لا تزال ليبيا التي تعيش أوضاع أمنية واقتصادية متوترة للغاية، بسبب استمرار الصراعات والمواجهات العسكرية بين الجماعات والجهات المسلحة، التي تسعى الى تحقيق مكاسبها الخاصة والاستفادة من الازمات والمشكلات الحالية، وهو ما اثر سلبا على حياة المواطن الليبي الذي أصبح يعاني من ويلات الحروب، التي تدار بحسب بعض الخبراء من أطراف وجهات خارجية، وقد حذر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في وقت سابق من تفاقم الأوضاع الإنسانية في ليبيا، بسبب الاضطرابات التي تعيشها البلاد. وكشف مصدر إعلامية ان الكثير من المؤسسات والبنى التحتية قد تضررت بشكل كبير بسبب الحرب، يضاف الى ذلك ان الالاف الاشخاص في ليبيا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وعدم توفر المتطلبات الأساسية للحياة، وهو ما دفع البعض الى الهجرة وترك الديار. وطبقا لأرقام رصدتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فقد وصل نحو 800 ليبي هذا العام إلى إيطاليا بحرا وهو ما يزيد عن ضعف عدد من وصلوا طوال عام 2016. وهذا عدد لا يذكر بالنسبة لأكثر من 100 ألف مهاجر من غير الليبيين وفدوا إلى إيطاليا قادمين من ليبيا منذ يناير كانون الثاني لكنه ينبئ بأن الأوضاع بالنسبة لليبيين تتدهور داخل بلدهم.
وتدهورت الأوضاع في ليبيا بشدة منذ الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي عام 2011. وكثيرا ما تخطف العصابات الناس للحصول على فدى كما يتكرر انقطاع الكهرباء والمياه أما الخدمات الصحية ففي حالة سيئة ويضطر السكان في معظم الأحيان للوقوف في طوابير على مدى أيام لسحب الأموال من البنوك بسبب أزمة السيولة. وتبذل الأمم المتحدة جهودا جديدة لإنهاء الصراع الذي فتح الطريق للإسلاميين المتشددين وعصابات التهريب المسلحة التي أرسلت مئات الآلاف من المهاجرين إلى أوروبا. وتقول مفوضية شؤون اللاجئين إنه لا يزال هناك أكثر من 217 ألفا من النازحين داخل ليبيا وما يزيد على 278 ألفا أعيدوا إلى ليبيا مؤخرا ويعتبر وضعهم مثيرا القلق.
البحث عن المياه
وفي هذا الشأن بدأ سكان في أنحاء العاصمة الليبية طرابلس الحفر في الشوارع للوصول إلى الآبار في بحث يائس عن المياه بعد انقطاعها عبر الصنابير في تدن جديد لأحوالهم المعيشية. وبعد سنوات من الإهمال قطع عمال المياه بسبب أعمال صيانة عاجلة هذا الشهر مما أوقف الإمدادات لكثير من المنازل في طرابلس ثم خربت جماعة مسلحة شبكة المياه مما أطال من أمد المعاناة.
وتعتبر أزمة المياه مثالا قويا على فشل الدولة في بلد كانت يوما واحدة من أغنى بلدان الشرق الأوسط لكنها تعاني من اضطرابات منذ انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بمعمر القذافي. وبالنسبة لليبيين تتجسد الفوضى في انقطاع الكهرباء واستمرار أزمات السيولة النقدية. وتتفاقم هذه الأزمات بسبب الاشتباكات بين جماعات مسلحة تتنافس على السيطرة والنفوذ في الدولة الغنية بالنفط والفقيرة حاليا في بنيتها التحتية.
وقال ناصر سيد وهو مالك عقار في حي بن عاشور الراقي في العاصمة ”المياه مقطوعة منذ عشرة أيام. الدولة لا تفعل شيئا“. واستأجر حفارات لاستخراج مياه جوفيه من عمق 31 مترا للشقق الست التي يتألف منها المبنى السكني الذي يملكه بعد أن استعان بمولد كهربائي لاستخدامه وقت انقطاع الكهرباء التي تستمر أحيانا أكثر من يوم. وقال ”لا ماء.. لا كهرباء.. أصبحنا دولة داخل الدولة... لم نضطر لفعل ذلك ربما منذ 20 عاما مضت“.
ومثل الكثير من الليبيين يتشكك سيد في احتمالات نجاح محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة في توحيد الفصائل والكتائب المتناحرة.
وواجهت حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس صعوبات في فرض سلطتها منذ وصول قادتها للعاصمة في مارس آذار من العام الماضي. وقالت جماعة مسلحة في جنوب ليبيا إنها أغلقت إمدادات المياه من النهر الصناعي العظيم الذي أقيم في عهد القذافي وهو نظام لنقل المياه عبر أنابيب يضخها من تحت الصحراء الشاسعة في الجنوب الليبي للمناطق الساحلية مثل طرابلس.
