حدود نظرية الرجل المجنون

كيف يمكن لتصرفات ترمب غير المتوقعة أن تؤثر سلباً في سياسته الخارجية

سيضطر ترمب إلى إثبات أن جنونه له حدود. وسيكون عليه أن يوضح أن سياسته الخارجية ليست مجردة تماماً من المنطق وأنه يمكن الوثوق به في الالتزام بالاتفاقات. ولن يؤدي هذا النهج إلى زيادة احتمال الامتثال لتهديدات واشنطن فحسب، بل إنه سيقلل أيضاً من خطر التصعيد غير المقصود، من...
بقلم: روزان ماكمانوس

رغم الأربعة الأعوام التي قضاها في فترة رئاسته الأولى، يظل الغموض سيد الموقف عند الحديث عن سلوك دونالد ترمب على الساحة الدولية وأحد أركان سياسته الخارجية التي يسعى لتعزيزها. ترمب استخدم سمعة "الجنون" لزيادة تأثيره في المفاوضات مع القوى الكبرى، وهي استراتيجية قد تكون فعالة في بعض الأحيان لكنها محفوفة بالمخاطر في سياقات أخرى.

رغم أنهم شهدوا بالفعل أربعة أعوام من رئاسته، فإن المحللين لا يملكون يقيناً كافياً في شأن الطريقة التي سيعتمدها دونالد ترمب في التعامل مع معظم البلدان في ولايته الثانية. وهذا هو بالضبط ما يريده. منذ ترشحه للمرة الأولى للرئاسة عام 2016، حرص ترمب على تصوير نفسه كزعيم لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، واعتبر أن القيام بذلك يعزز السياسة الخارجية الأميركية. خلال حملته الأولى، زعم ترمب أنه "يجب علينا كأمة أن نكون أكثر غموضاً". أثناء مناقشة المفاوضات مع كوريا الشمالية خلال عشاء عام 2018، وصف نفسه بأنه "رجل مجنون"، ولم يكن ذلك على سبيل الدعابة المحضة. وحينما سئل خلال حملته الانتخابية لعام 2024 من طريقة رده على الحصار الصيني لتايوان أجاب ترمب، "لن أضطر إلى ذلك لأن [شي جينبينغ] يحترمني ويعرف أنني مجنون تماماً".

وقد أدلى سياسيون ومعلقون آخرون بتصريحات مماثلة. ففي يونيو (حزيران) 2024 قال نائب الرئيس جي دي فانس، إن "ترمب، كما يقول منتقدوه ومؤيدوه على حد سواء، لا يمكن التنبؤ بتصرفاته". وأضاف، "أنا متأكد بنسبة 100 في المئة أن هذا الغموض كان لمصلحة الولايات المتحدة". كذلك، جادل كاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست" شادي حميد، أخيراً، أن استراتيجية ترمب المجنونة ضغطت على إسرائيل لقبول وقف إطلاق النار في غزة. وزعم تقرير صادر عن "معهد سياسة أميركا أولاً" America First Policy Institute أن بوتين لم يغزُ أوكرانيا خلال فترة ولاية ترمب الأولى لأن "بوتين لم يكن متأكداً من الطريقة التي قد يستجيب بها ترمب".

شهدت ولاية ترمب الأولى في واقع الأمر تمريناً في الغموض. فقد هدد زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون "بنار وغضب لم يشهدهما العالم من قبل". ولكنه أصبح بعد ذلك أول رئيس أميركي يلتقي زعيماً من كوريا الشمالية وأعلن أن الاثنين "وقعا في الحب". كما أسقط أكبر قنبلة تقليدية في الترسانة العسكرية الأميركية على المسلحين في أفغانستان، ولكنه بدأ أيضاً محادثات السلام مع حركة طالبان. وأمر بشن ضربة على إيران ثم ألغاها. وفرض رسوماً جمركية على بعض حلفاء الولايات المتحدة، مثل كندا، بينما استثنى آخرين، مثل أستراليا، غالباً من دون سبب وجيه أو منطق واضح. ووفقاً لموقع "أكسيوس"، أمر ترمب أعضاء فريقه التفاوضي أثناء المفاوضات التجارية مع كوريا الجنوبية بأن يقولوا عنه "هذا الرجل مجنون لدرجة أنه قد ينسحب في أي لحظة".

