لا يزال الضرب والصفع من أجل تأديب الأطفال مسموحًا بهما قانونيًّا في كثير من بلدان العالم. إلا أن دراسة جديدة وجدت أن المراهقين يتشاجرون على نحو أقل في البلدان التي تُمنَع فيها العقوبة الجسدية كليًّا في البيوت والمدارس، وقد وردت هذه الاستنتاجات في إحدى كُبرَيات الدراسات الدولية عن عنف الصغار حتى الآن...
لا يزال الضرب والصفع من أجل تأديب الأطفال مسموحًا بهما قانونيًّا في كثير من بلدان العالم. إلا أن دراسة جديدة وجدت أن المراهقين يتشاجرون على نحو أقل في البلدان التي تُمنَع فيها العقوبة الجسدية كليًّا في البيوت والمدارس.
وقد وردت هذه الاستنتاجات في إحدى كُبرَيات الدراسات الدولية عن عنف الصغار حتى الآن، وهي دراسة اشتملت على استطلاعات رأي لأكثر من 400 ألف يافع في 88 دولة. ففي البلدان التي يُمنع فيها المعلمون والآباء من ضرب أطفالهم، انخفض معدل الشجار المتكرر (المعرَّف بأربعة شجارات أو أكثر في السنة) بمقدار 31 بالمئة لدى الصبيان، و42 بالمئة لدى البنات، مقارنةً بما يحصل في البلدان التي لا تمنع الضرب. أما البلدان التي تمنع الضرب جزئيًّا (في المدارس فقط، لا البيوت) فقد شهدت عنفًا أقل لدى البنات، دون أي تحسُّن ملحوظ لدى الصبيان. ومن اللافت أن شيوع الشجار المتكرر بين الشبان الصغار في كمبوديا وميانمار ومالاوي هو الأقل في العالم، وهذا ما يبيِّن أن ثراء الدولة ليس عاملًا مؤثرًا.
بينت النتائج أيضًا أن البلدان العربية تنزع نحو امتلاك مستويات عالية من عنف الصغار، خاصةً لدى الصبيان. فحتى في تونس، وهي الدولة العربية الوحيدة التي تمنع الضرب كليًّا، مارَسَ 30 بالمئة من المراهقين الذكور الشجار المتكرر. ومن بين الدول التي شملتها الدراسة أيضًا وتمنع العقوبة الجسدية في المدارس الأردن والكويت والإمارات العربية واليمن، في حين أن مصر والعراق والمغرب والمناطق الفلسطينية وقطر لا تحظر الضرب. ووفقًا لدراسة دولية أخرى أجرتها اليونيسف، سجلت اليمن ومصر أعلى نسبة من العقوبة الجسدية القاسية للأطفال الذين تقع أعمارهم بين سنتين و14 سنة.
يجب أن تكون لدى جميع الدول العربية تشريعات تحظر العقوبة الجسدية في البيوت والمدارس. إلا أن فرض هذه القوانين ليس الطريقة الوحيدة للسيطرة على عنف الصغار. فتعليم الآباء والمعلمين أهمية بيئات التنشئة لصحة الأطفال واليافعين أمر ضروري أيضًا»، هكذا تقول سهى هاشم الحسن، أستاذة الطفولة المبكرة والتربية الخاصة وتحليل السلوك التطبيقي في الجامعة الهاشمية بالأردن، وهي لم تشارك في الدراسة.
يبين البحث وجود ارتباط بين قوانين منع الضرب وانخفاض العنف، إلا أنه لا يستطيع إثبات إنْ كان منع الضرب قد أدى مباشرةً إلى انخفاض العنف بين الصغار. «من الممكن أن يكون تغيير القانون، وكل الجدل الذي يدور حوله، قد رفع درجة وعي الآباء وثَناهم عن العقوبة الجسدية القاسية، أو أن الحظر الكامل قد أصبح هو القانون في المجتمعات التي تشهد ضربًا نادرًا وعنفًا منخفضًا»، هكذا يقول فرانك جيه إلجار، المؤلف الأول للدراسة والأستاذ بجامعة ماكجيل بكندا.
