إنفاق 80 مليون دولار الآن أو مليارات ومليارات الدولارات لاحقاً، أي على عملية تنظيف البيئة والتعامل مع التداعيات الثانوية، مثل ازدياد حدة المجاعة في اليمن (حيث ستُجبر المدن الواقعة على الساحل والتي تصل من خلالها معظم الواردات الغذائية على الإغلاق) ودمار المسامك والموارد الأخرى للدخل التي ستتأثر بتسرب...
ثمة منشأة تخزين نفط عائمة في المياه اليمنية على وشك التصدع أو الانفجار. والوقت ينفد لجمع 20 مليون دولار هو المبلغ المتبقي اللازم لعملية إنقاذية لمنع حدوث أضرار بيئية واقتصادية بأبعاد تاريخية.
تدعو مجموعة الأزمات الحكومات، والمؤسسات الدولية والأفراد المقتدرين مادياً للتبرع بشكل عاجل جداً للمساعدة في تفادي حدوث كارثة بحجم هائل في البحر الأحمر. صافر، وهي ناقلة نفط كبيرة تم تحويلها إلى خزان عائم ومِرفق لتفريغ شحنات النفط تحمل أكثر من مليون برميل نفط حالياً، ويمكن أن تنفجر أو تتصدع في أي لحظة. وإذا حدث ذلك، فمن شبه المؤكد أن تتسبب بكارثة بيئية ستتجاوز بكثير حادثة التسرب النفطي من إكسون فالديز عام 1989، "حاملة الرقم القياسي" الحالي للضرر البيئي من حادثة واحدة. كما أنها ستفاقم أيضاً المحنة الإنسانية الحادة ويمكن أن تعقّد الجهود الرامية لإنهاء الحرب في البلاد. إن عملية إنقاذية متضافرة ما تزال ممكنة، لكن الوقت قصير جداً، والأمم المتحدة، التي تفاوضت على خطة عملية، ما تزال بحاجة ماسّة للمبلغ النقدي – ومقداره 20 مليون دولار – رغم الجهود الحثيثة لجمع التبرعات.
الحقائق المرتبطة بالحالة معروفة تماماً. وقد تم إطلاع العالم عليها من قبل بعثة الأمم المتحدة الإنسانية في اليمن وتمت تغطيتها في عرض موجز في مجلة ذا نيويوركر. إن الحقائق باختصار شديد هي على النحو الآتي:
ترسو صافر في مياه على الساحل اليمني على البحر الأحمر يسيطر عليها المتمردون الحوثيون، الذين يسيطرون أيضاً على معظم أنحاء شمال البلاد. لقد جعلت سبع سنوات من الحرب والعقوبات من المستحيل تحريك النفط أو إجراء عملية صيانة روتينية على هذا المرفق العائم؛ وخلال هذا الوقت، بدأت الناقلة بالتآكل، في حين أن النظام الموجود على متنها لمنع انفجار الغازات القابلة للاشتعال بات معطلاً.
بعد مفاوضات مضنية قادتها الأمم المتحدة، وافق الحوثيون والأطراف الأخرى في الحرب اليمنية على تفريغ النفط من صافر وعلى أن يتم تفكيك الناقلة واستبدالها، ربما بسفينة أصغر تُربط بعوامة على الساحل، وهو نظام تستعمله عدة بلدان أخرى، بما فيها إيران.
وتكلّف المرحلة الأولى من العملية، أي تفريغ النفط، 80 مليون دولار. أما المرحلة الثانية، وهي وضع الناقلة الجديدة في مكانها، فيمكن أن يكلّف 64 مليون دولار إضافي (يمكن أن يحسم منه العائد المتوقع من بيع الخردة المعدنية لصافر، والمقدر ثمنها بـ 25 إلى 30 مليون دولار). إن الحاجة إلى الأموال اللازمة للمرحلة الثانية ليست بنفس الإلحاح.
الوقت هو العنصر الجوهري لإكمال المرحلة الأولى. ففي حين أن السفينة يمكن أن تتصدع أو تتحول إلى كتلة لهب في أي وقت، فإن المخاطرة سترتفع بشكل كبير حالما يتغير الطقس في تشرين الأول/أكتوبر، عندما تضرب الرياح العاتية البحر الأحمر. تحتاج العملية الإنقاذية، التي ستجريها شركة هولندية، أربعة أشهر. ولا يمكن تأخير تلك العملية للحظة واحدة إضافية.