لا شك في أن ترمب ليس أول زعيم يتبنى صراحة سياسة خارجية متقلبة. فعلى مدى عقود من الزمان، استخدم رؤساء الدول في مختلف أنحاء العالم ما يعرف بنظرية الرجل المجنون: وهي فكرة مفادها أنه من خلال التصرف بطريقة متقلبة للغاية، يمكنهم إثارة خوف الخصوم ودفعهم إلى تقديم تنازلات. فخلال الحرب الباردة، على سبيل المثال، اقترح بعض الاستراتيجيين أن إظهار زعيم أميركي سلوكاً غير متزن قد يدفع الدول الشيوعية إلى التعامل مع التهديدات النووية الأميركية بجدية أكبر.

ولكن يتعين على ترمب أن يكون حذراً عندما يتعلق الأمر بنظرية الرجل الجنون، لأن الدراسات تشير إلى أنه من الصعب للغاية استخدامها بنجاح. في الواقع، نادراً ما تؤتي سمعة الجنون ثمارها على المستوى الدولي. فالزعماء ورؤساء الدول المعاصرون الذين يحاولون أن يبدو مجانين غالباً ما يفشلون في إقناع خصومهم. أما الذين ينجحون، فيجدون أن هذه السمعة تقنع خصومهم بأنهم غير جديرين بالثقة في الحفاظ على السلام. من ثم، سيحتاج ترمب إلى السير على خط رفيع، فيقنع الدول الأخرى بأنه مجنون بما يكفي لتنفيذ تهديداته، لكنه مستقر بما يكفي للالتزام بالاتفاقات التي يبرمها. والتاريخ يشير إلى أن ذلك لن يكون سهلاً.

مجنون كالثعلب

تعود أسس نظرية الرجل المجنون في الأقل إلى عام 1517، عندما جادل الفيلسوف السياسي نيكولو مكيافيلي بأن "التظاهر بالجنون قد يكون أمراً حكيماً للغاية" في بعض الظروف. لكن المفهوم الحديث للنظرية تطور خلال منتصف القرن الـ20، عندما شكل ظهور الأسلحة النووية تحدياً جديداً لصدقية التهديد. فبما أن الحرب النووية ستؤدي إلى دمار متبادل للطرفين، ويمكن أن يتصاعد أي صراع تقليدي إلى مستوى نووي بسهولة، كان لدى الحكومتين الأميركية والسوفياتية حوافز قوية لتجنب القتال. وهذا يعني أن تهديدات أي منهما للآخر يمكن تجاهلها ببساطة. فلماذا، في نهاية المطاف، قد يقدم زعيم أي من البلدين على فعل انتحاري رداً على تهديدات غير وجودية؟

والإجابة هي: بسبب الجنون. فالرئيس الأميركي العاقل أو الزعيم السوفياتي العاقل سيسعى إلى تفادي مواجهة نووية بأي ثمن. ولكن على حد وصف دانييل إلسبيرغ، محلل الدفاع في مؤسسة "رند"، في محاضرة ألقاها عام 1959، فالزعيم "المجنون بشكل مقنع" يمكنه تهديد خصومه بأخطار جسيمة على نحو أكثر صدقية. واتفق خبراء آخرون مع هذا الطرح. فقد كتب المتخصص الاقتصادي وصاحب النظريات في الموضوع النووي توماس شيلينغ أن "المفارقة في الردع تكمن في أنه ليس من المفيد دائماً أن يكون المرء، أو أن ينظر إليه على أنه، عقلاني بالكامل، وهادئ، ومسيطر على نفسه". أما المنظر العسكري هيرمان كان، فقد زعم أنه عند التعامل مع زعيم مسلح نووياً يبدو "مجنوناً تماماً"، يجب على الخصوم إما أن يرضخوا لمطالبه أو "أن يقبلوا احتمال الإبادة".

