معركة تحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، ومع انطلاق عمليات استعادة الجانب الغربي من المدينة دخلت وبحسب بعض الخبراء مرحلة الحسم النهائي، خاصة أن التنظيم يعاني انكسارات وهزائم كبيرة أمام تقدم وانتصارات القوات العراقية المشتركة، التي تمكنت كما نقلت بعض المصادر من تحرير اكثر من 17 قرية و120 كيلومتراً مربعاً، خلال معارك اليوم الأول ضمن الحملة العسكرية الرامية لانتزاع النصف الغربي من مدينة الموصل، شمالي البلاد، من قبضة "داعش".
وأعلن حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، في كلمة انطلاق عمليات تحرير الجانب الغربي للموصل بمشاركة قوات الشرطة الاتحادية وقوات الجيش وقوات الحشد الشعبي. وتحظى الحملة العسكرية العراقية بغطاء جوي من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، منذ انطلاقها في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. من جانب أخر حذرت بعض المنظمات الإنسانية من اساليب واجرام عصابات تنظيم داعش الإرهابي، الذي قد يعمد الى استهداف سكان المدنية واستخدامهم كدروع بشرية، خصوصا مع وجود تقارير تشير الى أن مسلحي التنظيم قد عمدوا الى زرع عدد ضخم من الفخاخ والعبوات الناسفة لتعطيل تقدم القوات العراقية إلى داخل المدينة، كما يقوم مسلحو التنظيم بتعذيب وقتل أي مدني يحاول الفرار.
ويعاني مئاتُ الآلاف من المدنيين في الموصل من ظروف قاسية فرضها التنظيم عليهم، كما يواجهون أعمالا انتقامية من مقاتلي داعش، أوضح شهود عيان أن العديد من السكان قُتلوا بتهمة التجسس في الأسابيع الأخيرة. والجانب الغربي من الموصل الذي يسميه سكان المدينة الساحل الأيمن أصغر من حيث المساحة لكن كثافته السكانية مقارنة بالجانب الشرقي أكثر، ويعد معقلا تقليديا قديما للمتشددين.
من جانب اخر أثنى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الجهاديين على دور جميع القوات المشاركة في معركة الموصل ومن ضمنها الفصائل العراقية التي يتلقى بعضها دعما من إيران. وأكد قائد التحالف الجنرال ستيفن تاونسند في بيان أن "التحالف بكامله يرحب ويدعو الله أن يحمي الجنود الشجعان والشرطة وباقي قوات العراق الذين يقاتلون اليوم من أجل تحرير بلادهم وجعل المنطقة والعالم أكثر أمنا".
وقد نشر هذا البيان لتأكيد دعم التحالف الدولي للعمليات الرامية إلى استعادة الجزء الغربي من مدينة الموصل، والتي أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بدءها في وقت سابق. وأضاف تاونسند "الموصل معركة صعبة لأي جيش كائنا من كان، والقوات العراقية على مستوى التحديات". وتابع "لقد واجهت (القوات العراقية) العدو وضحت بدمائها من أجل الشعب العراقي وباقي العالم".
وتقود واشنطن تحالفا دوليا ينفذ ضربات جوية ضد الجهاديين في العراق وسوريا كما يتولى تدريب وتسليح وتأمين معدات للقوات التي تقاتل الجهاديين. ويقف التحالف، الذي يضم أكثر من 60 دولة، على مسافة من أحد الفصائل المشاركة في معركة الموصل، هو الحشد الشعبي. وبدأت القوات العراقية في 17 تشرين الأول/أكتوبر عملية عسكرية واسعة لاستعادة الموصل، آخر أكبر معاقل تنظيم داعش في العراق. وبعد معارك ضارية استمرت أسابيع عدة، أعلن العبادي في 24 كانون الثاني/يناير ان قواته استعادت شرق الموصل، وانتقال المعركة إلى الجانب الغربي من المدينة.
