كان حمزة عز الاسلام ومفخرة المسلمين ويكفيه علوا ان أطلق عليه رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وصف اسد الله واسد رسوله كما لقبه بسيد الشهداء وعلى هذا النهج سار المسلمون الاوائل وبهذه الصفات عرفه الاواخر ماعدا الحزب الاموي الذي كان له موقفا مغايرا تجاه عم الرسول...
في الذكرى السنوية لاستشهاد حمزة بن عبد المطلب في السابع من شوال من العام الثالث للهجرة، أجد نفسي مجبرا على الاشادة بهذا الرجل العظيم الذي قدم الكثير لنصرة الاسلام ومؤازرة الرسول في زمن قل ناصره وكثر واتره، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقت ذاك مع عدد قليل من المؤمنين يحمون دين الله بأنفارهم القليلة واجسادهم النحيفة وهم يتلقون العذاب والألم على ايدي اعداء الله.
وفي قلب هذه الآلام يبرز بطل مغوار مثل حمزة بن عبد المطلب يفتدي رسول الله بنفسه وماله ويكون الحامي والمدافع الرئيسي عن كيان الاسلام. كان له الدور الكبير في نشر الاسلام وتحقيق انتصاراته في ايامه الاولى بمكة المكرمة وعندما اعتنق الدين الجديد اصبح عزا للاسلام ومنعة لرسوله، وفي هذا يقول المؤرخون انه بعد اسلام حمزة بن عبد المطلب كفّ المشركون ايديهم عن ايذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حدث ذلك بعد تعرض نبي الاسلام للأذى والاهانة من قبل ابي جهل، فاتاه اسد الله حمزة وفي وجهه الغضب وضربه بالقوس على راسه فشجه شجة موضحة، وقال الرواة انه ثار رجل من بني مخزوم، وثار بنو هاشم، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، (كنية حمزة) فإني سببت ابن أخيه سبًا قبيحًا، فعلمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد عز، فكفوا عنه بعدما كانوا ينالون منه.
وفي معركة بدر كان حمزة ركنا مهما من اركانها وسببا لانتصار المسلمين فيها فقد كانت بطولاته مثار اعجاب المسلمين وتشجيعا لهم على مبارزة الاعداء دون وجل او خوف لقلة عددهم وضعف عتادهم وكان في مقدمة المدافعين عن حريم الاسلام امام المشركين، فقد خرج رجل من جيش قريش هو الأسود بن عبد الأسد المخزومي القرشي فقال: (أعاهد الله لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه)، فلما تقدم نحو الحوض، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فقطع قدمه بنصف ساقه، فوقع على ظهره تشخب رجله دمًا، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله هناك.
ولما طلب عتبة بن ربيعة الاموي المسلمين للبراز تقدم اليه اسد الله حمزة مع ابني شقيقيه علي ابي طالب عليه السلام وعبيدة بن الحارث فتبارزا حتى قتل حمزة شيبة بن ربيعة وقتل الامام علي الوليد بن عتبة بينما اصيب عبيدة بن الحارث في قتاله لعتبة فعاونه الامام علي عليه السلام وحمزة على قتله، وعلى اثر تلك الاصابة استشهد عبيدة بن الحارث ونزلت في حق الستة آيات من القرآن الكريم وهي تبشر الامويين بعذاب أليم وتعد المؤمنين بجنة الخلد.
وبسبب قتلهم لمشايخهم في بدر الكبرى وبعد الهزيمة الموجعة التي تلقوها في المعركة اشتدت ضغائن بني امية لمحمد وآل محمد صلوات الله عليهم وتعاهدوا فيما بينهم على الانتقام لقتلاهم فتدارسوا الموقف بينهم على قتل أحدهم، اما رسول الله او علي بن ابي طالب عليهم صلوات الله او حمزة بن عبد المطلب فاتفقوا على انهم لن يظفروا برسول الله ولا بالامام علي عليه السلام لكنهم سيحاولون مع حمزة، فكمنوا له في معركة أحد وراء صخرة ومن هناك هاجمه وحشي غيلة وضربه بحربته من حيث لايراه.
لقد كان حمزة عز الاسلام ومفخرة المسلمين ويكفيه علوا ان أطلق عليه رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وصف اسد الله واسد رسوله كما لقبه بسيد الشهداء وعلى هذا النهج سار المسلمون الاوائل وبهذه الصفات عرفه الاواخر ماعدا الحزب الاموي الذي كان له موقفا مغايرا تجاه عم الرسول حمزة بن عبد المطلب قبل شهادته وحتى بعد استشهاده.
