قد يواجه النظام السوري الجديد مشكلة جدية إذا لم تجد الحكومة المؤقتة طريقة للتعامل على نحو أفضل مع حالة التمرد المتزايدة. لقد ألحق العنف حتى الآن ضرراً بمكانة الحكومة على المستويين الداخلي والدولي. ومن المرجح أن ترى القوى الإقليمية المتشككة بالسلطات الجديدة، ولا سيما إيران وإسرائيل، اللتان لديهما أجنداتهما...
لقد دفعت الصدامات الدموية في أجزاء من سوريا التوترات الطائفية إلى أوجها. وإذا لم تتصرف الحكومة المؤقتة بسرعة لمعاقبة المرتكبين، ومعالجة مخاوف ومصادر قلق العلويين وضمان الأمن العام على نحو أفضل، يمكن أن تكون العملية الانتقالية والخروج من الحرب الأهلية في خطر جسيم.
تواجه الحكومة السورية المؤقتة أكبر تحدياتها منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024. ففي 6 آذار/مارس، شنَّت مجموعات شبه عسكرية موالية للنظام المخلوع هجمات منسَّقة على قوات الأمن حديثة التأسيس في مدينتي جبلة وبانياس على ساحل البحر الأبيض المتوسط. دفعت الهجمات إلى هجوم معاكس سريع وفوضوي شنَّته قوات الأمن وفصائل مسلحة أخرى داعمة للحكومة. أدت الصدامات العنيفة في محافظات اللاذقية، وطرطوس وحماة إلى مقتل العديد من عناصر الأمن، إضافة إلى أعداد كبيرة من أفراد ما يبدو أنها كانت حالة تمرد ناشئة. في وقت ما يزال من غير الممكن التحقُّق من الأعداد الدقيقة، تشير التقارير إلى أن مئات المدنيين قُتلوا أيضاً في فظاعات مروِّعة، بما في ذلك عمليات إعدام دون محاكمة نفذتها بعض القوات المقاتلة إلى جانب الحكومة. يبدو أن جميع الضحايا المدنيين تقريباً من العلويين، وهي مجموعة إثنية-دينية ذات جذور عميقة في الساحل السوري، تحدَّرت منها عائلة الأسد، وشكلت النواة الصلبة لجيش النظام السابق، وشرطته السرية وأجهزة مخابراته.
إنها لحظة خطرة بالنسبة لبلد يصارع للخروج من عقود من الحكم الاستبدادي لنظام الأسد وحرب أهلية مدمرة – ولحكومة مؤقتة بحاجة لبعث الثقة لدى الشركاء الأجانب، بحيث يرفعون العقوبات التي تخنق الاقتصاد ويساعدون في إعادة الإعمار. لا تستطيع السلطات الجديدة، التي لا تزال علاقاتها السابقة بالمجموعات الجهادية تثير مخاوف السوريين والجهات الخارجية تَحمُّل أن تُربَط بجرائم جديدة ضد الشعب السوري. لقد قال الرئيس المؤقت أحمد الشرع إن حكومته ستحاسب “كل من تورَّط بدماء السوريين“، مضيفاً أنه “لن يكون هناك أي شخص فوق القانون“.
يتعيَّن على دمشق أن تتصرف بسرعة وحسم، وإبعاد العناصر المتهمة على نحو ذي مصداقية بارتكاب الفظاعات من الخدمة الفعلية، وضمان انتشار القوات الأكثر انضباطاً فحسب في المناطق الحساسة. كما سيتوجب عليها على نحو عاجل كبح جماح المجموعات المسلحة المرتبطة بها وإبقائها تحت السيطرة الصارمة؛ والمضي قدماً في اتخاذ خطوات أولية لتأسيس إجراءات عدالة شفافة لمحاكمة المتهمين بارتكاب عمليات القتل الأخيرة وأي عمليات تحدث في المستقبل؛ وفعل الشيء نفسه بالنسبة للجرائم التي ارتكبها نظام الأسد وآخرون طوال مدة الحرب؛ ووضع صيغة للحوار يمكن للسوريين على جميع مشاربهم أن يناقشوا فيها هواجسهم وأولوياتهم مع السلطات ومع بعضهم بعضاً. ينبغي أن يكون هذا الحوار أكثر مصداقية وشمولاً من الحوار الجاري حالياً.
