مجلة النبأ - العدد 41 - شوال 1420 - كانون الثاني 2000

اكتب لنا

اعداد سابقة

الكتّاب

الموضوعات

العدد41

الصفحة الرئيسية

السجود بين التشريع والطاعة

عبد الكريم الحائري

السجود التكويني

نكتة اخلاقية

السجود في الشريعة

السجود في اللغة

الهوامش

السجود في الحديث

الفقه الاسلامي

السجود في الفقه

من المسائل المهمة في تاريخ البشر مسألة السجود حيث نرى أن كل أمة تسجد وتخضع وتقدّس الإله المفروض عندها بل قد تسجد لأكابر قومها ونرى الآن في الديانة البوذية حيث يسجدون لآلهتهم في معابدهم وكذلك الهندوس وبقية الأديان حيث هم بمنظر ومرأى مـــن الناس يسجدون ويقدسون آلهتهم، وجواز السجود وعدمه يرتبط بالدين الذي يتـــبعونه ولأجل ذلك عقدنا المسألة فيما تقتضيه الأدلة والنظر فيها وقبل ذلك لابد من وضوح معناها اللغوي فنقول:

السجود في اللغة

هو التذلل والخضوع كما ورد في معجم (مقاييس اللغة) وجاء فيه: كل ما ذل فقد سجد(1) وفي (القاموس المحيط): سجد خضع وانتصب وسجد طأطأ رأسه وانحنى(2) وفي (تاج العروس) وضع الجبهة على الأرض ولا خضوع أعظم منه(3) وفي (لسان العرب): قال الزجاج أنه كان من سنة التعظيم في ذلك الوقت أن يسجد المعظِّم للمعظَّم له(4):

وخلاصة ما جاء في اللغة في هذه الكتب اللغوية وغيرها: أن السجود هو الخضوع والذلة وغايتها وضع الجبهة على الأرض وهو أكمل المصاديق، وليس السجود منحصراً فيه بل هو أكمل الأفراد وأشرفها فلذا ورد في صلاة العاجز عن السجود بوضع الجبهة على الأرض أن يسجد بالإيماء بالعين أو أن يطأطأ برأسه

السجود في الشريعة الإسلامية

فقد ورد في القرآن الكريم مادة السجود بمختلف مشتقاتها 92 مرة منها 28 مرة حول المساجد وأحكامها و64 مرة حول أنواع السجود منها 24 مرة حول سجود الملائكة وإبليس و38 مرة حول سجود السماوات والأرض والنجم والشمس والقمر والملائكة والبشر والظلال وبقية الموجودات بنحو الإشارة والإجمال

فقد ورد في سورة البقرة الآية 34: ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين).

وبعد التأمل في الآية يستفاد منها جواز السجود لغير الله تعالى في الجملة إذا كان تحية وتكرمة وفيه خضوع لله تعالى بموافقته أمره نظير سجود يعقوب ليوسف وقال السيد الطباطبائي في ذيل هذه الآية بعد الاستفادة

لكن الذوق الديني المتخذ من الاستيناس بظواهر الشرع يقتضي اختصاص هذا الفعل بالله تعالى وجاء في بعض الروايات أنه تكرمة من الله تعالى وفي آخر محبة لآدم وطاعة لله وفي ثالث اعترافاً له بالفضل

وقال الفخر الرازي(5): أجمع المسلمون أن السجود ليس سجود عبادة لأن العبادة لغير الله لا تجوز ولذا وجهوا سجود الملائكة لآدم على أقوال: فقيل فيه أولاً: أن السجود لله وآدم كالقبلة وأشكل عليه بأن السجود إلى القبلة لا لها حيث قال اسجدوا لآدم لا إلى آدم: وأجيب عنه أن ذلك التعبير جائز كما جاء في قوله تعالى ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) ، وكذلك قد جاء في الشعر في قول حسان:

