في هزيمة جديدة تضاف إلى سجل هزائم وانتكاسات تنظيم داعش في سوريا والعراق، تمكن الجيش السوري من كسر الحصار المحكم الذي فرضه تنظيم داعش الارهابي على مدينة دير الزور في شرق سوريا منذ مطلع العام 2015 تمهيدا لطرده من المدينة، وهي واحدة من آخر المعاقل الكبيرة للتنظيم المتشدد، حيث بدأ الجيش السوري منذ أسابيع عدة عملية عسكرية واسعة ومهمة جداً، باتجاه تحرير محافظة دير الزور والمناطق المحيطة بها، من سيطرة وحصار هذا التنظيم الذي يحاصر منذ سنوات آلاف المدنيين والجنود السوريين، هذه العملية العسكرية وكما نقلت بعض المصادر لها اهمية كبيرة، فسيطرة الجيش على مدينة دير الزور ستجرد التنظيم من احد ابرز معاقله في سوريا في وقت خسر اكثر من ستين في المائة من مساحة مدينة الرقة، معقله في سوريا، منذ يونيو على وقع تقدم قوات سوريا الديمقراطية بدعم أمريكي.
كما ان تقدم الجيش وبحسب بعض الخبراء والباحثين في هذا الوقت بذات، يشكل من الناحية السياسية انتصاراً نوعياً لرئيس السوري بشار الاسد ومؤيدي الحكومة السورية وهزيمة كبرى لتنظيم داعش. فما جرى كما يقول الباحث في الشأن السوري ارون لوند، يبدو وكأنه نقطة تحول محتملة في الحرب في شرق سوريا، حيث سيصبح الأسد حالياً في وضع جيد يمكنه من تحسين موقعه في وقت يتلاشى فيه تنظيم داعش. وتسبب حصار التنظيم للمدينة بمفاقمة معاناة السكان مع النقص في المواد الغذائية والخدمات الطبية، حيث بات الاعتماد بالدرجة الأولى على مساعدات غذائية تلقيها طائرات سورية وروسية وأخرى تابعة لبرنامج الأغذية العالمي. ويقدر عدد المدنيين الموجودين في الأحياء تحت سيطرة قوات الجيش السوري بمائة ألف شخص فيما يتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن وجود أكثر من عشرة آلاف مدني في الأحياء تحت سيطرة التنظيم. وتشير تقديرات أخرى الى ان العدد أكبر.
هذا الإنجاز الميداني يمكّن الجيش السوري وحلفاءه من الإمساك كلياً بزمام المبادرة العسكرية، ويضع تنظيم «داعش» الإرهابي في مرمى النيران، بحيث لن يمضي وقت طويل قبل إعلان التحرير الكامل لهذه المنطقة. وقد شكّلت عملية كسر حصار دير الزور تحوّلاً استراتيجياً جديداً في مسار الحرب على الإرهاب، وقد أثبتت مرة اخرى قدرات الجيش السوري وباقي الحلفاء على الصمود لتحقيق الأهداف المرسومة.
كسر الحصار
وفي هذا الشأن قال الجيش السوري إن قواته وصلت إلى قوات أخرى تحاصرها عصابات تنظيم داعش منذ سنوات في مدينة دير الزور بشرق البلاد وهي واحدة من آخر المعاقل الكبيرة للتنظيم المتشدد. وزحفت الدبابات والقوات سريعا على جيب تسيطر عليه الحكومة بالمدينة حيث تحاصر داعش آلاف المدنيين والجنود السوريين منذ عام 2014. وفتح التقدم طريقا بريا يربط المنطقة بالمناطق المحيطة بها.
والوصول إلى دير الزور الواقعة على نهر الفرات ومركز صناعة النفط في السابق نصر مهم للرئيس السوري بشار الأسد في حربه ضد تنظيم داعش وضربة أخرى موجعة للتنظيم. وتحارب القوات الحكومية السورية مدعومة بحليفتيها روسيا وإيران التنظيم في سوريا. وفي العراق طردت القوات الحكومية التنظيم من الموصل معقله الرئيسي بالبلاد في وقت سابق من العام الجاري.
وما زال التنظيم يسيطر على نصف مدينة دير الزور ومعظم المحافظة بالإضافة إلى أجزاء من الرقة معقله السابق إلى الشمال الغربي حيث تدور المعارك بدعم من الولايات المتحدة. وقال الجيش السوري في بيان ”وحداتنا من القوات المسلحة بالتعاون مع القوات الرديفة والحليفة وبإسناد جوي من الطيران الحربي السوري والروسي أنجزت المرحلة الثانية من عملياتها في عمق البادية السورية وتمكنت عبر عمليات نوعية من فك الطوق عن أهلنا المحاصرين منذ أكثر من ثلاث سنوات في دير الزور.