سرعان ما حظيت أفكار هؤلاء الاستراتيجيين بتأييد بارز من الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون. في الواقع، وفقاً لمذكرات كبير موظفي البيت الأبيض السابق هاري روبنز هالدمان [بوب]، فإن نيكسون هو من أعطى لهذا المفهوم اسمه. عام 1968، أثناء مناقشته سبل إجبار فيتنام الشمالية على الاستسلام، قال الرئيس الجديد: "أسميها نظرية الرجل المجنون يا بوب. أريد أن يعتقد الفيتناميون الشماليون أنني وصلت إلى نقطة قد أفعل فيها أي شيء لوقف الحرب". واقترح نيكسون أن "يبوح" مستشاروه للفيتناميين الشماليين برسالة مفادها بأننا "لا نستطيع كبح نيكسون عندما يكون غاضباً، ويده على الزر النووي". وبعد وقت قصير من توليه منصبه، حاول نيكسون ومستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر تطبيق هذه الفكرة. وبناء على تعليمات كيسنجر أثناء زيارته موسكو، قال مستشار البيت الأبيض ليونارد غارمنت للمسؤولين السوفيات، إن نيكسون كان "شخصية مضطربة بشكل كبير، قادرة على ارتكاب وحشية همجية، ومصابة بجنون الارتياب إلى حد كبير، وتصرفاتها غير متوقعة على الإطلاق".

وقد حاول زعماء دوليون آخرون أيضاً تطبيق هذه النظرية عملياً. خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الـ20، تعمد الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف إضفاء صورة الجنون على شخصيته، وهو ما صدقه بعض المسؤولين الأميركيين في البداية في الأقل. فقد قال وزير الخارجية جون فوستر دالاس إن خروتشوف كان "مخموراً بشكل واضح في غالب الأوقات"، و"عاطفياً إلى حد كبير"، و"يمكن توقع أن يرتكب أفعالاً غير عقلانية" من دون النظر في العواقب. أما صدام حسين فقد عده زعماء أجانب رجلاً مجنوناً، رغم عدم وجود أدلة تشير إلى أنه تعمد بناء هذه السمعة. فوفق تحليل نفسي أجراه محلل أميركي عام 1991، كانت شخصية الديكتاتور العراقي تتميز "بطموحات شديدة إلى السلطة المطلقة، وغياب الضمير، وعدوانية غير مقيدة، ونظرة تتسم بالارتياب الجنوني". أما الرئيس الأميركي رونالد ريغان، فقد وصف الزعيم الليبي معمر القذافي بأنه "مهرج مجنون" و"متعصب لا يمكن التنبؤ بتصرفاته". في حين اعتقد وزير دفاع ريغان، كاسبار واينبرغر، أن القذافي ربما كان يعاني "مرضاً تناسلياً غير قابل للشفاء" يتسبب في "نوبات عرضية من الجنون تتسم بالهستيريا والتباهي والاستعراض الدرامي المفرط".

في الآونة الأخيرة، اكتسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سمعة الرجل المجنون بعد غزوه أوكرانيا. في فبراير (شباط) 2022، قال ماركو روبيو عضو مجلس الشيوخ آنذاك ووزير الخارجية حالياً، إن بوتين يعاني على ما يبدو "من مشكلات صحية عصبية أو فيزيولوجية"، محذراً من أن حسابات الأخطار في الكرملين قد تغيرت بطرق خطرة. كذلك، قال رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون إن بوتين قد يكون "فاعلاً غير عقلاني" و"يفكر بطريقة غير منطقية" في شأن تأثيرات العقوبات وأخطار الحرب. وقد عززت تهديدات بوتين المتكررة باستخدام الأسلحة النووية هذه الفكرة.