وصول التوترات إلى أوجها
أوصل اندلاع العنف في 6 آذار/مارس التوترات إلى أوجها، وهي توترات تفاعلت تحت السطح على مدى أشهر في أجزاء من الساحل السوري وفي مناطقه المركزية التي يقطنها معظم أفراد الأقلية العلوية. بعد انهيار نظام بشار الأسد، تعهَّد القادة العلويون بدعم الحكومة المؤقتة، التي تديرها هيئة تحرير الشام، وهي مجموعة إسلامية سنية كان قادتها قد انفصلوا عن النهج الجهادي في عام 2016 بعد أن كانوا مرتبطين بالقاعدة (وقبلها بتنظيم الدولة الإسلامية). بالمقابل، تعهدت هيئة تحرير الشام بحماية الطائفة من كل من يسعى إلى الانتقام للجرائم التي ارتُكبت في ظل نظام الأسد. لكن كثيراً من العلويين، الذين كانوا ينضمون بأعداد غير متناسبة إلى قوات النظام، وكان يستعملهم الأسد على نحو منتظَم وقوداً لعملياته، ما يزالون قلقين من أنه سيُفرَض عليهم جماعياً دفع ثمن انتهاكات النظام. كما يخشون أنهم سيُبعَدون عن الترتيبات السياسية والاقتصادية الجديدة في البلاد.
قبل اندلاع العنف في مطلع آذار/مارس في اللاذقية وأماكن أخرى، انتشرت تقارير عن هجمات متفرقة على أشخاص علويين في وسائل التواصل الاجتماعي. ركزت الحسابات التي يديرها خصوم السلطات الجديدة كثيراً على هذه التقارير، لكن يصعب التحقق من صحتها. كان من الواضح أن بعض مقاطع الفيديو التي نُشرت كانت نُسخاً أعيد تكريرها من أماكن وأزمنة أخرى، وتقارير أخرى مزيفة بالكامل. رغم ذلك، من الواضح أن بعض تلك الحوادث قد حصل. إن الافتقار إلى الانضباط والخضوع للسيطرة والتحكم مظاهر واضحة في أوساط بعض القوات الحكومية، ولا سيما تلك التي كانت مرتبطة سابقاً بفصائل مسلحة خارج هيئة تحرير الشام والتي باتت الحكومة تقول الآن إنها تابعة لها.
لقد عزز استمرار هذه الحوادث شعوراً بانعدام الأمن، بل حتى بوجود تهديد وجودي، في أوساط كثير من الأقليات التي كانت متوترة أصلاً بعد السقوط المفاجئ لنظام الأسد. لقد كان العلويون قلقين على نحو خاص، بالنظر إلى دور كثير منهم (وإن لم يكن كلهم) في جيش، ومخابرات النظام وقواته شبه العسكرية، التي انحلت بعد انهياره داخلياً. لم يعد أفراد تلك القوات يتلقون رواتب من الدولة؛ وقد سمحت المخاوف العميقة للطائفة بشـأن نوايا الحكومة بأن يكون لأصوات الموالين للأسد صدى بين أفرادها. ربما يأمل بعض هؤلاء الموالين بأن يتمكن النظام السابق من العودة، ويحتفظ بعض الضباط وقادة الميليشيات بعلاقات مع مجموعات مسلحة خارج سوريا، ولا سيما مع حزب الله في لبنان، ومع دول أجنبية مثل إيران. لجميع هذه الأسباب، توفرت الظروف المناسبة لحدوث تمرد، ولا سيما في المناطق الجبلية على الساحل السوري.
نظام جديد يصارع لتحقيق الاستقرار
يهدد احتمال ظهور تمرد منظم جهود هيئة تحرير الشام في تعزيز سلطتها وتحقيق الاستقرار في سوريا بحيث يصبح من الممكن إعادة إعمار البلد الذي أفقرته الحرب ومزقته. عندما اكُتسحت دمشق في مطلع كانون الأول/ديسمبر 2024، كان لدى هيئة تحرير الشام نحو 30,000 مقاتل، في حين كان لدى مجموعات المتمردين الأخرى مجتمعة نحو 80,000 مقاتل. معظم المجموعات الأخيرة كانت جزءاً من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، وهو مجموعة من الميليشيات التي تتسم بمستويات متفاوتة من الانضباط ولا تحتوي بنية قيادة موحدة.
أعادت الحكومة المؤقتة تشكيل المجموعات المرتبطة بها حول النواة الصلبة لهيئة تحرير الشام، وسمَّت المزيج الجديد قوات الأمن العام. وسعت لنشر وحدات من هذه القوات في جميع المناطق السورية التي تسيطر عليها، بينما قامت في الوقت نفسه بتعيين أفراد جدد، وتسريح بقايا جنود وعناصر أمن النظام دون رواتب. تمكنت قوات الأمن العام الجديدة من توسيع سيطرتها على أجزاء عدة من البلاد، ولا سيما العاصمة والمدن المركزية مثل حلب وحماة، واستعادت الثقة وحافظت على الهدوء. لكن القوات الجديدة، التي لم تتلقَ سوى الحد الأدنى من التدريب، لم تثبت فعالية مماثلة في المناطق التي انتشرت فيها، مثل حمص. إضافة إلى ذلك، فإن عدداً كبيراً من الفصائل المسلحة استمرت بالعمل على نحو شبه مستقل عن قيادة الأمن العام.
