هل الإجراءات المتقدمة وما أفضت إليه تخالف الدستور العراقي الذي كفل حرية التعبير عن الرأي أم يعد ذلك تنفيذاً لواجب السلطة العامة بالحفاظ على الأسرة ونسيج المجتمع العراقي، إذ يرى الكثير من المهتمين ان سلوك هؤلاء يعد وبحق تحريضاً للفئات الشابة التي تنساق بالغالب وراء الرغبة بالتقليد...
ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات وضمن نشاطاته الفكرية الشهرية موضوعا حمل عنوان (حدود حرية النشر على وسائل التواصل بين الإباحة والتجريم)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
قدم الورقة النقاشية وأدار الجلسة الحوارية الدكتور علاء إبراهيم الحسيني أستاذ جامعي وباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، وابتدأ حديثه قائلا:
"بادرت في الآونة الأخيرة وزارة الداخلية العراقية بتشكيل لجنة متخصصة بمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي وتعقب الناشطين من أصحاب المحتوى الذي يوصف بالهابط أو غير المناسب للذوق العام والأخلاق العامة وبالفعل تمت إحالة العديد من هؤلاء إلى المحاكم المختصة وصدرت بحق العديد منهم إحكاما جزائية استناداً لأحكام المادة (403) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل وغيرها من النصوص، فتساءل البعض هل الإجراءات المتقدمة وما أفضت إليه تخالف الدستور العراقي الذي كفل حرية التعبير عن الرأي بالمادة (38) أم يعد ذلك تنفيذاً لواجب السلطة العامة بالحفاظ على الأسرة ونسيج المجتمع العراقي، إذ يرى الكثير من المهتمين ان سلوك هؤلاء يعد وبحق تحريضاً للفئات الشابة التي تنساق بالغالب وراء الرغبة بالتقليد أو حب الظهور إلى الوقوع في ممارسات غير منضبطة بل ان بعض صفحات ذوي المحتوى غير الملائم تعد بوابة لترويج المخدرات وتجارة الجنس وما سواه من جرائم خطير.
أضف لذلك ان هذا المحتوى لا يتفق مع القيم الاجتماعية والاعتبارات الأخلاقية التي توارثها العراقيون جيلاً بعد جيل، لذا أشار الدستور العراقي في المادة (29) ان من أخص واجبات الدولة الحفاظ على الأسرة بالنص على أن "الأسرة أساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية"، واخيراً يعد المحتوى الذي يقدمه هؤلاء مخالفاً لأوامر السماء إذ ورد في القرآن المجيد قوله "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، وان الأساس القانوني لملاحقة أصحاب هذا المحتوى وإذا ما اتفقنا ان هذا المحتوى مخالف لحرية التعبير والرأي نحتاج إلى أداة قانونية وهذه الأداة تتمثل بالتفسير وقبل تطبيق القانون من قبل المدير أو القاضي أو الوزير يجب عليهم تفسير النص ثم من بعد التفسير انطلق إلى مرحلة أهم وهي مرحلة التكييف، وبعد التفسير نحتاج إلى وسائل تسمى بوسائل التفسير القانوني.
قانون العقوبات رقم 69 تضمن العديد من القوانين التي تجرم هذا المحتوى المسيء للأخلاق في المواد 401 و403 و 404 والمادة 401 تتحدث عن الحبس لكل من أتى بفعل مخل بالحياء، والمادة 404 تعاقب كل من جهر بقول فاحش في محل عام سواء بنفسه أو بجهاز آلي كالراديو مثلاً، ونأتي للتفسير بخصوص وضع هذا النص من قبل المشرع وتقتضي ان نحدد وسائل التفسير وهناك وسائل تفسير داخلية وأخرى خارجية، اما الداخلية فتعني حكمة النص الحكمة قد تخفى على عامة الناس وتظهر للناس الذين يتفرسون بمعنى القانون، والغاية التشريعية في هذا النص هي حماية مصلحة وهي المصلحة العامة، وحتى الدستور العراقي نفسه في المادة 30 يلزم على الدولة نفسها ان تحافظ على الأسرة العراقية وتعتبر ان من واجبات الدولة المحافظة على الأسرة وعلى قيمها الدينية والوطنية والأخلاقية، هو واجب على السلطة التشريعية والتنفيذية المحافظة على الأسرة من خلال القانون، وقد تخطأ هذه السلطات بتحقيق القانون فيأتي دور المدافعين عن حقوق الإنسان المترصدين بهذه السلطات لكي يرصدوا مخالفاتها، والحكمة التشريعية من النص هي المحافظة على الآداب والمحافظة على الأسرة العراقية، فإن بعض هذه الصفحات تبث محتوى خطير هذا المحتوى موجه بالتحديد للمراهقين وسبب عمليات انتحار وكثير من حالات الإدمان على المخدرات وحالات التقليد العشوائي من قبل هؤلاء، وكذلك سبب تفكك اسري بالنسبة للنساء التي تقلد بعض المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي.