ما كنت أعرف أن الأمر منصرف عن هاشم ثم منه عن أبي حسن

أليــس أول مــن صــــلى لقــبلتكم وأعرف الـناس بالقرآن والسنن

وهذا القول ممكن في نفسه لكن لا دليل عليه وصرف كونه قبله لا يوجب امتناع إبليس عن أمر الله تعالى ويقول أنا خير منه

وثانياً: أن السجود كان تعظيماً له كما أن الأمم السابقة كانوا يسجدون لعظائمهم كالتحية عندنا ومثله في القرآن جاء في قصة يوسف ( وخروا له سجداً) (6) ونقل أن معاذ(7) لما قدم من الشام سجد للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا معاذ ما هذا؟! قال: إن اليهود تسجد لعظمائها وعلمائها وإن النصارى تسجد للقساوسة والبطارقة ومنعه النبي عن السجود لغير الله وعن الثوري عن سماك بن هاني قال دخل الجاثليق على علي(عليه السلام) فأراد أن يسجد له فقال علي(عليه السلام) :أسجد لله تعالى ولا تسجد لي وقال(صلى الله عليه وآله وسلم) : لو أمرت أحداً أن يسجد لغير الله تعالى لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها وهذا القول في نفسه لا إشكال فيه بل تؤيده بعض الروايات كما سبقت الإشارة إليه في أول البحث

وثالثاً: إن السجود بمعنى الانقياد والخضوع له كأن يتعبد الله تعالى الملائكة بذلك إظهاراً لرفعته وكرامته ويؤيده ما جاء في فتح القدير عن ابن عباس كان السجود لآدم والطاعة لله وقال الزمخشري(8): السجود لله عبادة ولغيره مكرمة وهذا القول مأخوذ من أحاديثنا حيث جاء في (عيون أخبار الرضا(عليه السلام) ) عنه(عليه السلام) : كان سجودهم لله عبودية ولآدم كرامة وطاعة ولعل هذا الوجه يرجع إلى الثاني أو مع فارق بأن يكون الانقياد والخضوع لخدمة الأنبياء ويعود بدوره لنوع البشر بمثل إنزال الوحي والكتب السماوية أو يعود لخدمة البشر من أفعال الملائكة الموكلة بتدبير أمره ( والمدبرات أمراً) وما يرتبط بشؤون البشر بما تتنزل به الملائكة ليلة القدر حتى مطلع الفجر ( تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر) أو غير ذلك مما قام الدليل عليه من خدمة الملائكة لبعض البشر الكاملين أو بصورة عامة فيكون وجهاً ثالثاً

وهذا الوجه لا بأس به لكن ليس الكلام عن خدمة الملائكة للبشر بل عن ذلك السجود الذي وقع منهم بعد الأمر الإلهي وعلى أي حال فقد كان السؤال في زمن الأئمة مطروحاً فلذا ورد في الاحتجاج عن الصادق(عليه السلام) في جواب مسألة الزنديق الذي سأل: أيصلح السجود لغير الله؟؟ قال(عليه السلام) : لا فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟؟! فقال(عليه السلام) : من سجد بأمر الله فقد سجد لله فكان سجودهم لله إذ كان عن أمره ولعل ما يؤيد هذا الوجه الثالث بأن السجود هو الخضوع والإقرار والاعتراف بفضله بعد عجزهم عن الجواب وبعد أن اعترضوا على جعله خليفة في الأرض.

نكتة أخلاقية

فقد منّ الله تعالى أن أمر الملائكة بالسجود لآدم وامتن بها على آدم وذريته حتى يتبين لهم العدو من المحب ليذكرهم بذلك ويريهم امتناع الشيطان من الخضوع لآدم والاعتراف بفضله مع أنه كان بأمر الله تعالى ولم يسجد ولم يعترف بفضله، بل أبان عن فضله بزعمه على آدم بقوله ( خلقتني من نار) وعليه فكيف يخضع بنو آدم للشيطان العدو المضل المبين ويطيعونه ويعصون ربهم بذلك، ويعترفون عملاً بفضله مع أنه لا فضل له وهو لم يعترف بفضل الإنسان الذي كرمه الله تعالى وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً فهو أبى أن يحترم ويطيع ربه في ذلك فكيف يطيعونه مع أنه يريد بهم الغواية والله يريد لهم الهداية فلا بد من التوجه إلى عظيم مَنِّ الله تعالى والتحذر من كيد عدو الله

