هنالك تصعيد وتصعيد مضاد بين الدول الافريقية والمحكمة الجنائية الدولية بخصوص الرئيس السوداني عمر حسن البشير المتهم بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب، لأجل ذلك أصدرت المحكمة الجنائية مذكرة اعتقال بخصوص الرئيس السوداني بينما جنوب افريقيا تتحدى هذه المذكرة وتتقاعس عن تسليم الرئيس وعليه قام ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية بإحالة جنوب افريقيا الى مجلس الامن التابع للأمم المتحدة.
الامر الذي أدى الى معارضة زعماء الدول الافريقية لذلك اتفقوا على دعم استراتيجية الانسحاب الجماعي من المحكمة الجنائية الدولية التي هي أول محكمة دولية دائمة تنظر قضايا الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ومقرها في مدينة لاهاي الهولندية. ولم تتهم المحكمة التي تأسست عندما تبنت 120 دولة نظام روما الأساسي وهو معاهدة تأسيسها في عام 1998. إلا الأفارقة وبينهم رئيسي كينيا والسودان غير أنها بدأت إجراءات في مراحل مبكرة تتعلق بجرائم في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية.
بحسب رأي المحللون ان المحكمة الجنائية ليس لديها قوة او سلطة من شرطة خاصة بها لتوقيف المتهمين الذين تطاردهم مالم تحصل على تعاون من الدول الأعضاء وبدونهم ستكون المحكمة الجنائية المهتمة بمقاضاة الأشخاص المتهمين بجرائم ضد الإنسانية عاجزة عن القيام بواجباتها.
على ما يبدو انها باتت تفقد قواها خاصة بعد ان بدأت تخسر أعضاءها الواحد تلو الاخر فبعد ان انسحبت دول افريقيا قررت روسيا أيضا سحب توقيعها من معاهدة تأسيس المحكمة الجنائية الدولية لتنضم بذلك الى بعض الدول الافريقية التي اعلنت الانسحاب من المحكمة. وقد لاق هذا الانسحاب ترحيب كبير من الدول الافريقية. هذا من جانب.
ومن جانب اخر هنالك احتمالات ان تسحب الولايات المتحدة الامريكية مساعدتها الى المحكمة
والولايات المتحدة ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية لكنها ساعدتها في ملاحقة المجرمين بتوسيع نطاق برنامجها (المكافآت من أجل العدالة) الذي تدفع بموجبه لمن يقدم معلومات تفضي إلى القبض على المشتبه بهم ليشمل من وجهت لهم المحكمة الجنائية الدولية اتهامات.
مذكرتي توقيف
اصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف دوليتين بحق البشير في 2009 و2010 بتهمة الابادة وارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب في اقليم دارفور الذي يشهد منذ 2003 حربا اهلية اسفرت عن 330 الف قتيل، كما تقول الامم المتحدة. لكن الرئيس السوداني الذي ينفي نفيا قاطعا هذه الاتهامات، لا يزال في الحكم ويقوم برحلات منتظمة في افريقيا من دون ان يساوره اي قلق. وفق فرانس برس.
وفي منتصف حزيران/يونيو 2015، اتاحت بريتوريا للبشير العودة الى بلاده بعد مشاركته في قمة للاتحاد الافريقي في جوهانسبورغ. وقال دير تلادي المستشار القانوني لجنوب افريقيا "ليس ولم يكن لزاما على جنوب افريقيا، بموجب القانون الدولي، أن توقف الرئيس الحالي لدولة غير عضو (في المحكمة) مثل البشير"، منتقدا "عدم انسجام وعدم وضوح" القوانين والقواعد والتشريعات.
عدم احترام القوانين
سيقرر القضاة ما اذا كانت بريتوريا أخلت بالتزاماتها بعدم تسليمها البشير رغم أنها وقعت معاهدة روما المؤسسة للمحكمة، لدى وجوده على اراضي جنوب افريقية، كما قال القاضي كونو تارفوسير. واكدت حكومة جنوب افريقية التي شددت على "دورها في بسط السلام في القارة" على أنها واجهت معضلة بين التزامها بقرارات المحكمة الجنائية والتزامها بالقوانين التي تمنح الحصانة للرؤساء.
وحضر البشير قمة للجامعة العربية في الاردن على رغم نداءات وجهها مدافعون عن حقوق الانسان لاعتقاله. واشار تلادي الى ان "جميع البلدان التي لم تعتقل البشير قدمت التفسير نفسه"، داعيا الى "موقف قانوني واضح". وفي حالة جنوب افريقيا، قال نيكولز ان "دولة عضوا تتجاهل واجبا بالتعاون لأنها لا تتوافق على القانون. هذا لا يمكن قبوله". بحسب فرانس برس.