دعوة للتحرك
على صعيد ذي صلة، يواجه المراهقون على مستوى العالم تحدياتٍ صحية هائلة، وفي منطقة الشرق الأوسط تتراوح تلك التحديات بين ارتفاع معدلات الإصابات والجروح وتزايد معدلات السمنة.
وفقًا لدراسة نُشرت في دورية «ذا لانسيت» The Lancet، يواجه شباب العالم في وقتنا الحاضر تحديات صحية أكبر، مقارنةً بتلك التي واجهها نظراؤهم قبل 25 عامًا، إلا أن الجهود المبذولة لتحقيق رفاهة هؤلاء الشباب غير متناسبة مع تلك التحديات.
في عام 2016، وصل عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و24 سنة إلى 1,8 مليار نسمة، ويعدّ هذا الرقم أعلى تعداد تصل إليه تلك الفئة العمرية في تاريخ البشرية.
لقد حدث هذا النمو بشكل أساسي في البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل، وهي بلدان لا تتناسب فيها الجهود المبذولة لتحسين منظومات الصحة والتعليم والقانون مع مثل هذا التغير في التركيب السكاني.
في الفترة بين 1990 و2016، تتبَّع فريق دولي من الباحثين التقدَّم المُحرَز في صحة المراهقين في 195 دولة في ضوء 12 مؤشرًا، من بينها: تدخين التبغ والسمنة والأنيميا والحصول على التعليم الثانوي وزواج الأطفال والتغذية والإصابة بالأمراض المزمنة.
يقول علي مقداد، مدير المبادرات الشرق أوسطية بمعهد قياسات وتقييمات الصحة بجامعة واشنطن بالولايات المتحدة: "سبق أن أوضحنا2 أن الصحة والتعليم أمران مهمّان بالنسبة للتنمية الاقتصادية، وهذه الدراسة تقدم أدلة على أن مجتمع العاملين في مجال الصحة لا يستثمر في صحة المراهقين".
توضّح الدراسة أنه في الوقت الحالي، مقارنةً بعام 1990، هناك زيادة قدرها 180 مليونًا في عدد المراهقين الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة، بالإضافة إلى زيادة قدرها 75 مليونًا في عدد المراهقين الذين يعانون من الأنيميا، وأظهرت الدراسة أن المراهقين الذين يعيشون في دولتي الكويت وقطر بمنطقة الخليج العربي يعدّون بين مجموعات المراهقين التي تشهد أعلى معدلات السمنة.
وإجمالًا، منذ عام 1990، لم يتغيّر العدد الفعلي للشباب الذين لم يُكملوا تعليمهم الثانوي إلا بنسبة طفيفة، ويظل العدد عند 300 مليون شاب تقريبًا، لكن الفتيات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل لديهن فرص أقل خمس مرات، مقارنةً بالشباب الذكور، فيما يتعلق بالحصول على الوظائف أو التدريب.
وفي المناطق التي تعاني من الاضطرابات في الشرق الأوسط، تشهد معدلات انتحار المراهقين ارتفاعًا متزايدًا، وكذلك حالات العنف بين الأشخاص والمشاكل المتعلقة بالصحة النفسية، يقول مقداد: "نتيجة للاضطرابات التي تشهدها بعض البلدان، يواجه المراهقون حاليًا عبئًا صحيًا مزدوجًا يتمثل في الأمراض السارية وغير السارية".
ويتحمل مراهقو سوريا وأفغانستان واليمن والعراق الجانب الأكبر من عبء الإصابات والجروح التي يتعرض لها المراهقين على مستوى العالم ككل.
ويعبّر المؤلفون عن حرصهم على تكرار هذه الدراسة مع إدخال المزيد من المؤشرات فيها، يقول مقداد: "هدفنا أن نوضّح أن الاستثمار في هذه الفئة العمرية قرار حكيم، وسوف يكون له مردود كبير".
اضف تعليق