السجود التكويني وطلب السجود

قد يطلب السجود من الملائكة كما مر أو من البشر كما في قوله تعالى ( وكن من الساجدين) أو ( يا مريم اقنتي لربك واسجدي) (9) وغيرهما من الآيات

وهذا النوع من السجود لأجل طلبه قد يسمى بالسجود التشريعي وإن كان في نفسه فعلاً تكوينياً

نعم قد ورد في القرآن الكريم السجود منسوباً إلى السماوات والأرض والخلائق كما في قوله تعالى ( ولله يسجد ما في السماوات والأرض) حيث لم يتصور فيه المعنى الأول للسجود وهو التشريعي بعنوانه المتعارف من الخرور على الأرض ووضع الجبهة عليها بل لا يوجد لكثير من المخلوقات هيئات كهيئة الإنسان حتى يتصور فيه ذلك، إذن فهو نوع آخر من السجود وإن كان مشتركاً مع الأول في حقيقته وهو الخضوع والتذلل فقوله تعالى في سورة الرعد الآية15: ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال) فيه إشارة إلى التذلل الذاتي فهي ساجدة في جميع الشؤون الراجعة إليها ويؤيده قوله تعالى:( وظلالهم بالغدو والآصال) وكذلك قوله تعالى:( طوعاً وكرهاً) والى هذا المعنى ندبنا الله تعالى أن نتعقل ونرى سجود الكائنات بقوله تعالى ( ألم ترى أن الله يسجد له ما في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليهم العذاب) (10) وبقرينة قوله ألم تر حيث دل بوضوح أن الجميع ساجد له ولا يخفى عدم رؤية السجود المتعارف فيها ولا سجود ظاهري هناك حتى يرى بل بالرؤية الباطنية والقلبية أو العقلية نعم يمكن اختصاص الرؤية في قوله تعالى (ألم تر) بهذا النحو من التعبير بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ومنه نعرف أن هناك نوعاً ثانياً من السجود وهو السجود التكويني بمعنى التذلل والصغار قبال عظمة الله تعالى وعزته وكبريائه وهذا النوع من السجود شامل لجميع المخلوقات وإن كانت بظاهرها منكرة كالإنسان الكافر والمعاند حيث بذاته ذليل وساجد أمام عظمة الله تعالى فتشترك في هذا السجود جميع الموجودات العلوية والسفلية ولا يكون ذلك بالذات إلا لله تعالى فهذا السجود مختص له

وإن كان كل سجود يرجع إليه حتى السجود لغيره ظاهراً فهو سجود له لكن قد اشتبه على الساجد استحقاق ذلك أو رأى العظمة والكبرياء لشخص وتصورها له بينما هي لله تعالى

والذي يرفض السجود لله ظاهراً فهو ساجد بمعنى الخضوع والتذلل أي ساجد لغير الله تعالى بهذا المعنى وذلك الغير إما ذاته ( أفمن اتخذ آلهة هواه) أو غيره مع تصور الكمال له غافلاً عن أن الكمال كله لله، فالسجود الذي أباه تشريعي أي رفض الامتثال الإلهي ولكنه سجد لنفسه أو لغيره تكويناً فهو طوعاً أو كرهاً ساجد للكمال والكمال كله لله فهو ساجد لله تعالى واقعاً وإن كان لغيره ظاهراً والذي أراده الله تعالى من أن يتطابق الظاهر مع الباطن وأن يعرف أن المستحق للسجود وصاحب الكمال حقيقة هو الله تعالى فهو ذليل أمام عزته وكبريائه وعظمته ولعل من هذا القبيل إباء إبليس عن السجود لآدم حيث أمر الله عز وجل الملائكة بالسجود لآدم إن كان ذلك النوع الإنسان الكامل أو المطلق الإنسان لا الشخص وقد يستفيد هذا المعنى من هذه الآية ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) (11) آدم فقط بل لآدم الحامل لهذا النوع، فكل الملائكة عاملون من اجل سعادته وكماله لأجل فوزه وفلاحه وعليه تفرع إباء إبليس عن العمل لأجل سعادة الإنسان وإعانته على كماله المطلوب فلذا شملته اللعنة المؤبدة ولما سيقف بوجه سعادته التي من أجلها خلق ولأجل كون عداوته لهذا النوع طلب البقاء إلى يوم يبعثون فأنظره الله تعالى إلى يوم الوقت المعلوم فطلب البقاء ما بقي النوع لأجل إشقائهم وإبعادهم عن السعادة فلذا صرح بقوله ( لأضلنهم) (12).

