يسمح التسامح ولا شك في إثراء المجتمع وتطوره وتنميته في شكل خاص في المجتمع الإسلامي وعموم المجتمعات الإنسانية بشرط، ان يكون شاملا لجميع الأشخاص، وتحترم فيه الأفكار والإرادات، فحينما يتحول التسامح إلى ثقافة اجتماعية وقيمة سلوكية، حينذاك نصل فيها إلى المشتركات والمجتمع المتسالم، ففي تاريخ الإمام الكثير من المحطات...

ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات موضوعا تحت عنوان (استقامة التسامح في نهج الامام علي عليه السلام)، تزامنا مع ذكرى ولادة الإمام علي عليه السلام بحضور عدد من الأساتذة ومدراء المراكز البحثية والأكاديميين المختصين، وقد جاء في الورقة التي تلاها الأستاذ الدكتور علاء الحسيني، الباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات بالقول: 

طالما شكل هذا المنطلق ركيزة أساسية في حياة الرسول الكريم صل الله عليه وسلم، وفي حياة الإمام علي عليه السلام، في ترسيخ القيم العليا والتعايش الأهلي بين جميع بني البشر، امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى.. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

فالشريعة والسيرة النبوية الشريفة تعد بحق منبعا لحقوق الإنسان، ومؤسسا أصيلا لأسلوب حياة حرة وكريمة، حيث أرسى النبي (ص) أسس المصالحة والتسامح في موقعة الحديبية وكذلك في فتح مكة، حينما خاطب المشركين (اذهبوا فانتم الطلقاء)، هذه العبارة بحد ذاتها تمثل وثيقة قانونية إنسانية، جسد من خلالها اسمي معاني التسامح والتعايش حينما أطلقها في فتح مكة.

حيث دعا إلى تعزيز مفاهيم التعايش الأهلي، وغرسها في نفوس الجيل الناشئ غاية سامية، والقبول بالآخر والرضا به مهما كان شكله ولونه.. (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)، فالآية المباركة تعد إقرارا قرآنيا صريحا بالتعددية وضرورة قبول الآخر، والعمل على نفعه وخدمته ونصحه.

ولا يمكن ان نجد مجتمعا مهما صغر أو كبر بلا إشكاليات أو معضلات أو منغصات، ولتستمر الحياة والوشائج الحياتية لابد من التسامح ما بين مكونات ذلك المجتمع، ان من اجلى مقومات هذا التعايش هي.. 

أولا: الاستناد إلى الحقائق الدينية والإنسانية الحقة، حيث يقول الإمام علي عليه السلام..(الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان).

 ثانيا: (العدالة) لاسيما العدالة الاجتماعية فيقول الإمام علي عليه السلام.. (إن العدل ميزان الله سبحانه الذي وضعه في الخلق، ونصبه لإقامة الحق، فلا تخالفه في ميزانه، ولا تعارضه في سلطانه).

 ثالثا: (التكافل والتراحم) بوصفهما اصل إسلامي فعن الإمام علي عليه السلام قال.. [خير الإخوان من لا يحوج إخوانه إلى سواه)، وقال (خير إخوانك من واساك).

رابعا: (التسامح والعفو) وهو يعد قيمة بحق إنسانية وأخلاقية ويكمله الصبر والسماحة والرأفة والشفقة قال تعالى: (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، وقال: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وقال..(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

خامسا: احترام التعددية والرأي الآخر ونبذ التعصب والإقصاء والتشدد، فالتسامح لا يعني التنازل عن المعتقدات أو القناعات، وإنما يعني التعامل الإنساني بعبارة أخرى، التسامح هو معنى فكري ومادي في ذات الوقت، بمعنى آخر انه تقبل للأفكار الأخرى وعدم إقصائها أو اجتثاثها بطريق العنف، أيا كان شكله لفظيا أو ماديا، وان يخلو الخطاب لاسيما الرسمي من الإقصاء والتهميش والإبعاد.

سادسا: (الصبر) وهو من المقومات الأساسية لترسيخ مفهوم التسامح والصبر على الأذى، وترك الحق ليس المعنى من الصبر في الشريعة الاسلامية، حيث يقول الإمام علي عليه السلام.. (لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَ وَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَ فَضْلِهِ وَ زُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ).

