q
سياسة - عنف وارهاب

الإرهاب

الإرهاب هو ارتكاب أفعال عنيفة ضد المدنيين بهدف خلق إحساس بالذعر بين عموم الناس (او وسط جماعة قومية او اثنية معينة) وذلك من اجل بلوغ اهداف سياسية او أيديولوجية او اقتصادية او دينية معينة. ويختلف الإرهاب عادة عن الحرب، على اعتبار ان الحرب تسمح بممارسة سلوك عنيف بين المتحاربين، وذلك وفق قواعد قتال متفق عليها بينهما. ويعرف الكافة ان العمل الإرهابي ينطوي – في اكثر مستوياته تطرفا – على قتل بعض الناس. ولكنه يمكن كذلك ان يوجه ضد الممتلكات او الموارد الطبيعية، التي يؤدي اتلافها او تدميرها الى الحاق ضرر مباشر.

ويتسم الفعل الإرهابي ببعض الملامح الجوهرية، فالإرهاب قد يكون ذا طبيعة قومية او عالمية. كما قد ترتكبه جماعات إرهابية مناوئة لدول معينة، وقد ترتكبه الدول نفسها (إرهاب الدولة).

ويتعين وجود فاعل (او مجموعة فاعلين) يمكن اسناد العمل الإرهابي اليهم. ولابد ان يكون واضحا بالضرورة ان هذا الفاعل يستهدف تحقيق غرض، بدونه لايكون للعمل الإرهابي أي معنى. وعلى هذا يكون اقتراف الفعل المحتمل (الإرهابي) وإلحاق الأذى امرا مبررا في عقل الفاعل في ضوء تحقيق هذا الهدف. وهذا الهدف هو الذي يسبغ على الفعل الارهابي صفة الوضوح والجلاء.

من هنا يمكن القول –ترتيبا على ذلك- انه لايمكن في الحقيقة ان يوجد عنف إرهابي "بلا غاية ولا هدف" . فكافة ألوان العنف الإرهابي هي في حقيقتها مفهومة. على ان هذا لايعني ان المعتقدات التي تحرك مثل هذا العنف لايمكن ان تكون ضحية لخداع او تضليل، وحينئذ يكمن عبث مثل هذه الأفعال في الحقيقة. ولا بد ان يستهدف الفعل الارهابي إصابة بعض الضحايا المحددين، ولكنه لايمكن ان يستهدف ضحية وحيدة او معزولة.

فعلى حين يمكن ان نتصور من حيث المبدأ ان فعل القتل يمكن ان يلحق بضحية وحيدة منفردة، بافتراض ان القتيل ليس له أقارب احياء او أصدقاء او أبناء يعولهم ويمكن ان يتضرروا لما حدث له، على خلاف ذلك تستهدف الاعمال الإرهابية احداث تأثير واسع الانتشار، والاثر المستهدف ببساطة، تأثير عاطفي مطلوب احداثه في شهود الواقعة الارهابية، أي خلق حالة من مشاعر الخوف اللامحدود (الافراط في العنف المضاد للمجتمع) من ناحية، والعجز (الراجع الى التهديد الدائم بتكرار مثل هذا العنف من ناحية أخرى). وهكذا تكون غاية مثل هذا التأثير تحويل شهود العمل الارهابي الى طرف مشارك في الحدث الذي رأوه بأعينهم او سمعوا قصصا عنه. وعن هذا الطريق تحدث الاعمال الإرهابية الأثر المنشود بان تزرع في نفوس شهود العمل الإرهابي –على غير إرادة منهم– سياقا تفسيريا لهذا الخوف لامناص منه. وبذلك يكون العمل الإرهابي قد وصل الى هدفه الرئيسي المنشود.

معنى ذلك ان ضحايا الإرهاب ليسوا فقط أولئك الضحايا الذين يفقدون حياتهم او يلحق بهم اذى مادي او معنوي نتيجة تلك الاعمال الإرهابية. وانما كذلك أولئك الذين يتعين عليهم "من وجهة نظر الإرهابي" ان ينتبهوا ان شاؤوا تحقيق أهدافهم.

فالارهاب من هذه الناحية يمثل دائما شكلا من اشكال الذرائعية ، أي ان الغاية تمثل الوسيلة. ولايمكن من نواح عدة، تصور الإرهاب الدولي الحديث دون الإشارة الى نظم الاتصال والاعلام.