من جانب آخر هي مرحلة التكييف وهنا يبرز دور القاضي وهو لديه واقعتان واقعة قانونية وواقعة واقعية على ارض الواقع وهنا يأتي القاضي يكيف الواقعة القانونية من خلال قانون العقوبات 69 على الواقعة الواقعية ويستخرج من ذلك حكماً قضائياً في ظل ما تتوافر له من أدلة وظروف، هنا نعلم ان المادة 399 تتحدث انه يعاقب بالحبس كل من أغوى ذكر أو أنثى للفجور أو لامتهان مهنة الفسق والقاضي يكيف هذه الواقعة المادية على تلك الواقعة القانونية ويستخرج حكماً قضائيا، ومن باب الإنصاف نقول ان المسؤولية الأكبر لا تقع على هؤلاء أصحاب المحتوى الهابط بل ان المسؤولية الأكبر تقع على السلطات نفسها التي أهملت هذا الملف طوال 20 سنة وفي عام 2023 تم الالتفات إلى هذا الملف والوقاية خير من العلاج بطبيعة الحال، وكان على وزارة الإعلام والاتصالات ان تقوم بدورها بمنع هذه الصور غير الطيبة ان تعرض على الملأ وان تكافح هذه الآفة قبل ان تستعصي على الحل".
وللاستزادة من الآراء والمداخلات حول الموضوع نطرح السؤالين الآتيين:
السؤال الأول/ ما تقييمك لإجراءات السلطات العامة إزاء أصحاب المحتوى المسيء للذوق والأخلاق العامة؟.
السؤال الثاني/ ما الدور المتوقع للهيئات العامة والخاصة إزاء المحتوى المتداول على وسائل التواصل الاجتماعي؟ وكيف يمكن التحول نحو المحتوى الإيجابي ومحاصرة المحتوى السلبي المتداول في وسائل التواصل الاجتماعي؟.
المداخلات
الدكتور ضياء الجابر؛ أستاذ القانون الجنائي في كلية القانون:
"هذا الموضوع فيه العديد من المحاور التي تحتاج إلى إجابات صريحة وواضحة بعيدا عن الاجتهادات التي قد يطالها الخطأ أو الآراء الشخصية التي قد توجهها المصالح الخاصة، وبالتالي قد يكون الهدف أو الغاية منها تقييد حرية الرأي والتعبير بصورها الحديثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
فالمحور الأول/ هو الأساس الذي يحكم الموضوع قانونا على المستوى الوطني أو الداخلي هو النصوص الدستوري الواردة في دستور جمهورية العراق لعام 2005 والمتعلقة بحرية الرأي والتعبير محكومة أو مصحوبة بقيود النظام العام والآداب العامة.
إضافة للنصوص العقابية الواردة في قانون العقوبات النافذ رقم (١١١) لسنة 1969 المعدل، والقوانين الأخرى المتعلقة بالنشر والإعلام. وهذا المحور يمكننا ان نسميه ((الأساس القانوني)).
والمحور الأول يثير تساؤلات عديدة ومتنوعة ومهمة جدا في ضبط الموضوع ومعالجته وهي:-
١- ما هو المستوى الهابط أو غير الأخلاقي؟
٢- ما هو الضابط أو المعيار الذي يتم الاعتماد عليه لوصف المحتوى المنشور بأنه هابط أو غير أخلاقي، أي غير مشروع أو مجرم قانونا؟
والإجابات على هذين السؤالين تمثل النطاق الموضوعي للموضوع محل النقاش.
