من المرجح أن يؤدي عدم التحرك على هذه الجبهات إلى تعميق تصوُّر الحوثيين بأنه لا خيار أمامهم سوى الاستمرار في الحرب في اليمن، والاستمرار في مضايقة خصومهم بتهديد الشحن البحري التجاري. ما لم تُتخذ إجراءات متضافرة لمنع تفاقم الصراع، فإن الضحية المحتملة ستكون الاستقرار في جميع أجزاء حوض البحر...

لقد أعادت التبادلات الجديدة لإطلاق النار بين الحوثيين في اليمن، من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل، من جهة أخرى، أمن البحر الأحمر إلى الأضواء من جديد. ثمة تحديات كبيرة في المستقبل تتمثل في وقف التصعيد العسكري في هذه المياه الإستراتيجية.

ما الجديد؟ لقد أنهى العنف المتجدد فجأة بين الولايات المتحدة والحوثيين في اليمن الهدوء الذي لم يدم طويلاً في البحر الأحمر خلال مدة وقف إطلاق النار في قطاع غزة. الآن، تهدد نهاية الهدنة بتصعيد خطير، ليس في هذه المياه فحسب، بل في المنطقة برمّتها.

ما أهمية ذلك؟ منذ أواخر عام 2023 وحتى مطلع عام 2025، أصاب هجوم حوثي أكثر من مئة سفينة يُزعم أنها مرتبطة بإسرائيل، أو الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، الأمر الذي رفع تكاليف الشحن البحري، وأفضى إلى رد عسكري دولي. بالنظر إلى وجود أساطيل من أكثر من خمس عشرة دولة تقوم بعمليات في البحر الأحمر، فإن مخاطر اتساع نطاق الأعمال القتالية مرتفعة.

ما الذي ينبغي فعله؟ يمكن لوقف دائم لحرب غزة والصراع الداخلي في اليمن، إضافة إلى تخفيف حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، أن يهدئ الاضطرابات في البحر الأحمر. في الوقت الحاضر، وعلى المدى البعيد، ينبغي على الدول المشاطئة للبحر الأحمر والقوى الخارجية أن تعمل بجدٍ أكبر على كبح جماح التصعيد العسكري وتعزيز الأمن الجماعي.

الملخص التنفيذي

لقد أعادت تبادلات إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين في اليمن الأمن في البحر الأحمر إلى الأضواء من جديد؛ فقد شهدت هذه المياه من قبل ارتفاعاً مرعباً في حدة العنف بعد اندلاع الحرب في غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023؛ إذ أطلق أنصار الله، وهم مجموعة يمنية تُعرف أيضاً بالحوثيين، وتعبِّر عن دعمها لحماس والقضية الفلسطينية، صواريخ وطائرات مسيَّرة على إسرائيل، في البداية دون جدوى، لكنها أحدثت أثراً أكبر في النصف الثاني من عام 2024. لكن كان الأثر الأكبر للجماعة في المياه القريبة من الساحل اليمني، إذ ضربت سفناً تجارية ادعت بأنها مملوكة جزئياً على الأقل لإسرائيليين أو متوجهة إلى موانئ إسرائيلية، وأدت إلى رد عسكري أميركي. أنهى وقف إطلاق النار في غزة في كانون الثاني/يناير الحملة الحوثية. لكن مع انهيار الهدنة بين حماس وإسرائيل، قال الحوثيون إنهم سيستأنفون مهاجمة السفن المرتبطة بإسرائيل، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى قصف أهداف يمنية. من أجل وقف هذه الحلقة من التداعيات، سيكون من الجوهري استعادة الهدنة في غزة، وإعادة إطلاق مفاوضات السلام في اليمن، وتخفيف حدة التوترات الأميركية–الإسرائيلية–الإيرانية، التي تشكل جميعها تحديات هائلة. وينبغي على الدول الواقعة على ساحل البحر الأحمر، من جهتها، أن تسعى إلى احتواء التصعيد العسكري المستمر في مياهه.