في الأماكن التي وجد الأمن العام صعوبة في تغطيتها على نحو شامل، مثل حمص (المدينة والريف على حد سواء) وريف حماة، استمرت الاضطرابات منذ سقوط الأسد. تركت الحرب الأهلية إرثاً قاتماً من العنف الطائفي في هذه المناطق، التي تتسم بتركيبة سكانية متنوعة جداً. شهدت هذه المناطق، اليوم، عدداً كبيراً من عمليات القتل الانتقامية وعمليات الخطف، أحياناً مقابل فدية، الأمر الذي ولَّد شعوراً طاغياً بالخطر في أوساط السكان. ليس لكل فعل من أفعال العنف دافع واضح، لكن العلويين كانوا ضحية معظم هذه الأفعال، إذ حدث عدد كبير منها في الساحل، أو في حمص أو حماة. سواء بسبب الافتقار إلى القدرة أو بسبب عدم الاهتمام، فإن السلطات الجديدة في دمشق وجدت صعوبة في استعادة الأمن العام، الأمر الذي أسهم في تولُّد شعور بالاضطهاد في أوساط العلويين على نحو خاص.
يحوم حول العنف السؤال المتعلق بمستقبل العلويين في الدولة السورية الجديدة. لقد سعت قوات الأمن الحكومية إلى تبديد مخاوف الطائفة بتقديم نفسها على أنها غير طائفية؛ إذ تقول إنها تهدف في حملات اعتقالها إلى إلقاء القبض فقط على الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم نيابة عن نظام الأسد. لكن من الناحية العملية، لدى العلويين ما يدعو للشك بهذه التطمينات. إنهم ما يزالون مستبعَدين، على سبيل المثال، من الهيكليات السياسية والعسكرية الجديدة. ولم تقدم الحكومة خطة لدمج الجنود المسرَّحين في الجيش الجديد، مشيرة إلى الندوب العميقة التي تركتها الحرب الأهلية، إضافة إلى رفض العديد من المقاتلين المتمردين السابقين الخدمة إلى جانب أعدائهم السابقين. ويُبدي كثير من السوريين إجمالاً حذراً من توظيف ضباط قوات النظام السابق أو المسؤولين الحكوميين السابقين، الذين يُعتقد أنهم مكَّنوا النظام من ممارسة عنفه المفرط. كما يشكل انعدام الأمن الاقتصادي تحدياً هائلاً. في حين أن عمليات التسريح الجماعية من الوظائف ألحقت الضرر بالسكان بشكل عام، فإن تسريح نصف مليون من عناصر الأجهزة الأمنية ألحق الضرر بالعلويين على نحو خاص. ويُذكَر أن كثيراً منهم فقدوا مساكنهم التي كانت قد قدمتها لهم الدولة، وصُرفت زوجات عناصر الأمن الموظفات في القطاع العام، بالنظر إلى اعتبارهن مذنبات أو غير موثوقات لارتباطهن بعناصر مذنبة.
تصاعدت المخاطر الناجمة عن ذلك وانعدم الأمن بسرعة وصولاً إلى العنف. خلال الشهرين الأولين من حكم الحكومة المؤقتة، بدأ فلول نظام الأسد الذين كانوا قد انسحبوا إلى المناطق الجبلية، العلوية في معظمها، قرب الساحل بمهاجمة قوات الأمن الجديدة في محاولة على ما يبدو لدفعها إلى رد قاسٍ من شأنه أن يدفع السكان المحليين إلى الوقوف إلى جانبها. في 3 آذار/مارس، على سبيل المثال، قتل المتمردون اثنين من عناصر الأمن العام في هجوم مفاجئ في حي الدعتور في اللاذقية، الأمر الذي دفع السلطات إلى إطلاق عملية لإلقاء القبض على الجناة يذكر أنها انتهت بمقتل أربعة مدنيين. بشكل عام، يبدو أن جهود استدراج قوات الأمن العام وكسب تعاطف السكان لم تحقق سوى نجاح محدود، إذ تعاون سكان المناطق العلوية في كثير من الأحيان مع قوات الأمن بدلاً من حماية المتمردين. لكن أصبح التمرد الناشئ، رغم ذلك، أكثر انتظاماً، وشنَّ عدداً متزايداً من الهجمات وصلت إلى ذروتها في أحداث 6 آذار/مارس.
