ناقش العراق قراءة في الإشكالات التاريخية)، كل ما يصيب المجتمعات هو عبارة عن طبيعة سلسلة تاريخية أو لها جذور تاريخية، لذا فأن ما يجري في بلدنا الحبيب له انتماءات وارتباطات جذرية تاريخية قديمة، الإشكالية والنخبة السياسية العراقية، هم جزء من مشكلة عدم استقرار الدولة العراقية...
عقد مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية ضمن ملتقى النبأ الأسبوعي في مقر المركز بمدينة كربلاء المقدسة، ملتقاه الفكري تحت عنوان (معوقات بناء الدولة في العراق قراءة في الإشكالات التاريخية)، بحضور شخصيات أكاديمية وقانونية وإعلاميين وصحفيين.
أعد الورقة البحثية الدكتور عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي، التدريسي في جامعة كربلاء كلية التربية اختصاص تاريخ العراق الحديث والمعاصر، قائلا:
"كتب أحد فلاسفة القرن الماضي ويدعى بنديتو كروتشه "إن التاريخ كله تاريخ معاصر" وكأنه يربط الأحداث الحالية بالأحداث التاريخية، أي أن كل ما يصيب المجتمعات هو عبارة عن طبيعة سلسلة تاريخية أو لها جذور تاريخية، لذا فأن ما يجري في بلدنا الحبيب له انتماءات وارتباطات جذرية تاريخية قديمة، الاشكالية هنا بنيت على ثلاثة محاور أساسية وهي:
الاشكالية الأولى: أسباب عدم استقرار الدولة العراقية في تاريخها الحديث بعد سقوط بغداد (1258).
الاشكالية الثاني: اسباب عدم وجود نظم سياسية عراقية خالصة من رحم المجتمع تساعد على استقرار الدولة العراقية.
الاشكالية الثالثة: النخبة السياسية العراقية، هم جزء من مشكلة عدم استقرار الدولة العراقية.
بالتالي وضعنا من خلال تلك الورقة العلمية مجموعة اشكاليات وعوامل عدم استقرار الدولة العراقية..
العامل التاريخي الاول: الاحتلال المتكرر
تعرض هذا البلد إلى احتلال متكرر بعد عام (1258) اي بعد سقوط بغداد، وانهارت قيم الدولة الموجودة في هذا البلد، وأصبح هذا البلد مجالا حيويا للاحتلال والاستعمار والهيمنة والتدخل المباشر، فجيء بقبائل تركمانية محتلة، ثم جاء الغزو الفارسي الصفوي، فالغزو العثماني عام (1534) حتى العام (1918)، ثم الاحتلال البريطاني (1918) حتى (1958)، وبعدها الهيمنة الامريكية والاحتلال الامريكي.
العامل الثاني: ضعف الدافع الديني.
العامل الثالث: اقصاء وتهميش مكونات المجتمع العراقي
طيلة تاريخه السياسي سواء كان قومي أو ديني أو مذهبي أو عراقي أو غير ذلك، خصوصا الاقصاء الذي تعرض له شيعة اهل البيت عليهم السلام ايام الحكم العثماني.
العامل الرابع: التدخل الخارجي المستمر
فرض ارادة خارجية في تشكيل الحكومة، وهذا ما ذهب اليه البريطانيين ايام الاحتلال الانكليزي للعراق، ايضا الدعم الخارجي استطاع دعم التيارات السياسية في العراق من خارج الحدود في ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي من قبل النازية والماركسية والليبرالية الغربية، الامر الاخر ان التدخل الخارجي استطاع دعم الصنمية في العراق من خلال دعم بعض الشخصيات السياسية والاجتماعية.
العامل الخامس: تدخل الجيش بالسياسة
هذا مما ساعد على عدم استقرار الدولة العراقية وعسكرة الدولة.
