقال قدس سره أنه برزت له الإشارات الربانية (يشير إلى الاستخارة)، بالسفر إلى جهة الروم والاجتماع بمن فيها من أهل الفضائل والعلوم، وقد بدأ رحلته هذه مع نهاية 951هـ، ماراً عبر سوريا ومدنها العديدة كدمشق وحلب، وفي يوم الاثنين 17 ربيع أول 952هـ وصل إلى مدينة القسطنطينية مع من رافقه في رحلته الطويلة هذه، فأقاموا فيها، وقد بدأ الشيخ اجتماعاته بأحد الأعيان، ثم اقتضى الأمر أن يكتب رسالة جيدة تشتمل على عشرة مباحث، كل بحث في فن من الفنون العقلية والفقهية والتفسير وغيرها، وأوصلها إلى قاضي العسكر و هو محمد بن قطب الدين بن محمد بن محمد بن قاضي زاده الرومي، وهو رجل فاضل أديب، وفيما بعد واصل اجتماعاته ببعض الفضلاء في قسطنطينية، وتبادل معهم العلوم ورسائل المعرفة طيلة الأشهر الثلاثة والنصف التي قضاها، حيث خرج من القسطنطينية في 11 رجب 952، وتوجه بحراً إلى مدينة إسكدار، وفيها اجتمع برجل هندي له فضل ومعرفة بفنون كثيرة منها الرمل والنجوم وعلوم الفلك، وبعد أن تزود في هذه المدينة بما امكن من العلم والمعرفة، قرر السفر من بلاد الروم وتوجه إلى العراق وبدأ رحلته الجديدة في 2 شعبان 952، وفي العراق طاف الشيخ زين الدين بجميع مراقد الائمة الطاهرين والعديد من مراقد صحابة الرسول الكريم‡ كسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان ومسجد الكوفة ومسجد السهلة ومدن أخرى كالحلة والقاسم، ومع انتهاء زيارته للعراق قرر إنهاء رحلته الطويلة هذه والتي جاءت لأغراض طلب العلم والتعرف على شخصيات الإسلام وعلماءه وتبادل العلاقات وتوثيق الوشائج والروابط الدينية، قرر العودة إلى بلاده، التي وصلها في شهر صفر 953، واقام في مدينة بعلبك، واشتغل بتدريس المذاهب الخمسة في المدرسة النورية، إضافة إلى كثير من الفنون، وكان له في المسجد الأعظم درس مضافاً إلى ما ذكر، وصار أهل البلد كلهم في إنقياده ومن وراء مراده، ورجعت إليه الفضلاء من أقاصي البلاد، ثم انتقل إلى قريته جبع التي ولد فيها، واستقر في مشهد شيث… المشرف، واشتغل بالتدريس والتصنيف لغاية سنة 955

مشايخه من علماء الأمامية

عددهم ابن العوادي وذكر الكتب التي قرأها عليهم، وابرزهم:

1ـ والده علي بن أحمد المعروف بابن الحاجة النحاريري، 2ـ المحقق الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، 3ـ السيد حسن بن السيد جعفر بن فخر الدين بن نجم الدين الأعرجي الحسيني الكركي، 4ـ شمس الدين بن مكي الدمشقي، 5ـ الشيخ أحمد بن جابر، 6ـ الشيخ الإمام الحافظ المتقي الشيخ جمال الدين احمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن خاتون العاملي

أما مشايخه من علماء من تسموا بأهل السنة فأبرزهم من أصل مجموعهم الـ19:

1ـ شمس الدين بن طولون الدمشقي الحنفي، واجيز منه برواية الصحيحين، 2ـ الشيخ محي الدين عبد القادر بن أبي الخير الغزي يروي عنه اجازة وواحد ببيت المقدس وهو 3ـ الشيخ شمس الدين بن أبي اللطف المقدسي وأجازه إجازة عامة

وستة عشر شيخاً في مصر أبرزهم: (الشيخ شهاب الدين الرملي، الملا محمد الاستربادي، الشيخ شهاب الدين بن النجار الحنبلي، الشيخ زين الدين الجرمي المالكي، الشيخ شمس الدين محمد بن عبد القادر الفرضي الشافعي، الشيخ شمس الدين الديروطي. 

