كانت قصة نجاح الإمبراطورية البريطانية، كما قال رئيس وزراء جامايكا في تغذية الشعور بالدونية لدى المحكومين. وعبر نهرو عن ذلك معظمنا تقبل الأمر على أنه أمر طبيعي وحتمي بأن الهنود كانوا من الدرجة الثانية، كان هذا الانتصار النفسي للبريطانيين في الهند أعظم من أي انتصار للسلاح أو الدبلوماسية...
بقلم: ميهر بوز
الحياة في بريطانيا لها ميزاتها لكن عندما نسمع كلاماً موجهاً للهنود أمثالي إنه علينا إظهار الامتنان على استعمارنا يصبح الأمر أشبه بالإذلال.
عملية إعادة تجديد بريطانيا لمجتمع متعدد الأعراق حقاً لن تكتمل من دون اعتراف الإنجليز بالخطايا السابقة في الحقبة الاستعمارية...
"أولئك الذين ينسون الماضي"، كما حذر جورج سانتايانا، "محكوم عليهم بتكراره". ولا ينبغي أن تحتاج بريطانيا إلى دروس في كيفية التصالح مع تاريخها، وما على المرء سوى المرور أمام مبنى البرلمان ليدرك ذلك. فهناك يقف تمثال أوليفر كرومويل، الرجل الذي قطع رأس الملك وأسس الجمهورية. في كل عام، تجتمع جمعية كرومويل عند التمثال للاحتفال بعيد ميلاده، ومع ذلك فإن جثمانه ليس موجوداً هناك.
بعد عودة الملكية، استخرجت جثة كرومويل من قبره في دير وستمنستر، وعلق رأسه فوق قاعة وستمنستر، وبعد أن شنق على قوس ماربل آرش، ألقيت جثته في حفرة في مكان ما تحت هايد بارك كورنر. وترقد عظامه تحت الطريق هناك إلى يومنا هذا. ولكن الآن، كلما ألقى الملك خطاباً أمام البرلمان، يمر بجانب هذا التمثال من دون أن يطرأ على باله أية فكرة، مما يدل على أن بلداً لا يتطلع لعودة الجمهورية لا يزال بإمكانه تكريم مؤسس الجمهورية.
في تناقض صارخ، تعاني البلاد للتصالح مع تاريخها الإمبراطوري. وما يزيد من فداحة هذا الفشل هو أنه خلال ما يقرب من 60 عاماً عشتها في بريطانيا، رأيتها تعيد تشكيل نفسها لتصبح بلداً أكثر ترحيباً.
لم أكن لأتخيل ذلك عندما وصلت من الهند في يناير (كانون الثاني) 1969، بعد تسعة أشهر من خطاب [السياسي البريطاني المثير للجدل] إينوك باول "أنهار الدم" الذي دعا فيه إلى تطبيق سياسة إعادة المهاجرين "الملونين" لوطنهم. كان ذلك في وقت لم يكن الناس يخفون فيه عنصريتهم. أخبرتني صاحبة منزل في هامستد أنها لا تستطيع تأجير غرفة لي لأن زوجها لا يحب وجود هندي في المنزل. وأنهت امرأة بيضاء علاقتنا، لأنني لن أتمكن من إنجاب أطفال بيض لها.
خلال الصيف الأول من عطلتي الجامعية، عملت في مصنع في ليستر، حيث قدمني رئيس العمال باسم "ميك"، مما دفع أحد زملائه إلى القول: "اللعنة، لقد أصبح لدينا الآن إيرلندي ملون، أليس كذلك؟"، وانفجر طابق المصنع بأكمله في ضحكات صاخبة. عام 1980، أثناء سفري على خط بيكاديللي، لكمني أحد حليقي الرؤوس في وجهي، مما أدى إلى تطاير نظارتي. وبينما كنت أنحني لالتقاطها، كان بقية الركاب ينظرون إلي كما لو كانوا في صالة عرض يشاهدون فيلماً سينمائياً.