الاهتمام بكرامة الإنسان واحترام حقوق الإنسان
فيما يخص اخر تطورات ملف تحرير مدينة الموصل، فقد أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي رسميا بدء العملية البرية في المدينة العراقية الشمالية ودعا القوات المسلحة إلى "الاهتمام بكرامة الإنسان واحترام حقوق الإنسان" خلال المعركة والاهتمام بالأشخاص الذين نزحوا بسبب القتال. ومسلحو داعش محاصرون في غرب الموصل مع ما يقدر بنحو 650 ألف مدني بعد أن أجبروا على الخروج من شرق المدينة في المرحلة الأولى من الهجوم التي اختتمت الشهر الماضي بعد 100 يوم من القتال.
وقالت ليز جراندي منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق إن ما يصل إلى 400 ألف مدني قد ينزحون بسبب الهجوم فيما يعاني سكان غرب الموصل من نقص في الغذاء والوقود وإغلاق الأسواق. وتقود وحدات من الشرطة الاتحادية العراقية تقدما باتجاه الشمال نحو أحياء الموصل الواقعة غرب نهر دجلة بهدف السيطرة على مطار الموصل الذي يقع على الطرف الجنوبي للمدينة وفقا لبيانات من القيادة المشتركة للقوات المسلحة. وأضافت البيانات أن القوات سيطرت على عدد من القرى ووصلت إلى قرية الزكروطية التي تقع على بعد خمسة كيلومترات جنوبي المطار وسيطرت على محطة لتوزيع الكهرباء وقتلت عددا من المتشددين من بينهم قناصة.
وتتقدم وحدة الرد السريع التابعة لوزارة الداخلية إلى جانب الشرطة الاتحادية وسيطرت على عدد من القرى قال ضابط إنها مهجورة إلى حد بعيد. وقال اللفتنانت جنرال ستيفن تاونسند قائد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في بيان "الموصل ستكون معركة صعبة لأي جيش في العالم". ونفذ التحالف حتى الآن أكثر من 10 آلاف ضربة جوية ضد أهداف للتنظيم المتشدد في العراق ودرب أكثر من 70 ألفا من القوات العراقية وزودهم بالعتاد. وصعدت داعش من هجماتها ردا على هزائمها أمام قوات الجيش العراقي، وقالت مصادر أمنية إن انتحاريين اثنين فجرا نفسيهما في شرق الموصل.
من جانب اخر قالت وزارة الدفاع العراقية إن طائرات عراقية أسقطت ملايين المنشورات على غرب الموصل لتحذير السكان من أن معركة طرد مقاتلي داعش باتت وشيكة فيما حذرت المنشورات المتشددين بأنهم سيواجهون نهاية مميتة إذا لم يستسلموا. ويتوقع قادة عسكريون أن تكون معركة غرب الموصل أصعب من شرقها لأن الدبابات والمدرعات لا يمكنها التحرك في الشوارع الضيقة والأزقة. ويقول سكان إن المتشددين أقاموا أيضا شبكة من الممرات والأنفاق تمكنهم من الاختباء والقتال بين المدنيين والاختفاء بعد تنفيذ عمليات خاطفة وتعقب تحركات قوات الحكومة.
ويضم غرب الموصل المدينة القديمة بأسواقها العتيقة والجامع الكبير وأغلب المباني الحكومية الإدارية. وكان زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي قد أعلن دولة "الخلافة" على أجزاء من سوريا والعراق في 2014 من على منبر جامع الموصل الكبير. والموصل -ثاني أكبر مدن العراق- هي أكبر مركز حضري تسيطر عليه التنظيم وهي المعقل الأساسي في العراق فيما يقع المعقل الأساسي للتنظيم في سوريا في مدينة الرقة.