العامل السادس: تدني الثقافة السياسية
بسبب التراكمات التاريخية على العراق وعلى الشعب العراقي، بالتالي كل ما موجود هو وافد من خارج البلد فمثلا: التثقيف بالماركسية، التثقيف بالقومية، التثقيف بالليبرالية، وهذا لا يلائم طبيعة ومزاج الشعب العراقي.
ثانيا: من اسباب تدني الثقافة السياسية هي ارتباط الاحزاب بالخارج هذا مما يعطي انطباع اكيد بان التثقيف يأتي من الخارج.
ثالثا: تقصير الاعلام والمنتديات الاجتماعية ودور النشر والمهرجانات والمكتبات، لذلك كلها مقصرة في المسار التاريخي وفي زيادة الوعي الثقافي السياسي العراقي، بل اكثرها اما يكون مسيس او منهزم او تجاري.
رابعا: ظهور الردة الفكرية لدى المجتمع العراقي فظهرت القبلية وظهر الاقطاع، وضعف الارتباط بالإسلام، والثأر، والاعتداء على الحرمات، بالتالي يمكن وصف هذا الامر بـ(توحش الفرد العراقي).
خامسا: ظهور (سياسة التجهيل)، بالتالي الشعب العراقي تعرض لتجهيل متعمد على مساره التاريخي من قبل جميع الاحتلالات التي تعرض لها الشعب والمجتمع العراقي.
العامل السابع: الصراع العقائدي
من اهم الاشكاليات التي تساعد على عدم استقرار الدولة العراقي، نحن لدينا مجموعة من الصراعات العقائدية.
اولا: الصراع العقائدي القادم مع الاحتلال/فالدولة العثمانية على سبيل المثال وليس الحصر عندما احتلت العراق شكلت نوع من العداء ضد شيعة اهل البيت عليهم السلام في العراق، وذلك على اعتبار ان مذهب الدولة العثمانية يميل نحو مذهب (ابو حنيفة النعمان)، كذلك فان الدولة العثمانية دخلت في صراع مع ايران.
ثانيا: الصراع العقائدي الحزبي بتأثير من الخارج مثل الصراعات المتناقضة فالاتحاد السوفيتي مثلا يدعم الاحزاب الماركسية، والعالم الغربي يدعم الاحزاب الليبرالية.
ثالثا: الصراع العقائدي للتأثيرات العربية العقائدية/فهناك تأثيرات عربية عقائدية مثل الدفع بالعقيدة الناصرية، او اعتناق العقيدة الوهابية، أو اعتناق العقيدة الاشتراكية، وكلها قادمة من خارج البلد.
رابعا: الصراع العقائدي مع اسرائيل
خامسا: تعدد عقائد القوى المحلية في العراق التي تزاحم الدولة وتعمل على عدم استقرار الدولة فمثلا العقيدة المحلية، وعقيدة الدولة العميقة، وعقيدة الثيوقراطية وغير ذلك.
العامل الثامن: امراض المجتمع
هي تحصيل حاصل أو نتيجة للتراكمات التاريخية فظهرت امراض من مثل.
اولا: الطائفية
ثانيا: شخصية الفرد العراقي غير الثابتة على مبدأ.
ثالثا: وهم الطوطمية أو الشخصية الكارزمية.
رابعا: ولادة اجيال عراقية لا تريد الاستقرار للعراق.
خامسا: ضعف الثقافة العامة أوجد ردة فكرية.
سادسا: ضعف الدافع الديني ووجود موجة من الالحاد.
سابعا: ضعف الروابط التقليدية من مثل: الرابطة العائلية، الرابطة الاجتماعية مع الاقارب ومع الجار، وايضا الرابطة مع رجل الدين ومع شيخ العشيرة.
بالتالي كل تلك الامراض ساعدت على عدم احترام الدولة.