أبرز تلاميذه

(السيد نور الدين علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي والد صاحب المدارك، السيد علي بن الحسين بن محمد الحسيني العاملي الجزيني الشهير بالصائغ صاحب شرحي الشـــرائع والارشاد، الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي الحارثي الهمداني والد الشيخ البهائي، الشيخ علي بن زهرة العاملي الجبعي، محمد بن الحسين الملقب بالحر العاملي المشغري، والد صاحب الوسائل ووالد زوجة الشهيد الثاني المتوفاة في حياته بمشغرى وهو أول المذعنين لاجتهاده والمخلصين له، الشيخ أبو القاسم نور الدين بن علي بن الصمد العاملي، السيد نور الدين بن السيد فخر الدين عبد الحميد الكركي القاطن بدمشق، وكان من أكابر خاصته وأوائل العاكفين على ملازمته، بهاء الملة والدين محمد بن علي بن الحسن العودي الجزيني، السيد عطاء الله بن السيد بدر الدين حسن الحسيني الموسوي، الشيخ محي الدين بن أحمد بن تاج الدين الميسي العاملي، الشيخ تاج الدين بن هلال الجزائري ويروي عنه أجازة بتاريخ 964، السيد عز الدين حسين بن أبي الحسن العاملي).

أبرز الرواة عنه إجازة

1ـ الشيخ ظهير الدين إبراهيم بن الشيخ زين الدين أبي القاسم الميسي 2ـ الشيخ محي الدين أحمد أو بن أحمد بن تاج الدين العاملي الميسي 3ـ الشيخ تاج الدين بن هلال الجزائري 4ـ الشيخ عز الدين حسين بن زمعة المدني 5ـ الشيخ سلمان بن محمد بن محمد العاملي الجبعي 6ـ الشيخ محمد بن محمد بن علي بن حمزة اللاهيجي 7ـ الشيخ عبد النبي بن علي بن أحمد النبطي 

أبرز مؤلفاته ورسائله

برز منه من التصانيف والأبحاث والتحقيقات ما هو ناشئ عن فكر صاف ومغترف من بحر علم واف بحيث أن من تفكر في مؤلفاته ومصنفاته يتعجب أشد العجب فيما لو قاس ذلك بقلة إمكاناته ودواعيه وكثرة مشاغله وضيق أوقاته قال ابن العوادي في رسالته، إن أول مؤلفاته الروض وآخرها الروضة، وابرز تلك المؤلفات والتعليقات:

1ـ روض الجنان في شرح الارشاد والأذهان للعلامة الحلي، 2ـ المقاصد العلية في شرح الرسالة الألفية للشهيد الأول وهو شرح مزجي مطول، 3ـ شرح الألفية الشهيدية متوسط بمنزلة الحاشية وقد فرغ منه في 27 رجب 929هـ، 4ـ الفوائد الملية في شرح الرسالة النفلية للصلاة للشهيد الأول وهو شرح مزجي مطبوع، 5ـ مسالك الإفهام إلى شرائع الإسلام، 6ـ تمهيد القواعد الأصولية والعربية لتفريع الأحكام الشرعية، 7ـ حاشية على خلافيات الشرائع أو حاشية فتوى خلافيات الشرائع، 8ـ فتاوى اللمعة، 9ـ رسالة في أسرار الصلاة، 10ـ بغية المريد 11ـ كشف الريبة عن أحكام الغيبة، 12ـ شرح البداية، 13ـ جواهر الكلمات في صيغ العقود والإيقاعات، 14ـ منار القاصدين في أسرار معالم الدين 15ـ كتاب تحقيق الإسلام والإيمان، 16ـ منظومة في النحو، 17ـ آداب الصلاة، 18ـ أسرار الزكاة والصوم والحج، 19ـ أنوار الهدى في مسألة البداء، 20ـ الرسالة الاعتقادية في معرفة الله

نماذج من روائع مؤلفاته

مسالك الإفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام هو أكبر مصنفات الشيخ الشهيد قدس سره، فقد كان قد علق على الشرائع في بادئ الامر ثم استدركه وزاد عليه وفصل ما أجمل من البحث حتى صار كتاباً ضخماً

قال ابن العوادي في رسالته: (ومنها شرح الشرائع الذي تفجرت منه ينابيع الفقه وأخذ بمجامع العلم، سلك فيه أولاً مسلك الاختصار على سبيل الحاشية حتى كمل منه جلد، وكان (قدس سره) كثيراً يقول: نريد أن نضيف إليه، تكملة لاستدراك ما فات، ثم أخذ في الأطناب حتى صار بحراً يسلك في سفن أولي الألباب، فكمل سبعة مجلدات ضخمة

قضى الشيخ الشهيد في تصنيف هذا الكتاب تسعة أشهر، ثم قال صاحب الذريعة: (إنه فرغ منه سنة 964، وفرغ من الجزء الأول يوم الأربعاء لثلاث مضت من شهر رمضان 951، فيكون قد أتم ستة أجزاء منه في ثلاثة عشر عاماً)

ثم انه قدس سره لم يفصل في شرح قسم العبادات من الشرائع بما فصله في قسم المعاملات، ولذلك قام سبطه السيد محمد رحمه الله بكتابة (مدارك الأحكام) ليستدرك ما أجمله جده 

