بحثا عن دوامة التعقيدات الواردة في العلاقة ما بين المركز والحكومات المحلية في العراق عموما والمناطق المحررة من تنظيم داعش على وجه الخصوص.
عقد مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية بالتعاون مع مكتب مجلس النواب العراقي في كربلاء المقدسة، حلقته النقاشية الشهرية تحت عنوان (العلاقة المستقبلية بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في المحافظات المحرّرة من تنظيم داعش الإرهابي)، وحضر الحلقة عضوي مجلس النواب عن محافظة كربلاء المقدسة رياض غريب وابتسام الهلالي ومدير مكتب المجلس عباس فاضل كمبر وعدد من مدراء المراكز البحثية والأكاديميين وعدد من الصحفيين والإعلاميين.
افتتح الجلسة الحوارية مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية عدنان الصالحي، وعرض تفاصيل الوضع القائم في اصل العلاقة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية المحررة من تنظيم داعش، وذلك على اعتبار ان جزء منها كان يسبب مشكلة مع الحكومة الاتحادية في الفترة الماضية وكانت تلك الحكومة المحلية جزء من اسباب اكتساح التنظيم لتلك المحافظات.
فالعلاقة على ما يبدو كانت تعيش حالة من الارباك بين الحكومات المحلية والحكومة الاتحادية وصل بعضها الى حد التقاطع والتشهير والاحتكام الى المحاكم الاتحادية والى القضاء الامر الذي خلق جوا عاما من التشنج في تلك المحافظات ووصل الى مرحلة ان تكون الحكومات المحلية في واد والحكومة الاتحادية في واد اخر.
واضاف الصالحي، اليوم وبعد ان تم التحرير.. هل ستفكر الحكومات المحلية تفكيرا جديدا لمستقبل محافظاتهم؟، وهل ستأخذ بنظر الاعتبار الاخطاء السابقة وكيفية التعاطي معها؟، هذه الامور يجب ان تأخذ بنظر الاعتبار فربما خطئ في ملف من الملفات قد يسبب انهيار اخر، هنا نتناقش ونحلل ما جرى من تلك الاخطاء السابقة ونوصي ونعطي بعض المقترحات عسى ان نجد اذنا صاغية عند بعض هذه الحكومات هدفنا هو مصلحة البلد وان نجد عراقا موحدا لا ارهاب فيه ولا عنف.
الحقوقي عباس فاضل كمبر مسؤول مكتب مجلس النواب العراقي في كربلاء المقدسة، استهل حديثه مرحبا بالحضور الكريم باسمه وباسم مجلس النواب العراقي مكتب كربلاء، حيث اشاد بدور المراكز البحثية على اعتبارها مراكز رصد وتنبأ وهي تقدم عصارة جهدها السياسي والبحثي بين الفينة والاخرى وبشكل جاد علها تجد استجابة لدى صانع القرار على المستوى المحلي والوطني.
واوضح كمبر ان مابعد داعش عنوان كبير جدا وهاجس عظيم، لان هذه المحافظات التي تحررت بيد الجيش العراقي والحشد الشعبي وهناك تفاصيل مهمة على مستوى الواقع تحتاج الى اجابات وتحتاج الى مواقف واضحة وفي مقدمتها هي علاقة هذه الحكومات المحلية التي احتلتها داعش بالنسبة للمحافظات الثلاثة والحكومة الاتحادية.
واضاف كمبر، فان شعوب هذه المحافظات وحكوماتها ومجالس محافظاتها مدعوة قبل أي وقت مضى ان ترسم معالم تلك العلاقة وتحاول ان تضع حدودا لها وبالتالي فان الحكومات الاتحادية تحاول ان تفرض وجودها القانوني والسيادي خصوصا ان هذه المحافظات تحررت بدماء العراقيين لذا نتوقع ان تكون هناك علاقة اخرى ووضع اخر.
ولأجل استيعاب هذا الفهم وبلورة رؤية نموذجية تمت استضافة كلا من الدكتور أحمد الميالي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، والدكتور قحطان حسين الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، للحديث عن هذا الموضوع الذي يُعتبر غاية في الأهمية.