ولإثراء الموضوع أكثر تم طرح السؤالين التاليين:
السؤال الاول/ ما هي تأثيرات الحاضرة التاريخية على بناء الدولة في العراق؟
عدم الاندماج في نظام الدولة الحديثة
- الدكتور حسين السرحان، الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، يعتقد أننا "عندما نتحدث عن متغير بناء الدولة فأننا نتحدث عن منظومة متكاملة وهي تضم الحكم وتضم المجتمع، فبناء الدولة هو عبارة عن اجراءات مؤسساتية خاصة بنظام الحكم، وايضا اجراءات خاصة بالمجتمع وبتنظيم المجتمع وهيكلية المجتمع وبناءه وتياراته الفكرية والثقافية والدينية والاجتماعية الموجودة في المجتمع، فكل الاشكاليات التي تم ذكرها انفا هي اشكاليات دقيقة جدا، لكن كل هذه الاشكاليات هي نتاج داخلي، فنحن عندما نركز على النظم السياسية فنحن كمن يركز على الجبهة الداخلية، وقبل الجبهة الداخلية فلما انتهت الدولة العثمانية كنا لا نمتلك مكون سني او مكون شيعي، بل كانت هناك رؤية واضحة اتجاه نظام الحكم، بالتالي البعض اقحم الايدلوجية الدينية في موضوع بناء الدولة، وهذا سبب خلل كبير وشلل كبير، ففي تلك الفترات كانت هناك تنظيرات من قبل الشيخ النائيني وكانت بمثابة تطور كبير في الفكر الاسلامي الشيعي باتجاه الاندماج بالدولة الحديثة، لكنه للأسف الشديد واجه رفضا كبيرا من بعض المرجعيات أو المدارس الفكرية الدينية في العراق وغيره.
ايضا على مستوى المكون السني هو لا يمتلك رؤية واضحة باتجاه بناء الدولة والاندماج في الدولة، وهو ينظر لمسالة الخروج على الحاكم بعدم الارتياح مهما كان، التطور الوحيد الذي افرزه الفكر الشيعي هو موضوع ولاية الفقيه وهي قمة البيروقراطية الدينية والاستبدادية الدينية وهي أخطر انواع الاستبداد، بالتالي هذه هي مشكلتنا الداخلية كأفراد وكمواطنين على مر العصور منذ بناء الدولة الحديثة ومنذ نهاية الاحتلال العثماني إلى اليوم، أي اننا ليس لدينا فكرة واضحة أو رؤية واضحة أو ايمان عميق ومتجذر باتجاه الاندماج في نظام الدولة الحديثة، بل لا زالت بعض التيارات الاسلامية التي انخرطت في العمل السياسي توظف آليات عقائدية معينة في موضوع الدولة، وهي بعيدة حتى عن الايمان بها، اما بخصوص الطائفية فهي ليست مرض مجتمعي بل هي مرض سياسي بالدرجة الاولى، لان الطبقة السياسية هي التي راهنت على الطائفية ووظفتها، ختاما نحن نحتاج للأيمان بنظام الدولة".
إعادة انتاج التاريخ السيئ
- الشيخ مرتضى معاش، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يتصور أن "الصراعات الاجتماعية والثقافية والفئوية والطائفية التي تنشا داخل المجتمعات هي امر طبيعي، لكن هذه الصراعات عندما تكون في بيئة صالحة تصبح طبيعية، لكنها عندما تكون في بيئة فاشلة سوف تظهر بقوة وتتحول إلى صراعات سياسية وصدامات قومية وعشائرية وتناقضات إيديولوجية شديدة، نحن لحد الان فشلنا في بناء الدولة وفشلنا في بناء فهم للدولة فما سبب ذلك؟، فعندما نتكلم عن القضية التاريخية نتكلم عن قوانين وسنن كونية.
التاريخ ليس مجرد احداث فقط، بل هو قوانين وسنن كونية فيها مقدمات وفيها نتائج، والنتائج دائما تابعة للمقدمات والطريق الذي نسير فيه، فعلى مستوى العراق دائما نعيد انتاج التاريخ السيئ، ولم نقوم بمراكمة التجارب الجيدة في عملية بناء الدولة، بل دائما نعيد نفس الاخطاء السابقة التي مررنا بها، فمثلا قضية معالجة التظاهرات لا تتعلق بأزمة خدماتية وليس ازمة كهرباء او ازمة عمل، بل هذه التظاهرات تعبر عن ازمة بنيوية حقيقية في تاريخ المجتمع العراقي.