يسمح التسامح ولا شك في إثراء المجتمع وتطوره وتنميته في شكل خاص في المجتمع الإسلامي وعموم المجتمعات الإنسانية بشرط، ان يكون شاملا لجميع الأشخاص، وتحترم فيه الأفكار والإرادات، فحينما يتحول التسامح إلى ثقافة اجتماعية وقيمة سلوكية، حينذاك نصل فيها إلى المشتركات والى المجتمع المتسالم، قال الإمام علي عليه السلام.. (إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه)، وهذا درس آخر من دروس الإنسانية التي يعلمنا فيها الإمام عليه السلام التسامح.

وهناك في سيرة الإمام علي عليه السلام مصاديق كثيرة للتسامح منها، حينما تم القبض على عبد الله ابن الزبير ومروان ابن الحكم وسعد ابن العاص، عفا عنهم الإمام علي عليه السلام وأحسن إليهم، مر الإمام علي عليه السلام بعد واقعة الجمل بنساء يبكين في فناء دار فلما نظرن إليه صحن صيحة واحدة وقلن هذا قاتل الأحبة، فقال الإمام علي عليه السلام لو كانت قاتل الأحبة لقتلت من في هذه الحجرة.

روي أيضا بعد ان أصابه ابن ملجم في مسجد الكوفة وكان طريح الفراش وطلب شيئا من اللبن وقال ادفعوه إلى أسيركم ويعني ابن ملجم، وهذا درس آخر من دروس التسامح حينما يسقي قاتله. في النهروان كان الانتصار لصالح الإمام عليه السلام وانهزام الخوارج، حينها ترك الخوارج إلى سبيل حالهم بل وصى بهم، وقال: (لَا تُقَاتِلُوا الْخَوَارِجَ بَعْدِي فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ كَمَنْ طَلَبَ الْبَاطِلَ فَأَدْرَكَهُ). وكان الأشعث ابن قيس شيخ المنافقين في معسكر الإمام علي عليه السلام، ومع هذا عامله الإمام علي عليه السلام معاملة إنساني.

طالما شكلت رمزية التسامح في تاريخ الإمام علي عليه السلام ثقافة ومنهاج حياة، فلو أردنا ان نتصفح على سبيل المثل عهد الإمام علي عليه السلام لمحمد بن أبي بكر، حينما والاه على مصر فيقول.. (فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ وَ أَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ وَ ابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وَ آسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَ النَّظْرَةِ حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ وَ لَا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ)، وقال في العهد المعروف لمالك الأشتر..(وأشعِر قَلبَكَ الرَّحمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالمَحَبَّةَ لَهُم، وَاللُّطفَ بِهِم، ولا تَكونَنَّ عَلَيهِم سَبُعا ضارِيا تَغتَنِمُ أكلَهُم ؛ فَإِنَّهُم صِنفانِ: إمّا أخٌ لَكَ فِي الدّينِ، وإمّا نَظيرٌ لَكَ فِي الخَلقِ، يَفرُطُ مِنهُمُ الزَّلَلُ، وتَعرِضُ لَهُمُ العِلَلُ، ويُؤتى عَلى أيديهِم فِي العَمدِ وَالخَطَأَ).

ففي تاريخ الإمام علي عليه السلام الكثير من المحطات، التي تدل على نضوج الرؤية الإنسانية في الدرجة الأولى، وهي مستمدة من إرادة وتأسيس السماء لرسالة التسامح بين بني الإنسان.

وللمزيد من النقاش نطرح السؤالين التاليين للإجابة عليهما:

السؤال الأول: ماهي الأسس التي بينها الإمام علي عليه السلام بالتعامل مع المحكومين، وعدم انحراف الحكام عن النهج القويم؟

السؤال الثاني: كيف يمكن ان نوظف طرق التواصل والتربية والتعليم المعاصرة لإبراز سيرة ونهج الإمام علي عليه السلام لتكون اسوة في تحقيق مجتمع متسامح ومتسالم؟

المداخلات

على الحاكم ان يكون إنسانا

- الأستاذ عدنان الصالحي؛ مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

من الصعوبة بمكان الإحاطة بشخصية وسيرة الإمام علي عليه السلام، مع ما تحمل من مزايا وخصائص غير اعتيادية، ولكن يمكن ان نلخص وبشيء من الموضوعية القاصرة عن استيعاب الأشياء العظيمة، شيئين مهمين عن شخصية الإمام علي عليه السلام وهما الإنسانية والنزاهة.

