الأحكام القضائية الأخيرة التي صدرت بحق 53 من قادة \"حراك الريف\" في المغرب، اثارت غضب واستياء الشارع المغربي بالإضافة إلى انتقادات بعض الحكومات والمؤسسات الحقوقية الدولية، وحكم القضاء المغربي على زعيم \"الحراك\" ناصر الزفزافي وثلاثة من رفاقه بالحبس لمدة 20 سنة بعدما دانهم بتهمة \"المشاركة في مؤامرة تمسّ بأمن الدولة...
الأحكام القضائية الأخيرة التي صدرت بحق 53 من قادة "حراك الريف" في المغرب، اثارت غضب واستياء الشارع المغربي بالإضافة إلى انتقادات بعض الحكومات والمؤسسات الحقوقية الدولية، وحكم القضاء المغربي على زعيم "الحراك" ناصر الزفزافي وثلاثة من رفاقه بالحبس لمدة 20 سنة بعدما دانهم بتهمة "المشاركة في مؤامرة تمسّ بأمن الدولة"، على خلفية الاحتجاجات التي هزت مدينة الحسيمة ونواحيها (شمال) ما بين خريف 2016 وصيف 2017. كما أدين 49 متهما آخرين بالسجن لفترات تتراوح بين عام و15 عاما.
هذه الاحكام القاسية وكما يرى بعض المراقبين، يمكن ان تسهم في خلق حركة احتجاجات شعبية جديدة ومختلفة تماما عن الاحتجاجات السابقة التي انطلقت شرارتها من منطقة الريف في تشرين الأول/أكتوبر 2016 مع سحق بائع السمك محسن فكري في عربة جمع القمامة في مدينة الحسيمة في شمالي المغرب. وانتقد نشطاء حقوقيون بحسب بعض المصادر، ما وصفوه بـ"مجزرة قضائية" مدينين ما اعتبروه "عدم استقلالية القضاء" و"غياب شروط المحاكمة العادلة"، وعبر كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي عن "الصدمة" إزاء "ردة حقوقية". وذهبت بعض التعليقات إلى اعتبار أن المغرب "عاد لسنوات الرصاص". واستيقظت مواقع التواصل الاجتماعي على وقع "الصدمة" جراء ما اعتبر "أحكاما قاسية"، ونشر مدونون هاشتاغ "اعتقلونا جميعا" وأطلق آخرون عريضة لجمع توقيعات تدعو البرلمان المغربي إلى العفو عن المعتقلين.
ونشرت "الصفحة الرسمية لمحبي ناصر الزفزافي" تعليقا يستغرب "كيف لمن تسببوا في تاخير المشاريع الا يحاكموا ولو ليلة في السجن ومن فضحوهم وساعدوا الملك يحاكمون بعشرين سنة، عن اي عدل تتحدثون"، وذلك في إشارة إلى موجة إعفاءات شملت السنة الماضية وزراء ومسؤولين كبار اعتبروا مقصّرين في تنفيذ مشاريع إنمائية بمدينة الحسيمة. وينتظر أن يطلب الدفاع استئناف الأحكام التي وصفها بـ"القاسية" بعد التشاور مع الزفزافي ورفاقه، في حين وصف محام يمثل الطرف المدني تلك الإدانات بـ"المخففة".
وقال وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد لموقع "كود" الإخباري "معلوم أن القضية سيعاد مناقشتها أمام غرفة الجنايات الاستئنافية (...) واملي كبير في ان تصدر بشأنها احكام اكثر عدالة تكرس الثقة في القضاء وتؤسس لمصالحة جديدة مع سكان المنطقة". وكتب أمين عام حزب التقدم والاشتراكية نبيل بنعبد الله، وهو حزب مشارك في الحكومة، تعليقا على صفحته بموقع فيسبوك "مع احترامنا لاستقلالية القضاء (...) نعتبر أن هذه الأحكام لن تسهم في إذكاء جو الإنفراج الذي نتطلع إلى أن يسود في بلادنا ونأمل بقوة أن يتم إعمال كافة سبل المراجعة القانونية والقضائية الممكنة بالنسبة لهذا الملف".