بالتالي هذه الازمة لم تعالج بشكل جيد، بل تم معالجتها بنفس الاسلوب السابق الذي اتبعه صدام وعبد الكريم قاسم والحكام السابقين، فهذه المعالجات الخاطئة تبدأ بإنتاج تجربة تاريخية سيئة ولا تذهب نحو بناء المستقبل، فالمشكلة الاساسية هي اختلال مفهوم الدولة التي تقوم على الحاكم الواحد، وهي ليست دولة، بمعنى اننا امام اعادة وانتاج لنفس التجارب الماضية، وليس بناء التجربة المتراكمة التي تستفيد من تجاربها واخطائها.
بالتالي النظام الديمقراطي الذي تشكل لدينا الان هو قائم على افراد وعلى اصنام وليس على مؤسسات راسخة وتعددية حقيقية التي تشكل الهوية الحقيقية للدولة، فاما نذهب وراء بناء الهوية الديمقراطية للدولة القائمة على دولة المواطنة، او نبقى في دولة الطوائف والمكونات والقوميات المتشظية، فلايمكن تشكيل دولة بشكل صحيح من التناقضات المتنافرة".
غياب التزاوج الحضاري
- الدكتور حميد الهلالي، عضو مجلس محافظة سابق وحقوقي، يعزي هذا الامر "لثلاثة اشياء: الشيء الاول لم تكون لدينا رؤية لبناء الدولة، بل الرؤية كانت منصبه باتجاه بناء السلطة، وحتى في العهد الملكي منذ بداية الدولة العراقية في العام (1920) حاولنا أن نأتي بملك من خارج العراق حتى يحكم العراق، أي اننا لم نحاول انتاج مؤسسات لتنتج لنا ملك وتنتج لنا دولة، وانما قدر الامكان حاولنا أن ننتج سلطة، بالتالي أصبح غياب المؤسسات عائق طيلة العهد الملكي.
ايضا العهد الجمهوري كان عهد غير واضح المعالم، وحتى في زمان صدام لم تكون هنا دولة، وايضا جاء المتغير السياسي في العام (2003) ونحن لا نتملك رؤية لبناء دولة، للأسف كل الاحزاب وكل الجهات السياسية همها الاساس انهاء مشروع الدولة، لذلك نجد الانتفاضة الشبابية التي تكتسح الشارع العراقي الان هي ترفع شعار (نريد وطن)، بمعنى ادق ان الشباب العراقي يريد دولة المؤسسات والدولة المدنية، حتى يكون للفرد دور في ادارة هذه الدولة.
لابد أن نعترف تاريخيا باننا مكونات غير متصالحة عبر التاريخ ولم نتصالح يوما، فالدولة الصفوية على سبيل المثال كانت تنصر الشيعة على حساب السنة، وجاءت الدولة العثمانية لتنصر السنة على حساب الشيعة، وكذلك لدينا صراع دائمي مع الاكراد، وهذا الصراع دائما ما يظهر مع الازمات، ومنشئ هذا الصراع هو من الموروث التاريخي السيء والكاذب، الامر الاخر هو غياب التزاوج الحضاري، فالبريطانيين عندما جاءوا للعراق في عشرينيات القرن الماضي كانوا محل رفض مطلق من قبل العراقيين، وحتى عندما جاء الامريكان للعراق في العام (2003) تم رفضها بالمطلق.
لذلك من اهم مصائب المجتمع العراقي انه مجتمع متقوقع على نفسه ويرفض أي تقارب حضاري مع أي مجتمع من المجتمعات، فنحن نعتقد باننا الارقى والاحسن والافضل، بالتالي لابد ان نعيد قراءة التاريخ من جديد ونعيد تشذيبه".