وقال توفيق الشويهدي أحد مديري مشروع النهر الصناعي العظيم في مدينة بنغازي شرق البلاد إن الجماعة تطالب بالإفراج عن قيادي مسجون لدى جماعة منافسة في العاصمة. وقال ”بدأنا أعمال صيانة في 16 (أكتوبر تشرين الأول) وأوقفنا الإمدادات عن طرابلس“. وأضاف قائلا ”بعد ذلك أضرمت جماعة مسلحة ...النار في إحدى محطات الكهرباء وأغلقت ثلاث محطات أخرى و24 بئرا“.
وحرم ذلك السكان من المياه وأنعش عمل المشتغلين بحفر الآبار الذين يحصلون على ما بين 4000 و 6000 دينار ليبي (2940-4410 دولارات بالسعر الرسمي) مقابل الوصول إلى المياه الجوفية. وقال عبد السلام فرجانية وهو عامل يبلغ من العمر 23 عاما يساعد في تشغيل منصة حفر قديمة ”حفرنا نحو ثلاثة آبار في أسبوعين -- استغرق الأمر نحو ثلاثة إلى أربعة أيام لحفر بئر واحدة“.
وبدت بعض مناطق طرابلس طبيعية وقلت حالات انقطاع الكهرباء منذ الصيف. وانحسرت أيضا الاشتباكات الكبيرة بالمدينة منذ انضمت مجموعة من الجماعات المسلحة إلى حكومة الوفاق الوطني في وقت سابق من العام الجاري. لكن الوضع الأمني لا يزال هشا. وخطفت واحدة من أقوى جماعتين مسلحتين رئيسا سابقا للوزراء في أغسطس آب لمدة تسعة أيام وخاضت الأخرى معركة في أكتوبر تشرين الأول تسببت في إغلاق المطار.
وزاد الصراع الذي تفاقم في عام 2014 الضغط على سكان طرابلس الذين زاد عددهم إلى ثلاثة ملايين بوصول أسر نازحة من مدن ليبية أخرى. وتتهاوى الخدمات الصحية العامة وينتشر التضخم وتأجل بدء العام الدراسي الجديد لعدة أسابيع بسبب مشاركة المدرسين في إضراب بشأن الأجور. وتسببت عمليات إغلاق منشآت النفط في ضعف الإيرادات مما أسفر عن إنفاق مبالغ قليلة على الصيانة والإصلاح كما أضيرت شبكات المياه وغيرها من منشآت البنية التحتية. وتخصص الحكومة معظم إنفاقها لدفع رواتب الموظفين ومنها جماعات معارضة سابقة وضعت على قوائم رواتب موظفي الدولة بعد الإطاحة بالقذافي. بحسب رويترز.
وقال ناجي السيد رئيس هيئة المياه الليبية إن الميزانية لم تصل للهيئة منذ عام 2011 باستثناء الميزانية الطارئة وأرجع السبب إلى المصاعب المالية التي تواجهها الدولة. وتراجع إنتاج محطات تحلية المياه بشكل حاد .. حيث انخفض في محطة بمدينة زوارة في غرب البلاد من 80 ألف لتر مكعب إلى 16 ألفا في العام. وقال السيد إن المسؤولين يعملون جاهدين لحل الأزمة لكن لم يتضح بعد متى سيتم حلها. وخلال حديثه وصلت عربة صهريج لنقل المياه إلى المبنى. وقال المسؤول الليبي إنه في غياب قطع الغيار المناسبة ونقص الميزانيات واستمرار حالة الاضطراب والفوضى الأمنية فإن الناس لن تلتزم بالقانون مشيرا إلى أن هذه العوامل تؤثر على أداء ”النظام“.
خطر المتشددين
الى جانب ذلك وبعد قرابة العام من طرد تنظيم داعش من معقله مدينة سرت الليبية يشعر السكان الذين يتفقدون منازلهم المدمرة بالإهمال والضعف إذ لا يزالون يخشون خطر المتشددين الذي تضاءل لكن لم ينته نهائيا. وبرغم تحسن الوضع الأمني في المدينة المطلة على البحر المتوسط لا يزال السكان قلقين من المتشددين المختبئين في الصحراء إلى الجنوب منها والذين كثفوا أنشطتهم في الشهور القليلة الماضية حيث أقاموا نقاط تفتيش وينفذون هجمات بين الحين والآخر.
وسرت على وجه الخصوص عرضة للمخاطر في بلد يشتعل فيه القتال بشكل متكرر بين الفصائل المتناحرة. فالمدينة تقع في وسط الشريط الساحلي الليبي على الخط الفاصل بين تحالفات فضفاضة تدعم حكومتين متنافستين في طرابلس وفي شرق البلاد. وقال علي مفتاح وهو موظف عمومي لديه خمسة أبناء ”لو استمر الوضع على ما هو عليه فسوف يعود داعش بلا شك. كان هناك سبب لمجيئهم. كان الناس غاضبين ويشعرون بالتهميش“. وأضاف ”حاليا لا نحصل على أي دعم من الحكومة. انظر إلى هذا الدمار. لقد خسرنا كل شيء“.
