إنسانيات - حقوق

الاحتجاز التعسفي والمحاكمات غير العادلة

دراسة قانونية وإنسانية

يتجسد الاحتجاز التعسفي في حبس شخص أو تقييد حريته بشكل غير قانوني أو غير مبرر، دون قرار صادر عن سلطة قضائية مختصة، أو دون احترام للضمانات القانونية والإجرائية المنصوص عليها في القانون الوطني والدولي، أما المحاكمة غير العادلة هي الإجراءات القضائية التي لا تستوفي الحد الأدنى من المعايير الدولية...

يشكل الاحتجاز التعسفي والمحاكمات غير العادلة انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وللمبادئ الأساسية للعدالة التي أقرتها المواثيق الدولية، فبينما يُفترض أن العدالة الجنائية تقوم على أساس احترام الحق في الحرية والمحاكمة العادلة، تتعرض هذه المبادئ في العديد من الدول لانتهاكات منهجية، إما بدوافع سياسية أو أمنية أو بسبب خلل هيكلي في النظم القضائية، هذا المقال يُسلط الضوء على مفهومي الاحتجاز التعسفي والمحاكمة غير العادلة، ويوضح أسبابهما وتداعياتهما، ويُناقش المعايير الدولية ذات الصلة، مع اقتراح آليات لمواجهتهما.

يتجسد الاحتجاز التعسفي في حبس شخص أو تقييد حريته بشكل غير قانوني أو غير مبرر، دون قرار صادر عن سلطة قضائية مختصة، أو دون احترام للضمانات القانونية والإجرائية المنصوص عليها في القانون الوطني والدولي، أما المحاكمة غير العادلة هي الإجراءات القضائية التي لا تستوفي الحد الأدنى من المعايير الدولية للعدالة، مثل غياب الاستقلال القضائي، أو إنكار حق الدفاع، أو استخدام الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، أو التمييز ضد المتهمين.

تعترف القوانين الدولية بعدد من الضمانات الأساسية للحرية والمحاكمة العادلة، ومن أبرزها المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تؤكد على حق كل فرد في الحرية والأمن، وتحظر الاحتجاز التعسفي، والمادة 14 من العهد ذاته تضمن الحق في محاكمة عادلة أمام محكمة مستقلة ومحايدة، أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا سيما المواد 9 و10 و11، جاء فيه القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا)، والآليات الإقليمية مثل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان.

تعزى أشكال الاحتجاز التعسفي إلى التجسد بصورة الاحتجاز دون أمر قضائي، أو الاعتقال لفترات طويلة دون توجيه تهم، أو الاحتجاز خارج إطار القانون (مثل الإخفاء القسري)، أو الاعتقال بسبب التعبير عن الرأي أو الانتماء السياسي، وكذا مظاهر المحاكمات غير العادلة تتجسد في حرمان المتهم من حق الدفاع أو اختيار محامٍ، أو عدم علانية الجلسات أو إخضاعها لرقابة سياسية، أو استناد الأحكام إلى اعترافات منتزعة بالتعذيب، أو التدخل في عمل القضاء أو تبعيته للسلطة التنفيذية، وقد يكون في التمييز القائم على أساس الدين أو العرق أو الموقف السياسي.

تختلف الأسباب والدوافع لكنها بالنتيجة الحتمية تدور حول الاستبداد السياسي والأنظمة الاستبدادية غالبًا ما تستخدم القضاء لقمع المعارضين السياسيين، أو في الفساد القضائي من غياب للنزاهة والاستقلال فيجعل القضاء أداة في يد السلطة، أما ضعف الثقافة القانونية فهي أحد الاسباب سواء في أوساط القضاة أو المواطنين، مما يجعل الانتهاكات تمر دون مساءلة، كذلك الطوارئ ومكافحة الإرهاب حيث يُستخدم الأمن القومي ذريعة لتبرير إجراءات غير قانونية، وعليه تظهر التداعيات الإنسانية والاجتماعية في تدمير حياة الأفراد ووصمهم الاجتماعي، وتفشي مشاعر الظلم والكراهية وانعدام الثقة في الدولة، وتعطيل الحياة السياسية وسحق حرية التعبير، أيضا في تعريض الضحايا للتعذيب وسوء المعاملة.

آليات الحماية والمعالجة تكون في دعم استقلال القضاء من خلال إصلاحات دستورية وتشريعية وهيكلية شاملة، ومن خلال تفعيل دور المنظمات الحقوقية في التوثيق والمناصرة ورفع القضايا إلى الهيئات الدولية، وعبر التقاضي أمام المحاكم الدولية والإقليمية كالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وفي التعاون مع آليات الأمم المتحدة مثل الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي ومجلس حقوق الإنسان، وأخيرًا وليس آخرًا في تعزيز الثقافة القانونية والحقوقية في المجتمعات.

ختامًا- إن مكافحة الاحتجاز التعسفي وضمان المحاكمات العادلة ليست فقط مسألة قانونية، بل هي مظهر من مظاهر احترام الكرامة الإنسانية وسيادة القانون، المجتمعات التي تهدر هذه المبادئ تُعرّض نفسها للفوضى والاستبداد، في حين أن تعزيز العدالة هو المدخل الأول لبناء السلام الاجتماعي والتنمية المستدامة، وهنا يتطلب الأمر إرادة سياسية، وقوة مجتمع مدني، واستقلالًا فعليًا للسلطة القضائية.

* الدكتورة جمانة جاسم الأسدي، عضو ملتقى النبأ للحوار، تدريسية في جامعة كربلاء

اضف تعليق