نحتاج إلى أن نضع التاريخ وراءنا
- الدكتور قحطان الحسيني، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يرى أن "ازمات التاريخ العراقي يبدو انها تتكرر في العصر الراهن، والدليل على ذلك هو الهوس بالسلطة والصراع ما بين المكونات الاجتماعية والصراع العقائدي ما بين التيارات الاسلامية والعلمانية، كلها ما زالت مستمرة واحداثها تتجدد يوم بعد يوم، يبدوا أن العراقيين قدرهم أن يعيشوا في ظل ازمات متتالية، وهذا الامر لا ينبع من عوامل خارجية فقط بل ينبع من عوامل داخلية اجتماعية راسخة، العراقيين يؤلون اهمية كبيرة للتاريخ وهذا عيب كبير، الشعوب الاخرى التي نمت وتطورت جعلت التاريخ خلف اظهرها ولم توليه ذلك الاهتمام الكبير أو الجهد الكبير.
العراقيون فقط هم من يبذلون الاموال والافكار وكل الامكانيات من اجل احياء تاريخ سيء، نحن بحاجة إلى أن نضع التاريخ وراءنا، وأن نولي حاضرنا ومستقبلنا اهمية كبرى، ويجب أن نركز في دراستنا وفي ابحاثنا وفي مشاريعنا الفكرية على المستقبل، للأسف الشديد ما زال العراقيون إلى الان مرهونين بالتاريخ، ولم يستطيعوا فك اسرهم وأن يتحرروا من قيد التاريخ، الذي هو في حقيقته تاريخ سيء وغير منتج وهدام في احداثه المتكررة".
الوهم الطائفي والقومي
- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، يؤكد على أن "العراق ليس الدولة الوحيدة التي تعرضت للاحتلال، بل هناك دول عديدة نالت استقلالها في وقت قريب واستطاعت ان تنجز بناء الدولة ومؤسسات الدولة بوقت قياسي وأن تحقق الكثير من الانجازات، بالتالي فان المعوق الاساسي الذي يوجه الشعب العراقي هو الوهم الطائفي والقومي، فالشعب العراقي على طول الخط هو الصفوف الاولى للاصطفافات القومية والطائفية، فنحن على سبيل المثال عندما كنا في ايام الصبا والشباب كنا ندافع وبشراسة عن الاحزاب والحركات الاسلامية، لكننا اكتشفنا بعد فوات الاوان بان الحركات الاسلامية عندما لامست كرسي السلطة ظهرت على حقيقتها، فالسؤال هنا هل ما كان يطرح في السابق هو الحقيقة ام الان عند وصلهم للسلطة؟، الجواب الحقيقة هي عند وصولهم للسلطة، فكل ما كان سابقا هو عبارة عن خداع وكذب وزيف وادعاء باطل بغية الوصول للسلطة، والامر ايضا ينسحب على الجماعات الاخرى التي نادت بالوطنية والقومية، الشعب العراقي تغلب عليه العاطفة ويعيش عقد وذكريات التاريخ".
نحتاج للكثير من الصبر والمطاولة
- علي حسين عبيد، كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، يجد أن "حالة الاحتلالات المتكررة التي عاشها المجتمع العراقي خلقت في داخل المجتمع العراقي تشوهات كبيرة، بالتالي فان عملية تغيير العراق تحتاج للكثير من الصبر والمطاولة خاصة من قبل المفكرين والنخب".
الاستفادة من تجارب الماضي
- حيدر الاجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يدعو إلى "الاستفادة من تجارب الماضي، فالمجتمع العراقي ما قبل (2003) كان يعاني من ثقافة العداء للدولة والخوف من المستقبل، خلال عقود من الدكتاتورية، ولكن ما بعد التغيير السياسي في العراق تحول هذا المجتمع من حالة العداء للدولة إلى مجتمع يعيش الثقافة المدنية ويطالب بالالتزام بالقانون، فهذا الامر في غاية الصعوبة وهو لا ينسجم مع طبيعة المجتمع العراقي الذي عانى الامرين بسبب التخندقات المذهبية والقومية التاريخية التي رسمها المشهد السياسي في العراق".