واكد "هذا عمل خطير يتمثل في عدم احترام القوانين"، مذكرا بأن المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها قوة من الشرطة خاصة بها من اجل توقيف المشبوهين الذين تلاحقهم. وخلص الى القول "من دون تعاون الدول الاعضاء، ستكون المحكمة عاجزة عن القيام بواجباتها الاساسية: ان تحيل الى القضاء الاشخاص المتهمين بجرائم خطيرة تخص البشرية وتحدد براءتهم او جرمهم".
اضطهاد الافارقة
يمكن ان يقرر القضاة الذين سيعلنون قرارهم في وقت لاحق، ان يحيلوا جنوب افريقيا امام جمعية الدول الاطراف في معاهدة روما ومجلس الامن الدولي لاحتمال فرض عقوبات عليها. ويعتبر الاتهام مثل هذا التدبير ضروريا "لمنع تكرار ذلك في المستقبل". واحالت المحكمة الجنائية الدولية العام الماضي تشاد وجيبوتي واوغندا الى الامم المتحدة لأنها لم تعتقل عمر البشير على اراضيها.
وقالت بريتوريا ان هذا التدبير سيكون "غير مبرر" ويستهدف تشويه صورة جنوب افريقيا". واضاف تلادي ان "هذه القضية ستسفر عن نتائج قانونية عميقة وكبيرة، تتخطى عمر البشير" ويمكن ان تمس مصداقية المحكمة الجنائية الدولية. وفق وكالة فرانس برس
وفي شباط/فبراير، بدأت جنوب افريقيا التي أغضبها هذا الجدال مساعي للانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، التي غالبا ما توجه اليها تهمة "اضطهاد الافارقة".
انسحاب جماعي
من اجل ذلك قال مسؤول بالاتحاد الأفريقي بعد انتهاء قمة الاتحاد إن الزعماء الأفارقة دعموا "استراتيجية انسحاب جماعي" من المحكمة الجنائية الدولية إلا أنها ارتبطت بتحفظات غير محددة. ولم يذكر المسؤول أي تفاصيل عن الاستراتيجية أو التحفظات لكنه سلط الضوء على الكراهية الشديدة تجاه المحكمة بين الأفارقة الذين يشعرون أن المحكمة الجنائية الدولية تستهدفهم بشكل جائر.
واقترحت وثيقة اطلعت عليها رويترز قبل القمة انسحابا منسقا إلا إذا تم إصلاح المحكمة. وتضمنت هذه الوثيقة دعوة لتعديلات في القانون الدولي بحيث تتعامل مع كل منطقة على حده وذلك في إشارة إلى مقترحات بإنشاء محكمة لجرائم الحرب في أفريقيا. ونحو ثلث أعضاء المحكمة ومجموعهم 124 دولة أفارقة وانسحاب عدد كبير منهم سيشل المحكمة التي لم تحقق المتوقع منها بعد بضمان عدم إفلات مرتكبي جرائم الحرب والإبادة الجماعية من العقاب.
وأشارت ثلاث دول أفريقية وهي جنوب أفريقيا وجامبيا وبوروندي العام الماضي إلى نيتهم الانسحاب مما تعد أول محكمة عالمية دائمة لجرائم الحرب.
وقال مسؤول الاتحاد الأفريقي الذي طلب عدم نشر اسمه لرويترز "أيد زعماء الدول الأعضاء بالاتحاد الأفريقي استراتيجية الانسحاب الجماعي مع تحفظات." ولم يتضح على الفور ما إذا كان الاتفاق الذي تم التوصل إليه في قمة الاتحاد الأفريقي هو نفسه ما جاء في الوثيقة التي تم توزيعها مسبقا.
لن تتأثر
هذا وقد قالت فاتو بنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إن تحقيقاتها بشأن مزاعم جرائم الحرب لن تتأثر بنية ثلاث دول أفريقية الانسحاب من المحكمة وإنها ستواصل ملاحقة مرتكبي الفظائع. وأضافت أن مكتبها سيواصل التحقيق المبدئي في بوروندي وأن عملها يحظى بدعم أكثر من 120 دولة من أعضاء المحكمة. وفق رويترز
وحتى الآن ركزت التحقيقات العشرة التي أجرتها المحكمة باستثناء تحقيق واحد على أفريقيا كما أن هناك خمسة من بين المشتبه بهم الذين وجهت إليهم اتهامات من جمهورية الكونجو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي. وترفض المحكمة مزاعم التحامل على الدول الأفريقية وتقول إن معظم القضايا مقدمة من الحكومات الأفريقية نفسها وإنها فتحت تحريات مبدئية أو تحقيقات في فظائع مزعومة في أفغانستان وكولومبيا وجورجيا والعراق والأراضي الفلسطينية وأوكرانيا.