دفعت هجمات المتمردين إلى عملية تعبئة عامة لقوات الحكومة في جميع أنحاء البلاد، إضافة إلى مجموعات مسلحة موالية للحكومة يبدو أنها تعمل خارج سيطرة دمشق. ردَّت هذه القوات الأخيرة على نحو عشوائي وبوحشية كبيرة، فانخرطت في معارك مع المتمردين (الذين استمر هجومهم) لكنها أيضاً قتلت مدنيين في بانياس، على الساحل قرب مدينة اللاذقية الساحلية، والمختارية، وهي قرية على الطريق العام بين اللاذقية وحلب، وكذلك في أماكن أخرى. اتخذت قوات الأمن العام التي تسيطر عليها دمشق خطوات بناءة في بعض المناطق، على سبيل المثال، فحمت أحياء العلويين في مدينة حمص ببناء جدار بشري لصد المجموعات المسلحة المحلية، لكنها أخفقت في مناطق أخرى في منع حدوث مجازر ارتُكبت باسم الحكومة.
لَعِب أوراق عالية المخاطر
قد يواجه النظام السوري الجديد مشكلة جدية إذا لم تجد الحكومة المؤقتة طريقة للتعامل على نحو أفضل مع حالة التمرد المتزايدة. لقد ألحق العنف حتى الآن ضرراً بمكانة الحكومة على المستويين الداخلي والدولي. ومن المرجح أن ترى القوى الإقليمية المتشككة بالسلطات الجديدة، ولا سيما إيران وإسرائيل، اللتان لديهما أجنداتهما الخاصة في سوريا في الوضع المتردي دليلاً على أن الحكومة المؤقتة تحتفظ بتطلعات جهادية؛ وقد تسعى تلك القوى إلى استغلال الانقسامات الطائفية. وربما يتزايد إحجام الولايات المتحدة، التي تلقي عقوباتها ظلاً ثقيلاً على نحو خاص على البلاد، وتصبح أكثر تردداً في رفع تلك العقوبات.
سيتعين على دمشق أن تتصرف بحكمة وسرعة، إذ يمكن لعمليات القمع الاعتباطية أن تعزز الدعم الشعبي للموالين للأسد، ما قد يدفعهم إلى شن المزيد من الغارات وإدخال سوريا في حلقة جديدة من القمع والعنف. يمكن لدمشق أن تستمد دروساً تحذيرية من جارتها العراق. هناك، وبعد إطاحة الولايات المتحدة بصدام حسين، أدى تهميش العرب السنة، الذين حمَّلهم الحكام الجدد المسؤولية الجماعية عن فظاعات النظام السابق، إلى عقد من عدم الاستقرار والعنف، بما في ذلك ثلاث سنوات من الحرب الطائفية. يمكن لديناميكية مشابهة أن تظهر في سوريا اليوم. ويمكن لأحداث مثل الفظاعات التي ارتُكبت في مطلع آذار/مارس أن تنفِّر ليس العلويين فحسب، بل الأقليات الأخرى أيضاً، مثل المسيحيين، والشيعة، والإسماعيليين، والدروز والأكراد.
لكن العمل بسرعة أمر جوهري أيضاً؛ ففي حين يفتقر المتمردون حتى الآن إلى القدرة على تشكيل تهديد عسكري جدّي يتجاوز الجبال الساحلية، فإن مزيجاً من الهجمات المستمرة على قوات الأمن العام، وتلقّي دعم مستقبلي محتمل من جهات خارجية مثل إيران وحزب الله (أشار إليه الأشخاص الذين تحدثوا إلى مجموعة الأزمات)، وجيش يجد صعوبة في تغطية جميع المناطق ويردُّ بقوة مفرطة، يمكن أن يدفع أجزاءً من البلاد إلى الخروج أكثر من تحت سيطرة الحكومة. وفي مثل ذلك السيناريو، ستجد الحكومة المؤقتة صعوبة أكبر في استيعاب مجموعات أخرى، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية، التي تسيطر على مناطق واسعة من الأرض في شمال شرق سوريا.