ووفقا لتقديرات عراقية يعتقد أن تنظيم داعش كان لديها نحو ستة آلاف مقاتل في الموصل عندما بدأ الهجوم في منتصف أكتوبر تشرين الأول ومن بينهم أكثر من ألف قتلوا حتى الآن. ويواجه الباقون قوات قوامها 100 ألف جندي مؤلفة من وحدات من القوات المسلحة العراقية وقوات خاصة وقوات شرطة وقوات كردية وقوات الحشد الشعبي الشيعية. وكانت قوات الحشد الشعبي قد قطعت الطريق المؤدي غربا الذي يربط المدينة بسوريا في نوفمبر تشرين الثاني لكن المتشددين لا يزالون يسيطرون على طريق يربط الموصل بتلعفر وهي مدينة يسيطرون عليها وتقع على بعد 60 كيلومترا إلى الغرب.
وواصلت طائرات التحالف ومدفعيته قصف أهداف في الغرب خلال الفترة التي توقف فيها القتال بعد السيطرة على شرق الموصل. وتقود الولايات المتحدة -التي نشرت أكثر من خمسة آلاف جندي في المعركة - تحالفا دوليا يقدم دعما جويا وبريا مهما للقوات العراقية والكردية ومن بين ذلك القصف المدفعي. وفرض التنظيم السني المتشدد تفسيره المتطرف للشريعة الإسلامية في الموصل من خلال فرض حظر على السجائر ومشاهدة التلفزيون والاستماع للراديو وأجبر الرجال على إطلاق اللحى والنساء على ارتداء النقاب. ويخاطر من يخالف التعليمات بالتعرض للقتل. بحسب رويترز.
واستعادة السيطرة على المدينة سيقضي عمليا على طموح المتشددين في السيطرة على مساحة من الأراضي في العراق لكن من المتوقع أن يواصلوا تنفيذ تفجيرات انتحارية والإيعاز للمتعاطفين معهم بشن هجمات في الخارج. ويقول مسؤولون من الأمم المتحدة إن نحو 160 ألف مدني نزحوا منذ بدء العملية في أكتوبر تشرين الأول. وتقدر وكالات طبية وإنسانية أن العدد الإجمالي للقتلى والمصابين من المدنيين والعسكريين يصل إلى عدة آلاف. وقال فولفجانج جريسمان المدير الإقليمي للمجلس النرويجي للاجئين في العراق "سيتم الحكم على النجاح النهائي للهجوم ليس وفقا لعدد المناطق والقرى التي تنتزع بل بكفاءة القوات العراقية والتحالف بقيادة الولايات المتحدة في حماية المدنيين في الأسابيع والشهور المقبلة. "إن حياة مئات الآلاف من المدنيين في خطر."
ضربات جوية
على صعيد متصل قال الجيش العراقي في بيان إن قواته الجوية شنت غارة على منزل كان يُعتقد أن زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي يجتمع فيه مع قادة آخرين بالتنظيم. ولم يوضح البيان ما إذا كان البغدادي قد استهدف. وذكر البيان أن طائرات عراقية من طراز إف-16 استهدفت المنزل الكائن في غرب العراق ونشر البيان أسماء 13 من قادة التنظيم قال إنهم قتلوا في الغارة الجوية لكن القائمة لم تشمل البغدادي. بحسب رويترز.
وأضاف البيان أن ثلاثة مواقع أخرى للتنظيم في غرب العراق استُهدفت في سلسلة الغارات ذاتها مما أدى إلى مقتل 64 مقاتلا. وقال الجيش إن البغدادي تحرك في قافلة من الرقة في سوريا إلى منطقة القائم على الجانب العراقي من الحدود ليناقش مع القادة الانهيار الذي حدث في الموصل ولاختيار خليفة له. وسبق أن وردت تقارير عن إصابة البغدادي - وهو عراقي اسمه الحقيقي إبراهيم السامرائي - عدة مرات. وترجع آخر رسالة علنية له إلى نوفمبر تشرين الثاني عندما دعا مقاتلي التنظيم للدفاع عن الموصل آخر معقل حضري كبير لهم في العراق.