وأفاد التلفزيون الرسمي والمرصد السوري لحقوق الإنسان أيضا بأن القوات السورية المتقدمة انضمت لقوات الحكومة المحاصرة في حامية على المشارف الغربية للمدينة. وعرض التلفزيون السوري الرسمي لقطات لجنود يحتفلون قرب الحامية. وقال الإعلام الرسمي إن السكان في الأجزاء الخاضعة لسيطرة الحكومة داخل المدينة يحتفلون بتقدم الجيش. وقال المرصد السوري إن المتشددين ما زالوا يحاصرون قاعدة جوية قريبة في جنوب المدينة وثلاثة أحياء مجاورة.
وقال محافظ دير الزور محمد ابراهيم سمره إن القوات الحكومية تتقدم صوب القاعدة الجوية وتحاول كسر حصارها. وأضاف أن الأيام المقبلة ستشهد تطهير مدينة دير الزور وتقدما في الريف القريب الخاضع للتنظيم. وهنأ الأسد القوات السورية في بيان أصدره مكتبه. وحقق الجيش وحلفاؤه تقدما سريعا في الأيام الأخيرة وتوغل عبر خطوط داعش بمساعدة المدفعية الثقيلة والضربات الجوية الروسية.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن سفينة حربية روسية في البحر المتوسط أطلقت صواريخ كروز على مواقع للتنظيم قرب دير الزور لتعزيز الهجوم. وانعزلت المنطقة عن المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة منذ عام 2013 بعد أن بدأت جماعات المعارضة المسلحة محاربة الرئيس بشار الأسد. واجتاحت داعش بعد ذلك مواقع للمعارضة وتحاصر الجيب الحكومي والقاعدة الجوية القريبة بالمدينة منذ 2014. وخلال الحصار الطويل كانت الإمدادات تصل للمدينة عن طريق الإسقاط الجوي من ارتفاعات عالية.
وقالت الأمم المتحدة في أغسطس آب إنها تقدر أن هناك 93 ألف مدني في الأجزاء الخاضعة لسيطرة الحكومة من دير الزور حيث الأوضاع ”صعبة للغاية“. وتقع دير الزور جنوب شرقي مدينة الرقة المعقل السابق للتنظيم في سوريا والتي انتزعت قوات سورية تدعمها الولايات المتحدة السيطرة على معظمها في هجوم منفصل. ويعتقد أن مقاتلي داعش هربوا إلى بلدات حول دير الزور بعد مهاجمتهم في الرقة. وتقع المدينتان في مناطق غنية بالنفط على نهر الفرات.
وقال الجيش السوري إن مكاسب دير الزور ”تشكل قاعدة انطلاق مهمة لتوسيع العمليات العسكرية في المنطقة“. وبالنسبة لدمشق، يعد النجاح الأخير ذروة شهور من التقدم المتواصل منذ اتجه الجيش وحلفاؤه شرقا ضد داعش عقب انتصاراته على المعارضة في غرب البلاد. ووضعت الحملة المتجهة شرقا الجيش السوري من حين لآخر في صراع مع قوات تدعمها الولايات المتحدة. بحسب رويترز.
لكن الحملتين حتى الآن لم تتقاطعا مع بعضهما البعض وقد أكد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أنه لا يسعى لحرب مع الأسد. وفي بيان اتهمت فصائل متحالفة مع دمشق ومنها حزب الله اللبناني واشنطن بمحاولة إعاقة التقدم نحو دير الزور. وقال مسؤول من التحالف المؤيد للأسد إن قاسم سليماني القائد الكبير بالحرس الثوري الإيراني يراقب القتال عن كثب في دلالة على المشاركة العسكرية الإيرانية الوثيقة في الحرب.
المرحلة القادمة
الى جانب ذلك ربط الرئيس فلاديمير بوتين انطلاق العملية السياسية لتسوية الأزمة السورية وتثبيت الهدنة، بضرورة استكمال عملية تحرير ريف دير الزور من تنظيم "داعش" الإرهابي. وقال بوتين إن الوضع الميداني في سوريا، يتغير جذريا لصالح القوات الحكومية، التي ستحصل على تفوق غير مشكوك فيه. وشدد على ضرورة إطلاق العملية السياسية فور استكمال تحرير دير الزور. وأوضح قائلا: "فعلا، الوضع يتغير لصالح القوات الحكومية. أنتم تعرفون أن الأراضي الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية اتسعت بأضعاف في غضون سنة أو سنتين، وتتطور هذه العملية بوتائر متسارعة".
وعبر بوتين عن أمله في أن يستكمل شركاء روسيا عمليتهم العسكرية ضد "داعش" في الرقة، وشدد على أهمية تحرير دير الزور من أيدي التنظيم. وأوضح أن المناطق الخاضعة لسيطرة داعش في دير الزور، ليست ورقة للمعارضة السياسية ضد دمشق، بل تمثل نقطة إسناد عسكرية لأسوأ أطياف المعارضة المتشددة المنضوية تحت لواء التنظيم الإرهابي. وأكد على ضرورة تثبيت نظام الهدنة في مناطق تخفيف التوتر وإطلاق العملية السياسية فور انتهاء العملية العسكرية في دير الزور.
