اذا ما تمكن من سحب ايران الى التفاوض بالمقاصد التي يريدها فهو تمكن من السيطرة على دولة طالما شكلت تهديدا للولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة واذا لم يتكمن من ذلك فهو سيضغط على حلفاء الولايات المتحدة في دول الخليج الغنية بالنفط بدفع المزيد من الأموال لحمايتهم من...
مع بداية اعلان فوزه في السباق الانتخابي لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية ضد مرشحة الحزب الديمقراطي كاميلا هاريس، صعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من لغة الخطاب على مختلف الأصعدة في سياسته الخارجية ومن ذلك تعامله مع الملف الإيراني، الذي يعتقد بأن جميع الاحداث التي تدور في الشرق الأوسط ترتبط بإيران ومن ذلك ملف الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني وملف اليمن والملف العراقي بالإضافة الى الملف اللبناني، وبعد ان كان ترامب قد توعد ايران خلال حملته الانتخابية بأنه سيعمد على مهاجمتها اذا لم تتراجع عن سياستها في الشرق الأوسط.
وجه ترامب الى ايران رسالة مباشرة الى مرشد النظام الإيراني في 5 اذار/ مارس 2025 جاء فيها: "أكتب لكم هذه الرسالة بهدف فتح آفاق جديدة لعلاقاتنا، بعيدا عن سنوات النزاع وسوء التفاهم والمواجهات غير الضرورية التي شهدناها في العقود الماضية، لقد حان الوقت لنترك وراءنا العداء ونفتح صفحة جديدة من التعاون والاحترام المتبادل. اليوم أيضا هناك فرصة تاريخية أمامنا"، واستمر ترامب في مد يد الود في مقدمة رسالته الى ايران اذ قال فيها: "الولايات المتحدة الأميركية تحت قيادتي مستعدة لاتخاذ خطوة كبيرة نحو السلام ورفع التوتر، ونستطيع معا إزالة العقوبات، وتمكين الاقتصاد الإيراني، وفتح أبواب التعاون بين بلدينا، ليس فقط لمصلحة شعبينا، بل لمصلحة الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط والعالم أجمع"، ويبدو من النصف الأول من الرسالة انها اتسمت بعدد من السمات منها:
- مد يد الود الى الجانب الايراني.
- السعي نحو بناء السلام ورفع التوتر.
- إزالة العقوبات عن ايران.
- تمكين الاقتصاد الإيراني.
- فتح أبواب وافاق التعاون بين الجانبين.
- السعي الى الاستقرار والسلام في دول الشرق الأوسط والعالم.
وفي مقابل هذه السمات والعروض المقدمة من قبل ترامب لخصمه المرشد الاعلى الايراني ما الذي عرضه ترامب اذا لم تمضي ايران في عقد اتفاقات تفاوضية مع الولايات المتحدة بخصوص نفوذها وبرنامجها النووي وصواريخها الباليستية، جاء في النصف الثاني من رسالة ترامب: "لكنني أحذركم، إذا رفضتم هذه اليد الممدودة، وإذا اختار النظام الإيراني مسار التصعيد، والدعم المستمر للتنظيمات الإرهابية، والمغامرات العسكرية، فإن الرد سيكون حاسما وسريعا، لن نقف مكتوفي الأيدي أمام تهديدات نظامكم لشعبنا أو لحلفائنا، السلام ليس ضعفا، وإنما هو خيار الأقوياء، والشعب الإيراني شعب عظيم يستحق مستقبلا أفضل، بعيدا عن العزلة والفقر والمعاناة، إذا كنتم مستعدين للتفاوض، نحن مستعدون أيضا". وختم ترامب رسالته بالاتي: "لكن إذا استمريتم في تجاهل مطالب العالم، فسيسجل التاريخ أنكم فوتّم فرصة عظيمة".
ويبدو من النصف الثاني من رسالة ترامب انها اتسمت بالاتي:
- التحذير الشديد من رفض ما اسماه ترامب باليد الممدودة او اختارت ايران التصعيد.
- التحذير من الاستمرار بدعم ما اسماه ترامب بالتنظيمات الإرهابية والمغامرات العسكرية.