 لذلك هو اشترط على الحاكم ان يكون إنسانا في المقام الأول، ومن ثم يكون حاكما، فعند تعاضد هاتين الخصلتين، يتشكل عندها المسار الصحيح، فعندما يكون المسؤول أسيرا للمغريات والامتيازات انشغل عن خدمة الرعية وعن خدمة الناس، وهذا ما يحصل في الوقت الحاضر، الشيء الآخر ان ينظر للجميع بمنظار واحد.

إما بخصوص توظيف طرق التواصل والتربية والتعليم، فنحن إلى الان لم ندخل في الجانب الإسلامي على خط التربية والتعليم، بل ما زالت الأفكار العلمانية والأفكار القديمة سائدة في مسلك التربية والتعليم، بالتالي نحتاج إلى إعادة النظر بكل سلوكياتنا وبالقواعد العامة في مسار التربية والتعليم. 

التسامح ومداراة الرعية

- الأستاذ احمد جويد؛ مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

ان الأسس التي خطها الإمام علي عليه السلام على مستوى إدارة الحياة والدولة، تكاد تكون استثنائية بامتياز فهو لا يعرف للحقد والكراهية أي معنى في نفسه، بمعنى ان كل تفاعلاته وهواجسه النفسية والإنسانية تقوم على أسس سماوية وربانية، ومن أهم مصاديق هذا القول في فتح مكة، وأيضا في صفين حين امتلك النهر سمح لأعدائه في شرب الماء لأنه مباح، وواقعة الجمل هي الأخرى تشهد على سمو نفسه الكريمة حينما عفى عن اعداءه ومعارضيه، وهناك الكثير والكثير من الشواهد التاريخية التي تؤصل لهذا المغزى، لذلك هو حاول من خلال ذلك المراس ان يرسخ في النفس قاعدية أساسية تقوم على التسامح وعلى مداراة الرعية، لكن للأسف الشديد السياسة الأموية استطاعت ان تختط خطا مغايرا لهذه النعمة الربانية.

بالتالي نحن اليوم ما احوجنا إلى مبادئ أمير المؤمنين عليه السلام، والى حكمه، والى إدارته العادلة والنزيهة، الإمام علي عليه السلام هو الرجل الأول في العام الذي اضعف سلطات الدولة تجاه الناس، إي ان دور الدولة بمثابة الأب وإلام الحنون على أبنائها، بالتالي ان الدولة بمنظوره جاءت لحماية مصالح الناس ورعايتها.

ورفض كل سلوكيات فرض الضرائب وتكميم الأفواه وإرعاب وإرهاب الناس وتجويعهم والعبث بمقدراتهم الاقتصادية. 

زرع القيم العلوية

- الاديب علي حسين عبيد؛ كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:

ان الحكام المسلمين يتحملون مسؤولية ذاتية في تربية أنفسهم، فعلى المسؤول الحاكم ان يتقرب من الإمام علي عليه السلام ومن المذهب الشيعي، لذلك على الحاكم المسلم ان يدرب نفسه وان يطورها للاستفادة من سيرة الإمام علي عليه السلام، لاسيما وان سيرة الإمام علي عليه السلام حافلة بالكثير من الدروس والتجارب، التي يمكن الاستفادة منها في تقويم سلوكيات وتصرف إي مسؤول سواء كان إسلامي أو غير إسلامي.

إما من ناحية أخرى الأسرة ودور الأسرة له مكانة كبيرة في نشر ثقافة ومنهج الإمام علي عليه السلام، فيما يخص التسامح وزرع هذا المنهج في نفوس أفراد العائلة، وهذا واقعا ما تربينا عليه منذ الصغر يوم كان يجمعنا الوالد في غرفة واحد ويحدثنا عن تاريخ الإمام علي عليه السلام واهم صفاته، وحتى في المدارس قديما كان على سبيل المثال معلم مادة الدين وهو يحدثنا عن سيرة الإمام علي عليه السلام.

لذلك أجد ان أسرة والمدارس كلاهما لهما دور كبير في صقل وتنمية قدرات الشباب والأطفال باتجاه زرع القيم العليا التي أسس لها الإمام علي عليه السلام.

الرحمة تبدأ من الحاكم

- الشيخ مرتضى معاش:

ان مفردة التسامح لا توجد بحد ذاتها في القرآن، بل يوجد بدلا عنها مفردات كثيرة اعظم منها في الدلالات والمعاني.. الحلم، العفو، الصفح، الإحسان، الرحمة، الغفران.. مفردة التسامح استخدمت في المعاملات والعقود وتعني المسامحة، بالتالي فان المسامحة في العقود يؤدي الى التراحم، وطيب النفس.

فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (رحم الله عبدا سمح البيع، سمح الابتياع، سمح القضاء، سمح التقاضي). وعن الإمام علي (عليه السلام) -لرجل يوصيه ومعه سلعة يبيعها-: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: السماح وجه من الرباح.

لذلك فإن العقد المبرم بين الحاكم والمحكوم، هو من أعظم العقود، فلابد من احترام هذا العقد حتى نؤسس لرحمة مستدامة بالمسامحة والتسامح في العلاقة ما بين الحاكم والمحكوم، بالنتيجة تتحقق الرحمة الاجتماعية العامة والوصول الى المسالمة الاجتماعية العميقة، فإذا ما أردنا ان نرصد ما ذهب إليه الإمام عليه السلام في عهد مالك الأشتر، نكتشف بأننا نعيش في كوكب آخر غير كوكب الإمام علي عليه السلام، والشيعة شيعة آخرين، وكأنه ليس لهم علاقة بالإمام علي عليه السلام.

 التوحش الذي يسود العالم اليوم، هو نتيجة طبيعية للسلوك السيئ للحكام والحكومات، خاصة وان بناء الدول والحكومات يقوم على القوة الغاشمة وعلى الأجهزة الأمنية القمعية، وهذه المرتكزات المتوحشة والظالمة لا تبني دولة، فالإنسان له عقل وقلب ومشاعر وهي لينة، بالتالي كلما تمارس القوة والعنف ضد الإنسان يزداد توحشا، وعلى العكس من ذلك كلما تمارس معه الرحمة والتراحم، سيؤدي إلى بناء واقع اجتماعي سليم وصحيح، ومن ثم بناء دولة صالحة وحكم رشيد.

لذا فان الإمام علي عليه السلام ركز وبشدة على فكرة ان يكون الحاكم رحيما مع الناس، وان يعفو عنهم وان يصفح، كل هذه المؤشرات هي دلائل حية لبناء الإنسان، بالتالي فان الحكومات الفاسدة تعلّم الناس على الفساد، وإذا كانت صالحة تعلم الناس على الصلاح، واذا كانت قاسية تعلمهم على القسوة والتوحش، واذا كانت رحيمة تعلمهم على التراحم والتآلف.

 ونرى ذلك في أقوال الإمام علي عليه السلام.. (فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ)، هذا المعنى يكرس لدينا حالة التعاطي الفكري والثقافي والأخلاقي الذي يسري في المجتمع كالهواء الذي نتنفسه.

وفي مورد آخر يقول الإمام علي عليه السلام.. (فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا)، نستشف من خلال هذا القول ان الحاكم لا بد ان يترفع عن تتبع الزلات والتجسس وعن التشهير بالناس.

 أيضا في مكان آخر يبين أسباب نشوء الاحقاد والعقد المريضة بين الناس التي تتسبب بالصراعات والنزاعات، وكيفية حل تلك العقد، فيقول عليه السلام.. (أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ وَاقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ وَتَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَضِحُ لَكَ).

فإن الطريقة التي يمارسها الحاكم في نسيان أخطاء الآخرين بالتغابي والتغافل والتغاضي كأنه لم ير ويسمع شيئا، أي عدم عقابه، كل ذلك يؤدي الى ان يتعلم المواطن المواطنة بالتعقل والتفكر في اخطائه، فاذا عاقبه الحاكم يشتد عنادا كالطفل الصغير.

ويقول (عليه السلام) في مكان آخر: (فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِإِمَامِكَ وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ وَيَنْبُو عَلَى الْأَقْوِيَاءِ وَمِمَّنْ لَا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ)، (فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ).

فالرحمة تبدأ من الحاكم، فاذا كان رحيما تعلم منه الناس الرحمة والعفو واخلاقيات التسامح. وفي مقاطع عديدة ومنها هذا المقطع نرى الامام (عليه السلام) يؤكد على نبذ العنف (وَمِمَّنْ لَا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ).

وعنف المسؤول هو ان يضع بينه وبين الناس جدرانا وحواجز فلا يصل الناس اليه، وهذا بحد ذاته هو قهر وظلم وتسلط على رقاب الناس واستلاب للإرادة التمثيلية للشعب وقطيعة وجفاء بين الحاكم والمحكوم، بما عبر عليه السلام: (وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ وَاعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَرِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وَعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ)، فالاصحار من الصحراء بمعنى الانكشاف الى الناس وعدم الانعزال عنهم والشفافية والوضوح بالتعامل بشكل مباشر معهم.