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

اللمعة هي للشهيد الأول الشيخ محمد بن مكي العاملي قدس الله روحه المتوفى سنة 786، ومن غريب الاتفاق، اهتمام الشهيد الثاني بشرح كتب الشهيد الأول، فكأنه كان يعلم ان مصيرهما واحد، وهذا الكتاب من محاور دراسة الفقه لدى الطلاب المبتدئين في الحوزات العلمية حتى اليوم، طبع مراراً، وقد شرح وعلق عليه من الحواشي بما يزيد على سبعين كتاباً، وهذا ما يدلل على تضلع الشهيدين في الفقه وخلوص نيتهما في خدمة الدين الحنيف

مسكن الفؤاد في فقد الأحبة والأولاد

ألّفه الشهيد إثر إبتلائه شخصياً بفقدان أولاده، وهو كتاب يبعث الإنسان المبتلى بالشدائد والمصائب على الصبر والعزاء وقد لخصه فيما بعد وأسماه(مبـــرد الأكباد في مختـــــصر مسكن الفؤاد) وذلك ليستفيد منه اكبر عدد من القراء حيث أنه مما يحتاج إليه الناس

كتاب تمهيد القواعد الأصولية والعربية لتفريع الأحكام الشرعية

بهذا الكتاب القيم جارى الشيخ الشهيد ما ألف الأسنوي الشافعي في هذا الباب ورتبه على قسمين، في أولهما مائة قـــاعدة من القواعد الاصولية، مع بيان ما يتفرع عليها من الاحكام، وفي ثانيهما مائة قاعدة من القواعد العربية، كذلك ورتب لها فهرساً مبسوطاً لتسيل تناول الطالب

قال الشهيد قدس سره بشأن هذا الكتاب: (وهو كتاب واحد في فنه بحمد الله ومنه ومن وقف على الكتاب المؤمى إليه علم حقيقة ما نبهنا عليه) وطبع الكتاب في ايران

أشعاره

لما زار قبر النبي محمد‡ سنة 943هـ أثناء رحلته إلى بلاد الحجاز، أنشد عند قبره قصيدة عكست رؤيته له‡ في منامه حين كان بمصر فوعده بالخير، ومن أبياتها يقول قدس سره:

ومن فضله ينبو عن الحـــــــد والحصر         صلاة وتسليم على أشرف الــــورى
وعوضه الله البراق عــــــن المهــــــــر        ومن قد رقى السبع الطبـــــاق بنعله
شفاها ولم يحصل لعبد ولا حــــــــــــــر         وخاطبه الله العــــــــــــلي بحـــــــبه
يكل لساني عنه في النظــم والنـــــــــثر         عدو لي عن تعداد فضـلـك لائـــــــق
مدائحه الغراء في محكم الــــــــــذكـــــر         وماذا يقول الناس في مدح من أتت
بعبئ ذنوب جمة اثقـــــــلت ظـــــــهري          سعيت إليه عاجلاً سعي عاجـــــــــز
وروح الرجا مع ضعف نفسي ومع فقري        ولكن ريح الشوق حرك همتــــــــي
اعادته بالخير والحبر والـــــوفـــــــــــر         ومن عادة العرب الكرام بوفدهـــــم
فكيف وقد واعدتني الخير فــــــي مصر          وجادوا بلا وعد مضــى لنزيلهـــــم
بنيل منائي والشفاعة في حــــــــــشري           فحقق رجائي سيدي في زيـــــارتي

من كراماته

عن بعض مؤلفات الشيخ البهائي: قال أخبرني والدي قدس سره إنه دخل في صبيحة بعض الأيام على شيخنا الشهيد الثاني فوجده مفكراً فسأله عن سبب تفكيره، فقال يا أخي أظن أني سأكون ثاني الشهيدين، وقال إني رأيت البارحة في المنام أن السيد المرتضى علم الهدى عمل ضيافة جمع فيها الامامية بأجمعهم في بيت، فلما دخلت عليهم، قام السيد المرتضى ورحب بي وقال لي يا فلان اجلس بجنب هذا الشيخ (وقصد به الشهيد الاول)، فجلست بجنبه، فلما استوى بنا المجلس انتبهت من نومي، وفهمت أن هذا دليل على اني أكون تالياً له في الشهادة

وعنه أيضاً بطريق آخر إنه مر على مصرعه المعروف في زمن حياته، ومعه والد الشيخ البهائي، فلما رأى ذلك المكان تغير لونه وقال سيهرق في هذا المكان دم رجل ذي شأن، فظهر فيما بعد أنه كان يعني نفسه

مقتله شهيداً

يظهر من كتاب (نقد الرجال) أن وفاة الشيخ زين الدين العاملي المستسعد بدرجة الشهادة كانت في مدينة قسطنطينية لأجل التشيع سنة 966هـ، وقد بلغ من العمر 55 سنة، ولكن المشهور أنه استشهد في طريق ذلك البلد، والمنقول عن خط الشيخ حسن المحقق ولده إنه استشهد في سنة 965 وهو في سن 54 سنة