باعتباره أحد الطرق المائية التجارية الرئيسية في العالم، كان البحر الأحمر يشهد سباق تسلّح متعدد الجنسيات قبل تشرين الأول/أكتوبر 2023 بكثير. وبسبب أهميته الإستراتيجية، كانت السفن الحربية البريطانية، والأوروبية، والإيرانية والهندية تقوم بدوريات روتينية في مياهه، بينما سعى عدد من القوى الأجنبية إلى التوصل إلى اتفاقيات تمنحها قواعد في الدول الواقعة على ساحله. قد يكون ارتفاع المدّ العسكري قد خدم مصالح هذه القوى، بما في ذلك تأمين التدفق الحر للنفط والغاز، في وجه أعمال القرصنة على سواحل القرن الأفريقي وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط الأوسع. لكنه لم يهدئ الوضع في البحر الأحمر. ومع التوسع في انتشار السفن، ارتفعت حدة المنافسة، التي كان أكثرها مرارة بين الولايات المتحدة وإيران، التي تسعى كل منهما إلى تقويض أهداف الأخرى. 

أضاف صعود الحوثيين، الذين وصلوا إلى السلطة بحكم الأمر الواقع في جزء كبير من اليمن في عام 2014 بعد الإطاحة بالحكومة المؤقتة، عنصراً جديداً من عدم الاستقرار. فقد باتت قوتهم التعطيلية واضحة للعيان منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، حالما أدركوا أن بوسعهم استعمال ترسانتهم المتنامية لأخذ الشحن البحري التجاري رهينة لمطالبهم السياسية، ومن خلال هذه العملية، تعزيز مكانتهم الداخلية. ساعد تبنيهم الدفاع عن قضية الفلسطينيين في غزة، الذين لقيت محنتهم صدى واسعاً في اليمن، في صرف الانتباه عن عيوب حكم الحوثيين، وفي الوقت نفسه سمح للجماعة باستعراض قدراتها العسكرية. كما ساعدت الحملة البحرية الحوثيين في تجنيد مقاتلين جدداً، وتعزيز صفوفهم، بالنظر إلى أنهم يتوقعون أن الهدنة الهشة في الحرب الداخلية في اليمن، التي صمدت منذ عام 2022، قد تنهار. الأمر الذي لا يقل أهمية هو أنها ساعدت الحوثيين في إظهار التزامهم “بمحور المقاومة” الذي تقوده إيران.

حتى الآن، كانت أعداد القتلى التي سببتها هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن، والرد العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة، أقل منها في الحروب الأخرى في المنطقة، لكن أثرها على الاقتصاد العالمي، والأمن الإقليمي والنظام البيئي البحري كان كبيراً. لقد ارتفعت تكاليف التأمين والأمن في خط الشحن البحري التجاري هذا؛ بينما أحدث التحوّل إلى ممرات بديلة (على سبيل المثال، حول رأس الرجاء الصالح) اضطراباً في سلاسل الإمداد. في اليمن، ترسخ المأزق القائم بين الحوثيين، الذين يشعرون بجرأة متزايدة، وخصومهم، حيث بدا الحوثيون أقل استعداداً للتوصل إلى اتفاق مع السعودية والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وهما الخصمان القديمان للجماعة. كما أحدثت الهجمات أضراراً بيئية، مع حدوث تسرب في الشحنات السامة، مثل النفط أو المواد الكيميائية، من عدد من السفن المستهدفة.