المحرضات الاساسية
الدكتور أحمد الميالي أشار الى ان ورقته البحثية تتحدث عن ظروف اختلال الحكم في العراق وبدائل هذا الاختلال والورقة عبارة عن شقين، الاول ما هي المحرضات الاساسية التي ادت الى سقوط هذه المحافظات بأيدي تنظيم داعش؟، ثم ما هي الاليات البديلة المحتملة من قبل الحكومة الاتحادية للتعامل مع هذه المحافظات بعد التحرير؟.
بداية ان السبب الجدلي لاختلال الحكم في العراق هو اعمق بكثير من ان يتم ربطه بتنظيم داعش، فالقضية معقدة تتعلق اساسا بطبيعة الحكم المركزية وهذه ليست وليدة اليوم او الامس، والطائفية هي ذات منشأ عثماني قبل ان تصبح برنامج بريطاني فيما بعد، فاعتمد العراق منذ تأسيسه كدولة مصطنعة من قبل الاحتلال البريطاني اعتمد على تأسيس هذه الدولة من خلال الدمج العشوائي للمكونات وبقى حقيقة العراق غارقا بالطائفية والسبب الاساسي في غرق العراق بالطائفية هو ان جميع الحكام العراقيين ليست لديهم البصيرة في عراق شامل ومتعدد الطوائف والاعراق بعيدا عن المحددات الضيقة للعروبة السنية والاسلام الشيعي والقومية الكردية.
واشار الميالي الى "انه لم يسع أي منهم بجدية الى بناء الهوية العراقية المركبة من الهويات العراقية والطائفية والقبلية ولم تستطيع هذه القيادات ان تشكل هوية وطنية افقية جامعة للتاريخ والمستقبل المشترك بعد (2003) ومجيئ قوة الاحتلال الامريكي لم تطرح بنية سياسية لعراق متعدد ولم تأخذ الهوية العراقية المركبة شكلها المطلوب ابدا ولم تطبق الية سليمة لتشكيل السلطة السياسية عبر المناطق وفروع الحكومة وهو موجود في الدستور ولم ينفذ وهذه هي احدى البدائل التي تطرح في هذا الجانب.
المشكلة الاخرى وبعد تفكيك حكم سنة حزب البعث بعد (2003) اعقاب الغزو الامريكي، اعتبر الشيعة وهم غالبية السكان أنفسهم اصحاب مطالب مشروعة لتسلم السلطة السياسية، اما السنة لم يتقبلوا لحد الان الى اتفاق مع حكومة يقودها الشيعة ولهذا يدرك السنة في ضوء تصاعد خسارتهم لوضعهم السياسي الحالي ان فكرة الاستقلال سواء كان فيدرالي او كونفيدرالي او دولة سنية هو امر مغري جدا.
وللأسباب التالية وهذه الاسباب هي مقدمات لاختلال الحكم او سقوط هذه المحافظات بيد داعش:
اولا: اجتثاث البعث حيث يرى السكان السنة في العراق انهم الخاسر الاكبر من غزو العراق خاصة بعد استبعاد القيادات الرفيعة من حزب البعث عن الحكومة وعن الاجهزة الامنية ومحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها في عهد (صدام حسين)، واعتقد برايمر ان كل تأثيرات حزب البعث بحاجة الى تطهير مما ادى الى اقصاء (300) الف من افراد الطائفة السنية المنتمين الى القوات المسلحة وايضا حوالي (30) الف موظف حكومي واداري من نظام الخدمة المدنية، طبعا بسبب نظام المحسوبية المتبع ايام النظام السابق فكان الانتماء للبعث هو الخيار الانجع للناس حتى يحققوا قرب من السلطة ورفاهية اقتصادية والامر محصور في الموصل وصلاح الدين وتكريت والانبار والرمادي والفلوجة وكركوك بالاضافة الى جزء من ديالي هذه المناطق تقربت من حزب البعث وكانت هناك دعوات ما بعد (2003) لتخفيف سياسات اجتثاث البعث وهي اصبحت عنصرا واضحا لحركات الاحتجاج السنية وجعل التنظيمات البعثية الجديدة مثل جيش انصار الطريقة النقشبندية وانصار السنة وتنظيم داعش تحشد للحركات الاحتجاجية السنية منذ عام (2013) الى التمرد الذي ادى الى سقوط المحافظات السنية.