وفي مورد آخر يقول عليه السلام..(وَلَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ و لِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَ أَمْناً لِبِلَادِكَ)، فالأصل هو السلم وعدم الحرب بل إيقاف الحرب اذا دعيت للسلم.

وقال الإمام علي عليه السلام..(وَلَا تُوَكِّلْ بِهَا –الصدقات- إِلَّا نَاصِحاً شَفِيقاً وَأَمِيناً حَفِيظاً غَيْرَ مُعْنِفٍ وَلَا مُجْحِفٍ وَلَا مُلْغِبٍ وَلَا مُتْعِبٍ)، وهنا يقصد التعامل في قضية الضرائب وأسلوب التعامل في اللين واللاعنف والتسامح.

وفي مورد آخر يتضمن التسامح حتى في التعامل مع الماشية من الحيوانات: (فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلَا تَدْخُلْهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلَا تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ وَلَا عَنِيفٍ بِهِ وَلَا تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَلَا تُفْزِعَنَّهَا)، وهذا يعبر عن مستوى التسامح عند الإمام علي عليه السلام الذي وصل إلى حدود بعيدة جدا، والكثير لايعرف معاني هذه التوجيهات العظيمة، وقد كان عندي مع البعض نقاش حول مفردة اللاعنف الذين كانوا يرون ان هذه المفردة مستجدة في الخطاب الثقافي ولا توجد في التراث الإسلامي، ولكني حسب تتبعي وجدتها في كلمات رسول الله (صلى الله عليه وآله) والامام علي (عليه السلام) ومنها هذا المورد (وَلَا عَنِيفٍ بِهِ).

ونحن أحوج ما نكون اليوم للاستفادة من مدرسة التسامح والرحمة واللاعنف والرفق عند الإمام علي عليه السلام عمليا عبر الاستفادة منها في المناهج التعليمية والتربوية، وتطبيقها في الدساتير واللوائح القانونية، ونمارسها ممارسة عملية في مؤسساتنا، اذا اردنا نحقق الاستقرار الاقتصادي والسياسي، والا فإن الحكم العنيف والتسلط الغاشم يؤدي الى نهاية سوداء.

العهد الأشتري وضمان استقامة التسامح

- الأستاذ حسن كاظم السباعي، باحث وكاتب:

لأميرالمؤمنين الامام علي بن أبيي طالب عليه السلام عدة أُسس وقواعد في بيان كيفية تعامل الحاكم والمحكوم وما لهما وعليهما من حقوق وواجبات، ويعتبر العهد الأشتري المعروف هو الأكثر شمولية في هذا المجال، حيث إنه من خلال كل فقرة من فقراته بيَّن سلام الله عليه تفاصيل جميع الأمور الجزئية والكليَّة، بدءً من طريقة الكلام ونبرة الصوت حتى أوسع الحالات كطريقة إدارة السلطات الثلاث وكيفية مواجهة الأزمات الكبرى وذلك ضمن مبادئ أخلاقية وإنسانية بمعناهما الكاملين.

وكان مما بيَّنه على سبيل المثال لا الحصر؛ طرق استقامة وتطبيق تلك الأُسس والمبادئ؛ حيث إنه حتى لو وُجد نظام من الأنظمة مكوّن من حاكمين ومحكومين ملتزمين بالدستور والقيم الصحيحة والسليمة، إلا أن هنالك عدة عوامل توجب بعض التقصير أو الترك أو الإهمال أو التغافل والنسيان والتي يسبّبها الطابع الاستبدادي للحاكمين والذي يبرز عند أغلب البشر طيلة مسيرتهم الاجتماعية والسياسية، وكان علاج ذلك هو هذه الفقرة من فقرات العهد العلوي الشريف حيث يقول عليه السلام: "وأكثر مدارسة العلماء، ومنافثة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك".

من خلال هذه الفقرة من العهد نستوحي نظريتي "مدارسة العلماء" و"منافثة الحكماء" وفيهما إشارة إلى قانون جامع (المشورة) فالمدارسة تأتي لإعادة النظر والتريث، والمراجعة والمنافقة تشير إلى الدنو والبقاء مع الحكماء، وهم صنف يختلف عن العلماء بما اوتوا من رجاحة عقل وتدبير وإدارة مواقف ومراعاة تقاليد او ما يعبر عنه بالخير الكثير في تأوّل الأمور، ولفظة المنافثة تشير إلى شدة دنوهم من الحاكم او الوالي لاستحصاف الرأي والعقل..