في المقابل، أثارت التقييمات حول زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون تساؤلات حول مسألة الجنون. عندما سئل مستشار الأمن القومي الأميركي هربرت ماكماستر في مقابلة تلفزيونية عام 2017 عما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة الاعتماد على التدمير المتبادل المؤكد لضمان ردع كوريا الشمالية، أجاب أنه لم يكن على استعداد "للمخاطرة بمصير بلد بأكمله أو التضحية بمدينة أميركية" على افتراض أن كيم جونغ أون سيتصرف بعقلانية. وفي محادثة مسربة عام 2017 مع الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي، حتى ترمب نفسه الذي لا يمكن توقع تصرفاته أعرب عن عدم يقينه في شأن ما إذا كان الردع سينجح مع زعيم كوريا الشمالية لأن كيم "قد يكون مجنوناً".

هل الجنون سيئ؟

قد تكون نظرية الرجل المجنون شائعة، لكنها لم تقدم كثيراً لأنصارها عبر التاريخ. فقد فشل نيكسون في إقناع الفيتناميين الشماليين وحلفائهم السوفيات بجنونه، واضطر في نهاية المطاف إلى الانسحاب من فيتنام. وخلال جهود الاتحاد السوفياتي للسيطرة على برلين بالكامل، هدد خروتشوف باستخدام الأسلحة النووية، وغالباً ما بدا وكأنه يفقد السيطرة على أعصابه عند لقائه المسؤولين الغربيين، إذ كان يصرخ ويلوح بيديه ويصبح وجهه أحمر. ومع ذلك لم يتمكن من إجبار الولايات المتحدة على التراجع. ولاحقاً، تراجع خلال المواجهة مع واشنطن في شأن نشر الصواريخ النووية في كوبا، وسحبها من الجزيرة. أما صدام حسين والقذافي، فقد قادتهما سمعة الجنون إلى مصير أسوأ: فأطاحت التدخلات العسكرية الأميركية بهما ثم قتلا. ونجحت تهديدات بوتين النووية في الحد من المساعدات العسكرية الغربية لكييف، ولكن إلى حد معين فقط. فبعد قيود صارمة في البداية، بدأت واشنطن وحلفاؤها الآن في تزويد الأوكرانيين بأنواع متعددة من الأسلحة المتقدمة، بما في ذلك الصواريخ البعيدة المدى، والدبابات، والطائرات المقاتلة.

والسبب الأكثر وضوحاً لهذا التاريخ السيئ [عدم فعالية استراتيجية الرجل المجنون] هو أنه من الصعب على أي زعيم، وخصوصاً قادة الدول المسلحة نووياً، إقناع خصومهم بأن سلوكهم غير عقلاني في جوهره. ولكن هناك عديداً من القادة الذين فشلوا رغم تكوين سمعة بعدم الاستقرار أو عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاتهم، وذلك لأنه من خلال الانتظام في مثل هذا السلوك، يواجه القادة صعوبة في إقناع الخصوم بأنهم سيلتزمون بأي وعود. فإقناع قادة الحكومات الأجنبية بالرضوخ لمطلب ما، في النهاية، لا يتطلب إقناعهم بأن المقاومة ستؤدي إلى عقاب فحسب، بل أيضاً بأن الرضوخ سيجنبهم العقاب فعلياً.

لنأخذ هنا على سبيل المثال تهديدات بوتين بالانتقام من دول الغرب لدعمها أوكرانيا. فإضافة إلى التلويح بالترسانة النووية الروسية، تتضمن هذه التهديدات أيضاً شن هجوم مباشر تقليدي على دول حلف شمال الأطلسي. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) على سبيل المثال، قال بوتين إنه قد يستهدف "المرافق العسكرية الخاصة بالدول التي تسمح باستخدام أسلحتها ضد منشآتنا". ومع ذلك رغم هذه التهديدات الجذرية، فشل بوتين في تغيير السياسة الغربية. وربما يكون أحد الأسباب وراء ذلك أن المحللين الغربيين يشكون في أن بوتين على استعداد لضرب عدو مسلح نووياً مثل حلف شمال الأطلسي. لكن الأهم من ذلك قد يكون شكوكهم في أن الامتثال لمطالب بوتين سيؤدي إلى السلام. فقد زعم المتشددون في الغرب مراراً بأن بوتين إذا انتصر في أوكرانيا، لن يتوقف عند هذا الحد، بل سيواصل الهجوم على دول أخرى، بما في ذلك أعضاء الناتو. من ثم، يقولون إن الغرب أفضل حالاً إذا واجه بوتين الآن وليس لاحقاً.