ونستخلص من ذلك أن المعنى المشترك بين السجود التكويني والسجود المتعارف عند الأديان الإلهية وعند عموم الناس أمام عظمائهم وأكابرهم هو الخضوع والتذلل والانقياد وعليه جرى قوله تعالى ( والنجم والشجر يسجدان) فسجودهما انقيادهما وتذللهما الذاتي للأمر الإلهي وقهره وقدرته ونستخلص من جميع ذلك أن السجود بهذه الهيئة الخاصة غير جائزة إلا لله أو لمن أمر الله بالسجود له فهو أيضاً سجود لله لامتثال أمره نعم قد ورد في بعض الروايات كما جاء في سنن الدارمي: أن الجمل سجد للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وعند ذلك قال المسلمون يا رسول الله نحن أحق بالسجود لك من البهائم(13).

وبهذا عرفنا سجود العبودية لغير الله غير جائز ويجوز كرامة بأمر الله تعالى وتسخيره

السجود في الفقه الإسلامي

اتفق المسلمون بكلمة واحدة على أن السجود واجب في الصلاة في كل ركعة سجدتان، وتركهما عمداً موجب لبطلان الصلاة ويشترط السجود على يابس تستقر عليه الجبهة ومعنى السجود عندهم وضع الجبهة على ما يصح عليه السجود وقد اختلفوا فيه بعد أن اشترطوا الاستقرار على أقوال: فمنهم من قال يصح السجود على الأرض وما خرج منها حتى البساط والفراش المصنوع حتى وإن وضع الجبهة على الكف جائز عند الحنفية إلا أنه مكروه وغير جائز عند بقية المذاهب، نعم اشترطت الشافعية أن لا يسجد على كور عمامته أو على العصابة على جبهته وخالفت في ذلك بقية المذاهب(14) وعند الإمامية يشترط السجود على الارض وما انبتته مما لا يؤكل ولا يلبس ، فلا يجوز السجود على الصوف والقطن والمعادن لخروجها عن اسم الأرض وأجازوا السجود على القرطاس لأن مادته من نبات الأرض واستدلوا لمذهبهم بان السجود عبادة شرعية تتوقف كيفيتها على النص وقد قال الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تتم صلاة أحدكم حتى يتوضأ كما أمر الله ثم يسجد ممكناً جبهته من الأرض ولقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) : صلوا كما رأيتموني أصلي هذا الأمر كان مرتكزاً عند الصحابة حيث قال الخباب: شكونا إلى رسول الله حر الرمضاء في جباهنا فلم يشكنا(15) ولو كان السجود على الفراش جائزاً لما شكوا إليه أو لأرشدهم إليه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)