تظاهرات واحتجاجات
وفي هذا الشأن تظاهر مئات النشطاء المغاربة بوسط الرباط احتجاجا على أحكام صدرت في حق عدد من نشطاء الريف ووصل بعضها إلى السجن 20 عاما. وردد المتظاهرون شعار ”الموت ولا المذلة“ الذي رفعه نشطاء حراك الريف العام الماضي في احتجاجاتهم على الأوضاع المعيشية. كما رفعوا شعارات منها ”هي كلمة واحدة.. هاد الدولة فاسدة“ و“اللي حاكمينا مافيا“ و“الجماهير ثوري على النظام الديكتاتوري“.
كما هتف المحتجون ”مغاربة مش أوباش“ في إشارة لخطاب العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني في عام 1984 إبان احتجاجات اجتماعية آنذاك أطلق فيها على المحتجين من سكان الريف وصف ”الأوباش“. وقالت الناشطة الحقوقية جميلة العزوزي من هيئة التضامن مع حراك الريف ”الأحكام جائرة وقاسية وكانت مهيأة من قبل“. وأضافت ”سنواصل الاحتجاجات حتى إطلاق سراح المعتقلين لأن لا ذنب لهم سوى المطالبة بحقوق اجتماعية واقتصادية“.
وقالت نعيمة الكلاف محامية الحراك على صفحتها في فيسبوك ”أحكام قاسية وانتقامية“. وقالت بشرى رويس محامية الناشطين ”الأحكام كانت قاسية ولم تكن عادلة“. وأضافت أنه سيتم الطعن على الحكم بعد مشاورات مع المتهمين. وتفجر حراك الريف في أواخر عام 2016 بعد مقتل بائع السمك الشاب محسن فكري سحقا داخل شاحنة نفايات في مدينة الحسيمة عندما كان يحاول استرجاع أسماكه المصادرة بحجة عدم قانونية صيدها. بحسب رويترز.
وسرعان ما تحولت الاحتجاجات على مقتل فكري إلى مطالب اجتماعية واقتصادية بتنمية المنطقة ومحاربة التهميش والفقر والبطالة. وقال عبد الحميد أمين من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ”مظاهرة اليوم جاءت كرد سريع على الأحكام الجائرة لليلة أمس“. وأضاف ”سنستمر في النضال حتى إطلاق سراح المعتقلين“.
وأنكر قادة الحراك وعلى رأسهم ناصر الزفزافي (39 سنة) كل هذه الاتهامات أثناء مثولهم أمام القاضي، مؤكدين أن "الحراك" كان سلميا وأنهم خرجوا للتظاهر احتجاجا على الفساد، وللمطالبة بإنماء منطقتهم. وأعلنوا بعدها مقاطعة ما تبقى من جلسات احتجاجا على ما اعتبروه "انحياز" المحكمة و"ميلها المسبق نحو الإدانة". وبرز الزفزافي بصفته "زعيم الحراك"، منذ اعتقاله في أيار/مايو 2017 بعدما قاطع خطبة جمعة معادية لحركة الاحتجاجات.
وأكد دفاع الطرف المدني الذي يمثل الدولة في هذه المحاكمة، إصابة أكثر من 600 رجل أمن وتسجيل خسائر مادية أثناء الاحتجاجات التي هزت مدينة الحسيمة ونواحيها طوال أشهر منذ حادث وفاة بائع السمك في خريف 2016. وتقدر جمعيات عدد المعتقلين على خلفية "حراك الريف" بنحو 450 شخصا، وطالبت عدة هيئات حقوقية وسياسية بالإفراج عنهم معتبرة مطالبهم مشروعة.
أحكام جائرة
على صعيد متصل قالت منظمة العفو الدولية اليوم، يجب إلغاء أحكام الإدانة والأحكام القاسية التي أعيدت في قضايا 53 من محتجي "الحراك"، في الدار البيضاء، بسبب الجور الذي اتسمت بها محاكماتهم. وقالت هبة مرايف، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية: "هذه الأحكام مشكوك في صحتها نظراً للجور البالغ الذي اتسمت به المحاكمات". "وإنه كان لا ينبغي أصلاً أن يحاكم ناصر الزفزافي، وغيره ممن أدينوا وسجنوا بسبب الاحتجاج السلمي من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، أو تغطية الاحتجاجات على الإنترنت؛ ويجب إطلاق سراحه، وإسقاط حكم إدانته".
