q
دراسة تحليلية شاملة لعظام قصبة الساق منحت الباحثين لمحةً عن الكيفية التي تطورتْ بها بعض الديناصورات لتصبح تلك الكائنات الضخمة، كالتيرانوصورات Tyrannosaurus، وأخرى لتصير مخلوقات أصغر أشبه بالطيور. فقد كشفتْ هذه الدراسة أن الديناصورات لجأتْ إلى أكثر من حيلة تطورية لتكتسب أحجامًا أكبر - أو أصغر - مع مرور الوقت...
بقلم: دياني لويس

دراسة تحليلية شاملة لعظام قصبة الساق منحت الباحثين لمحةً عن الكيفية التي تطورتْ بها بعض الديناصورات لتصبح تلك الكائنات الضخمة، كالتيرانوصورات Tyrannosaurus، وأخرى لتصير مخلوقات أصغر أشبه بالطيور. فقد كشفتْ هذه الدراسة أن الديناصورات لجأتْ إلى أكثر من حيلة تطورية لتكتسب أحجامًا أكبر - أو أصغر - مع مرور الوقت (M. D. D’Emic et al. Science 379, 811–814; 2023).

ولطالما ساد اعتقاد بأن سبب ضخامة بعض الحيوانات عن أقاربها الأصغر حجمًا هو أنها تنمو على نحو أسرع إبان المرحلة التي يكون فيها النمو في ذروته وأسرع ما يكون. وبالفعل ينطبق هذا على الحيوانات الحديثة، ومن بينها الطيور والثدييات؛ فالفيلة والنعام تنمو أسرع من كلاب الشيواوا وعصافير الدوري، على سبيل المثال.

غير أن هذا لا ينطبق على جميع الحيوانات؛ فالتماسيح والقاطورات، على سبيل المثال، تكتسب أحجامَها الكبيرة لأنها تواصل النمو على مدار فترات طويلة. غير أن علماء الحفريات القديمة كانوا قد افترضوا أن الحال مختلف مع رتبة ديناصورات الثيروبودات theropod dinosaurs كبيرة الحجم التي تُعرف بوحشيات الأرجل - وهي مجموعة تضم الديناصور الشهير تي. ركس T. rex، تشعبت منها الطيور الحديثة – إذ إنها اكتسبتْ أحجامها الضخمة من خلال طفرات نمو مفاجئة وسريعة. يقول عالم الحفريات القديمة مايكل ديميك، الباحث بجامعة أدلفي في جاردن سيتي بنيويورك: "صارت تلك الفكرة هي الفكرة الراسخة تقريبًا فيما يتعلق بالديناصورات". غير أن هذا لم يكن ما وجده ديميك عندما شقَّ عظام الماجونجاصور Majungasaurus، وهو أحد أقارب تي. ركس، يبلغ طوله سبعة أمتار وعاش قبل 66 مليون سنة فيما يعرف الآن بدولة مدغشقر. وجدير بالذكر أن سرعة نمو الديناصورات تُسجل في حلقات تتكون كل عام في عظامها. وبدلًا من ظهور حلقات واسعة تدل على طفرات نمو سريع في مرحلة اليفوع، وجد ديميك الكثير من حلقات النمو الضيقة، التي تشير إلى أن الماجونجاصورات كانت تكتسب أحجامَها الضخمة على مدارة فترة زمنية طويلة.

يقول ديميك: "لَكَم أدهشني ذلك". وكان الديناصور التالي الذي فحصه – وهو كائن مشابه في الحجم يُدعى سيراتوصور Ceratosaurus - على العكس من ذلك؛ حيث كان ديناصورًا ضخمًا نما بسرعة كبيرة خلال ذروة نموه، حسبما يقول ديميك.

حلقات نمو العظام

على مدار عقد من الزمان، جمع ديميك وزملاؤه قياسات حلقات نمو العظام من 42 نوعًا من الثيروبودات لمعرفة الاستراتيجيات التي أدت إلى تكوين أجسام كبيرة وأخرى صغيرة. وقد وجد الباحثون أن 31% من أنواع الثيروبودات كانت أكبر حجمًا من أسلافها بسبب النمو الأسرع إبان مرحلة ذروة النمو، بينما اكتسب 28% منها أحجامًا كبيرة أيضًا ولكن هذه المرة كانت بسبب النمو على مدار فترة زمنية أطول. وفي الوقت نفسه، صار 21% منها أصغر حجمًا من أسلافها بسبب قصر فترة مرحلة ذروة النمو، و19% صارت أصغر بسبب تباطؤ النمو.

غطت الدراسة أنواع الثيروبودات التي عاشت في الفترة بين 230 مليون سنة مضت إلى نهاية العصر الطباشيري قبل 66 مليون سنة، عندما قضى حدث انقراض جماعي على الديناصورات غير القادرة على الطيران. تقول فيرا وايزبيكر، عالمة البيولوجيا التطورية بجامعة فلندرز في أديليد، أستراليا: إنه "مقياس زمني تطوري ضخم" في دراسة تحليلية واحدة، هو عمل رائع بحق. وتضيف قائلة: "وإنه لمن المدهش أن تكون هناك كل هذه الطرق التطورية العديدة لتصبح الديناصورات كبيرةً أو صغيرةً".

ويقول عالم الحفريات كيفين باديان، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي: إن هذه الدراسة التحليلية هي نوع الدراسات الذي نتطلع إليه، والذي يتعين إجراؤه على مجموعة حيوانات تلو الأخرى لفهم كيفية تطور حجم الجسم.

دوافع التغيير

أما ميكيه كولر - عالمة الحفريات التطورية القديمة في المؤسسة الكتالونية للبحوث والدراسات المتقدمة في برشلونة بإسبانيا – فمن جهتها ترى أن النتائج ليست مفاجئة؛ لأن أبحاثًا سابقة كانت قد كشفتْ عن مجموعة من استراتيجيات النمو المختلفة عبر الأنواع الحيوانية. وتود كولر أن ترى دراسة تحليلية تقف على الظروف الإيكولوجية التي أثرت في كيفية تغيير الحيوانات لأحجامها بمرور الوقت.

تقول وايزبيكر: إن اختيار كل نوع لاستراتيجية نمو بعينها ربما ارتبط بالضغوط التطورية. وتضيف قائلة: "إذا نظرنا إلى جميع الأنواع التي تمتعتْ بنمو مبكر سريع ومفاجئ، فقد نتمكن من معرفة ما إذا كانت هي ذاتها الأنواع التي كانت تزيد احتمالات تعرضها للافتراس أم لا، على سبيل المثال". ويقول باديان: إن استراتيجية النمو التي أدت إلى حجم كل نوع من الأنواع كانت مرتبطة على الأرجح بالبيئة الفريدة التي كان يعيش فيها. ويضيف قائلًا: "لم تكن ثمة استراتيجية واحدة تناسب الجميع، وهو أمر من الجيد أن نعرفه يقينًا. ربما كنا نظن ذلك من قبل، لكن من الجيد أن الباحثين في الدراسة قد وثقوه".

ويقول ديميك إنه وفريقه يُجرون دراسات تحليلية مماثلة على مجموعات أخرى، من بينها الثدييات - وهي مجموعة تحتوي على أنواع أكثر بكثير يمكن أخذ العينات منها - لمعرفة ما إذا كان التنوع موجودًا في فروع أخرى من الشجرة التطورية.

اضف تعليق