الفقه الإسلامي وأهل البيت

لابد أن يستند المسلم في عمله وصحة عبادته إلى حجة شرعية وحيث أن الحجة لنا هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وقد قال جل وعلا: ( ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال جل وعلا:( ولكم في رسول الله أسوة حسنة) فلابد أن يقتدي المسلم في عمله بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ويأخذ معالم دينه منه(صلى الله عليه وآله وسلم) وحيث أن النص من النبي موجود ووصل إلينا فلا يجوز تركه والإعراض عنه ولا يجوز إبداع قول مقابل قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وفعله وهل ذلك إلا اتباع للهوى وترك للسنة المطهرة وترك لما أمرنا الله به من قوله ما أتاكم الرسول فخذوه فكيف نتركه؟ والعجب كل العجب من الذين يرفضون البدع كيف يتبعونها ويتركون السنة، نعم على سنته جرى أهل بيته وبما أنه ثبت لجميع المسلمين بالدليل القطعي المتواتر من أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يسجد على الأرض وعلى الحصى وكان يأمر أصحابه بذلك كما سيوافيك نقل الحديث عن ذلك وهذه السيرة كانت مستمرة حتى في عهد أبي بكر، بل تمسك جمع من الأصحاب بذلك إلى عهد متأخر في زمن عثمان وقد تمسك أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك وإن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أمدنا بما نقله المسلمون من حديث الثقلين(16) أن نتمسك بهم وكيف نتمسك بهم وبالكتاب العزيز إلا أن نأخذ عنهما ولأجل وضوح عمل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك وأصحابه الميامين أهل بيته الطيبين ننقل بعض الأحاديث التي تعرف منها السيرة وارتكاز ذلك عند المتشرعة بل كان بعض الأصحاب يصر على ذلك عملاً حتى نقل عنه تمسكاً بالسيرة النبوية وإليك نماذج من الحديث الشريف

السجود في الحديث الشريف والسيرة

1ـ عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : وإذا سجدت فأمكن جبهتك من الأرض حتى تجد حجم الأرض(17)

2ـ وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا سجدت فأمكن جبينك من الأرض ولا تنقر

3ـ وقال(صلى الله عليه وآله وسلم) : تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة

4ـ وقال(صلى الله عليه وآله وسلم) : إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ من الصلاة

تأمل هذه الأحاديث كيف أمر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أن توضع الجبهة بنفسها على الأرض وأن يتمسح بالأرض وأن لا يمسح التراب عن جبهته قبل الفراغ من الصلاة وإذا شئت الاطمئنان فانظر كيف صّرح في بقية الأحاديث بذلك

5ـ وقال(صلى الله عليه وآله وسلم) : ترب وجهك لله تعالى

وفيها الخطاب موجه لنوع المكلف وربما صرّح بذلك لبعض أصحابه

6ـ وقال(صلى الله عليه وآله وسلم) : يا أفلح ترب وجهك

7ـ وقال(صلى الله عليه وآله وسلم) : يا رباح ترب وجهك

8ـ وقال(صلى الله عليه وآله وسلم) : ترب وجهك ياصهيب

فتأملها ترى التأكيد فيها على أن يوضع الوجه والجبين نفسه على الأرض والتراب

9ـ وعن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) متقياً وجهه بشيء (تعني في السجود)

10ـ وروي عن وائل قال: رأيت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إذا سجد وضع جبهته وأنفه على الأرض كما نقل هذا المعنى أحمد ج4 ص217 وجاء في البخاري في كتاب الصلاة باب السجود: فصلى بنا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهته وأرنبته

11ـ وقال(صلى الله عليه وآله وسلم) : صلوا مثلما رأيتموني أصلي نعم هكذا صلى رسول الله وسجد

12ـ وقد ورد في الخبر أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) رأى رجلاً يسجد على كور عمامته فأشار إليه بيده ارفع عمامتك وأومأ إلى جبهته ـ أي اسجد عليها ـ

وهكذا كان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يراقب أصحابه ويواظب على صحة صلاتهم حتى تجرى السنة في أمته على ذلك

13ـ وعن جابر قال كنت أصلي مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر فأخذت قبضة من حصى في كفي لتبرد حتى أسجد عليها من شدة الحر ولو كان السجود على غير الأرض جائزاً لما فعل ذلك جابر وسجد على شيء بارد كالثوب والعمامة أو غير ذلك

فهكذا جرت سيرة أكابر الصحابة، وقد وردت أحاديث كثيرة في الصحاح في أبواب السجود ما تدل على ذلك