لقد أثمرت مناشدة الأمم المتحدة للحصول على المال للمرحلة الأولى عن جمع 60 مليون دولار حتى الآن. وقد وصلت المساهمات من الحكومات الهولندية، والألمانية، والسعودية، والسويسرية، والبريطانية، والأمريكية، لكن يتبين أن جمع الـ 20 مليون الأخيرة هو الأكثر صعوبة.
لكن الحساب بسيط: إنفاق 80 مليون دولار الآن أو مليارات ومليارات الدولارات لاحقاً، أي على عملية تنظيف البيئة والتعامل مع التداعيات الثانوية، مثل ازدياد حدة المجاعة في اليمن (حيث ستُجبر المدن الواقعة على الساحل والتي تصل من خلالها معظم الواردات الغذائية على الإغلاق) ودمار المسامك والموارد الأخرى للدخل التي ستتأثر بتسرب النفط – ليس في اليمن وحسب بل على طول ساحل البحر الأحمر. أضف إلى ذلك الأثر على عمليات الشحن البحري عبر هذا الممر المائي الحيوي، على سبيل المثال على شكل تحديات إضافية في سلسلة الإمداد التي من شأنها أن تؤثر على الاقتصاد العالمي، وكلفة عدم القيام بما يلزم أكثر وضوحاً. وينبغي أن يشكل حادث سفينة إيفر غيفين، التي أغلقت قناة السويس لمدة ستة أيام في آذار/مارس 2021، تذكاراً صارخاً بالانقطاعات التي يمكن أن يسببها إغلاق من ذلك النوع، حتى ولو كان قصير الأمد.
ولذلك ينبغي أن ينظر المانحون إلى حزمة الـ 80 مليون دولار ليس كهدية للمتمردين الحوثيين، بل كفعل جوهري لحماية مصالحهم الاستراتيجية ورفاههم الاقتصادي، وكذلك البيئة الهشة لحوض البحر الأحمر.
لقد فعلت الأمم المتحدة كل ما في وسعها لإبقاء أزمة صافر منفصلة عن الحرب اليمنية التي نشأت عنها، لإدراكها بأن الأطراف المتحاربة ستحاول – كما حاولت أصلاً، لكن عبثاً – تسييس القضية وبفعلها ذلك تأخير عملية الإنقاذ أكثر. إلا أن الصلة حقيقية فعلاً، على الأقل لأن التسرب النفطي الهائل الذي يمكن أن يحدث من شأنه أن يعيق جهود صنع السلام. ومن شبه المؤكد أن الأطراف المختلفة لن تلقي مسؤولية الكارثة على بعضها بعضاً وحسب، بل إن إغلاق الموانئ ومضاعفة التحديات الإنسانية من شأنه أن يعيد إشعال فتيل القتال في الوقت الذي يشهد فيه اليمن لحظة من الهدوء النسبي بفضل الهدنة التي توسطت الأمم المتحدة للتوصل إليها، والتي دخلت شهرها الثالث. من شأن حدوث تسرب نفطي أن يزيد أيضاً من حدة التوترات الجيوسياسية في المنطقة.
قد تكون هذه المناشدة أبسط شيء فعلته مجموعة الأزمات على الإطلاق. لا تتعلق المسألة بقيام أطراف الصراع بوضع خلافاتهم العميقة جانباً والاتفاق على تسويات مؤلمة على طاولة المفاوضات. بل بقيام حكومات وآخرين باقتطاع أجزاء من موازناتهم لتخصيص 20 مليون دولار لهذا الجهد – وهو مبلغ لا يذكر تقريباً بالنسبة لمعظم الأطراف الغربية المعنية بالنظر إلى النفقات الأكبر التي ستترتب على الشركات الأخرى وأيضاً بالنظر إلى نطاق الكارثة الوشيكة. ما من شك في أن معالجة التهديد الذي تشكله صافر الآن سيوفر عائداً هائلاً على ما يمكن اعتباره استثماراً ضئيلاً.
بالطبع، وبصرف النظر عن قضية صافر، فإن أولئك الذين لهم مصلحة في وضع نهاية تفاوضية للحرب اليمنية سيكونون بحاجة لفعل ما هو أكثر بكثير لإنجاز تلك المهمة وأيضاً لتخفيف المعاناة الإنسانية الهائلة التي تسببت بها الحرب. سيكون إنقاذ سفينة متداعية خطوة أولى رخيصة، وسهلة ومنطقية تماماً نحو تحقيق هذا الهدف الأكبر.
اضف تعليق