ولكن في الوقت نفسه الذي كان يجري فيه تذكيري بأن لون بشرتي جعلني غريباً غير مرحب به -وهو إدراك كان صادماً وصعباً في الوقت نفسه- كان هناك آخرون طمأنوني بأن الصورة الجميلة لإنجلترا التي كونتها أثناء نشأتي في الهند، أرض شكسبير وشيلي والكريكت على حدائق القرية، لم تكن خيالاً كاملاً. بعد ستة أسابيع من وصولي إلى لوبورو للدراسة، انتخبت رئيساً لاتحاد الطلاب في الجامعة التي كانت تضم آنذاك طلاباً بيضاً بالكامل تقريباً. وأخبرتني إحدى الطالبات أنها انتخبتني لأن وجهي كان جديراً بالثقة ولن أهرب بأموال الاتحاد.
لم أكن أتخيل حينها أن الطعام الهندي سيصبح يوماً ما هو الطبق الوطني. أتذكر أن صاحبات العقارات (المؤجرات) كن يسعين إلى أن أطمئنهن بأنهن إذا أجرن غرفاً لي، فلن أطبخ الوجبات الهندية، لأنهن لا يستطعن تحمل الرائحة. كما أنني لم أكن أتوقع أنه بعد خمس سنوات من رفض طلبي للالتحاق بدورة الصحافة في جامعة كارديف، سأحقق حلمي بأن أصبح صحافياً. ستفتح لي أبواب الإعلام في المملكة المتحدة بطرق لم تكن لتفتح لي في أرض مولدي. نعم، كان هناك تمييز، فمعظم المحررين الرياضيين في شارع فليت [مركز الصحافة والنشر في لندن] الذين كانوا على استعداد لتصديق أن خلفيتي الهندية تعني أنني أعرف الكريكيت، لم يكونوا قادرين على قبول أنني يمكن أن أعرف أي شيء عن كرة القدم.
كان الاستثناء هو جون لوفيسي، المحرر الرياضي في صحيفة "صنداي تايمز"، الذي كانت أول مهمة أوكلها لي هي تغطية مباراة تشيلسي وتوتنهام - الفريق الذي كنت أشجعه منذ سن الـ14. في عام 1981، عندما تعرضت حياتي للتهديد من المشجعين العنصريين، خصص لوفيسي صفحة كاملة عن تجربتي، بما في ذلك الوقت الذي طاردني فيه أحد مشجعي أرسنال في القطار وهو يصرخ "زنجي، زنجي، اضربوا الزنجي بمضرب بيسبول"، مقتبساً أغنية مشهورة لكرة القدم آنذاك.
لقد وجدت أن منزل عائلة إنجليزية، بعيداً من كونه قلعة لا يرحب فيها بالغرباء، يمكن أن يكون مكاناً يدعى إليه بحرارة صحافي لم يسبق للعائلة أن قابلته من قبل ولا يستطيع أحداً فيها نطق اسمه. وشمل ذلك كتاباً كباراً مثل مالكولم موغريدج وشخصيات اجتماعية مثل الليدي ديانا كوبر، التي وافقت على إجراء مقابلة معي في منزلها المطل على حي "فينيسيا الصغيرة" الراقي في لندن. وعندما غادرت سلمتني نسخة موقعة من سيرتها الذاتية التي ما زلت أحتفظ بها حتى يومنا هذا. في الهند، كان من الممكن أن تكون سيدة بهذه المكانة محاطة بـ"الشماسة"، أي الحاشية، الذين كانوا سيمنعونني من الدخول ما لم أكن جئت بتوصية عالية، وما كانت السيدة لتقدم لي هدية.
عندما واجهت العنصرية في السنوات الأولى في المملكة المتحدة، اتفقت مع الفيلسوف الفرنسي الأفرو - كاريبي فرانز فانون في أن الاستعمار أجبر "الشعوب التي هيمن عليها على طرح السؤال باستمرار: "من نحن في الواقع؟" اليوم، وبعكس كثيرين مثلي من الأشخاص الملونين، لا أعتبر السؤال "لكن من أين أنت حقاً؟" سؤالاً عنصرياً. لقد ساعدتني بريطانيا في اكتشاف جذور أسلافي وأفتخر بها ولا أشعر بأي خجل من القول إنني من أصل بنغالي وهندوسي، وهو أمر كنت سأنكره عام 1969، إذ كنت حريصاً جداً على أن يتقبلني السكان الأصليون.
في الواقع، أشعر الآن بالأسف تجاه عدد من البريطانيين الذين ولدوا هنا، لكنهم يشعرون بالغربة عن جذورهم ويخشون حتى معرفة ماضيهم. سألني أحد معارف زوجتي، عندما أخبرته عن مذكراتي، على الفور: "هل تقول أشياء سيئة عن بريطانيا؟ إذاً لا أريد أن أعرف".