وبهما يمكن مواجهة الاستبداد المحتمل والناشئ عن الأنانية وحب السيطرة والاحتكار وعدم الحاجة إلى الغير، وهذه عوامل تؤدي إلى عدم مراعاة حقوق الآخرين ومصالحهم وبالتالي إلحاق الضرر إلى الأصول والمبادئ المتفق عليها بين الحاكم والمحكوم.

ولا يمكن في هذا المجال المختصر إلى الإطناب في أمر "المشورة" حيث يتطلب إلى بحث مستقل، فنكتفي بحديث موجز عن "الاستشارة مع العلماء" حيث يمكن القول إن "المشورة" تدعو إلى التذكير وعدم الإهمال والنسيان، وتنمي ظاهرة الإبداع والابتكار، وهما مهمان بالنسبة لأمر الديمومة والاستمرار، فمن جانب تتلاقى الأفكار ثم تتلاقح مع أفكار الولاة، ذلك لأن المشورة هذه ليست مشورة اعتيادية مع أي شخص، وإنما هي مع أصحاب العلم والفكر وأهل الإختصاص والخبرة.. ممن ليس لهم مصلحة شخصية أو فئوية، وإنما كل همهم هو معالجة المشاكل والأزمات من خلال إعطاء النصح والتذكير، وخاصة لمن يحمل العلم والفقه المتصف بالتجديد الذي يواكب العصر والتطور الحاصل في مختلف المجالات، فـ "الفقه ثم المتجر" ينطبق على جميع مجالات الحياة.

ولا يمكن لأحد أن ينكر دور العلماء رغم كل الجفاء والجحود والنكران الذي لحقهم من قبل أغلب الأطراف من تشويه وتهميش وتمويه وتقمّص.. 

فيمكن بالشورى أولا تشخيص الحقيقة عن الزيف والخداع ومعرفة المحق من المبطل، وتمييز من هو مؤهلا للاسشارة عن غيره، ثم طلب النصيحة والإرشاد.. وبذلك يمكن الوصول إلى إقامة أُسس المعاملة بين الحاكم والمحكوم وعلى رأسها مبدأ التسامح وضمان استقامتها بالشكل المطلوب. 

وفيما يرتبط بكيفية توظيف طرق التواصل والتربية والتعليم المعاصر لإبراز سيرة ونهج الإمام علي عليه السلام، ففي دراسة العهد الشريف ومقارنته مع القوانين والمواثيق المعاصرة، السبيل الأرسخ في هذا المجال كذلك بالتعمق في رسائله لجملة الولاة في النهج الشريف..

مثلا: لو لاحظنا ميثاق حقوق الإنسان العالمي ثم فتشنا ما جاء في العهد الأشتري سوف نصل إلى مواقع الضعف في مناهج التربية وبالنظر للعهد نصل إلى كيفية معالجتها، أو تحسين مواقف القوة وكيفية تنفيذها..

التمسك بالثوابت العلوية

- الأستاذ علاء الكاظمي؛ كاتب وباحث:

ان الإمام علي عليه السلام يمتلك من البلاغة والخطابة، ما يكل عنه إي خطيب وأي ملم في جوانب اللغة وبحورها، فتلك الشخصية العظيمة يصعب الإحاطة بها وبمعناها، وإلا كيف تفسر حالة التخلي التي وصل إليها الإمام علي عليه السلام عن كل المكاسب الدنيوية التي نتصارع من اجلها، في مقابل ذلك يقيم العدل والإنصاف والتسامح والعفو، لأنها من الركائز الأساسية لصقل الإنسان وتنمية قدراته الذاتية.

بالتالي نحن مطالبين بالتمسك بالثوابت العلوية، وذلك من خلال نشر تعاليم وقيم أهل بيت النبوة ومهبط الرسالة، وزرعها في نفس الناس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال الحوارات واللقاءات الثنائية. 

استراتيجية العفو

- الدكتور لطيف القصاب؛ إعلامي وباحث سياسي:

ان التسامح لغويا، ينصرف إلى التساهل، وهذا ما ورد عن النبي الأكرم صل الله عليه وسلم.. (رحم الله امرءًا سَمْحًا إذا باع، سَمْحًا إذا اشترى)، استراتيجية العفو هي العلاقة الفارقة في شخصية أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا ما نفتقده نحن كعراقيين على مستوى الاستفادة من شخصية الإمام علي عليه السلام، في مجال التسامح والعفو الصفح.