انتكاسة للقارة
أيضا أكدت بنسودا وهي وزيرة عدل سابقة في جامبيا إن المحكمة بدأت عملها في 2002 بدعم أفريقي ساحق وإن دولا أفريقية طلبت تدخل المحكمة. وتابعت "حتى إذا قررت دولة واحدة الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية فأعتقد أن هذه (وأتحدث بصفتي أفريقية) انتكاسة للقارة وتراجع للقارة." وفق رويترز.
وفتحت بنسودا تحقيقا مبدئيا في بوروندي بعدما قتل المئات في أعمال عنف سياسي كما فر مئات الآلاف إلى الخارج. وقالت "سنواصل القيام بعملنا فيما يتعلق بما بدأناه في بوروندي" مضيفة أن التزامات بوروندي بموجب نظام روما الأساسي تظل قائمة لحين انتهاء مهلة الإخطار وهي عام. وأشارت بنسودا إلى أنه إذا خلص المدعون خلال تلك الفترة إلى أنه يجب التحقيق رسميا في جرائم فإن بوروندي ستكون ملزمة بالتعاون مع المحكمة.
انسحاب روسيا
وقع الرئيس فلاديمير بوتين أمرا تنفيذيا يسحب توقيع روسيا من معاهدة تأسيس المحكمة الجنائية الدولية لتنضم بذلك الى بعض الدول الافريقية التي اعلنت الانسحاب من المحكمة. وأفاد الأمر التنفيذي الذي بدأ سريانه على الفور أن روسيا لن تصدق على اتفاقية تأسيس المحكمة الجنائية الدولية التي وقعت عليها في عام 2000. بحسب رويترز.
ولأنها لم تصدق على الاتفاقية لم تكن روسيا خاضعة لأحكامها على أي حال ولذلك يعتبر قرارها رمزيا. وأثار تقرير أصدره مكتب الادعاء بالمحكمة غضب روسيا بسبب إشارته إلى ضمها شبه جزيرة القرم في عام 2014 من أوكرانيا على انه صراع مسلح. وتدرس أيضا مزاعم عن جرائم حرب ارتكبتها القوات الروسية والجورجية اثناء حرب قصيرة في 2008. وقالت وزارة الخارجية الروسية "للأسف فإن المحكمة لم تحقق الآمال التي كانت معقودة عليها ولم تصبح بحق كيانا مستقلا يمثل العدالة الدولية."
ترحيب دول افريقية
قد يلقى القرار الروسي ترحيبا من دول افريقية مثل جنوب افريقيا وجامبيا اللتان أعلنتا انسحابهما من المحكمة لكن منتقدين يقولون إن الخطوة هي مثال آخر على مخالفة روسيا للأعراف الدولية. وقالت ليز إيفانسون الناشطة في منظمة هيومن رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الإنسان "هذا يؤكد تراجع روسيا عن التزاماتها الدولية.. وإغلاقها الباب أمام الناس داخل روسيا للوصول لهذه المؤسسة القضائية المهمة."
وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين للصحفيين إن قرار سحب توقيع روسيا اتخذ "من أجل الصالح الوطني" وهو مجرد إجراء شكلي إذ أنه لا يغير شيئا فيما يتعلق بنطاق اختصاص المحكمة. وفق وكالة رويترز.
فقد التعاون الأمريكي
عبرت رئيسة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا عن أملها في ألا تسحب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعمها للمحكمة وطالبت مؤيديها بالاحتشاد وراء قضيتها لمواجهة النعرات القومية المتزايدة. ولا تمول الولايات المتحدة المحكمة بشكل مباشر لكن بنسودا قالت إن فقد التعاون الأمريكي لإلقاء القبض على المتهمين سيوجه ضربة لمحكمة تعتمد على الحكومات وليس لديها صلاحيات تنفيذية خاصة بها.
وقالت بنسودا لرويترز عقب اجتماع مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي في بروكسل "كان تعاون الولايات المتحدة مهما. كل أملي أن يستمر ذلك... سنرى." وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن إدارة ترامب تعد أوامر تنفيذية لخفض الدور الأمريكي في المنظمات الدولية ومنها المحكمة الجنائية الدولية.
والولايات المتحدة ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية لكنها ساعدتها في ملاحقة المجرمين بتوسيع نطاق برنامجها (المكافآت من أجل العدالة) الذي تدفع بموجبه لمن يقدم معلومات تفضي إلى القبض على المشتبه بهم ليشمل من وجهت لهم المحكمة الجنائية الدولية اتهامات. لكن مؤيدي المحكمة يخشون أن تشجع قيادة ترامب - الذي تعهد بسياسة خارجية ذات توجهات دولية أقل - منتقدين لأول محكمة دولية دائمة لجرائم الحرب.
اضف تعليق