ما الوقت الأمثل لاستخدام أساليب التنفس البطيء؟ أحد الأوقات المناسبة هو نوبات التوتر المتفرقة، ومنها على سبيل المثال، قبل الخضوع لأحد الاختبارات، أو قبل دخول منافسة رياضية، أو حتى قبل حضور اجتماع روتيني في العمل.

في عام 2017، درس أشوين كاماث من جامعة مانيبال في الهند، بالتعاون مع زملائه، رُهاب الصعود إلى المنصة الذي يصيب بعض الأشخاص قبل إلقائهم خطابًا عامًا، قضى المشاركون في الدراسة، وجميعهم من طلاب الطب، 15 دقيقة في التمرين على التنفس التبادلي فيما بين فتحتي الأنف، بمعنى أخذ شهيق ببطء عبر إحدى فتحتي الأنف وإخراج هواء الزفير عبر الفتحة الأخرى مع إغلاق الفتحة غير المستخدمة بالضغط عليها بالأصابع، وقد شعر المشاركون بتوتر أقل، إلى حد ما، لدى تحدثهم أمام الجمهور، مقارنةً بأفراد المجموعة الضابطة.

قد تساعد هذه التمرينات أيضًا على التعامل مع الأرق، ففي عام 2012 أفادت سوزان إم. بيرتيش من كلية طب جامعة هارفارد، هي زملاؤها، بناءً على بيانات استبيان، أن أكثر من 20% من الأمريكيين الذين يعانون من الأرق يمارسون تمرينات التنفس هذه كي يناموا بشكل أفضل.

في الواقع، قد يكون هؤلاء الأشخاص في طريقهم لاكتشاف شيء ما، ففي عام 2015، أثبتت شيريل يانج وفريقها بجامعة يانج-مينج الوطنية في تايوان أن 20 دقيقة من تمرينات التنفس البطيء (6 دورات تنفسية في الدقيقة) قبل الخلود إلى النوم تساعد على تحسين النوم بشكل هائل، في هذه التجربة خلد المشاركون الذين يعانون من الأرق إلى النوم بشكل أسرع، واستيقظوا عددًا أقل من المرّات ليلًا، وعادوا إلى النوم بشكل أسرع في المرّات التي استيقظوا فيها، في المتوسط، لم يستغرق المشاركون سوى 10 دقائق للخلود إلى النوم، وهو معدل أسرع ثلاث مرات تقريبًا من المعدل المعتاد، وعزى الباحثون النتائج إلى الهدوء الذي كان للجهاز الباراسمبثاوي دور في إحداثه، والاسترخاء الناتج عن التنفس المُركَّز.

لا تحقق أساليب التنفّس نجاحًا في حالات التوتر الحاد أو مشكلات النوم فحسب، بل إنها يمكن أن تساعد أيضًا على التخفيف من حدة القلق المزمن، وهي كذلك أساليب فعَّالة بشكل خاص مع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية، مثل حالات الرُهاب والاكتئاب واضطراب إجهاد ما بعد الصدمة.

في عام 2015، قدَّمت ستيفانيا دوريا وزملاؤها في مستشفى «فاتي بيني فراتيللي إيه أوفتالميكو» في ميلانو بإيطاليا 10 جلسات تدريبية، مدّة كل منها ساعتان على مدار أسبوعين، لـ69 مريضًا يعانون من القلق أو الاضطرابات الاكتئابية، تضمَّن التدريب مجموعة متنوعة من أساليب التنفس (مثل التنفس البطني، وتسريع وإبطاء وتيرة التنفس، والتنفس التبادلي فيما بين فتحتي الأنف)، مع بعض تمرينات اليوجا، ولاحظ الباحثون انخفاضًا ملحوظًا في الأعراض عند نهاية البروتوكول، والأفضل من هذا أن التحسن استمرّ من شهرين إلى ستة أشهر لاحقة، مع جلسات متابعة مرة واحدة أسبوعيًا وبعض التدريبات المنزلية خلال هذه الفترة.

تساعد تمرينات التنفس أيضًا على مجابهة تراكم التوترات الجسدية الضئيلة المرتبط بالإجهاد، وينصح المعالجون بأداء هذه التمرينات بانتظام في أثناء اليوم، أو خلال فترات الراحة، أو الأوقات الفاصلة بين نشاطين: كل ما عليك فعله ببساطة أن تتوقَّف عمّا تفعله لتُعدِّل من وضع جسمك وتمنح نفسك بضع دقائق من التنفس الهادئ.

