لا شك بأن
عمليات التدخل لتقديم المساعدات
الإنسانية وحماية المدنيين لا تخلو
من إيجابيات أن سارت ضمن قواعد
وضوابط متفق عليها ـ وهذا ما سنعالجه
لاحقا ـ غير أن مسألة التدخل في ظل
الوضع الحالي للسياسات الدولية يثقل
كفة السلبيات وربما يدفعها نحو
التطرف والرجوع إلى من دعى إليها
وبشر بها، وذلك لعدة أمور أهمها:
1
ـ إذا كانت
السيادة لم تعد خاصة بالدول
الإقليمية التي تعتبر أساس العلاقات
الدولية المعاصرة: فكيف سيكون تعامل
الأمم المتحدة مع الدول؟ وكيف ستنظر
إلى رموزها؟
وإذا اعتبرنا
السيادة الالتزام والتقيد باحترام
حقوق الأفراد، ودعوة كل فرد للسيطرة
على مصيره، فمن ينوب عن الأفراد؟
وإذا قلنا بإناطة المهمة إلى فرد أو
جهة بعد تحصيل توكيل مسبق من
المجموع، فهل يعقل أن يتفق المجموع
على طرف دون وجود معارض؟ ماذا نعمل مع
المعارض، نتدخل لحمايته!! أم ماذا؟!
2
ـ كيف ننظر إلى
المعارضة الإيجابية الهادفة
والمصلِحة، هل نشكل لها حكومة خاصة
بها؟ وكيف ننظر إلى التجمعات
والأحزاب الواقعية ذات الاتجاهات
والآراء المتباينة، هل نساعد
الحمائم على حساب الصقور، أو العكس،
أم نفرق بينهما إلى أن تصل الحالة إلى
تفريق أفراد الأسرة الواحدة لوجود
تذمر عند أحد أفرادها؟!
3
ـ سياسات قوى
العولمة تعمل جاهدة على محو الخرائط
الـــجغرافية للدول الإقليمية، وعمليات
التدخل تقف حائلا دون الإسراع
بعمليات العولمة حيث يخلق التدخل
حالات شاذة من التجزئة والكيانات
الصغيرة، مما يجعل مهمة الأمم
المتحدة شاقه وعسيرة فهي تتسع يوميا
لعشرات الدول المستقلة حديثاً، وعلى
هذا المنوال سيتحول العالم إلى
دويلات صغير يصعب السيطرة عليها أو
إدارتها، فهل ستحكم الأمم المتحدة
على نفسها بالإعدام وهي لا تعلم؟ أم
هناك غايات أخرى في نفس البعض أراد
تحقيقها ولو على حساب المنظمة
الدولية؟
4
ـ الطابع
الغالب على دول العالم أنها قائمة
على تعدد ديني وقومي وطائفي، وإذا
أريد لهذا التعدد والتنوع الاستقرار
والتماسك، يلزم إيجاد صيغ مقبولة من
مختلف الأطراف ويرضاها الجميع، وقد
تكون قاعدة (الرضاء الناقص) الأرضية
الصلبة التي تحفظ حقوق الصالح العام.
وإلا لو أرادت كل مجموعة الحصول على
حقوقها كاملة فسيؤول التجمع إلى فرقة
والوحدة إلى شقاق، وتحقيق الرغبات
أما أن يكون على حساب الآخرين فتقع
الإثارة، أو لا يكون فيحرك رغبات
البقية للمطالبة والحصول على اكبر
قدر من المكاسب، ويكفي أن نعرف أنه ما
من تركيبة داخلية اثنيه إلا وهي
قابلة للتصدع والانفجار في ظروف
محدده أو مهيئة لتحريض من قوى داخلية
أو خارجية معينة، خصوصاً إذا كانت
بعض الفئات تحمل في داخلها عناصر
التذمر وعدم الرضا والمظلومية أو
تغذيها من الخارج وعود دعم وإسناد
مادي ومعنوي.
ولا نستبعد أن
نسمع قريباً عن إنشاء كانتونات محمية
للاقليات المسيحية في قلب كل دولة
إسلامية، استكمالا لمخطط اختراق
العالم الإسلامي والسيطرة عليه عبر
هذه الجيوب المحمية.
5
ـ نكاد نجزم
بأن قانون الغاب سيحكم العلاقات
الدولية إن بقيت بعض الدول على
سياساتها القديمة تكيل بمكيالين
وتنتقي ما يناسبها، فالمنظمة
الدولية لم توجد بعد ولن توجد ضابطا
معياريا صارما، ولا حتى جهة عالمية
متفق على حياديتها تقوم بالتقاط
الحالات الداعية للتدخل الإنساني،
وتصدر بحقها تفويضا يتمتع بإجماع
عالمي يبرر القيام بذلك التدخل.
إن التركيبة
الحالية للعلاقات الدولية خاضعة
لسلطة واحدة مطلقة (القطب الأوحد)
وإذا أريد الإفلات من عالم (أحادي
القطب) فلا مفر إلا الانتقال إلى عالم
متعدد الأقطاب أو ثنائي على الأقل،
يمنع تفرد القطب الأوحد وهيمنته على
العالم. وفي ظل الوضع الحالي وما
يعيشه العالم من تنافس سلبي كبير فلا
أمل يلوح في الأفق يشير إلى نهاية
الاحتكار المطلق للساحة من قبل لاعب
واحد، ولا وجود لملامح تشكيل تكتل
عملاق منافس للقطب الأوحد، ولـــعل ما
أصاب دول جنوب شرق آسيا أخيرا أو ما
يحدث بين دول السوق الأوروبية
المشتركة من خلافات يشير إلى ما
أردنا قوله.
وعلى هذا سيكون
استغلال هذا المفهوم أو المبدأ
الجديد من قبل الكبار وتسخيره جيداً
في عمليات الاحتلال المغلفة هي الصفة
الغالبة على السنوات القادمة.
|