ثانيا: النقص في التمثيل السياسي والسياسة الطائفية، بسبب النظام السياسي حيث ينظرون اليهم على انه معاديا لهم، كما ان وجود عدد قليل من السياسيين السنة في الحكومة كجزء من نظام المحاصصة وعدم وجود قاعدة دعم حقيقية فعالة كلها ادت الى الشعور السائد لدى السنة انه لا يمكن الاعتماد على الحكومة الشيعية في بغداد وتواصل تأجيج التمرد السني وقد ادت الصراعات السنية بعد (2011) تحديدا ومنها الاعتقالات ومذكرات القبض وتطبيق قانون اربعة ارهاب على قادة السنة فسرت على انها لأغراض سياسية ادت الى تصاعد الاستياء بسرعة في مناطقهم مما ادى الى سلسلة من الاحتجاجات والانهيارات الامنية التي استغلها داعش.
ثالثا: ملف الصحوات وهو احد عناصر السخط والاستياء بين السكان السنة اذ ان عشائر السنة في الانبار وحزام بغداد ومناطق اخرى والذين شاركوا حقيقة في محاربة تنظيم القاعدة في عامي (2007) و(2008) كانوا قد وعدوا بان يتم دمجهم في درجات رفيعة في الجيش العراقي او يتم اعطائهم وظائف حكومية راقية غير ان كل ذلك لم يتحقق بشكل واضح ولهذا فان حركات الاحتجاج التي بدأت في مدينة الرمادي عام (2013) دعما من العشائر المحلية بسبب المظالم الموجودة على هذا الملف ولذلك انضم الكثير من العشائر الى المسلحين البعثيين وتنظيم داعش.
رابعا: عدم وجود دعم حكومي للعشائر السنية في محاربة داعش وهذا الامر قد يؤخر او يعقد عملية تحرير الموصل وما بعدها وعلى الرغم من ان بعض العشائر السنية قد دعمت تنظيم داعش اثناء الهجوم عام (2014) وقتالهم ضد الحكومة العراقية الا ان ذلك لا يشمل كل القبائل العراقية فهناك من ساند ووقوف مع الحكومة ضد داعش الا ان تلك الجماعات كانت تعاني من نقص في المعدات والدعم اللوجستي من قبل الحكومة وان الموقف الرسمي له تجربة سابقة في كون تلك التجهيزات التسليحية ربما تذهب للتنظيمات والجماعات المسلحة وتفضل الحكومة العراقية الان الاستعانة بالحشد الشعبي لتحرير الارض من داعش ولكن يشعر البعض ان وجود قوة شيعية مقاتلة على الاراضي ذات الغالبية السنية سيزيد من مخاطر التدهور الطائفي في العراق واستعداء العشائر السنية التي بقيت الى جانب الحكومة وهذا الموضوع له تداخلات اقليمية ايضا ودولية قد تطيل امد الحرب ضد داعش لأشهر طويلة، خلاصة هذه الاسباب المثيرة للطائفية تتجسد بالسياسات الاقصائية لمكونات اساسية في المجتمع العراقي بناءا على مزاج طائفي شكل اهم المعضلات المميتة في بنية الدولة العراقية واضر بسمعة الدولة ومكانتها.
آليات العمل والبدائل المطروحة
اما بالنسبة لأليات العمل والبدائل المطروحة لمواجهة ما بعد التحرير فهي تتركز بثلاثة اليات:
اولا: الاليات الثقافية التي تتعلق بأعداد خطط تربوية وثقافية لتأطير السلوك العام للأفراد وهنا نود ذكر المؤسسات التعليمية والثقافية والاعلامية الحكومية والاهلية واشاعة المفاهيم الثقافية، وواقعا نواجه هنا مشكلة وهي غياب الرؤيا الواضحة لمرحلة مابعد داعش من اجل تعزيز العيش المشترك للتخلص من ثقافة الماضي، هل تم مراجعة المناهج لهذا الغرض بل على العكس من ذلك فالكثير من المؤسسات تعمل على اذكاء سموم الفرقة والانقسام.
ثانيا: الاليات السياسية وهي اربعة اليات:
1- اعادة رسم العلاقة بين السلطة والمجتمع أي توزيع السلطة والصلاحيات وفق الدستور العراقي لتجاوز اثار السلطوية والمركزية فهناك النظام الفدرالية وهو مرتبط بالألية الثقافية.
2- التنمية الموازية، وهنا اعتقد ان الحرمان الاقتصادية لهذه المناطق هو من اهم محرضات التمرد فقطاعات واسعة من هذه المناطق عانت بشكل كبير وعلى النخب الجديدة لابد من اطلاق مشروع تنموي شامل لدمج الفئات المحرومة في المجتمع.
3- حماية حقوق الانسان
4- المصالحة الوطنية والعدالة فلابد من خلق ثقافة المساءلة مكان ثقافة الافلات من العقاب لان ذلك يرسخ ثقافة الاحساس بالأمان لدى المجتمع ويشجع على ثقافة الاعتراف بالخطيئة لدى المذنب ويرسخ ايضا ثقافة اللجوء الى القانون.
ثالثا: الاليات القانونية فبدل الاكتفاء بتشريع القوانين ذات الطابع التجريمي والمنع والردع علينا تشريع قوانين مشجعة على دمج المكونات والفئات الاجتماعية على تنوعها الاثني والمذهبي والابعاد القانونية والتشريعية في هذا المجال غير كافية ولابد ان ننتبه الى قضية مهمة في الفعل السياسي العراقي خاصة في بعده القانوني والتشريعي وهي نحن عندما نشرع قوانين فأما لا تطبق او تطبق بأبشع صورة.
ختاما ان النخب السياسية العراقية خلال السنوات الاخيرة تشدقت بالديمقراطية التوافقية وتقاسم السلطة التي تحولت من غول قبل (2003) الى غنيمة بعد ذلك التاريخ مما كرس الانقسام والاحتراب ولهذا لابد من تقاسم السلطة عبر التوافق بعد ان تتم توأمة الشراكة مباشرة في النسيج الدستوري للهيكل السياسي ويمكن لحكومة قوية تعمل جنبا الى جنب مع اقليم كردستان والادارات الاقليمية يمكن ان تحدث تغيرا هائلا من اجل عراق جديد متنوع.
رؤية في التحديات المتوقعة واليات المواجهة
من جانبه اكد الدكتور قحطان الحسيني عبر ورقته المعنونة (مستقبل العلاقة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية في المحافظات المحررة من داعش رؤية في التحديات المتوقعة واليات المواجهة)، من المتوقع ان لا يكون لداعش مستقبل في النظام السياسي العراقي لكن من المؤكد ان الحرب ضد هذا التنظيم الارهابي والتي ارتبطت بأولويات وضعها الشيعة والسنة والكرد قد افرزت كم من التعقيدات التي ستؤطر العلاقة المستقبلية ما بين الحكومة المركزية وحكومات المحافظات المحررة من داعش او التي ستحرر لاحقا.
ان ادراك وفهم تطورات الاطراف الرئيسية التي تقود العملية السياسية وملاحظة حجم التعارض في اولويات هذه الاطراف كان كافيا لمعرفة درجة التعقيد التي تواجه العراق في مرحلة ما بعد داعش ولعل من السهولة ان نشخص عددا من هذه التحديات:
اولا: اعادة توطين السكان في المناطق المحررة واعمار ماتم تدميره بسبب العمليات العسكرية والامر هنا مرهون بحجم التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجه العراق من جراء تدني اسعار النفط وبشكل كبير لاسيما وان كلفة اعادة الاعمار تحتاج الى ما قيمته (25 مليار دولار) هذا مما يجعل الحكومة امام خيار واحد لا بديل له وهو الاستعانة بجهات دولية مانحة لكن بطبيعة تلك الجهات لا تقدم منح مجانا ما لم تتأكد بأوجه الصرف المستحقة خصوصا وان العراق يعاني من حالات فساد كبيرة جدا الى جانب ذلك هناك ثمة احتمال اخر يمكن ان يلجئ اليه ابناء تلك المناطق من اجل طلب الدعم من الدول الخليجية والسعودية على وجه التحديد والتي هي ترحب بمثل هكذا محاولات على امل ان تجد لها موطئ قدم في هذه المحافظات.
ثانيا: اشكالية التمثيل السني في عراق ما بعد داعش هو سؤال يشغل بال المتصدين للقرار السياسي العراقي في وقت لم تنجح به الحكومة في كسب جميع السنة الى جانبها في الحرب ضد داعش ومن المعروف لا يمكن انكار ان التنافس السني - السني كان عاملا مهما في فشل تحقيق الاستقرار السياسي في المناطق السنية ومن المتوقع ان هذا الصراع سيستمر وقد يتفاعل ما بعد داعش وسيتركز هذا الصراع على الاستحواذ على السلطة والثروة وحتى على عقود الاعمار والتي ستتمول من الحكومة ومن الدول المانحة وهذا سينعكس على اداء الحكومات في المناطق المحررة وسيجعلها ضعيفة وعاجزة عن أدارة ملف الاعمار.
ان ايجاد طرف سني قادر على المشاركة في رسم مستقبل العراق فيما بعد داعش وبالتعاون مع الحكومة المركزية يشكل مهمة صعبة في ظل حالة الانقسام الواضحة بين القوى السنية التي تتصارع فيما بينها حول مسألة تمثيل الشارع السني في المقابل ان الحكومة ذات الاغلبية الشيعية تفتقد لرؤية ما سيكون عليه الامر في المناطق المحررة في ظل اختلاف واضح بين مكونات الشيعة حول فكرة الفدراليات والمؤسسة العسكرية ومستقبل الحشد الشعبي وكيفية حل عقدة التمثيل الامني السني ومن هي الجهة التي ستتولى حماية المناطق المحررة.
ثالثا: الصراع على المناطق المتنازع عليها هذه الاشكالية تمثل قنبلة مؤقتة خصوصا ما بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان وهي تهدد وحدة العراق وتماسكه.
رابعا: اعادة توطين السكان قد يرافقها حالات من الاخذ بالثأر والانتقام ما بين مكونات المجتمع السني نتيجة لأعمال القتل والاعتداء على الممتلكات الخاصة مما يخلق جوا من الكراهية سينعكس تلقائيا على الوضع الامني والاجتماعي في تلك المحافظات.
وهنا لابد ان نؤكد ان المناطق السنية لا تتشابه علاقتها مع الحكومة المركزية نتيجة لاختلاف ظروف كل محافظة عن الاخرى ما بعد داعش فعلاقة حكومة الانبار ستكون متشنجة مع حكومة المركز بسبب الدعوة لتشكيل اقليم سني في الانبار، اما في صلاح الدين سيكون الامر مختلف كليا لان التيارات الدينية ليس لها رصيد عالي في تلك المحافظة، وعلاقة بغداد بالموصل ستكون للمصالح التركية والكردية حاضرة، اما ديالى فسيبقى الامر متوتر.
التوصيات والمقترحات:
اولا: على صانع القرار السياسي في بغداد ان ينأى بنفسه عن تقريب بعض الشخصيات العشائرية وهي لا تمتلك حضورا ووجودا فاعلا في هذه المناطق.
ثانيا: ان يتم اتباع القناة الرسمية في التعامل مع اهالي تلك المناطق عن طريق الحكومة الرسمية الممثلة بالمحافظ ورئيس مجلس المحافظة.
ثالثا: ان تجنب الحكومة نفسها الوقوع في اتون الصراعات في المحافظة.
رابعا: على الحكومة ان تعي بأن داعش وفكر داعش لا ينتهي بسهولة فنسبة المنظمين اليه كبيرة ولابد من نشر ثقافة التسامح.
خامسا: تلافي اشكالية بيع المناصب الامنية
سادسا: منح صلاحيات لا مركزية لإدارة المحافظات
المداخلات:
الاستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، قال "لابد اولا ان نفكك تلك المعادلة واعتقد ان طبيعة العلاقة بين الحكومة والحكومة المحلية بشكل عام ما كانت واضحة في الفترة الماضية، فهو تساءل هل هناك مشكلة في فهم النصوص الدستورية من قبل مجلس المحافظات ام عدم ايضاحها من قبل الحكومة المركزية؟، وهنالك شبه تقاطع وعدم استقرار في العلاقة ما بين حكومة المركز والحكومات المحلية ولا توجد حتى علاقة طيبة نحن اليوم نفكر في كيفية الخروج من هذا المأزق هناك اخطاء وهناك ظروف اقليمية ودولية مانعة لعدم بزوغ نبتت الديمقراطية في العراق".
بدوره الصحفي سلام البناي من جريدة الصباح ونائب رئيس اتحاد الادباء والكتاب فرع كربلاء المقدسة، طرح جملة من التصورات التي تتماهى مع حقيقة تصيير اعادة اواصر النسيج الاجتماعي مابعد الخروج من الازمات الامنية والعسكرية وهذا ما نحتاجه اليوم في العراق وعبر مسارين مسار تنتهجه الحكومة من اجل اعادة اهالي تلك المناطق وطمأنتهم وتأهيلهم نفسيا واقتصاديا وعدم تحديد قدراتهم البشرية ودعوتهم لعدم تكرار ما حدث.
واضاف البناي "ان المسار الاخر يقع على عاتق المنظمات والمؤسسات ونشر ثقافة المواطنة وايصال رسائل مباشرة لتلك المجتمعات بان الجهد الامني ما جاء الا لدعم السلم الاهلي وابعاد شبح التنظيمات الاجرامية فقط، والاهتمام بالنازحين وتقديم الخدمات المطلوبة على الحكومة، وتعزيز روح وسيادة القانون ومنع نشر ثقافة التحريض والترويج للأفكار التكفيرية وعلى الفعاليات الحكومية الاهتمام ايضا بالثقافة المجتمعية واشاعتها في المجتمع، بالاضافة الى اقامة مراكز تأهيل للأطفال والشباب والنساء والبالغين، ومراقبة دور العبادة والتشديد على الخطاب ان يكون معتدل، واعادة النظر بالمناهج الدراسية واخيرا بدل ان تدفع تعويضات كبيرة للمتضررين بسبب الحرب على الحكومة التفكير ببناء مجمعات سكنية حتى للذين هجروا من ديارهم قصرا وللفقراء والمساكين اختيار محافظ مستقل لا ينتمي لأي حزب اسلامي".
من جهته مدير مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام علي الطالقاني، قال "ان مجالس المحافظات هي جزء مصغر من الحكومة المركزية بالنتيجة هي جاءت لخدمة المواطن لكن هناك ثمة سؤال عن الاليات القانونية التي تضمن استقلالية قرارات الهيئات المحلية، معتقدا بضرورة تحديد الاهداف من اجل منفعة المواطنين عبر عدة مهام منها قيام الادارات المحلية بواجباتها بكفائه عالية والعمل وفق قوانين الحكومة المركزية والحفاظ على وحدة البلاد اداريا وسياسيا.
واضاف الطالقاني "من اجل فهم العلاقة بين الطرفين هناك اتجاهين، الاول مركزي وهو عبارة عن رقابية ومساءلة وتمويل وقوانين وهذه بطبيعتها تكبح الحركة الاتجاه الاخر غير مركزي وهذا هو الطريق الاسلم ويعطي للمواطن هامش من الحرية للحفاظ على محافظاتهم، اضف الى ذلك واقعا الحكومة في بعض الجزئيات اخفقت وستخفق حتى في المستقبل القريب، كما ساهمت السلطات الامنية بقضايا الفساد بشكل كبير فهناك الصفقات والمشاريع المشبوهة مما عزز حالة النقمة الشعبية في تلك المناطق.
من جهته الحقوقي احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، قال "واقعا هزني عنوان هذه الحلقة وان المشكلة هي مشكلة اساسية وعند الانتهاء من داعش ستبقى نفس العلاقة المتشنجة والمتوترة وان اصل تحسن تلك العلاقة له جذور ممتدة نحو الادارة الامريكية الجديدة وهل تريد العراق ضعيفا قويا فدراليا هي من ستحدد الخيار الانسب، الشيء الاخر هو مدى التنسيق بين تركيا والخليج وخلفيات تلك الولاءات هناك اليات كثيرة ممكن مناقشتها منها الوضع الانساني ووضع اللاجئين وضع الاعمار اشراكهم في العملية السياسية العدالة الانتقالية".
في السياق ذاته يرى الاستاذ عبد العال الياسري رئيس مجلس محافظة كربلاء الاسبق، ان من اهم التحديات هي التحديات الاجتماعية والنفسية والعشائرية والامنية ما بعد تحرير تلك المناطق من داعش فبعض العشائر دعم وساند داعش وهناك من تضرر منهم، فمن الطبيعي الواقع العشائري والاجتماعي يحتاج لفترات اطول وان موضوع الاعمار والتأهيل شيء سهل، اما بخصوص العلاقة بين الحكومة المحلية في تلك المناطق والحكومة المركزية فهي ليست على ما يرام وسننتظر الانتخابات القادمة وما تفرز من مستجدات على الساحة".
الدكتور خالد عليوي العرداوي مدير مركز الدراسات الاستراتيجية جامعة كربلاء، أشار الى ان الورقة الاولى عمدت الى اخذ اليات علاج كل مناطق العراق وليست فقط المناطق المتضررة خصوصا وان الورقة تناولت قضية حقوق الانسان الاليات السياسية الثقافية التنمية الموازية العدالة الاجتماعية التنظيم القانوني وهذه هي خيارات كل المحافظات".
واضاف العرداوي "الديمقراطية تحتاج لدولة قوية لحمايتها وفي حال عدم توفر هذا الجانب لا تبنى الديمقراطية، وهذا ما حصل في العراق والامر هنا مقصود دوليا واقليميا من اجل ابقاء العراق ضعيفا، ناهيك عن ان العامل الاقليمي والخارجي وكيفية مواجهته، اضف الى ذلك نحن نحتاج لسياسة خارجية قادرة على التفاوض وقادرة على تحجيم الدور الخارجي".
واوضح العرداوي "ان العراق يعاني من ازمة انسانية وازمة مالية كبيرة لأعمار المناطق المدمرة والمناطق الاخرى ناهيك عن ازمة اللاجئين وكل تلك الاشكالات حالة من التشاؤم في غياب رؤيتها المستقبلية لبناء البلد".
الاستاذ حيدر الجراح مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث، "استعلم عن حقيقة الاليات الممكنة لتطويع العقل السياسي العراقي خاصة وهو يقوم على التغالب والصراع على الغنيم حتى وصلنا الى الرثاثة السياسية، اما بخصوص تنظيم داعش وهي وريث القاعدة وان كل التحليلات تتحدث عن بروز جيل ارهابي جديد عراقي سيظهر على شكل اشبال دولة الخلاف وهم ما بين سن ( 12 - 16)".
مشيرا الى "ان مستقبل العراق مظلم وهو من الدول الهشة حسب المؤشرات الاقتصادية والسياسية والامنية والاجتماعية والبيئية، لذا سيبقى مشعلو الحرائق الطائفية هم انفسهم رجال السياسة ورجال الدين والاعلامي والمثقف، وتساءل الجراح اين دور الرقابي للبرلماني لاسيما ممثلي محافظة كربلاء في البرلمان حول التهم الموجهة الى هذا المجلس طيلة هذه الاعوام وان البرلمان العراقي لم يستطيع اخضاع الحكومات المحلية للحساب".
الصحفي تيسير الاسدي رئيس تحرير وكالة نون الخبرية في كربلاء المقدسة، قال "ان المشروع الوطني غائب منذ (2003) والى الان واعتقد ان السبب يعود الى قبل دخول القوات الامريكية الى العراق وبالتحديد من مؤتمري لندن وصلاح الدين كون القوى السياسية المشاركة رسمت سياسة العراق من هناك وان يكون العراق ضعيفا اقليميا ودوليا وان المشاريع السابقة والقادمة هي حتما لا تخرج عن هذا السياق بل هي بمثابة سلسلة متصلة من برمجيات الاحتلال الامريكي للعراق".
النائب ابتسام الهلالي عضوة اللجنة القانونية في البرلمان العراقي وممثلة كربلاء المقدسة في البرلمان، "اعتقدت بأن موضوع تحرير الموصل هو الاهم والاجدى على طاولة البحث والنقاش، كذلك ان ازمة اللاجئين التي تعصف بالواقع الاجتماعي والانساني والامني في العراق هي ايضا من القضايا الملحة وان مسار اعمار المناطق المتضررة من داعش سيلبي التوقعات الداخلية والاقليمية والدولية لمعالجة هكذا ازمة في ظل التحديات الاقتصادية التي يعاني من العراق الان".
يشار الى إن مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية هو احد المراكز التي تعنى بالأوضاع السياسية العالمية والمحلية من خلال استشراف وتحليل المواقف والأحداث بشكل مهني علمي بعيدا عن التطرف والانحياز.
اضف تعليق