وأوضح قائلا: "فور انتهاء المعارك في دير الزور، وذلك سيعني تكبيد الإرهابيين هزيمة نكراء، ستحصل القوات الحكومية وحكومة الأسد على تفوق لا جدال فيه، يجب القيام بالخطوة التالية (باتجاه) تثبيت نظام وقف النار وتعزيز مناطق تخفيف التوتر وإطلاق العملية السياسية. وأكد الرئيس الروسي أنه عمل هائل، لذلك تحتاج السلطات السورية إلى مساعدة المجتمع الدولي، لأنها من دون دعم، ستواجه صعوبات كبيرة في حل المشاكل المحدقة بها.
وفي الوقت نفسه، اعتبر بوتين أنه من السابق لأوانه الحديث عن الانتصار على الخطر الإرهابي قائلا: "هل يمكننا أن نقول إنه تم القضاء على داعش وجبهة النصرة والتنظيمات الإرهابية الأخرى إلى الأبد؟ على الأرجح، من السابق لأوانه الحديث عن ذلك، لكن تغير الوضع الميداني جذريا في الأراضي السورية أصبح واقعا". وأكد الرئيس الروسي أن بحث تداعيات الأزمة السورية في الأحاديث مع نظرائه في "بريكس" خلال جلسات القمة وعلى هامشها. وتابع أن الجميع يتفقون بشأن ضرورة تقديم الدعم لسوريا، ولا سيما في تحسين الوضع الإنساني في هذا البلد.
إنزال جوي
على صعيد متصل نفذ التحالف الدولي وكما نقلت بعض المصادر، إنزالا جويا في مدينة الميادين، هو ثالث عملية من نوعها خلال يومين في محافظة دير الزور جنوب شرق سوريا، واعتقل عددا من مسلحي تنظيم "داعش". وقالت مصادر لناشطين محليين إن الإنزال جرى بواسطة طائرات مروحية واستهدف قلعة الرحبة في مدينة الميادين، وسط غارات جوية من قبل طائرات حربية على المدينة، أثارت حالة من الهلع والخوف لدى الأهالي. كما أفاد الناشطون بأن التحالف نفذ إنزالا جويا في منطقة كب الملا المجاورة للمعبر المائي في بلدة البوليل في ريف دير الزور الشرقي، مشيرين إلى أن الإنزال تم بواسطة طائرتين مروحيتين بفارق زمني قدر بحوالي نصف ساعة.
وذكرت المصادر أن الطائرتين اللتين نفذتا العملية، لم يسمع لهما أي صوت، عكس ما جرت عليه العادة في الإنزالات التي نفذتها مروحيات التحالف في المنطقة، في الأسابيع الماضية. وأسفرت العملية عن اعتقال "أمير مالية داعش" في حقل التيم النفطي وما بحوزته من خزينة مالية عائدة للتنظيم، بالإضافة إلى أربع أسر تابعة لداعش، فيما قام عناصر التنظيم بعد ذلك بمنع مرور السيارات في بلدة البوليل.
كما نفذت قوات التحالف إنزالا جويا ثانيا بالقرب من منطقة الرحبة في بادية الميادين، بواسطة طائرات مروحية قامت بتشغيل كاشفات الإنارة الليلية وهي مدعومة بطائرات مقاتلة. ونتج عن الإنزال اعتقال 8 عناصر من داعش يعملون في "الشرطة الإسلامية"، وجميعهم من الأجانب، بعد اشتباكات عنيفة بين الطرفين. ولفت الناشطون إلى أن عمليات الإنزال للتحالف الدولي في المناطق الخاضعة لسيطرة داعش، عادت إلى الظهور خلال الأيام القليلة التي سبقت قيام الجيش السوري بفك حصار دير الزور، وأسفرت عن اعتقال عناصر من التنظيم وسحب عملاء للتحالف، وذلك في تكرار لما كان عليه الحال في بداية مارس/آذار الماضي، ووصلت ذروتها في مايو/أيار، قبل أن ينحسر هذا النوع من العمليات بشكل شبه كامل.
وبحسب الناشطين، فإن جديد عمليات الإنزال في الأيام الماضية، هو اقتصارها على المناطق الخاضعة لسيطرة داعش في دير الزور، وذلك بعكس ما هو عليه الحال في "موجة الإنزالات" السابقة، والتي امتدت من الأراضي العراقية (خاصة على الحدود مع سوريا) وصولا إلى الرقة، واشترك في البعض منها آنذاك عناصر من القوات الكردية المدعومة من التحالف في ريف الرقة. الجديد أيضا، أو ما تمت ملاحظته من العمليات المنفذة أخيرا، هو شمولها مناطق ذات كثافة سكانية أكبر، أو قريبة جدا من تلك التجمعات، بينما اقتصرت الموجة السابقة من عمليات الإنزال على البادية والمناطق المكشوفة والبعيدة عن التجمعات الكبيرة أو حتى المتوسطة، مثل الحدود السورية العراقية.
اضف تعليق