من الصعب على القادة الذين يصورون أنفسهم على أنهم مجانين حل هذه المفارقة. فالقادة الذين يشتهرون بتصرفاتهم غير المتوقعة، أو الذين يغذون الانطباع بأنهم قد يفعلون أي شيء بغض النظر عن العواقب، غالباً ما يواجهون صعوبة في تقديم ضمانات موثوقة. وينطبق الشيء نفسه على الزعماء الذين تستند سمعتهم السيئة إلى تفضيلات غير طبيعية أو مشوهة، مثل تلك المرتبطة بالتعصب أو التطرف. على سبيل المثال، إن تعطش صدام حسين الكبير للغزو جعل الآخرين يعتقدون أنه منجذب بشكل فطري إلى الصراع. نتيجة لذلك، بدت وعوده بالسلام فارغة. وقد شكلت هذه الهواجس أساساً لخوف إدارة جورج بوش من أن العراق سيهاجم حتماً إذا امتلك أسلحة دمار شامل، مما ساعد في تبرير غزو البلاد.

ولكن لا ينظر إلى جميع القادة على أنهم مجانين بالدرجة نفسها. ربما بدا صدام حسين مهووساً تماماً بالهيمنة، بينما بدت تصرفات القذافي غير متوقعة على الإطلاق. لكن آخرين ينظر إليهم على أنهم مصابون بصور أكثر اعتدالاً من الجنون وأن سلوكهم غير العقلاني يرتبط بمواقف محددة. على سبيل المثال، رأى المسؤولون الأميركيون أن خروتشوف رجل سريع الغضب قد يفقد أعصابه في مواجهة ما، ولكن لم يفكر أحد في أنه قد يهاجم الولايات المتحدة بشكل عشوائي. بعض النقاد، بمن في ذلك مسؤول في إدارة بايدن تحدث إلى صحيفة "بوليتيكو" من دون الإفصاح عن هويته، وصفوا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "مجنون" بسبب التطرف الذي أظهره في مهاجمة أعداء إسرائيل. ولكن حتى أشد خصوم نتنياهو لا يعتقدون أنه مجنون بما يكفي لتهديد دول عربية كانت تقليدياً أكثر وداً مع إسرائيل، عندما تدين حكومته، مثل مصر.

ومن المرجح أن يحقق هذا النوع من القادة نتائج أفضل على الساحة الدولية لأنهم قادرون على الجمع بين التهديد الموثوق بالحرب والوعد الموثوق بالسلام. على سبيل المثال، فإن السلوك غير المتوقع لخروتشوف خلال أزمة الصواريخ الكوبية، التي وافق خلالها في البداية على سحب الصواريخ السوفياتية ثم عاد ليطالب بتنازلات جديدة، ساعد في إقناع الرئيس الأميركي جون ف. كينيدي بإزالة الصواريخ النووية الأميركية من تركيا. وعلى نحو مشابه، نجح كيم جونغ أون في استغلال تصرفاته غير المتوقعة لعقد اجتماع مع ترمب، مما عزز مكانته.

ومن المفارقات أن أفضل مثال على ذلك هو أدولف هتلر. فرغم أن الديكتاتور كشف عن نفسه في النهاية كشخص مهووس بالإبادة الجماعية، فإنه نجح عام 1938 في إقناع بعض محاوريه البريطانيين بأنه متطرف فقط في ما يتعلق بقضية إنشاء ألمانيا الكبرى. وكنتيجة جزئية، وافقت بريطانيا على السماح له بضم الجزء من تشيكوسلوفاكيا الذي يعيش فيه سكان من العرق الألماني بدلاً من الدخول في الحرب. أما الباقي فهو تاريخ [معروف].