فكلما كانت شبكة الاتصال اكثر كفاءة واقدر تعبيرا، خاصة من الناحية البصرية، كلما زاد احتمال تنامي قوة وتأثير الذي يمكن ان يحدثه العنف الإرهابي، وذلك على اعتبار انه كلما كان تدفق المعلومات والصور اسرع اندفاعا، كلما زاد عدد الضحايا المحتملين، أي شهود الفعل الإرهابي.

ويمكن ان نسترجع العديد من مسارح العمليات الإرهابية منذ بدايات القرن العشرين. التي كان لكل منها ديناميات تختلف عن غيرها في بعض التفاصيل. وعلى الرغم من مساعي السياسيين الانجليز تخفيف حدة حالات التوتر في عشرينيات القرن الماضي، فان تصرفات المملكة المتحدة في ايرلندا، اشعلت سلسلة من الاعمال الارهابية في إقليم ايرلندا الشمالية. كذلك واكبت الصراعات الارهابية في لبنان  (الحرب الاهلية 1975 – 1990 ) تدمير الدولة اللبنانية. كما طبعت الفورات الارهابية تاريخ مابعد الحرب في كل من إيطاليا، وألمانيا، واسبانيا، وروسيا. ومن المعروف ان هجوم تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001 يجسد حالة الافراط في العنف التي تعد سمة مميزة للإرهاب الدولي.

ويعتقد ان الإرهاب في الكثير من الحالات السابقة، يؤثر بشكل حاسم على النظم السياسية التي يستهدفها بأعماله. فمن بين نتائج ذلك خاصة في نظم الحكم الديمقراطية الليبرالية، تضييق نطاق او خنق مجالات تطبيق القانون. خاصة تلك التي ترتبط بحقوق الفرد وتوفير الامن. عندئذ يتراجع استقلال النظام القضائي الى حد يهدد حرية الافراد امام القانون التي تحظى بمكانة عليا في الديمقراطيات الليبرالية. وينجم عن ذلك في العادة اشتعال التوتر بين السلطتين القضائية والتنفيذية في كثير من الحالات. وفي الأحوال التي يصور فيها الارهابيون القوى الغربية بانها قوى استعمارية تسعى الى احتلالها (كما هو الحال في خطاب تنظيم القاعدة) نجد ان التشريعات التي تمنح السلطة التنفيذية مزيدا من القوة يمكن ان تقلل من الكلام الجميل عن الحرية. ومن النتائج الأخرى التي ترتبت على هجمات الحادي عشر من سبتمبر ازدياد التعاون الدولي بين الأجهزة الحكومية للدول المختلفة. واشد ما يلفت الانتباه هنا استجابة الرئيس الأمريكي جورج بوش بإعلان (الحرب على الإرهاب). وقد ترتب على هذا الإعلان عددا من النتائج منها العمل العسكري ضد أفغانستان الذي حدث بسبب وجود تنظيم القاعدة هناك، وقيام الأمريكيين بسجن المئات بدون محاكمة في خليج غوانتانامو في كوبا، بزعم ان أولئك الناس سجناء حرب.

ويمكن القول ان غزو العراق في مارس 2003 وما اعقبه من الإطاحة بصدام حسين ونظامه ثم إعدامه فيما بعد، يمكن القول ان ذلك يرتبط مباشرة بخطاب الحرب على الإرهاب.

واذا ما تأملنا على المستوى النظري مفهوم الحرب على الإرهاب، واخذناه على محمل الجد، سوف نتبين انه تعبير عن الخلط فيما يتعلق بمفهوم الحرب، الذي يقتصر منذ أيام القديس توماس الاكويني، على العلاقات بين الدول القومية. اما مفهوم الحرب المستخدم لمقاومة الإرهاب فيختلف اختلافا نوعيا عن التصور المعتمد نظريا للحرب. من تلك الاختلافات ان الأطراف المتحاربة لا تلتقي في ساحة محددة للمعركة، ولا هي تتصرف كما تفعل اثناء الحرب، كقاعدة عامة على الأقل، أي وفقا لمواثيق محددة سلفا للسلوك العسكري والزي العسكري وغير ذلك. وطبيعي ان قواعد السلوك العسكري تلك تستند بالضرورة الى مواثيق وقواعد أخلاقية. من هنا فان الخلط بين تلك القواعد والمواثيق العسكرية يفتح الباب للخلط بين المواثيق والقواعد الأخلاقية.

اضف تعليق