وتوافق استشهاده يوم الجمعــــة في شهر رجب تــــالياً للقرآن على محـــــبة أهل البيت، والحال أنه غريب ومهاجر إلى الله سبحانه

وفي الأمل أن سبب قتله على ما روي عن بض المشايخ، أن رجلين تقايضا عنده فحكم لأحدهما على الآخر، فغضب المحكوم عليه، وذهب إلى قاضي صيدا، واسمه معروف، وكان الشيخ في تلك الايام مشغولاً بتأليف شرح اللمعة، فأرسل القاضي من يطلبه، وكان مقيماً في كرم له مدة منفرداً عن البلد متفرغاً للتأليف، فقال له بعض أهل البلد قد سافر عنا منذ مدة، وفي رواية إنه كتب فيما أرسله إليه أيها الكلب الرافضي، فكتب الشيخ في جوابه أن الكلب معروف، قال فخطر ببال الشيخ أن يسافر إلى الحج وكان قد حج مراراً، لكنه قصد الاختفاء

وجاء في كتاب (لؤلؤة البحرين): قبض الشيخ زين الدين رحمه الله بمكة المشرفة بأمر السلطان سليم ملك الروم في 5 ربيع أول سنة 965 عن عمر 54 سنة، وكان القبض عليه بالمسجد الحرام بعد فراغه من صلاة العصر، واخرجوه إلى بعض دور مكة، وبقي محبوساً هناك شهراً وعشرة أيام، ثم ساروا به على طريق البحر إلى قسطنطينية، وقتلوه بها تلك السنة وبقى مطروحاً ثلاثة أيام، ثم ألقوا جسده الشريف في البحر ويقول السيد نعمة الله الجزائري: بُنى للشيخ الشهيد بناء خارج اسلامبول يسمى مزار الدين ولي 

تقييم كبار رجال الحديث والعلماء للشيخ الشهيد

قال العلامة الرجالي السيد مصطفى التفريشي المتوفى أواسط القرن الحادي عشر في كتاب (نقد الرجال): (الشيخ زين الدين الجبعي العاملي: وجه من وجوه هذه الطائفة وثقاتها، كثير الحفظ، نقي الكلام، له تلاميذ أجلاء، وله كتب نفيسة جيدة منها شرح شرائع المحقق الحلي قدس سره، قتل رحمه الله لأجل التشيع في قسطنطينية سنة 966 رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه) نقد الرجال ـ ص145

قال فيه المحدث الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة المتوفى سنة 1104هـ في (أمل الأمل: (أمره في الثقة والعلم والفضل والزهد والعبادة والورع والتحقيق والتبحر وجلالة القدر وعظم الشان وجمع الفضائل والكرامات، أشهر من أن يذكر ومحاسنه وأوصافه الحميدة أكثر من أن تحصى وتحصر، ومصنفاته كثيرة مشهورة، وكان فقيهاً محدثاً نحوياً قارئاً متكلماً حكيماً جامعاً لفنون العلم وهو أول من صنّف من الامامية في دراية الحديث) وقال فيه العلامة الأميني صاحب كتاب (الغدير): (من اكبر حسنات الدهر وأغزر عيالم العلم، زين الدين والملة وشيخ الفقهاء الأجلة، مشارك في علوم مهمة من حكمة وكلام وفقه وأصول وشعر وأدب وطبيعي ورياضي وقد كفانا مؤنة التعريف به وشهرته الطائلة في ذلك كله، فقد تركته أجلى من أي تعريف، فما عسى أن يقول فيه المتشدق ببيانه، وكل ما يقوله دون أشواطه البعيدة وصيته الطائر، فسلام الله عليه على ما أسداه إلى أمته من أياديه الواجبة، ونشره فيها من علوم ناجعة) شهداء الفضيلة ص132

 


المصادر:


العلامة السيد حسن الأمين/أعيان الشيعة ـ ج7

العلامة الميرزا محمد باقر الموسوي الخونساري/روضات الجنات ـ ج3

الشيخ محمد رضا الحكيمي/تاريخ العلماء

العلامة حسن الأمين/موسوعة المعارف الشيعية

مؤسسة المعارف الإسلامية/تحقيق كتاب مسالك الأفهام ـ ج1

الحرية

ولاية الفقيه

التعددية

السيادة

الاقناع

النشوء الحضاري

الكتابة

الثقافة

الامام الصادق

العقوبة

الهولوكوست

التجديد

الاعلام

الفكر الاقتصادي

اعلام الشيعة

السجود

عودة الى محتويات العدد41

عودة الى الصفحة الرئيسية