يبدو أن الشرع يدرك جسامة اللحظة؛ فبعد حثِّ القوات الأمنية بشكل عام على التصرف على نحو أخلاقي في خطاب ألقاه في 7 آذار/مارس، مضى أبعد من ذلك في خطاب ثانٍ، فأكد على المساءلة، بما في ذلك بالنسبة للجهات التابعة للحكومة، وأعلن تشكيل لجان، إحداها لجنة تقصي حقائق وأخرى للسلم الأهلي. ستحقق اللجنة الأولى في أسباب الاضطرابات، وتحديد المسؤولين عنها، بمن فيهم العناصر المرتبطة بالحكومة، المسؤولين عن أعمال العنف ضد المدنيين، وكذلك أولئك الذين هاجموا قوات الأمن. وستركز اللجنة الثانية على التواصل مع المجتمعات المحلية، والإصغاء إلى هواجسها، وتقديم الدعم والحماية، وتعزيز التماسك الوطني. بشكل عام – وإضافة إلى ما تفعله حيال العنف الذي حدث في مطلع آذار/مارس - يتعين على الحكومة المؤقتة أن تتصرف بسرعة لمحاسبة الجهات المسلحة المتحالفة معها والمسؤولة عن العنف والممارسات الافتراسية ضد المدنيين.
من الناحية العملياتية، يجب أن تكون قيادة الأمن العام مسؤولة عن حملة استعادة النظام، وضمان وقف المزيد من الأعمال الانتقامية. وينبغي استبعاد المجموعات والأفراد المتهمين على نحو ذي مصداقية بارتكاب فظاعات، حتى نهاية التحقيق، وتَأكُّد القيادة من إرسال الوحدات الأفضل تدريباً فقط إلى مناطق مثل محافظة اللاذقية الأكثر عرضة لمخاطر اندلاع المزيد من الاضطرابات. كما سيتعين على القيادة ضبط المجموعات المسلحة المختلفة المرتبطة بالحكومة المؤقتة، وضمان خضوع قادتها لأوامرها ومحاسبة أولئك الذين لا يطيعون الأوامر، ويتجاوزون صلاحياتهم أو يرتكبون ما هو أسوأ من ذلك. كما ينبغي للحكومة أن تضع خطة لإشراك العلويين وأفراد الأقليات الأخرى على نحو حقيقي في الجهود الرامية للمحافظة على الأمن، بإقامة تعاون وثيق مع وجهاء الطائفة. كما يمكن أن تعيِّن أفراداً من قوات الشرطة السابقة، التي لم تشارك إجمالاً في العنف الذي مارسه نظام الأسد، بعد دراسة ملفاتهم.
تُعدُّ مسألة تحقيق العدالة عن الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب أكثر تعقيداً، بالنظر إلى المطالب القوية للسوريين بتحقيق المساءلة عن الفظاعات التي ارتكبها النظام. من المرجح أن يكون عدم اتخاذ إجراءات في هذا الصدد قد أسهم بقيام مجموعات مسلحة محلية بدور قوات الأمن، الأمر الذي يثير مخاوف في أوساط المجتمعات التي تقع ضحية لهم. من ناحية أخرى، فإن تلميحات الشرع إلى أنه يعتزم مساءلة مسؤولي النظام السابق قد تدفع إلى المزيد من المقاومة من قبل المتمردين. من حيث المبدأ، ينبغي أن يُترَك تحديد المسائل الإشكالية للعدالة الانتقالية إلى حوار وطني وحكومة أكثر شمولية – وهو الأمر الذي يؤكد على أهمية إقامة حوار ذي مصداقية أكبر. في هذه الأثناء، إذا اعتقلت الحكومة ضباطاً في النظام السابق، ينبغي أن تفعل ذلك على نحو شفاف، وأن تحدد أسماء المعتقلين، وعلى أي أساس اعتقلوا، وأن تطبق الإجراءات القانونية واجبة الاتباع على جميع من تحتجزهم.
قد يكون الأمر الأكثر أهمية هو أنه يتعين على الحكومة أن تبعث برسائل واضحة تؤكد أن للعلويين مستقبل سياسي واقتصادي في سوريا الجديدة – وهي الطريقة الأفضل لإظهار أنهم لن يُحمَّلوا مسؤولية جماعية عما فعله نظام الأسد. وسيشكل حوار وطني تشاركي شامل بداية جيدة. ينبغي أن تتاح للسوريين من جميع الخلفيات فرصة التعبير عن مظالمهم، بما في ذلك فيما يتعلق بترتيبات ما بعد الأسد، والتعبير عن أمالهم فيما سيتحقق في السنوات القادمة. يمكن لمثل تلك الإجراءات أن تبدد انعدام الثقة بين الطوائف. هذه إجراءات ملحَّة، على المدى القصير، من أجل تعزيز ثقة السوريين بالنظام الجديد وطمأنة العلويين، على نحو خاص، بأن الحكومة الجديدة ستفي بالتزاماتها بضمان الأمن والمساواة للجميع.
اضف تعليق