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قال في وقت سابق ان السلطات العراقية تملك معلومات عن مكان وجود ابو بكر البغدادي. وقال العبادي ردا على سؤال عما اذا كان البغدادي لا يزال موجودا في الموصل التي سيطرت القوات العراقية على اجزاء كبيرة منها خلال الاشهر الماضية "لا اريد ان افصح عن شيء من هذا القبيل. توجد معلومات محددة عن تواجده واين يوجد".
وعن المعلومات التي ذكرت ان البغدادي غادر العراق في اتجاه سوريا، قال العبادي ان "اكثر المقاتلين غير العراقيين هاجروا هم وعوائلهم، غادروا الموصل منذ فترة (...) البغدادي يعتبر قائدا لهم". وتابع ان "البغدادي فقد اكثر القيادات الذين معهم"، مشيرا الى مقتل عدد كبير من القادة العسكريين، مجددا القول "نعرف حركته ونعرف الجهاز المحيط به".
الى جانب ذلك قال التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة إن قواته دمرت مبنى في المجمع الطبي الرئيسي بغرب مدينة الموصل العراقية والذي يشتبه في أنه يضم مركز قيادة لتنظيم داعش. وأعلن التنظيم المتشدد رواية مختلفة قائلا في بيان على الإنترنت إن الضربة التي نفذت قتلت 18 شخصا أغلبهم من النساء والأطفال وأصابت 47 شخصا. ولا تتمكن وسائل الإعلام المستقلة من دخول الشطر الغربي من الموصل أو أي منطقة خاضعة لسيطرة التنظيم في كل من العراق وسوريا.
واتهم التحالف التنظيم باستخدام المبنى المكون من خمسة طوابق مركزا للقيادة والتحكم. وقال بيان للتحالف "تمكن التحالف من خلال جهود الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع من معرفة أن داعش لم يستخدم المبنى لأي أغراض طبية وأن المدنيين لا يستخدمون الموقع." وجاءت الضربة في أعقاب تقارير أفادت بأن المتشددين يندسون بين المدنيين على الجانب الغربي من الموصل وبأنهم يخزنون أسلحة في مستشفيات ومدارس ومساجد وكنائس كوسيلة لتجنب استهدافهم.
قوات الحشد
في السياق ذاته افشلت قوات الحشد الشعبي هجوما شنه ضدها تنظيم داعش قرب بلدة تلعفر (غرب الموصل) في محاولة "للهرب باتجاه الحدود السورية"، حسبما اعلن متحدث رسمي. وقال النائب احمد الاسدي ان "عصابات داعش الارهابية شنت هجوما على مناطق عين طلاوي وعين الحصان والشرايع (جميعها جنوب غرب تلعفر)"، موضحا ان "ابطال الحشد الشعبي تصدوا لهذا الهجوم الذي استمر قرابة ست ساعات ".
واكد الاسدي "فشل الهجوم الذين كان محاولة لفتح ثغرة لتهريب بعض القيادات باتجاه الحدود السورية ولاذ الباقون بالفرار باتجاه تلعفر" التي تقع على بعد 55 كلم الى الغرب من مدينة الموصل. واضاف ان "قوات الحشد الشعبي تمكنت بمساندة طيران الجيش من تدمير 17 عجلة وقتل قرابة خمسين ارهابيا بينهم اثنان من قياديي داعش". بحسب فرانس برس.
ونقل بيان لخلية الاعلام الحربي ان "تنظيم داعش الاجرامي (...) استخدم الدبابات خلال الهجوم"، مؤكدا في الوقت نفسه فشل الهجوم ومقتل نفس عدد الجهاديين وتدمير خمسين عجلة مفخخة. وشارك في العملية فصائل من الحشد الشعبي، ابرزها بدر وكتائب حزب الله ولواء علي الاكبر وسرايا الجهاد ولواء الحشد التركماني، وفقا للاسدي. ولعبت قوات الحشد الشعبي، دورا مهما الى جانب قوات الامن خلال معارك استعادة مدن مهمة ومناطق واسعة من سيطرة الجهاديين خلال الفترة الماضية.
اضف تعليق