محاولة إقناع مجنون

إن اعتماد ترمب على نظرية الرجل المجنون قد يكون مثمراً في بعض الظروف. على سبيل المثال، قد يكون لسمعته بأنه شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته تأثير رادع ضد كل من الصين وروسيا، أقوى خصوم الولايات المتحدة. في الواقع، تعمل بكين على توسيع ترسانتها النووية بسرعة، فيما تنتظم موسكو في تهديدات نووية شبه مستمرة. ومن الممكن أن تأمل كلتا الدولتين أن يردع هذا السلوك الولايات المتحدة عن التدخل إذا هاجمت الصين تايوان أو شنت روسيا هجوماً على دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، خشية أن تجد واشنطن نفسها في صراع نووي. ولكن إذا تمكن ترمب من إقناع الدولتين بأنه قد يكون مستعداً للقيام بأي شيء رداً على استفزازاتهما، فقد يغير مثل هذه الحسابات ويمنع وقوع الغزوات.

لكن نهج ترمب قد يفشل أيضاً بشكل كارثي. فإذا اعتقدت بكين أن ترمب سيفرض عقوبات أو جزاءات أخرى تعسفية على الصين، حتى لو احترمت المصالح الأميركية، فقد تصبح أكثر ميلاً لتحدي الولايات المتحدة. والأمر الأكثر إثارة للقلق، في سيناريو متطرف، هو أنه إذا وجدت الولايات المتحدة نفسها منتظمة في لعبة حافة الهاوية النووية مع بكين أو موسكو، فإن سمعة ترمب كشخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته فقد تعزز المخاوف من أن تشن واشنطن الضربة النووية الأولى مما قد يدفع أي من الحكومتين إلى شن هجوم نووي استباقي. وحتى إذا حقق نهج الرجل المجنون الذي يتبعه ترمب بعض التقدم مع الصين وروسيا، فقد يقوض تعاملاته مع خصوم أضعف. على سبيل المثال، ستتمسك إيران وكوريا الشمالية ببرنامجيهما النوويين أكثر إذا اعتقدتا أن ترمب قد يتخذ إجراءات لإطاحة نظاميهما. وبغض النظر عن مدى صدقية تهديدات ترمب، فمن غير المرجح أن يرضخ البلدان للتهديدات الأميركية من دون وعد موثوق بسلام وأمن مستدامين.

ولهذه الأسباب كلها، سيضطر ترمب إلى إثبات أن جنونه له حدود. وسيكون عليه أن يوضح أن سياسته الخارجية ليست مجردة تماماً من المنطق وأنه يمكن الوثوق به في الالتزام بالاتفاقات. ولن يؤدي هذا النهج إلى زيادة احتمال الامتثال لتهديدات واشنطن فحسب، بل إنه سيقلل أيضاً من خطر التصعيد غير المقصود، من ثم يطمئن الحلفاء القلقين من سياسات ترمب.

ولكن للأسف، من الصعب للغاية إظهار المستوى المناسب من الجنون. فقد اكتسب عديد من المجانين، بمن في ذلك القذافي وصدام، سمعة أثبتت في نهاية المطاف أنها ضارة، لأن خصومهم باتوا يعتقدون أنهم لن يلتزموا بأي اتفاق سلام. في المقابل، ربما لم يذهب زعماء مثل خروتشوف ونيكسون بعيداً بما يكفي، نظراً إلى أن خصومهم شككوا في استعدادهم لاستخدام الأسلحة النووية. وقد يحقق ترمب النجاح إذا تمكن من تصوير نفسه على أنه شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته ولا يمكن ضبطه ولكن من دون أن يبدو مختل العقل. أما إذا بدا ترمب غير عقلاني إلى حد ميؤوس منه، فمن غير المرجح أن يحقق ما يسعى إليه.

* روزان ماكمانوس هي أستاذة مشاركة في جامعة ولاية بنسلفانيا.

المقال مترجم عن "فورين أفيرز" 24 يناير 2025

https://www.independentarabia.com/

اضف تعليق