وغالبًا ما يقترح المعالجون "طريقة 365" وفيها تتنفَّس -لثلاث مرات في اليوم على الأقل- بمعدل 6 دورات تنفسية في الدقيقة (5 ثوانٍ من الشهيق و5 ثوانٍ من الزفير) لمدة 5 دقائق، على أن تمارس هذا الأمر كل يوم على مدار الـ365 يومًا في العام، بل وتشير بعض الدراسات إلى أن تمرينات النفس المنتظمة بإمكانها -بالإضافة إلى ما توفّره من راحة فورية- أن تجعل الأشخاص أقل عرضة للتوتر بإحداثها تعديلًا دائمًا في الدوائر الدماغية، ولكن، في تمرين قد يبدو متعارضًا مع البديهيات، يشجّع المرشدون بعض المرضى الذين يعانون من القلق على التنفس بسرعة وليس ببطء، كجزء من محاولة تدريبهم على التأقلم مع مشاعر القلق (انظر: "استنشق الهواء للتعامل مع نوبات الهلع").

لكن لماذا نُقصِر استخدام أساليب التنفس على المشاعر السلبية؟ إن هذه الأساليب جديرة بتجربتها في لحظات السعادة أيضًا، أي أن نأخذ وقتًا نشعر فيه بقيمة هذه اللحظات ونتذكرها، اختصارًا، يمكن القول إن أي شخص يمكنه التوقف عمّا يفعله ليتنفس بغرض الاستمتاع وأيضًا لتهدئة نفسه.

365: اسم يُطلق على أسلوب شائع ينصح به المعالجون لمواجهة تراكمات التوتر، وفيه يُنصَح بالتنفس بمعدل 6 دورات تنفسية في الدقيقة (5 ثوانٍ من الشهيق و5 ثوانٍ من الزفير في كل مرة)، وذلك لمدة 5 دقائق لـ3 مرات في اليوم على الأقل، على أن يمارس هذا التمرين يوميًا على مدار الـ365 يومًا في العام.

أسئلة مفتوحة

تشجّع الأساليب التقليدية والتجربة العملية على استخدام أساليب التحكم في التنفس، وتشير الدراسات العلمية بشكل متزايد إلى أن العمل بهذه الأساليب فكرة جيدة، غير أن الأمر يتطلب المزيد من الأبحاث، لا سيّما أن بعض الدارسات لم تتم في وجود مجموعات ضابطة.

ومع هذا يوجد استثناء واحد بارز لهذا الأمر، هو أن التركيز على التنفس ليس في أغلب الأحيان فكرة جيدة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من نوبة هلع ناجمة عن القلق على حالتهم الجسدية (أو ما يعرف باسم "القلق الباطني" Interoceptive anxiety)؛ ففي هذه الحالة، قد يؤدي التركيز على فسيولوجيا الجسم -مثل شدّ العضلات أو التنفس- إلى تفاقم نوبة الهلع ("الآن وقد انتبهت إلى الأمر، لا يبدو لي تنفسي منتظمًا، هل أتعرض للاختناق؟ ماذا سيحدث لو توقفت عن التنفس فجأة؟")، بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، يجب اختبار أساليب التنفس والعمل بها تحت إشراف معالج متخصص.

فيما عدا ذلك، بالنظر إلى شعور عدم الراحة والضيق الذي ينتابنا جميعًا بشكل متكرّر في حياتنااليومية، وإلى العواقب السلبية لهذا الشعور على صحتنا، سنكون جميعًا أفضل حالًا إذا ركَّزنا بشكل منتظم على الطريقة التي نتنفس بها، يمكن البدء بفترات قصيرة من التنفس الهادئ الواعي عدّة مرات خلال اليوم، فالتنفس يعمل مثل الطاقة الشمسية فيما يتعلق بالطريقة التي يستحث بها شعور الاسترخاء، إنها طريقة مجانية لتنظيم المشاعر، طريقة لا تنضب وسهلة الاستخدام ويمكنك اللجوء إليها وقتما تشاء.

في الواقع، أشعر بالدهشة من أن التحكم في التنفس ليس من بين الأساليب التي يُنصَح باستخدامها وممارستها بشكل أوسع، ربما لأنه يبدو أسلوبًا بسيطًا ومألوفًا وواضحًا بدرجة كبيرة لا تسمح باعتباره نوعًا من العلاج، وقد يفترض الكثيرون -في ظل ما يواجهونه من تعقيدات في تعاملهم مع تقلبات الحياة البشرية- أن الحلول البسيطة ربما لا تكون فعالة.