لقد صرح الحوثيون على نحو متكرر بأن وقف حملتهم في البحر الأحمر مشروطٌ بوقف إسرائيل لحربها في غزة ورفع الحصار الذي تفرضه على القطاع. لا شك أن وقف إطلاق النار في غزة هدأ من حدة الهجوم الحوثي – لكنه لم يوقفه بشكل نهائي. أعلنت الجماعة في البداية تعليق هجماتها على الشحن التجاري في البحر الأحمر، لكن ليس على السفن التي تملكها كلياً شركات إسرائيلية أو ترفع العلم الإسرائيلي. (أطلقت النار مرتين على طائرات أميركية خلال وقف إطلاق النار.) في 12 آذار/مارس، قالت إن “أي سفينة إسرائيلية” في المياه القريبة ستكون هدفاً بسبب ما قالت إنه منع وصول المساعدات إلى قطاع غزة خلال الهدنة.

 كما حذرت الجماعة من أنها ستستأنف إطلاق النار على السفن التي ترفع أي علم – وأيضاً على الأراضي الإسرائيلية – إذا استأنفت إسرائيل الحرب في غزة. لقد أثبت الحوثيين أنهم مراوغين عندما يتعلق الأمر بما يمكن أن يجعلهم يوقفون حملتهم نهائياً. لكن من الواضح أنهم يعتبرون استئناف إسرائيل الحرب في غزة في 18 آذار/مارس بعد الضربات الجوية الأميركية قبل ثلاثة أيام، مبرراً لشن جولة جديدة من الهجمات على السفن المرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل في البحر الأحمر، وعلى إسرائيل نفسها أيضاً.

للأسف، لا يمكن تجاهل الاضطرابات التي تزداد عمقاً في حوض البحر الأحمر. فمهما بدا تحقيق نهاية دائمة لذلك الصراع غير مرجح اليوم، ولا سيما مع استئناف حرب غزة مرة أخرى، إلّا أن تحقيق ذلك سيكون محورياً في تجنب تفاقم الأعمال القتالية. من الممكن أن يستمر الحوثيون في حملتهم العنيفة في البحر في كل الأحوال (رغم أنهم أوقفوا تلك الحملة غالباً عندما كان وقف إطلاق النار في غزة ما يزال ساري المفعول). 

وهناك الكثير مما سيعتمد أيضاً على الخطوات التالية في صراعات أخرى، بما في ذلك ما سيحدث في المفاوضات المتوقفة لتحويل هدنة الأمر الواقع في اليمن إلى اتفاق رسمي، والتحركات التي تقوم بها الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتعلق بالحوثيين وبحليفتهم الرئيسية، إيران. ويمكن لتجدد المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني والنقاط الخلافية الأخرى بين طهران والدول الغربية الأخرى أن يساعد في دفع الحوثيين لإعادة النظر بالمزايا التي يحققها هجومهم. لكن إذا تصاعدت التوترات مرة أخرى بين الولايات المتحدة وإيران، فإن القوة العسكرية التي أطلقتها الولايات المتحدة ضد الحوثيين، وأيضاً رد الجماعة وحليفتها في طهران، يمكن أن تتصاعد بطرق خطرة.

على المدى البعيد، سيكون من الجوهري طلب المشاركة الدبلوماسية للدول الواقعة على ساحل البحر الأحمر، وكذلك مشاركة دول مثل عُمان وقطر، لتحقيق درجة أكبر من الاستقرار في المنطقة. ينبغي على هذه الدول، مجتمعة، أن تقوم بدور قيادي في استعمال الدبلوماسية والتعاون الأمني الأقوى لخفض حدة التوترات والمواجهات العسكرية التي عصفت بالمنطقة.

من المرجح أن يؤدي عدم التحرك على هذه الجبهات إلى تعميق تصوُّر الحوثيين بأنه لا خيار أمامهم سوى الاستمرار في الحرب في اليمن، والاستمرار في مضايقة خصومهم بتهديد الشحن البحري التجاري. ما لم تُتخذ إجراءات متضافرة لمنع تفاقم الصراع، فإن الضحية المحتملة ستكون الاستقرار في جميع أجزاء حوض البحر الأحمر، ووصول آثار ذلك إلى جميع أنحاء العالم.

https://www.crisisgroup.org/

اضف تعليق