تفكك وانحلال اجتماعي
- حامد الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يرى أن "المسالة داخلية اكثر من كونها خارجية، لذا فان الدولة تتكون من مجتمع ومن حكم سياسي، فالحكم السياسي هو دائما مؤشر على ما يحدث في المجتمع، فكلما يكون اداء المجتمع منسجما ومتفاهما ينعكس على النظام السياسي، بالإضافة إلى ذلك فعندما يكون هناك تفتت وتشظي واختلافات سياسية يدل على وجود تفكك اجتماعي وانحلال، هذه العوامل اساس منشئها تاريخي، والمسالة تتعلق بعدم وجود الحرية والايمان بامتلاك الحقيقة المطلقة، أي انني وحدي من امتلك الحقيقة المطلقة، بالتالي بدأ الخلاف من التاريخ والمجتمع ثم تنعكس على النظام السياسي، لذا لابد من اعادة النظر في مسالة امتلاك الحقيقة المطلقة وايجاد الحرية لبناء مشروع الدولة".
ثقافة الاستحواذ على السلطة
- عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يعتقد أن "قرار اقامة الدولة ومنذ تأسيس الدولة العراقية لم يكون حاضرا على طول الخط، بل الجميع كان يسعى لإقامة سلطة من اجل السلطة ويعتبرها مغنمه، فتحولت هذه المغنمة من القومية إلى الطائفية إلى الحزبية وإلى العائلية، بالنتيجة التاريخ كان افرازاته على الدولة العراقية واضحة جدا، علما ان فكرة اقامة الدولة هي تعني تبادل سلمي للسلطة.
الفكر السياسي يحاول ضرب فكر الدولة، بالنتيجة يعتبر هذا مكتسب لا يمكن اعطاه للآخرين، لذا لابد من تجييش الجيوش على اساس ان هناك انقلاب على العملية السياسية، والامر كذلك ينسحب على المكونات السني الذي يعتبر نفسه هو صاحب الحق وهو الامتداد الحقيقي للحكم، وحتى الاخوة الكرد ينطلقون من قاعدة ذهبية فان دولة قوية في العراق يعني انهاء حلمهم في اقامة دولة كردية، لذلك لحد الان لا يوجد قرار ببناء دولة عراقية حقيقية، فالكل يستخدم التاريخ ويستخدم الاحداث التاريخية ويستخدمون القضية المذهبية والعنصرية من اجل الاستحواذ على السلطة والحصول على مغانم شخصية وحزبية.
بالنتيجة هذه اللعبة السياسية التي استند اليها البعض قد يقع بها في قادم الايام، لذلك عندما يكون هناك قرار لبناء الدولة العراقية ليس بالأمر الصعب والمستحيل".
السؤال الثاني: كيف يمكن تسخير التاريخ إيجابيا في هذا المجال؟
- الدكتور حسين السرحان، يعتقد أن الوضع العراقي بحاجة لقراءة موضوعية لحاضرنا كمجتمع وكمؤسسات في إطار بناء الدولة، لذا لابد أن يكون الخطاب الديني والفهم الديني للدولة أن يذهب باتجاه بناء دولة المواطنة ودولة قائمة على نفاذ القانون، وعلى المساواة بين الافراد.
بالتالي لا نستغرب من السلوكيات السياسية التي تمارسها الاحزاب الحالية، هذه الاحزاب لا ترتضي قيام دولة المواطنة القائمة على المساواة بين الافراد، فلا يمكن بناء دولة المواطنة اذا لم تتوفر الحرية الكاملة.