14ـ وعن أنس كنا نصلي مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في شدة الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا بردت وضعها وسجد عليها

15ـ وعن الخباب بن الإرث شكونا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) شدة الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم يشكنا

16ـ وعن أمية قال إن أبا بكر كان يسجد ويصلي على الأرض

ولو كان سجوده مثل باقي الذين تركو السنة لما كان داعياً للنقل بل كان ملتزماً فلذا جلب التوجه والانتباه حتى انتقل ذلك لنا

17ـ وعن أبي عبيدة قال: إن ابن مسعود كان لا يسجد إلا على الأرض

18: وكان عبادة بن الصامت إذا قام إلى الصلاة حسر العمامة عن جبهته

فهذه سيرة الملتزمين بالسنة الشريفة وكيف كان اهتمامهم بحيث أوجب انتباه الآخرين إلى سيرتهم العملية

19ـ وروي عن مسروق بن الأجدع كان يصنع لنفسه تربه من أرض المدينة ويسجد عليها وكان يأخذها في أسفاره وخاصة إذا ركب في السفينة(18)

20ـ وقال(صلى الله عليه وآله وسلم) تربوا وجوهكم وعفروا أنوفكم بالتراب نعم في حالات الاستثناء والضرورة يجوز السجود على الثياب مثلا كما جاء في البخاري في أبواب السجود عن أنس قال كنا نصلي مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه، ونقله ابن ماجة والدارمي أما في غير حالة الضرورة كما يظهر من قوله إذا لم يستطع ، لا يجوز السجود إلا على الأرض

ولا نطيل في النقل أكثر من ذلك فالمتتبع في الآثار والأخبار يجد بوضوح أن سيرة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في السجود على نفس الأرض بوضع الجبهة نفسها على التراب وهل يكون المسلم تاركاً لسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) متبعا لأمور ابتدعت بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ومع ذلك فقد التزم أبو بكر بها كما سلف ذلك في النقل وكذلك ابن مسعود وغيرهم من إجلاء الأصحاب فكيف تترك السنة مع التأكيد الكثير عليها وقد اتبع هذه السنة النبوية المطهرة أهل بيته ومن شايعهم وهل المنصف العاقل يرى الحجة إلا مع شيعة أهل البيت في ذلك فما يفعله الشيعة من صنع أحجار صغار من التراب تسمى (ترب) ليس هو إلا أجزاء من التراب والأرض مما يصح السجود عليه ويصنعونها ليسجدوا عليها لا ليسجدوا لها كما يتهم أعداء الإسلام الشيعة بذلك بأنهم يسجدون لها كالأصنام وهل بقية المسلمين لما يسجدوا على الفرش أو البساط أو غير ذلك فهل هم يسجدون لها أو عليها فلماذا التهمة جرت وسيغت في الشيعة دون غيرهم مع أن فعل الجميع واحد وما هذا الاتهام إلا لأجل القضاء على سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) التي حفظها أهل بيته وأتباعهم فمذهب الشيعة الإمامية جوّز السجود على أجزاء الأرض جميعاً وما أخرجت الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس وكذا ما خرج منها عن اسم الأرض كالمعادن، ولذا قد يصنع في بعض البلاد قطع خشب يسجدون عليها، وكذا يجوز السجود على الحصار (الحصران) المصنوعة من خوص النخل اقتداءً بالنبي كما نقل ذلك الشيء عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) صلى على الحصير(19) وكذا يجوز السجود على القصب والبواري فالمسلمون جميعاً يسجدون على هذه الأشياء وغيرها لله تعالى وسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على الأرض لا لها فكذا اتباع السنة المحمدية(صلى الله عليه وآله وسلم) يفعلون ذلك ولا يستسيغ المسلم أن يتهم بالسجود على قطع من الحجر أو التراب أنه سجد لها بل ترويج مثل هذه الكلمات يعد ترويجاً للبدع وإشاعة للفحشاء التي نهى الله تعالى عنها