أو ربما تخيفنا هالة القدسية التي تحيط بعملية التنفس وارتباطها بالحياة، بل والموت على وجه الخصوص، في روايته «الرجل الذي يضحك» The Man Who Laughs التي صدرت عام 1869، كتب فيكتور هوجو: "الأجيال ليست إلا دفقات من الأنفاس تخبو وتنتهي، فالمرء يتنفّس ويطمح، ومن ثم يلفظ أنفاسه الأخيرة!" في نهاية المطاف، نحن كبشر لا تستهوينا فكرة أننا لسنا إلا "دفقات من الأنفاس".

6 أساليب لتخفيف حدّة التوتر

نستعرض فيما يلي بعض أساليب التنفس شائعة الاستخدام، وللتمرين لما بين 5 و10 دقائق أن يخفّف من حدة نوبات التوتر المتفرقة، بل ويدرأ نوبات الهلع، ويمكن للممارسة الأكثر انتظامًا تقليل المستويات اليومية للقلق المرضي.

انتصاب القامة

وضع الجسم له أهمية كبيرة في التنفس: اجعل جسمك منتصبًا دون تصلب، وأرجع كتفيك إلى الخلف سواء أكنت جالسًا أم واقفًا، هذا الوضع يسهّل الحركة الحرّة لعضلات التنفس (عضلات الحجاب الحاجز وبين الضلوع)، كما أن الوضع الصحيح للجسم يساعده على التنفس بصورة صحيحة دون تدخل منك.

متابعة التنفس

مراقبة حركات الجهاز التنفسي: يجب أن تكون واعيًا بكل حركات الشهيق والزفير، ركِّز على الإحساس الذي تشعر به عندما يمرّ الهواء عبر الأنف والحلق، أو ركِّز على حركات الصدر والبطن، وعندما تشعر بتشتت أفكارك (وهو أمر طبيعي) حاول إعادة تركيز انتباهك على عملية التنفس مرة أخرى.

التنفس البطني

حاول التنفس "عبر المعدة" قدر الإمكان: ابدأ بالشهيق وانفخ بطنك كما لو كنت تملؤها بالهواء، ثم املأ صدرك بالهواء، وعند الزفير "فرِّغ" بطنك أولًا ثم صدرك. مراقبة واختبار هذا النوع من التنفس أسهل في وضع الرقود، مع وضع إحدى يديك على معدتك.

التنفس الإيقاعي

عند قرب نهاية كل عملية شهيق، توقف لفترة وجيزة وعد في ذهنك من 1 إلى 3 مع حبس الهواء قبل الزفير، ويمكنك كذلك العدّ مع عدم التنفس بعد الزفير، أو بين كل عملية شهيق أو زفير، غالبًا ما يُنصح بأسلوب التنفس هذا للمرضى الذين يعانون من القلق لتهدئة نوبات القلق لديهم، إذ إنه يساعد على إبطاء معدل التنفس بشكل مفيد.

التنفس التبادلي فيما بين فتحتي الأنف

تَنَفَّس الهواء ببطء، شهيقًا وزفيرًا، عبر إحدى فتحتي أنفك مع إغلاق الفتحة الأخرى بأصبعك، ومن ثم اعكس العملية واستمر في التبديل بين الفتحتين بانتظام، هناك العديد من الأشكال المختلفة لهذا التدريب، ومنها -على سبيل المثال- الشهيق عبر إحدى فتحتي الأنف والزفير عبر الفتحة الأخرى.

وتشير الأبحاث إلى أن الأمر الأكثر أهمية (بعيدًا عن إبطاء إيقاع التنفس) هو التنفس عبر الأنف، فالتنفس عبر الأنف له تأثير مهدّىء نوعًا للجسم بدرجة أكبر من التنفس عبر الفم.

التفكير في أمور مطمئنة خلال التنفس

مع كل نفس، أشغل عقلك بأفكار مُطمئنة ("أنا أستنشق الهدوء")، ومع كل عملية زفير تخيَّل أنك تطرد من جسدك مشاعر الخوف والقلق ("أنا أزفر التوتر"). أثبتت التجارب السريرية صحة هذا الأسلوب.

استنشق الهواء للتعامل مع نوبات الهلع

في حين أن التنفس البطيء يُهدّئ من روع الإنسان، يمكن للتنفس السريع جدًا أن يثير مشاعر التوتر والقلق، وتُستَخدَم هذه الظاهرة في جلسات العلاج السلوكي لتدريب المرضى الذين يعانون من القلق على مواجهة مشاعرهم بشكل مباشر، يُدرَّب المرضى على التنفس بشكل سريع، فيثيرون في نفوسهم -بشكل مصطنع- شعورًا مزعجًا بالقلق، ومن ثم يعتادون على هذا الشعور ويتعلمون وضعه في سياقه. هذا الأسلوب يجعل المرضى يدركون كذلك أن عادات التنفس السيئة تؤدي إلى تفاقم مخاوفهم.


اضف تعليق