يستتبعه ذلك سؤالين أخريين مرتبطين بذلك النطاق ارتباطا وثيقا هما:-
١- ما هي الجهة التي تقول بذلك أي ما هي الجهة التي تحدد المستوى الهابط من عدمه ابتداء وانتهاء؟
٢- كيف تقوم بذلك؟
والإجابة على هذا التساؤل تحدد النطاق السلطوي أي تحديد الجهة التي تتولى الرقابة لتحديد تلك الموضوعات، ما هي الوسائل والآليات والإجراءات القانونية التي يمكن من خلالها إثارة المسؤولية المترتبة على ذلك المحتوى غير المشروع؟ ما هو نوع المسؤولية التي يمكن ان تنشئ عن نشر الموضوعات ذات المحتوى الهابط أو غير الأخلاقي؟
ما هي الآليات العلمية والفنية والتقنية التي يمكن من خلالها الوصول إلى المستوى الهابط وغير الأخلاقي وتحديده والمحافظة عليه من الحذف والتلاعب والتغيير لإقامة الدليل القانوني عليه، ومن ثم إثباته وقيام المسؤولية الجزائية أو المدنية أو الانضباطية عنه.
المحور الثاني/ الضابط الاجتماعي (الضوابط الاجتماعية)
ان هذا الموضوع له صلة بالواقع ووسائل الضبط الاجتماعي التي تنطلق من المحددات الاجتماعية التي يقبلها أو يرفضها المجتمع في ظل المتغيرات التي طرأت على الواقع العراقي بعد 2003.
ان التغير والانفتاح الذي شهده المجتمع العراقي في ظل التطورات التكنولوجية أثر كثيرا في ذلك الموضوع، كما تغيرت الكثير من القناعات المتعلقة بذلك لدى العديد من الفئات في المجتمع العراقي لاسيما الشباب.
وفي هذا المحور يثير تساؤل ما هي العوامل المؤثرة في خلق وتكوين تلك الضوابط والمحددات الاجتماعية بخصوص الحكم على الموضوعات المنشورة بأنها ذات مستوى هابط أو غير أخلاقي من عدمه.
المحور النفسي/ هناك العديد من الفئات الاجتماعية التي تبحث عن وسائل الترويح عن النفس وتجد في تلك الموضوعات المنشورة في ضالتها دون النظر إلى جوهرها وغايتها المقصودة.
المحور الديني / ان الموقف الديني من تلك المنشورات واضح وصريح ولا غبار فيه. فالشريعة الإسلامية لا تبيح تلك المنشورات غير الأخلاقية وتحرمها".
الباحث حسن كاظم السباعي:
"من الواضح أن كلمة حرية التعبير كلمة مطلقة، كما أن كلمة مخالفة الذوق العام والآداب العامة أيضا تعبير فضفاض.
وعليه فلابد للمعنيين من تعريف دقيق في القانون ليرتفع الالتباس أو الاستغلال، ويمنع استخراج مفاهيم لم تكن مقصودة أو العكس قد تؤدي إلى هروب أصحابها من المسؤولية.
من هنا نرى في بعض الدول المتقدمة ورغم جميع الإشكاليات الموجودة فيها فإن المفاهيم التي تنتهي إلى ترويج المخدرات وتجارة الجنس واضحة ولا يمكن تحملها حتى وإن كان في حجم أو دائرة محدودة أو غير مؤثرة، فيعاقب عليه القانون بكل شدة وحزم. وفي نفس الوقت لا يمكن لأحد أن يستغل أي قانون لمنع أصحاب المواقع الاجتماعية من التعبير عن آرائهم تحت ذريعة أنها مخلة بالآداب أو منتهية إلى بعض الجرائم.
وكل ذلك بسبب شفافية القانون، كما أن هنالك محتويات قد صنفها القانون أنها لا تصلح لمن هو دون الثامنة عشر من العمر، وعليه وضع تحذير للمشاهدات إنه لا يصلح لمن هو أقل من ١٨. ولهذه المحتويات أيضا تعريف خاص ودقيق، ومن خلال هذه التصنيفات أو التقسيمات قد تجاوز واضع القانون أزمة الخلط بين حرية التعبير وبين ما هو مخل لثقافة المجتمع.
وعليه فإن على من يهمهم الأمر في العراق أن يسنوا قوانين بما يناسب المجتمع العراقي من ثقافة ودين وأخلاق وتقاليد وذلك بشفافية ووضوح مما يرفع الالتباس والخلط في الأوراق في مجال الحرية أو القيود".
جواد العطار؛ باحث وكاتب إسلامي:
"بعد حملة "بلغ" التي أطلقتها وزارة الداخلية لمواجهة أصحاب المحتوى الهابط، لا يخفى ان لمواقع التواصل الاجتماعي جانبان مهمان في الاستعمال، هما:
الجانب الايجابي: ويمثل الهدف من وجودها وتسميتها بالتواصل الاجتماعي وتبادل الأفكار والإخبار وتشخيص الجوانب السلبية على كافة الصعد بأسلوب مقبول وموضوعي.
الجانب السلبي: ويقتسمه فريقين:
الفريق الأول - ويذهب إلى ان وسائل التواصل الاجتماعي صناعة أمريكية بامتياز للتجسس على الشعوب الأخرى أولا؛ وتخريب قيمها ومعتقداتها ثانيا؛ وغزوها فكريا ثالثا... وهذا الفريق يعتمد نظرية المؤامرة الخطرة جدا والتي يعتبرها البعض اخطر من الاحتلال لان الاحتلال ممكن ان تحاربه وتقاومه بالشباب بينما هذا الاحتلال التكنولوجي يخرب عقول الشباب ويسلخهم عن مجتمعاتهم وعن أفكارهم وقيمهم وتقاليدهم واهم شيء عن تعاليم دينهم.
الفريق الثاني - ويذهب هذا الفريق إلى ان مواقع التواصل الاجتماعي بناءة وتطور مطلوب؛ لكنها تعاني سوء الاستخدام والإفراط والاهتمام الزائد بها في مجتمعاتنا، واعتماد البعض عليها في السب والقذف والكذب والتسقيط وترويج الإشاعة ونشر الصور المخلة والرذيلة أحيانا.
ورغم كل ما تقدم، فإننا لن نستطيع التوصل إلى الاستفادة من تقنيات الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي لعدة أسباب أهمها:
١. أنها صناعة خارجية مستوردة جاهزة.
٢. لا يمكننا التدخل في تطويرها أو تحويرها.
٣. لا نتوقع تكنولوجيا المورد التي تتطور كل لحظة.
٤. صعوبة مراقبتها لان تغذيتها ممكن ان تكون من أي بقعة في العالم.
٥. ضعف القوانين الداخلية أو انعدامها والمتعلقة بمحاسبة المتجاوزين على الشبكة الدولية للمعلومات يشكل جزءا كبيرا من سلبيات هذه المنظومة التي لا ننكر ان لها إيجابيات تفوق السلبيات ان نحسن استعمالها.
وأخيرا تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي وما سيظهر مستقبلا من تطبيقات الكترونية جديدة هي جزء لا يتجزأ من العولمة والقرن الأمريكي الحادي والعشرين مثلما خطط له الأمريكان قبل ثلاثة عقود من الان".
محمد علاء الصافي؛ باحث وكاتب:
"الحكومة أو الأجهزة الأمنية أهملت هذا الموضوع لمدة 20 سنة، وإثارته في هذا التوقيت بسبب المشاكل التي تمر بها الحكومة مشاكل سياسية وتخبطات بالجانب الاقتصادي والضغط الإعلامي الكبير لهذا ابتدعت هذه القضية، وهناك أماكن تبث المحتوى الهابط مدعومة من جهات وأحزاب سياسية لا يتم التعرض لها من الحكومة يعجز القضاء مواجهة هذه الجهات المدعومة والمسنودة ولكن تمت التضحية بكم شخصية معروفة على مواقع التواصل الاجتماعي من ميسورين الحال، وتعرض الكثير منهم للإهانة الشخصية وحتى لو تمت تبرئته فإنه تعرض للتشهير هو وعائلته وتم المس بكرامته وفضحه وربما لا يستطيعون الخروج من المنزل أو ينتحر.
وهناك مسألة مهمة في خصوص منصة بلغ وخلال 48 ساعة وصلت 50 إلف بلاغ وبعد مرور 4 أيام وصلت إلى 100 إلف بلاغ هذا الأمر يثبت ان البعض لازال متشبعا بثقافة البعث بالوشاية بالناس وكتابة التقارير وهذا شيء غير مبرر، لذلك تطبيق القانون على الجهات الضعيفة وعدم تطبيقه على الجهات المدعومة يجعلنا في تساؤل هل هي السلطة جادة في تطبيق القوانين وان قضية تطبيقه فقط على أشخاص محددين وبشكل انتقائي وهذا ما يجعل السلطة القضائية امام الأنظار في محل شك باستمرار، اضف الى ذلك نحن نستخدم نفس القوانين التي سنت قبل 50 سنة وهي إشكالية كبيرة جداً بحكم تغير الأجيال وتغير الزمان وحتى تغير كل الوسائل التي كانت موجودة لذلك يجب تحديث القوانين والمؤسسات الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني وحتى السلطة التشريعية واللجان المختصة بالوزارات المعنية هي المفروض تقدم مشاريع قوانين جديدة يتم مناقشتها والإطلاع عليها ونشرها لتحديث هذه القوانين".
الشيخ مرتضى معاش، باحث في الفكر الإسلامي المعاصر:
"ليست هناك حرية تعبير مطلقة وإنما هي حرية تعبير في إطار المسؤولية التي يتحملها كل إنسان باعتباره كائن عاقل مختار قادر على تحديد الفرق بين الخير والشر والصالح والسيء، وليس مهمة الحكومة ان تتحكم في حرية التعبير بل وظيفة الإنسان نفسه بان يعرف حدود مسؤوليته ومدركا لحقوقه وواجباته وان يعرف كيف يمارس حريته المسؤولة، فالحكومة دورها امني في حماية الأمن المحلي والخارجي وحماية الحقوق والحريات، أما الأمن الأخلاقي أو الأمن الاجتماعي فهو من أدوار المؤسسات الاجتماعية والنخب الاجتماعية والدينية والثقافية والمجتمع المدني والمدارس والجامعات، والتي لها دور في التنشئة والتربية لبناء الحرية المسؤولة لدى الإنسان بحيث يفهم وظائفه وواجباته وحقوقه في الحياة، وإذا اختل هذا الأمر وبدأ يمارس دور سلبيا في ممارسة الحرية فمعناه ان الإنسان لم يحصل على ذلك التوجيه الجيد في المجتمع.
بالإضافة ان الضبط الاجتماعي يعتمد على الوقاية لا على القمع وكلما يزداد القمع يزداد الإنسان حنقاً وغضباً داخلياً ويبدأ عملية انحلال وتمرد أكثر مما هو موجود، لذلك يجب ان يكون الردع ذاتيا لا الردع الذي يقوم على التخويف والإرعاب بطريقة الأخ الأكبر الذي تمارسه الدولة الاشتراكية أو الدولة الاستبدادية أو الدولة البوليسية التي لازالت كامنة في أعماق الدولة والمجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر.
كما ان هناك محتوى هابط خفي موجود ولا يمكن ملاحظته بشكل مباشر بالألفاظ أو التصرفات أو بالسلوكيات وإنما هو محتوى هابط بطريقة رمزية ومعنوية مثل هؤلاء الذين ينشرون المعلومات المضللة وتناقلها وحتى بعض المثقفين بدأ يتأثر بهذا النوع من المحتوى المزيف الذي يختفي وراء مغالطات مسبوكة ويؤدي الى مواقف وقرارات مغلوطة.
وعلى فرض منع المحتوى الهابط محليا فكيف سيتم التعامل مع (الانترنيت المظلم) الذي ليس بإمكان الحكومة السيطرة عليه والذي قد ينشر بأسماء وهمية أو زائفة، وفي حال سيطرت على المحتوى الداخلي فماذا عن المحتوى الخارجي القادم من خلف الحدود والذي لايمكن صده بالقانون؟، وماذا عن المحتوى الذي يستخدم الأطفال حتى لو كان بشكل بريء وهذا أسوء أنواع المحتوى الهابط، وكذلك المحتوى الهابط الموجود في لغة الشارع، وأسلوب التعامل مع المواطنين في الدوائر الحكومية حيث عدم الاحترام وانتهاك الكرامة الإنسانية.
ومن الحلول لمعالجة إشكالية المحتوى الهابط والانحدار الأخلاقي، هو ضرورة وجود منهاج في الأخلاق في المدارس والجامعات على ان لايكون درسا هامشيا شكليا.
كذلك تشكيل لجان مشتركة بين الأهالي والمؤسسات الحكومية المحلية لمتابعة هذه القضايا وبالنتيجة ترصين وتحصين الأبناء.
كذلك توفير حاضنات اجتماعية لملء الفراغ مثل المراكز الاجتماعية والثقافية والرياضية الإيجابية التي تشجع على النشاط والابتكار وبناء المهارات.
كذلك توظيف البحث العلمي لدراسات ميدانية تقدم رؤى علمية ومعالجات عملية للأسر والمؤسسات حول تأثير شبكات التواصل على المراهقين والأطفال وافراد المجتمع بشكل عام".
الدكتور قحطان حسين طاهر؛ أكاديمي وباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
"كل دساتير الدول الديمقراطية وقوانينها وتشريعاتها وأعرافها وتقاليدها تكفل حرية التعبير عن الرأي لكن هذه الكفالة تكون بحدود، فحرية التعبير هي ليست مطلقة بل مقيدة تقييداً يضمن المصلحة العامة وعدم الإضرار بالذوق العام والنظام والأخلاق العامة، وان المحتوى الهابط يجب ان يحدد وفق معايير وان هذه المعايير احياناً توضع من القانون وأحيانا هي متعارف عليها اجتماعياً وليس من الضرورة لكل محتوى الرجوع للقانون لنحدد فيما إذا كان مستواه هابط أو لا، الذوق العام والأعراف العامة والآداب العامة احياناً لا تحتاج إلى عناء لتحدد إذا كان المحتوى الذي ينشر إذا كان هابط أو لا، والمحتوى الهابط يمكن تعريفه بأنه كل ما يتناقض مع الذوق العام والقيم والتقاليد الاجتماعية الأصيلة ويشكل خطراً على أخلاق المجتمع وسلوكياته وتقاليده لذلك يجب ان يكافح هذا المحتوى ويجب ان يلجم بالوسائل القانونية المتاحة، وهناك بعض الملاحظات المتعلقة بدور السلطات العامة في أسباب عدم معالجتها للمحتوى الهابط لمدة وسنين طويلة دفع البعض ممن هم يتبنون فكرة النشر والدعاية والتسويق والإعلان بطرق غير أخلاقية إلى التكاثر، وان للمستوى التافه من المحتوى مؤيدين وصلوا إلى الملايين لسبب بسيط هو سكوت السلطات العامة وتغاضيها عن مثل هكذا منشورات، وان هذا السكوت شجع البعض من هؤلاء أصحاب المحتوى الهابط إلى المزيد من المحتويات الهابطة وتلقفتهم الشركات والمؤسسات التي وجدت بهم غايتها بسبب الإعداد الكبيرة من المؤيدين والمتابعين وظفتهم بتسويق منتجاتها وبضاعتها ونشاطها وأصبحت القضية قاب قوسين أو ادني من القبول عرفاً واجتماعاً لولا القرار الأخير للسلطة.
وهناك ملاحظة مهمة يجب على السلطات العامة ان تأخذها بنظر الاعتبار يجب ان تحدد معايير واضحة صريحة جداً من خلالها نحكم فيما إذا كان المحتوى هابط أو لا، هي بدأت كبداية في معالجة المحتوى الهابط أخلاقيا خصوصاً على المحتوى الأخلاقي من الناحية الجنسية، ويجب ان يكون موقف الدولة من المحتوى العقائدي أو السياسي أو الثقافي الهابط واضح ويجب ان تنتبه السلطات العامة إلى هذه الأنواع من المحتويات ويجب ان تكون الخطوة التالية هذه المحتويات لكي لا تتهم السلطات بأنها انتقائية في مكافحة المحتوى الهابط إذا ما عرفنا ان كل هذه المحتويات الهابطة بكل أنواعها تشكل خطراً على قيم المجتمع و تساهم في زعزعة تماسكه".
احمد جويد؛ مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
"الموضوع يحتاج إلى دراسة ووضع نتائج إلى هذه المحتويات التي يتم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي خصوصاً ان هذه الوسائل تواصل تصل إلى الأسرة والمجتمع العراقي بشكل سريع من دون أي فلاتر والخوف من تأثر الأبناء في كثير من هذه المقاطع التي تبث والتي تحمل ألفاظ بذيئة وغير أخلاقية وهذه من ابسط الأمور التي ممكن ان نجابهها حماية لمجتمعاتنا، وفي كل مجتمع هناك قدوة حسنة وقدوة سيئة ويجب عدم التأثر من أبنائنا بالشخصيات التي تظهر على هذه المواقع".
الدكتور خالد العرداوي؛ مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:
"إذا ما الفقير توفرت له بدائل أخرى للتخلص من الفقر لنفسه أو عائلته سيبحث عن هذا المحتوى طبعاً إذا كان فيه عوائد مادية جيدة، وان حملة المحتوى الهابط في العراق هي حملة منافقة وهي تذكرنا بحملة عدي صدام حسين على دور العاهرات في ذلك الوقت بحجة المحافظة على شرف وسمعة المرأة العراقية بالوقت الذي كان هو وأبوه سبب في إهانة شرف العراقيات وهو وأبوه ونظامه هو الذي دفعهن لهذا الأمر، وبذلك عندما نتكلم عن مكافحة المحتوى الهابط لمحاولة الحفاظ على الآداب العامة والأسرة العراقية وأيهما يهدد أولادنا أكثر الفقر البطالة وسوء المستوى التعليمي والصحي والفساد أم أصحاب المحتوى الذين ينشرون مقاطعهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وحسب قاعدة باريتو فإن 80% من النتائج هي مسؤولة عن 20% من الأسباب ونحن في الدولة العراقية ذهبنا للنتائج ولم نقضي على الأسباب، ومن كان السبب في انحدار المستوى الثقافي في العراق وسبب في انحدار المستوى الإداري في العراق أليس هو النظام السياسي في حال إذا فسرنا الدولة هي السلطة وانه السلطة والدولة تكفل العيش الكريم للمواطن والعمل والحقوق والحريات، وفي حال نظرنا للقانون هل ننظر له كرزمة واحدة أم نمارس الانتقاء في ممارسة النصوص القانونية، وفي حال ان المواطن أخل بالتزاماته هذا الذي يقتل أو يسرق أو نشر محتوى غير جيد الدولة سوف تعاقبه ولكن من يحاسب الدولة على الإخلال بمسؤولياتها والدولة تحتاج إلى محاسبة وهي التي كانت السبب في الحالة التي وصلنا إليها.
المشكلة الأخرى قضية القدرة وان السلطة عاجزة ولا تستطيع تطبيق ما تريد، وبخصوص تفسير القانون فإن القانون نفسه وضع في ظل دولة استبدادية واليوم الدولة تعتبر نفسها ديمقراطية ونحن بحاجة إلى إعادة النظر في قانون العقوبات في العراق، وكلنا نريد ان نحافظ على الأساس الثقافي في المجتمع ولكن في حال وضع منصة ضد الفساد وليس لمواجهة المحتوى الهابط فقط".
حامد الجبوري؛ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:
"لماذا ظهر المحتوى السيء أو الهابط وهنا يجب ان نبحث عن الأسباب ومعالجة الأسباب ثم سينتفي ظهور هذا المحتوى، وبالتأكيد إذا ما غابت الفكرة بزغ الصنم وعدم وجود محتوى هادف ورصين هو وجود المحتوى الهابط ولأسباب التحول القيمي على مستوى العالم وبالجانب الاقتصادي كما يقولون العرض يخلق الطلب بالإضافة ان الطلب يخلق العرض وهو نوع من التوازن، والناشر للمحتوى الهابط لن يستمر نشره لولا وجود طلب، وهناك نوع من جوانب ذاتية وأخلاقية في المجتمع كنوع من القبول لهذا المحتوى، والإجراءات التي تتخذها الحكومة هي إجراءات تعسفية ويجب ان يتم نشر التوعية وثقافة المحتوى الجيد قبل هذه الإجراءات".
وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة الدكتور علاء إبراهيم الحسيني، بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع.
اضف تعليق