التنعم بالتسامح الديني

- الاستاذ صادق الطائي، كاتب وباحث:

عندما اتخذ الكوفة عاصمة للدولة الاسلامية، عاشت الكوفة أجواء خاصة فيها أشخاص يمثلون مدارس فكرية متنوعة وخطوط فكرية متضاربة مع السلطة والمجتمع، حتى ان بعض الكتب التاريخية تذكر ان في نفس مسجد الكوفة كانت تقام صلاة جماعة لقوى محسوبة ضد النظام القائم، وكذلك كانت تقام حلقات تدريس لمدارس ضد النظام الحاكم، كل هذه التصرفات والعداء الواضح من اشخاص والتعدي على المجتمع بصورة واضحة تحملها الامام وتعامل بإيجابية وتسامح، نوع من الحرية في اعلان الرأي المخالف.

هذا في الكوفة، أما كتابه الى مالك الاشتر النخعي عامله في مصر كان اكبر دليل مكتوب ويمكن اعتبارها وثيقة قانونية واساس فعليّ لعملية التسامح والقبول بالاختلاف الفكري والاجتماعي عند الناس، ودائما كان يقول الانسان إما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق.

يذكر في التاريخ البعيد ان الامام علي - عليه السلام - في طريقه لحرب معاوية وفي طريقه قرب (كنيسة) عطش الجيش بدأ يبحث عن ماء ويسأل عن ماء ذكروا له ان الماء يبعد أكثر من ثمانية كيلو متر عن الكنيسة طلب الامام ان يبحثوا هنا عن الماء بكل الطرق ولكن كان الفشل هو الغالب على جميع الجهود، عندها بدأ الامام نفسه، يبحث عن الماء في المنطقة المحيطة بالكنيسة، وجد الماء بعد جهد كبير، شربوا وشرب الذين يعملون في تلك الكنيسة كما اعطى الماء كهدية الى اصحاب المعبد الديني يشربون ويتنعمون بعملية التسامح الديني الذي كان مفقودة في تلك الفترة التاريخية الماضية هذه صوره واضحة لعملية التواصل وتعليم الاجيال المقبلة عن عملية التسامح والمتسالم.

على النخب ان تعيد ترتيب أوراقها

- الأستاذ محمد علاء الصافي؛ باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:

هناك أربعة مضامين مهمة وهي..

أولا: (تطبيق الضمان الاجتماعي) خاصة وان موضوعة التسامح في فرض العقوبات من الناحية الدينية يحتاج إلى وجود ضمان اجتماعي حقيقي.

ثانيا: (التربية) هذا الموضوع أيضا يرتبط أيضا بالجانب النفسي والتربوي، بالتالي فان الدولة إذا استطاعت ان تنشئ جيلا متميزا، هنا بطبيعة الحال سوف نقلص من المجرمين.

ثالثا:(المناهج الدراسية) فمن الغلط ان ننتظر الدولة ان تغير مناهج الدراسية، لذلك على النخب الواعية والثقافية ان تعيد ترتيب أوراقها في بناء الطفل العراقي والإنسان العراقي.

رابعا: (غياب التسامح والتساهل في المجتمع) وذلك بسبب غياب دور المصلح الاجتماعي.

استحضار سيرة الإمام علي بطريقة إنسانية

- الدكتور حسين أحمد السرحان؛ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:

ضرورة الرجوع إلى هذا النهج الإسلامي والإنساني في إدارة الشأن العام، خصوصا وان في أدق تفاصيل السيرة العلوية والنبوية، لها سمات وجودية لا تنتمي لهذه الطائفة أو تلك، بالتالي فان هذا التراث الإسلامي والإنساني الأسف الشديد غائب، وليس له حضور في سلوك الأفراد وثقافة الأفراد، والسبب لان التنشئة هي ليست تنشئة صحيحة، لا سيما عندما نستحضر بعض النصوص خارج السياق الزماني والمكاني.

