ا.م.د ناظم نواف إبراهيم، ا.م أسراء احمد جياد-كلية العلوم السياسية/الجامعة المستنصرية
ان تنامي نزاعات الانشقاق والتململ الثقافي في مناطق العالم ذات الهويات الثقافية المتنوعة ما هي إلا دليل على ان هذه الحالة سوف تتصاعد مدياتها كما ونوعا في المستقبل لتتخذ أحيانا صورا منتظمة تثري العلاقات الإنسانية عندما تسود قيم التعقل وقواعد الحوار البناء ونزعة الحفاظ على الوحدة الإنسانية، وفي أحيان أخرى قد تكون الصورة معكوسة عندما تسود القيم البربرية والثقافة البدائية فتحكم العلاقة بين التنوعات الثقافية وتكون النتيجة صراعات دموية شديدة الخطورة تصدم المجتمعات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
وعليه أصبح إدارة ملف الهوية الوطنية وحقوق الإنسان اليوم من أهم القضايا أو المواضيع التي تهتم بها الدول أيا كانت، نسبة أهمية هذا الملف، والذي بدأ يتراجع فيه دور الدولة لحساب المجتمع الدولي الأمر الذي يستدعي التعامل مع هذا الملف بنوع من الاعتدال في الحكمة والمعرفة والخبرة والاحترافية، لاسيما بالنسبة لدول الوطن العربي عامة والعراق على وجهة الخصوص.
وذلك لأن هناك العديد من الدول الكبرى تسعى إلى تحقيق مصالحها وتمرير أجندتها عبر هذا الملف، والمشكلة الرئيسة تكمن في أن المعايير التي يتم إسقاطها للتدخل في شئون الدول غير منطقية ويتم تكييفها وفقا لرغبات الطرف الأقوى، وبالتالي فان مسألة التدخل في شؤون الدول أمر وارد نسبة للمعايير الفضفاضة التي يتم استخدامها في ظل غياب مقومات تطبيق حقوق الإنسان في وقتنا الحاضر.
وعليه نحاول بنظرة تحليلية شاملة معرفة تطبيق منهج الاعتدال في التعامل في تربية الأجيال على التفاعل الايجابي مع الأحداث والتغيرات بل مواكبتها بما يحقق او يعزز الهوية الوطنية وحقوق الانسان لضمان تحقيق الاستقرار السياسي في العراق.
ومما لا شك فيه أن الكتابة في بحث ما تتطلب من الباحث -ولو بشيء من الإيجاز- تحديد بعض المفاهيم والمصطلحات الرئيسة التي تأخذ مكاناً مهماً في بحثه. لذا سيتم بحث مفهومي الاعتدال والهوية الوطنية بالآتي:
الاعتدال لغة: يعني العدل ضد الجور، وما قام في النفس أنه مستقيم، و(عدل الحكم تعديلاً: أقامه، و(عدل) فلاناً: زكاه، و(عدل) الميزان (سوَّاه)، والاعتدال توسط حال بين حالين في كم أو كيف، وكل ما تناسب فقد اعتدل، أما اصطلاحاً فالاعتدال: هو التزام المنهج العدل الاقوم، وهو الاستقامة وسط بين طرفين هما: الإفراط والتفريط. والاعتدال هو: الاستقامة والتزكية، والتوسط والخيرية. فالاعتدال يرادف الوسطية التي ميز الله بها هذه الأمة الاسلامية.
اما بالنسبة الى الهوية العراقية موضوع الدراسة أيضا، نجدها ليست إشكالية أقليات وكثريات كما يصفها الكثير من المختصين، بل أنها قيمة مفتقدة، أو أنها كانت مفتقدة على مدى زمني طويل ولأكثر من خمسين سنة مضت.. فالهوية العراقية كانت ولم تزل في إشكالية او أزمة. والمعلوم ان الهوية الوطنية هي الانتماء للأرض المستقلة المحررة التي تعني الوطن وفقاً للتعريفات التاريخية القديمة والحديثة. والتي هي مجموعة من القيم والأخلاق التي تعكس أفعالاً بما تعنيه من استقرار في الوطن والدفاع عنه والتقيد بنظمه وإحترام قوانينه.
وعليه لم تنجح الدولة العراقية المعاصرة في تأصيل الهوية الوطنية بشكل عقلاني نظرا لتباين مجتمعنا وصعوبة الذات العراقية التي تبدو صورتها اليوم معقدة جدا ومُجسَّدةً في "ذات ثقافية عرقية مُشتركة" تتأسَّس على خصائص جوهرية تتحدَّد بالسلب والإيجاب معا ً. وهكذا صارت الذات العراقية تبحث لها عن هوية راسخة جديدة فيها بعد أن بقيت مهملة زمنا طويلا.
أهمية البحث:
تتجلى أهمية البحث في انه وحسب اطلاع الباحث من أول الجهود العلمية التي تركز على الاعتدال وبناء الهوية الوطنية كسبيل لبناء عراق مستقر، إذ لا توجد دراسة مركزة على الاعتدال سواء بشكله العام، لذا فإن هذه الدراسة مهمة في مجالها لا لكونها تنشغل بموضوع الاعتدال فقط بل هو في كيفية تضمين هذا المفهوم من اجل تعزيز الهوية الوطنية العراقية، لاسيما ما يتعلق منها بإدارة الحكم، وتنظيم الدولة، وتعزيز المشاركة السياسية، لبناء نظام الحكم الصالح بعيدا عن الاستبداد والعنف والدكتاتورية.
مشكلة البحث:
في الوقت الذي وصلت فيه بعض القوى والأحزاب السياسية إلى السلطة في العراق لاسيما بعد عام 2003، وأصبحت تتحكم بصنع القرار وصنع السياسات العامة للبلد، فالتساؤل المطروح هو: هل تمتلك هذه القوى إستراتيجية الاعتدال في ادارة البلد ووضع البرامج والأسس الحقيقية التي تستند عليها لتحقيق امن واستقرار العراق وضبط علاقتها بغيرها من قوى المعارضة أو المخالفة وطنيا ودوليا؟ هذا التساؤل هو ما ستتم الإجابة عنه في سياق البحث.
فرضية البحث:
ينطلق البحث من فرضية مفادها: ان الالتزام بمنهج الاعتدال وسبل تعزيز الهوية الوطنية وبشروطهما الحقيقية، يكونان ضابطا وضامنا لجمع الصف العراقي بعيد عن الهويات الفرعية وغيرها، وساعيا لبناء نظام حكم صالح ورشيد هادف لتحقيق الامن والاستقرار.
منهجية البحث: اعتمد البحث على عدة مناهج الأول هو منهج التحليلي النظمي والآخر هو المنهج التاريخي فضلا عن المنهج المقارن وذلك للفائدة العلمية.
هيكلية البحث: تم تقسيم البحث إلى اربعة مباحث فضلا عن المقدمة والخاتمة والاستنتاج وفقا بالآتي:
المبحث الاول: التعريف بمفهومي الاعتدال والهوية الوطنية والمفاهيم ذات الصلة.
المبحث الثاني: واقع العراق ما بعد العام 2003 دراسة حال الهوية الوطنية.
المبحث الثالث: نحو إستراتيجية فاعلة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
المبحث الرابع: سيناريو حال العراق مابعد الانتهاء من صفحة (داعش) الإرهابية.
* ملخص بحث مقدم الى مؤتمر الاعتدال في الدين والسياسة الذي يعقد بمدينة كربلاء المقدسة في 22-23/3/2017، والذي ينظم من قبل مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء، ومؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، ومركز الفرات للتنمية للدراسات الاستراتيجية
اضف تعليق