مثل هؤلاء الناس يرون أن أي شيء يشير إلى أن الحكم الإمبريالي البريطاني لم يكن نعمة أخلاقية إنما يشكك في أسس الحضارة الغربية ذاتها، وهم يفضلون المنشورات الجدلية الأكثر ملاءمة للتعبير الحر التي تمجد الحكم الإمبراطوري بدلاً من التواريخ المدروسة جيداً التي تظهر بوضوح أنه لم يكن هناك ما يدعو إلى الفخر. حتى أن روبرت جينريك، الذي أمل أن يكون زعيم المحافظين، ذهب إلى أبعد من ذلك وادعى أن المستعمرات السابقة يجب أن تكون ممتنة لإرث الإمبراطورية.
كم كان جورج أورويل ليضحك على مثل هذا الكلام.
وصف أعظم كاتب سياسي في القرن الـ20 الإمبراطورية بأنها "ليست في جوهرها سوى آليات لاستغلال العمالة الرخيصة الملونة"، وتوصل أورويل إلى هذا الاستنتاج في يوليو (تموز) 1939، أي قبل شهرين من بدء الحرب العالمية الثانية، بعد أن رأى الإمبراطورية من كثب.
من الواضح أن رجلاً مثل جينريك، الذي يأمل في قيادة البلاد، لم يقرأ هذه المقالة المؤثرة، وهو أمر مخجل. وأنا أقرأ ادعاءات جينريك، أتساءل كيف يقترح، بصفتي سليل المهزومين، أن أعبر عن امتناني له. هل يجب علي، كما فعل بعض أسلافي عندما حكمت بريطانيا الهند، أن ألمس أقدام جينريك؟ ربما يمكنه أن يجمعنا، نحن أبناء المغلوبين، في قاعة وستمنستر ويجعلنا نفعل ذلك، سيكون ذلك عملاً تلفزيونياً رائعاً.
والحقيقة هي أن الإمبراطورية كانت تهدف إلى تحقيق الأرباح للغزاة، وقد فعلت ذلك. وفي حين كانت هناك منافع جانبية، على سبيل المثال، السكك الحديدية في الهند التي أنشئت لتسهيل نقل القوات البريطانية اللازمة للحفاظ على السيطرة بصورة أفضل، إلا أنه لم يكن المقصود منها أبداً أن تكون نوعاً من المنظمات غير الحكومية الفيكتورية.
لقد كانت قصة "نجاح" الإمبراطورية البريطانية، كما قال رئيس وزراء جامايكا الأول والوحيد في جامايكا نورمان مانلي، في تغذية "الشعور بالدونية لدى المحكومين". وعبر جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند، عن ذلك بصورة جيدة عندما كتب أن "معظمنا تقبل الأمر على أنه أمر طبيعي وحتمي" بأن الهنود كانوا من الدرجة الثانية، "كان هذا الانتصار النفسي للبريطانيين في الهند أعظم من أي انتصار للسلاح أو الدبلوماسية".
المشكلة بالنسبة إلى جينريك وأمثاله هي أنه، على عكس مانلي ونهرو، لم يعد جيل اليوم يقبل بأنهم أدنى من البيض. فهم يريدون استعادة تاريخهم وتقديمه كما يرونه هم، وليس كما قدم لهم. وفي هذه العملية، يكتشفون بعض الحقائق المقلقة للغاية التي يجب الاعتراف بها وليس إنكارها. أوافق على أنه لا يمكن مطالبة أحفاد الغزاة بالاعتذار عن أسلافهم أو دفع تعويضات. لكنهم بحاجة إلى فهم ما فعله أسلافهم وعدم تقديم أعذار لأفعالهم المظلمة أو تقديم نسخة منقحة بعيدة كل البعد من الحقيقة الكاملة.
ما لم يفعلوا ذلك، فإن عملية إعادة تجديد هذا البلد لمجتمع متعدد الأعراق حقاً لن تكتمل، وإلى أن نعترف بالجزء الصعب من تاريخنا الجماعي، سيكون هناك دائماً خطر العودة للوراء والتراجع عن كل التقدم الذي أحرز منذ وصولي عام 1969.
اضف تعليق