- التحذير من ان رد الولايات المتحدة سيكون حاسما وسريعا.
- التحذير من الاستمرار بعزل وتفقير الشعب الإيراني والاستمرار بالمعاناة.
وفي قبال ما تقديم يعرض ترامب مرة أخرى التفاوض ولم تشر الرسالة الى طبيعة التفاوض او حدوده او مجالاته رغم ان التسريبات تشير الى التفاوض بخصوص الملف النووي الإيراني الذي انسحب منه ترامب في ولايته الأولى وكذلك الصواريخ الباليستية الإيرانية.
كما قال ترامب للصحافيين في البيت الأبيض، يوم الجمعة 7 اذار/ مارس 2025، إن شيئًا ما سيحدث قريبا جدا بشأن إيران، شيء يأمل أن يتحقق من خلال اتفاق على الورق وليس عبر القصف والهجوم العسكري، من هنا أشار مراقبون من ان رسالة ترامب إلى المرشد الايراني هي رسالة استسلام بتكلفة أقل، فهو لا يحاول إخفاء المعنى الحقيقي لرسالته مسبقًا: "آمل أن نتمكن من الوصول إلى اتفاق سلام، ولكن الخيار الآخر سيحل المشكلة أيضا".
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، سلك ترامب مسارا ثابتا تجاه النظام الإيراني، فهو يسعى ويريد دون اللجوء إلى العمليات العسكرية، أن يجبر طهران على إيقاف برنامجها النووي عمليا، والتخلي عن برنامجها الصاروخي، والكف عن زعزعة استقرار المنطقة عبر مجموعاتها الوكيلة، ولتحقيق هذه الأهداف، اختار طريقين: الأول هو إحياء سياسة الضغط الأقصى لإجبار النظام الإيراني على الاستسلام، والثاني أن يكون هذا الاستسلام ورفع الأيدي علنيا وعاما وليس بشكل سري ومخفي كما تريد طهران وتقاليدها وأسلوبها.
بالمقابل اشارت ايران على مستوى رئيس جمهوريتها قال صراحةً إنه كان يؤيد التفاوض ولكن بأمر من المرشد الاعلى أصبح الآن معارضا للتفاوض، عندما قال المرشد الاعلى: "التفاوض مع أميركا ليس ذكيا ولا عاقلًا ولا شريفا"، كان في الواقع يربط يديه وقدميه، وليس أيدي المسؤولين الذين على عكسه يرون طريق بقاء النظام الإيراني في التفاوض والاستسلام للتوصل إلى حل وسط حتى لو كان مؤقتا، العقدة التي ألقاها الخامنئي على هذا الخيط، ربما لن تُحل إلا بطريقتين: إما بقبول علني ورسمي لحقيقة أنه لا يمتلك ذكاءً ولا عقلًا ولا شرفًا، أو بفرض تكاليف باهظة وحتى غير قابلة للتعويض على إيران والإيرانيين عبر الحرب وتدمير البنية التحتية.
ومما تقدم يتضح لنا ان الولايات المتحدة الامريكية بقيادة ترامب تريد تسوية مشاكل الشرق الأوسط بكل الطرق لعدة اهداف ومقاصد أولاً لحماية حلفائهم خاصة إسرائيل ومن الد خصومها في الشرق الأوسط والمتمثل بإيران، ومن جانب ثاني يدرك ترامب رجل الاعمال والاستثمارات ان يستثمر توتر العلاقة بين ايران وعدد من الدول في الشرق الأوسط لاسيما دول الخليج لتحقيق عدة اهداف أهمها ما يمكن ان نسميه بإبتزاز دول الخليج من اجل الحصول على مزيد من الأموال والاستثمارات تحت عناوين مختلفة منها انهاء او تقزيم التهديد الإيراني، فهو هنا يحقق هدفين بوقت واحد، اذا ما تمكن من سحب ايران الى التفاوض بالمقاصد التي يريدها فهو تمكن من السيطرة على دولة طالما شكلت تهديدا للولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة واذا لم يتكمن من ذلك فهو سيضغط على حلفاء الولايات المتحدة في دول الخليج الغنية بالنفط بدفع المزيد من الأموال لحمايتهم من التغول الإيراني.
اضف تعليق