وفي الشهر الماضي شن تنظيم داعش هجوما انتحاريا في مصراتة المدينة الساحلية التي تبعد قرابة 230 كيلومترا إلى الشمال الغربي والتي قادت حملة العام الماضي لطرد المتشددين من سرت. ويقول مسؤولون أمنيون إنه توجد أيضا خلايا نائمة تابعة للتنظيم في مدن أخرى على طول ساحل غرب ليبيا وهناك مخاوف من أن يستغل المقاتلون الأجانب، الذين يبحثون عن ملاذ بعد الهزائم في سوريا والعراق، الفراغ الأمني مجددا ويتصلوا بمتشددين مرتبطين بتنظيم القاعدة في الصحراء إلى الجنوب.
وتزيد مخاوف السكان بسبب الانقسامات بين الفصائل الليبية المسلحة الكثيرة والغموض بشأن إلى متى ستظل قوات مصراتة التي طردت تنظيم الدولة الإسلامية موجودة في سرت. وتعود الحياة ببطء إلى طبيعتها في أجزاء من المدينة برغم أن شعارات تنظيم داعش السوداء لا تزال موجودة على بعض المتاجر ورغم أن السكان يعانون نقص السيولة وتدهور الخدمات العامة مثلما هو الحال في مناطق أخرى من ليبيا. لكن في المناطق التي شهدت أشد المعارك، لا ترى الأسر أملا يذكر في إعادة بناء بيوتهم.
وتلقت سرت، مسقط رأس معمر القذافي، قرابة 500 ضربة جوية أمريكية في الفترة بين أغسطس آب وديسمبر كانون الأول من العام الماضي. وفي حي المنار وحي الجيزة البحرية، اللذين كانا في السابق من أفضل أحياء سرت، تحولت المنازل المطلة على مياه البحر المتوسط الزرقاء إلى أكوام من المعادن والخرسانة. وتقف مدرسة ابتدائية متضررة، قيل إن القذافي كان يرتادها، مهجورة الآن.
ويقول سكان إن هياكل عظمية وجدت بين الركام استخرجت لإجراء اختبارات لمعرفة إن كانت تخص مقاتلين من التنظيم أم أسراهم. ويخشى السكان البحث وسط أنقاض بيوتهم المدمرة بسبب الذخائر غير المنفجرة. وتدير قوات محلية نقاط تفتيش على مشارف سرت وتسير دورات إلى الجنوب. لكنها تقول إنها تفتقر إلى المركبات والسلاح اللازم لملاحقة المتشددين الذين انسحبوا إلى معسكرات متنقلة بالصحراء.
وتعتمد بدلا من ذلك على الضربات الجوية الأمريكية التي قتلت العشرات ممن يشتبه بكونهم متشددين هذا العام. وقال طاهر حديد المسؤول بالقوات التي تؤمن سرت إن القوات تحتوي التهديد لكن لا يمكنها ملاحقة المتشددين في معسكراتهم لأنها لا تملك العتاد الملائم مثل العربات الرباعية الدفع اللازمة للتحرك في الصحراء. وأضاف أن من غير الممكن أن يسيطر التنظيم مجددا على المدينة لكن هناك مخاطر من التعرض لهجمات.
القوات التي قادت الحملة ضد تنظيم داعش في سرت العام الماضي موالية اسميا للحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس إلى الغرب من سرت التي تمثل حاليا الحد الشرقي لنطاق سيطرتها. وفيما بعد ذلك، تسيطر قوات موالية للجيش الوطني الليبي بزعامة خليفة حفتر على مرافئ نفطية انتزعت السيطرة عليها أثناء الحملة. لكن محمد الغصري المتحدث العسكري من مصراتة قال إن الجانبين لا ينسقان فيما بينهما حاليا. ويقول سكان ومسؤولون في سرت إنه لا يمكن التصدي للتهديد دون دعم ملائم من الدولة وقوات أمن محترفة. وقال المسؤول المحلي صديق إسماعيل إنهم يعانون نقصا في الخدمات ولا توجد أي جهود أو نتائج حقيقية على الأرض على أي مستوى. بحسب رويترز.
وتشير تقديرات إلى أن هناك حاجة لبناء ما بين 2500 و3000 منزل حتى يتسنى للأسر التي اضطرت للانتقال للعيش بأجزاء أخرى من سرت أو مصراتة العودة. وقال الموظف الجامعي حمزة علي (34 عاما) بينما كان يقف إلى جوار منزل شقيقه المدمر ”لن ينتهي هذا أبدا إذا لم تكن هناك حكومة“. وأضاف ”سيتوقف ربما لشهرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة.. ثم ستسمع عن انفجار في مكان ما إذا لم يكن هناك أمن رسمي .. الشرطة“.
اضف تعليق