وأضافت هبة مرايف قائلة: "يجب إعادة محاكمة الأشخاص الذين يشتبه، إلى حد معقول، في أنهم مسؤولون عن جرائم جنائية معترف بها في إجراءات تتفق تماماً مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، أو يطلق سراحهم" "فلدى منظمة العفو الدولية أيضاً بواعث قلق خطيرة تكتنف طبيعة ما يسمى" الاعترافات" المقدمة كدليل، حيث وصف المعتقلون أفعال التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة التي تعرضوا لها على أيدي الشرطة أثناء الاستجواب. وكان ينبغي استبعاد "الاعترافات" المنتزعة بالإكراه من إجراءات المحاكمة "
فقد زعم عدد من المتهمين في المحكمة أن اعترافاتهم انتزعت منهم تحت وطأة التعذيب؛ غير أن المحكمة لم تأمر بإجراء تحقيق فعال في هذا الأمر. ففي 3 يوليو/ تموز الماضي، أخبر المحتج المحتجز عمر بوحراس قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف في الدار البيضاء أنه قد تعرض للتعذيب. ووفق ما افاد به محامي بوحراس، فقد قال موكله إن رجال الشرطة أقدموا على ضربه بينما أمروه بأن يهتف قائلاً: "عاش الملك"، وقاموا بتجريده من ملابسه الداخلية، وكسر اثنين من أسنانه، ووجهوا له التهديدات والإهانات عقب اعتقاله في الحسيمة.
وفي العديد من الحالات، اتهمت النيابة معظم المدعي عليهم "بالتحريض" أو "المشاركة" أو "التواطؤ بشكل عام في "الاضطرابات" دون تقديم أي دليل على مسؤوليتهم الجنائية الفردية فيما يتعلق بأي أعمال عنف. ووفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن المشاركة في مظاهرة غير مرخصة ليست في حد ذاتها أسباباً تستدعي السجن، بل يجب أن تكون مصحوبة بجريمة جنائية معروفة مثل التورط في أعمال العنف.
ومنذ ماي / أيار 2017، اعتقلت قوات الأمن المغربية مئات المحتجين، بينهم أطفال والعديد من الصحفيين، بسبب الاحتجاجات السلمية إلى حد كبير. ومن بين المعتقلين العشرات من المتظاهرين والنشطاء والمدونين في منطقة الريف، شمالي المغرب، والذين احتجوا مطالبين بإنهاء تهميش مجتمعاتهم، والدعوة إلى تحسين الخدمات في المنطقة.
المغرب وهولندا
الى جانب ذلك استدعى وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، السفيرة الهولندية في الرباط، ديزيري بونيس، عقب تصريحات أدلى بها وزير خارجية بلادها بخصوص الأحكام الصادرة في حق معتقلي الريف. وأفادت صحيفة "هسبريس" الإلكترونية المغربية، نقلا عن مصادر، بأن الوزارة المغربية أبلغت السفيرة بأن هذه التصريحات "غير مفهومة" بالنسبة للمملكة، وأنها "مرفوضة رفضا باتا ولا تستقيم مع روح التعاون والعلاقات الثنائية بين البلدين"، بل و"تؤثر سلبا" على هذه العلاقات.
وجددت الخارجية المغربية موقفها الرافض للتدخل في شؤون المملكة، مؤكدة أن مسألة الريف داخلية ولن تكون موضوع نقاشات دبلوماسية. وكان وزير خارجية هولندا، ستيف بلوك، تطرق لموضوع "حراك الريف" على هامش اجتماع عقده مع نظيره المغربي بمقر الوزارة بالرباط في أبريل الماضي، وهو ما رفضه الأخير بشكل صارم. ويأتي استدعاء السفيرة الهولندية في الرباط في سياق أزمة صامتة بين البلدين منذ مدة، بسبب تواتر تصريحات صادرة عن المسؤولين الهولنديين حول أحداث الريف.
إضافة إلى رفض السلطات الهولندية تسليم سعيد شعو، الذي يشكل موضوع مذكرة توقيف دولية للاتجار بالمخدرات من طرف المغرب. وتولي هولندا اهتماما متواصلا لما يعيشه الريف الشمالي للمغرب منذ سنوات، نظرا لخوض الجالية الريفية هناك وقفات احتجاجية مستمرة، تطالب بإطلاق سراح المعتقلين، خصوصا أمام محكمة لاهاي الدولية.
اضف تعليق