لذلك فان عملية استحضار هذا التراث أو هذا الفكر وإيجاد له منافذ في سلوك الأفراد وفي الثقافة العامة للناس، والعلة هنا على ما اعتقد هي في منهجية هذا الطرح، وهي ليست منهجية إنسانية، بالتالي فان بعض التجمعات، هي عبارة عن تحشيد طائفي، وكأنما الإمام علي عليه السلام هو للشيعة فقط، وهذا ظلم عظيم فالإمام علي عليه السلام كان يحمل على عاتقه مسؤولية النهوض بالإنسان وبكل اشكاله وكيفياته.

وعندما نستحضر سيرة الإمام علي عليه السلام، علينا ان نستحضرها بطريقة إنسانية، تليق بصاحب هذا الذكر بعيدا عن التوصيفات الضيقة والقاصرة عن فهم علي ونهج علي عليه السلام. 

جعل الحاكمية عنوانا للعدالة الاجتماعية

- الأستاذ باسم الزيدي؛ مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:

ان التشيع في جوهره يعني الإتباع، علما ان فكرة التشيع بحد ذاتها هي عنوان سامي، قد لا يتصف به عامة الناس الا خاصتهم، وهؤلاء العامة يمكن ان نطلق عليه محبين، إما ما يخص نهج وسيرة الإمام علي عليه السلام، ففيها الكثير والكثير من المحطات والمواقف المشرقة، إلى جانب ذلك وهو محل الشاهد وبيت القصيد ان الإمام علي عليه السلام لم يكن راغبا في الحكم أو السلطة بحد ذاتها.

وهذا هو ديدن وعادة المصلحين والأنبياء والمرسلين وقادة الأمم، العبارة من أهل البيت عليهم السلام إنهم كلما وجدوا فسحة تشبثوا بها لتأسيس قواعد معينة، فالإمام الصادق عليه السلام حينما اعطي مساحة من الحرية أسس قواعد علمية وقيمية، بالتالي هذه المناخات وتلك الأجواء هي مصاديق حية للحكم وللسلطة بعنوان آخر ثقافي فكري قيمي إنساني.

بالتالي ان أمير المؤمنين عليه السلام عندما اعطي زمام إمرة المسلمين والسلطان عليهم وحتى الإنسانية جمعاء، جعل من هذه الحاكمية عنوان للعدالة الاجتماعية، وهذا ما أشار إليه في عهد مالك الأشتر.. (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهما).

النقطة الثانية: أسس لمحاسبة النفس ومراقبة الحاكم، وقال عليه السلام.. (مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً ْ فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ).

الأمر الثالث: هي الشفافية والنزاهة فيقول الإمام علي عليه السلام..(وإن عملك ليس لك بطعمة، ولكنه في عنقك أمانة).

 النقطة الرابعة: هي كرامة الإنسان التي أوردها الإمام علي عليه السلام في العهد حيث قال..(إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

خامسا: اختيار المسؤولين الأكفاء فيقول الإمام علي عليه السلام..(ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختيارا، ولا تولهم محاباة وأثرة، فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة).

سادسا: توفير العيش الكريم فيذكر الإمام عليه السلام..(إن الله عز وجل فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتليغ بالفقير فقره).

سابعا: إقامة العدل القضائي فيقول الإمام علي عليه السلام..(فأقم الحق ولا تحفو به على احد)

ثامنا: رفض الاستبداد فيقول عليه السلام..(لا رأي لمن انفرد)

ختاما ان ما يخص مسالة التأسيس لبرامج التواصل والتربية المعاصرة، فنحن أحوج ما نكون إلى الحداثة، وان الحلول التقليدية والقديمة لا تجدي نفعا، بل لا بد من الاستعانة بكل التقنيات والعلوم الاجتماع الحديثة في تطوير من نمتلكه من إمكانيات كبيرة وعظيمة.

رسالة إلى الإنسانية

الأستاذ حسين علي عبيد؛ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:

ان شخصية الإمام علي عليه السلام أخذت مساحة عظيمة في ذاكرة التاريخ والدنيا طولا وعرضا، واقرب مثال على ذلك الكاتب المسيحي (جورج جرداق) وهو يتحدث عن الإمام علي في كتابه (علي بن أبي طالب صوت العدالة الإنسانية)، فكيف لا وهو أول من أسس نظام التكافل الاجتماعي، إما في موضوعة عهد مالك أو عهد محمد بن أبي بكر فهي رسالة إيحائية يراد لها ان تصل إلى الإنسانية والى العالمية، لذلك كان الإمام علي عليه الإسلام يؤسس للسلوك الإلهي والرباني القويم.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2025

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

http://ademrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق