امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت على مشروع قرار جديد في مجلس الأمن الدولي، يطالب بوقف بناء المستوطنات الإسرائيلية اثار غضب واستياء اسرائيل، التي انتقدت بشدة امتناع واشنطن عن استخدام الفيتو ضد القرار، واتهمت إدارة الرئيس الأميركي أوباما بخذلانها واعتبرت ان ما حدث انتهاك للالتزام الأميركي الأساسي بأمن إسرائيل، التي حذرت أوباما مسبقا من أنها ستلجأ إلى الرئيس المنتخب، دونالد ترمب وتطلب منه التدخل. وقد اعتبرت صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على مشروع قرار يطالب إسرائيل بوقف فورى لبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، بمثابة توبيخ نادر لإسرائيل، وقالت إنه يعكس الإحباط المتنامي في إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما تجاه التوسع الاستيطاني، وهو أمر تعتبره واشنطن عقبة في طريق السلام.
وذكرت الصحيفة - فى سياق تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني، أنه مع اقتراب انتهاء فترة رئاسة أوباما بعد أقل من شهر، فإن قراره بعدم استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع تمرير مشروع القرار هو بيان رمزي في اللحظات الأخيرة يعبر عن حالة الاستياء والغضب بأنه قد آن الآوان لإقامة دولتين على تلك الأرض المتنازع عليها. وأضافت أن تحرك إدارة أوباما تحدى أيضا دعوة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للولايات المتحدة لاستخدام الفيتو لإجهاض مشروع القرار، موضحة أن إدارة ترامب القادمة أشارت إلى أنه سيكون هناك تحولا في سياسة أمريكا تجاه إسرائيل، وهى نقطة أكدها ترامب بعد ساعة من التصويت على إقرار مشروع قرار ضد الاستيطان الإسرائيلي، حيث كتب تغريدة على صفحته على موقع (تويتر) للتواصل الاجتماعي: "فيما يتعلق بالأمم المتحدة، الأمور ستختلف بعد 20 يناير".
وأشارت الصحيفة، إلى أن ترامب يدعم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، بل وعين ديفيد فريدمان سفيرا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المحامى المتخصص في قضايا الإفلاس والذي يؤمن بضرورة ضم الإسرائيليين للضفة الغربية والاستيطان فيها. واستدركت الصحيفة الأمريكية قائلة إنه من غير الواضح تأثير هذا القرار، إن وجد، موضحة أن القرارات الأممية تعكس رأى وإرادة 15 دولة هم أعضاء مجلس الأمن، فيما يختلف الباحثون القانونيون حول مدى إلزاميتها.
قبل مغادرة البيت الأبيض
وفي هذا الشأن تخلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما في آخر عهدته الرئاسية عن إسرائيل أكبر حليف لبلاده في الشرق الأوسط، عندما تبنت واشنطن قرارا في مجلس الأمن يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان في الأراضي المحتلة، ما يعكس شعور أوباما بالإحباط إزاء سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. وقبل أقل من شهر من مغادرته البيت الأبيض، منح باراك أوباما نفسه حرية التعبير عن شعوره بالإحباط حيال إسرائيل وقرر اتخاذ موقف بسيط هو الامتناع عن التصويت في خطوة ترتدي أهمية سياسية ودبلوماسية هائلة. حيث قال البيت الأبيض إن أوباما قرر قبل ساعات فقط السماح بتبني قرار الأمم المتحدة الذي يطالب إسرائيل بوقف النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية فورا.
وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت أي أنها لم تستخدم حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به الدول الخمس الدائمة العضو في المجلس. وتتحدث تكهنات في الأمم المتحدة منذ اشهر عن قرار بشأن الاستيطان، وكان البيت الأبيض يدرك أن عليه اتخاذ قرار إذا طرح نص من هذا النوع. وقال بن رودس أحد المستشارين القريبين من أوباما إن "رئيس الوزراء (بنيامين) نتانياهو كان يمكنه اتباع سياسات قد تفضي إلى نتيجة أخرى".
وتابع أن "حدوث ذلك في نهاية ولايتنا التي استمرت ثمانية أعوام يدل على أنه لم يكن التطور الذي كنا نفضله"، مؤكدا أنه "لو كان هذا هو النتيجة التي نسعى إليها لكنها حصلنا عليها منذ فترة طويلة". ومنذ أشهر، تصدر واشنطن إشارات بإلحاح متزايد، تفيد أن الاستيطان يقوض آمال التوصل إلى اتفاق سلام على أساس حل إقامة دولتين هما إسرائيل والدولة الفلسطينية. ويعتبر البيت الأبيض أن القرار يعكس توافق الأسرة الدولية بشأن الاستيطان. لكن قرار أوباما الامتناع عن التصويت واجه انتقادات قاسية من الديموقراطيين والجمهوريين الذين تحدثوا عن خيانة أقرب حليف للأمريكيين في الشرق الأوسط.
ويعتبر عدد من الخبراء أن قرار أوباما الذي اتخذ بينما يمضي الرئيس المنتهية ولايته يفسر بعلاقاته الشخصية السيئة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. وقال جوناثان شانزر نائب رئيس المركز الفكري "مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات" إنها علاقات يشوبها "شعور متبادل بعدم الثقة". ولم يعمل الرجلان معا ولم يخف البيت الأبيض يوما استياءه من الخطاب الأمني الذي يستخدمه التحالف اليميني الحاكم في إسرائيل. بحسب فرانس برس.
وأضاف شانزر أنه لو فازت الديموقراطية هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر، لاتخذ أوباما ربما قرارا مختلفا في الأمم المتحدة يتيح لها على الأرجح إعادة بناء علاقات أفضل مع إسرائيل. لكن مواقف ترامب المؤيدة للاستيطان الإسرائيلي دفعت باراك أوباما إلى السماح بتبني قرار في مجلس الأمن الدولي يمكن أن يضعف موقف إسرائيل في مفاوضات مقبلة. وقال شانزر "لم يعد من الممكن العودة إلى الوراء"، بما أنه لا يمكن إلغاء قرار تم تبنيه في مجلس الأمن الدولي...
وسمحت الولايات المتحدة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باعتماد قرار يطالب بوقف بناء المستوطنات الإسرائيلية في تحد لضغوط من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب وإسرائيل وعدد من المشرعين الأمريكيين الذين حثوا واشنطن على استخدام حق النقض (الفيتو). وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على مشروع القرار مما مهد الطريق للمجلس الذي يضم 15 عضوا بتبني القرار بأغلبية 14 عضوا في تصويت أعقبته موجة تصفيق. يأتي موقف إدارة الرئيس باراك أوباما في أعقاب خيبة أمل متزايدة إزاء استمرار البناء الاستيطاني على الأراضي التي يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها.
وقال بيان أصدره مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي شجع على توسع المستوطنات اليهودية في الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967 "ترفض إسرائيل هذا القرار المشين المعادي لإسرائيل في الأمم المتحدة ولن تلتزم ببنوده." وشكل موقف إدارة أوباما تحولا عن سياسة واشنطن طويلة الأمد القائمة على حماية إسرائيل- حليف واشنطن منذ فترة طويلة والتي تتلقى منها مساعدات عسكرية سنوية بأكثر من ثلاثة مليارات دولار- من مثل تلك التحركات. وتملك الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن إلى جانب روسيا وفرنسا وبريطانيا والصين.
وطرحت نيوزيلندا وماليزيا وفنزويلا والسنغال مشروع القرار للتصويت بعد يوم من سحب مصر له تحت ضغط من إسرائيل وترامب وهو القرار الأول الذي يتبناه المجلس بشأن إسرائيل والفلسطينيين منذ نحو ثماني سنوات. واعتبر الامتناع الأمريكي عن التصويت طلقة الوداع من أوباما الذي شاب التوتر علاقته بنتنياهو والذي جعل المستوطنات هدفا رئيسيا لمساعي السلام التي أثبتت عدم جدواها في نهاية المطاف.
كما واجه أوباما ضغوطا من مشرعين أمريكيين جمهوريين وكذلك من زملائه الديمقراطيين لاستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار وتعرض لانتقادات من الحزبين بعد التصويت على القرار. واتخذ ترامب الذي يتولى السلطة في 20 يناير كانون الثاني خطوة غير عادية لرئيس أمريكي منتخب عندما تتدخل شخصيا في قضية تتعلق بالسياسة الخارجية قبل أن يتولى منصبه وتحدث عبر الهاتف مع نتنياهو ومع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أن تسحب مصر مشروع قرار صاغته قبل تصويت مزمع للمجلس عليه.
وكانت إسرائيل وترامب قد طالبا إدارة أوباما بنقض القرار. وقال الرئيس الأمريكي المنتخب على تويتر عقب التصويت "فيما يتعلق بالأمم المتحدة... الأمور ستختلف بعد 20 يناير". ورفض بن رودس نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض انتقاد ترامب قائلا إن أوباما لا يزال الرئيس حتى 20 يناير كانون الثاني.
ورحب الأمين العام للأمم المتحدة المنتهية ولايته بان جي مون بالقرار بينما دعا السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين إسرائيل إلى "احترام القانون الدولي". لكن نتنياهو قال "في الوقت الذي لم يفعل فيه مجلس الأمن شيئا لوقف ذبح نصف مليون شخص في سوريا يتحد بشكل مشين ضد الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في الشرق الأوسط ألا وهي إسرائيل ويصف الحائط الغربي ‘بالأرض المحتلة‘."
غضب اسرائيلي
في السياق ذاته استدعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل لبحث امتناع واشنطن عن التصويت على قرار بمجلس الأمن الدولي يطالب بوقف بناء المستوطنات مما أتاح موافقة المجلس عليه. كما استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية على نحو منفصل سفراء عشر دول لديها لتأنيبهم ووجه نتنياهو كلمات أشد لهجة لواشنطن بسبب التصويت.
ووافق مجلس الأمن على مشروع القرار بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن نهجها الذي تتبناه منذ فترة طويلة بحماية إسرائيل دبلوماسيا ولم تستخدم حق النقض (الفيتو) وامتنعت عن التصويت. وفي الاجتماع الأسبوعي للحكومة وضع نتنياهو بصمته الخاصة على رد الفعل الإسرائيلي الغاضب وكرر ما قاله مسؤول بالحكومة لم يُكشف النقاب عنه بأن إدارة الرئيس باراك أوباما تآمرت مع الفلسطينيين للضغط من أجل تبني القرار. وكان البيت الأبيض قد نفى هذه المزاعم.
وقال نتنياهو لمجلس الوزراء في تصريحات علنية "لم يكن لدينا شك وفقا لمعلوماتنا في أن إدارة أوباما كانت أول من بادرت به (مشروع القرار) ووقفت خلفه ونسقت الصياغة وطالبت بإقراره." وقال مسؤول آخر إن نتنياهو أمر وزراء الحكومة بالامتناع عن السفر إلى البلاد التي صوتت لصالح القرار أو مقابلة مسؤولين منها على مدى الأسابيع القادمة لحين تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب السلطة.
وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إنها استدعت سفراء عشر من 14 دولة صوتت لصالح المشروع ولديها سفارات في إسرائيل وهي بريطانيا والصين وروسيا وفرنسا ومصر واليابان وأوروجواي وإسبانيا وأوكرانيا ونيوزيلندا لمقر الوزارة في القدس. وفي الاجتماع الأسبوعي للحكومة وصف نتنياهو محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عندما نجحت إسرائيل والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في الضغط على مصر لسحب مشروع القرار المناهض للاستيطان بعد أن طرحته. وأعادت نيوزيلندا والسنغال وفنزويلا وماليزيا طرحه بعدها بيوم. بحسب رويترز
وقال نتنياهو "كان هناك خلاف على مدى عقود بين الإدارات الأمريكية والحكومات الإسرائيلية بشأن المستوطنات لكننا اتفقنا على أن مجلس الأمن ليس هو المكان الذي نحل فيه هذه القضية." وأضاف متحولا في حديثه من العبرية إلى الإنجليزية "نعرف أن الذهاب إلى هناك (مجلس الأمن) سيجعل المفاوضات أصعب و(طريق) السلام أبعد. ومثلما أبلغت جون كيري فإن 'الأصدقاء لا يأخذون الأصدقاء إلى مجلس الأمن'". وتواصل إسرائيل سياسة بناء المستوطنات على أراض احتلتها في حرب عام 1967 وهي مناطق يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم عليها. وتعتبر معظم الدول النشاط الاستيطاني غير قانوني وعقبة أمام السلام وهو ما ترفضه إسرائيل.
العمل مع ترامب
من جانب اخر قال بيان أصدره مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل تتطلع للعمل مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للتصدي لأي تداعيات لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يطالب بوقف فوري للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال البيان "إدارة أوباما لم تفشل فقط في حماية إسرائيل ضد هذه العصبة في الأمم المتحدة بل إنها تواطأت معها خلف الكواليس." وأضاف قائلا "تتطلع إسرائيل إلى العمل مع الرئيس المنتخب ترامب ومع جميع أصدقائنا في الكونجرس من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء لإبطال التأثيرات السلبية لهذا القرار السخيف."
وقال مسؤول إسرائيلي كبير يوم الجمعة إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري دعما مشروع قرار "مشينا" مناهضا للاستيطان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. والتصريح هو أحد أقسى الهجمات الشخصية على أوباما من حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أواخر أيام رئاسته للولايات المتحدة. وقال المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه "الرئيس أوباما والوزير كيري يقفان وراء هذه الخطوة المشينة ضد إسرائيل في الأمم المتحدة."
وأضاف "الإدارة الأمريكية أعدت بشكل سري مع الفلسطينيين قرارا متطرفا مناهضا للإسرائيليين من وراء ظهر إسرائيل سيكون داعما للإرهاب والمقاطعات." وقال المسؤول الإسرائيلي "كان بمقدور الرئيس أوباما إعلان نيته استخدام الفيتو ضد هذا القرار في التو لكنه بدلا من ذلك يدفع به. هذا تخل عن إسرائيل يخالف عقودا من السياسة الأمريكية التي حمت إسرائيل في الأمم المتحدة."
اضف تعليق