أخي المسلم يجب علينا جميعاً أن نتبع النبي في أفعاله وأقواله ( ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) فكيف بعد هذا يمكن للفقيه أن يفتي بفتوى مقابل سنة رسول الله وهل بعد الهدى إلا الضلال وكيف يمكن للمسلم قبول مثل هذه الفتوى المخالفة لصريح السنة النبوية الشريفة ولا أقول اصنعوا لأنفسكم ترب بل أقول لابد من أن تسجد على الأرض وإذا أردنا أن نسجد على محل لا يجوز السجود عليه كالفراش والبساط الذي لم يسجد عليه النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) فلابد لنا من وضع شيء مما يجوز السجود عليه كالتراب (التربة) أو الحجر أو الحصى أو خشب أو نبات لا يؤكل ولا يصنع منه ملبوس كالقطن سواء في ذلك النبات الرطب واليابس، نعم يستثنى المعادن من الأرض لخروجها عن اسم الأرض فسجودنا يكون لله تعالى وعلى هذه الأشياء لا لها ودعوتنا هي السجود لله تعالى وتعظيمه فإنها أحب حالات العبد إلى الله تعالى وموجبة لمزيد النعم الإلهية على العبد

وقيل في فلسفة عدم جواز السجود على ما يؤكل أو يلبس أو البساط والفرش غير المصنوعة من الخشب والخوص والقصب أن السجود هو التذلل أمام عظمة الله تعالى والانقطاع إليه فلابد في حالة السجدة أن ينقطع لله وينقطع عن تعلقات الدنيا في تلك الحالة بما فيها من المأكولات والملبوسات والبساط والزينة فإنها تذكر الإنسان بنفسه والسجود يطلب فيه تذكر عظمة الله تعالى فالانقطاع إليه يناسب وضع أشرف موضع وأعلى موضع من الإنسان وهو الجبهة أو الوجه على أدنى شيء مما لا طمع فيه لابن آدم حتى لا يلتفت إلى الدنيا ويقبل على الله تعالى وإذا فعلنا ذلك كنا قد اتبعنا سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأطعنا الله تعالى فيما ندبنا إليه من اتباع الرسول والأخذ عنه وبذلك نبتعد عن البدع ولا نروجها عملاً وإن كنا نحاربها شكلاً وظاهراً

وفقنا الله وجميع المسلمين لما يحب ويرضى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الهوامش

1 ـ ج3 ص133.

2 ـ ج1 ص310.

3 ـ ج2 ص371.

4 ـ مادة سجد لسان العرب.

5 ـ تفسير الفخر الرازي(الكبير): بتصرف واختصار في تفسير الآية 34 من سورة البقرة.

6 ـ يوسف: 100.

7 ـ ابن ماجة كتاب النكاح: باب 4.

8 ـ الكاشف: ج1 في تفسير الآية 34 من سورة البقرة.

9 ـ آل عمران: 43.

10 ـ الحج: 18.

11 ـ الأعراف: 11.

12 ـ النساء: 119.

13 ـ سنن الدارمي: ج1 المقدمة.

14 ـ الفقه على المذاهب الأربعة: ج1 بحث السجود.

15 ـ البخاري: باب اليتمم ونقله مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي وأحمد.

16 ـ إشارة إلى حديث الثقلين الذي رواه الفريقين في كتبهم ومسانيدهم وصحاحهم من قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) : إني

تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً.

17 ـ هذه الأحاديث من 1ـ8 في ج7 من كنز العمال من رقم19724.

18 ـ وردت هذه الأحاديث الأربعة في كتاب السجود على التربة.

19 ـ البخاري أبواب السجود باب السجود على الحصير.

الحرية

ولاية الفقيه

التعددية

السيادة

الاقناع

النشوء الحضاري

الكتابة

الثقافة

الامام الصادق

العقوبة

الهولوكوست

التجديد

الاعلام

الفكر الاقتصادي

اعلام الشيعة

السجود

عودة الى محتويات العدد41

عودة الى الصفحة الرئيسية