وتمكن بنو امية من ادخال بعض الروايات المنحرفة عن الحقيقة في كتب التاريخ وارادوا من ذلك تبرئة امهم (هند بنت عتبة) ام معاوية بن ابي سفيان من جريمة التمثيل بسيد الشهداء حمزة مع ان امهم هند اصبحت معروفة لدى العرب بانها آكلة الاكباد وحتى اتباع الامويين اليوم ينكرون فعلتها تلك مع انها اشهر من علم، وبرغم التحريفات الكثيرة ومحاولة التلاعب بالألفاظ والكلمات لكن معظم كتب التاريخ المعتبرة تذكر تلك الحادثة وقد ورد في التراث السني في كتاب السيرة النبوية لابن هشام؛ (قال ابن إسحاق: ووقعت هند بنت عتبة، كما حدثني صالح بن كيسان، والنسوة اللاتي معها، يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجدعن الآذان والأنف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وآنفهم خدما وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشيا، غلام جبير بن مطعم، وبقرت عن كبد حمزة، فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها) (1).
ولما علم رسول الله ماحدث لعمه حمزة حزن حزنا شديدا وتألم لما شاهده من التمثيل بجسده الطاهر (وقال لن اصاب بمثلك ابدا ماوقفت موقفا قط أغيظ الي من هذا)، ولما سمع ان هندا بنت عتبة مضغت كبد عمه حمزة سألهم صلى الله عليه وآله وسلم: أأكلت منه شيئا؟ قالوا: لا قال: ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة النار (2) مما يعني ان هندا ام معاوية هي من اهل الجحيم.
وبرغم الانتصارات التي حققها المسلمون فيما بعد وسيطرتهم على كافة المناطق التي كانت تحت امرة المشركين ومن بعد ذلك فتح مكة لاحظ المؤرخون عودة الحزب الاموي من جديد الى السلطة وتطاولهم على بني هاشم بالقتل والذبح والسبي والاعتقال، وقد اشار احد اعلام السنة الى تولية بني امية لأمور الدولة والسلطة في فترة الخليفتين ابو بكر وعمر بن الخطاب وقال المقريزي في رسائله (فانظر كيف لم يكن في عمال أبى بكر وعمر رضي الله عنهما أحد من بني هاشم، فهذا وشبهه هو الذى حد أنياب بني أمية وفتح أبوابهم، وأنزع كأسهم، وقتل أمراءهم، حتى لقد وقف أبو سفيان بن حرب على قبر حمزة رضي الله عنه فقال: رحمك الله أبا عمارة، لقد قاتلتنا على أمر صار إلينا)، كما نقل المقريزي انه (لما أفضى الامر إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه أتى أبو سفيان قبر حمزة رضي الله عنه فوكزه برجله ثم قال: يا حمزة، إن الأمر الذى كنت تقاتلنا عليه بالأمس قد ملكناه اليوم وكنا أحق به منكم)(3).
ولم يكتف الامويون بمافعلوه بالتمثيل بحمزة سيد الشهداء بل حاولوا نبش قبره والتمثيل بجثته من جديد ولكن هذه المرة على يد معاوية بن ابي سفيان وهنا يشير الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية الى محاولات جرت في عهد معاوية لنبش قبور شهداء معركة احد وغمرها بالمياه حيث قال: (روى البيهقي عن جابر بن عبد الله قال: لما أجرى معاوية العين عند قتلى أحد بعد أربعين سنة استُصِرخنا إليهم فأتيناهم فأخرجناهم، فأصابت المسحاة قدم حمزة فانبعث دما وفي رواية ابن إسحاق عن جابر قال: فأخرجناهم كأنما دفنوا بالأمس، وذكر الواقدي أن معاوية لما أراد أن يجري العين نادى مناديه من كان له قتيل بأحد فليشهد، قال جابر فحفرنا عنهم فوجدت أبي في قبره كأنما هو نائم على هيئته ووجدنا جاره في قبره عمرو بن الجموح ويده على جرحه فأزيلت عنه فانبعث جرحه دما، ويقال إنه فاح من قبورهم مثل ريح المسك رضي الله عنهم أجمعين)(4).
لقد تمكن الامويون في فترة حكمهم من تحريف التاريخ لتشويه صورة النبي واهل بيته وألفوا القصص والروايات التي تنتقص من النبي واهل بيته وكتبوا تاريخا غير التاريخ الحقيقي للاسلام واصبح في هذا التاريخ حماة الرسول واكبر داعميه مثل ابو طالب عم النبي مشركين واصبح اعداء النبي واهل بيته مثل معاوية وابيه ابي سفيان وامه هند بنت عتبة من الصحابة.
اضف تعليق