- الشيخ مرتضى معاش، يستفسر عن تجربة هتلر لماذا لم يقرأ التاريخ حينما غزا روسيا، علما إن نابليون قد سبقه في محاولة غزو روسيا وفشل، لذلك هؤلاء الذين يحكمون العراق الان اعادوا التجربة الصدامية من جديد، بالتالي الذاكرة السمكية هي التي غيبت عنهم وعن هتلر مآسي التجارب السابقة، مشكلة عدم الثقة بالدولة هي ازمة متجذرة في وجدان الفرد العراقي كون الدولة كانت دائما استبدادية وعنيفة، فعلى هذا الاساس نجد المكون الكردي غير مطمئن للدولة العراقية التي غاب عنها فكرة المواطنة، فالمكون الكردي ليست لديه مشكلة مع دولة المواطنة بل مع الدولة الاستبدادية.
كما ان غياب الحالة الوسطية أو الاقصاء والاقصاء المضاد، بمعنى أن العلماني يحاول أن يقصي الاسلامي، والاسلامي كذلك يحاول أن يقصي العلماني، لذا نحن نحتاج إلى انتاج قيم جديدة لبناء دولة مضادة، فالدولة في السابق كانت تقوم على العنف وعلى الاستبداد، لذلك نحتاج إلى دولة قائمة على الحرية وعلى التعددية والشورى وعلى اللاعنف، اخيرا أن التاريخ لابد أن يكون عبرة وليس محطة للتفاخر والافتخار، وهذا ما ذهب اليه الامام عليه السلام في احدى روائعه.
- الدكتور قحطان الحسيني، يرى أن دراسة التاريخ بحد ذاتها هي مهمة جدا، والسبب لان دراسة التاريخ تعطي فكرة ملخصة عن الاحداث، وكذلك نحدد ونشخص السلبيات لتلافيها وعدم تكرارها، ونحدد الايجابيات للاستفادة منها في الحاضر والمستقبل، والعراقيون في طبيعتهم منتجين للأفكار وللقيم وللنظريات العلمية والثقافية والاجتماعية، لكن للاسف هذه النظريات وهذه الافكار بقيت حبيسة الكتب، ولهذا نجد التاريخ العراقي والعربي هو تاريخ سيء في مستوى السلوك ومستوى التطبيق، لأننا في الواقع لم نفرز تجربة على الصعيد السياسي وعلى الصعيد الاجتماعي تجربة غنية يعتد بها وتصبح منارا للشعوب الاخرى، فكل ما انتجناه من سلوكيات هي سلوكيات سيئة فمثلا نجد الشعب العراقي يتفاخر بالتظاهر على نظام ديمقراطي، بالمقابل هو اسس لنظام عسكري، ايضا اسس ومهد لانقلابات متتالية، واصبح الاستقرار السياسي في مهب الريح والتداول السلمي للسلطة في مهب الريح، وانتج ما انتج وصولا لحزب البعث والاستعانة بقوات اجنبية للإطاحة بهذا الحكم الدكتاتوري.
عندما نتعرف على التاريخ يجب أن نشخص السلبيات حتى نتلافاها، ونشخص الايجابيات لنستفيد منها، ونكرر دائما اننا شعب ذو تاريخ مجيد، لكننا لم نستفيد من احداث التاريخ كي نوظفها للحاضر، الملاحظة الاخيرة كاتب امريكي ذكر حقيقة مفادها ان اهم اسباب عدم قيام دولة حديثة في العراق كون المكونات الثلاثة التي يتمثل بها الشعب العراقي، (كل مكون هو دولة بحد ذاته وبالتالي اخطأ البريطانيون عندما دمجوا تلك المكونات في دولة واحدة)، الامر الاخر ان الشعب العراقي ينظر للسلطة على انها عدو، لذلك فان عدم الثقة هو السبب الاساسي لفشل كل مشاريع قيام الدولة في العراق.
- الدكتور خالد العرداوي، يتساءل "متى كان العراق دولة؟، فالتكوين القانوني للدولة هو اشبه ما يكون بالنص القانوني الخالي من الروح، الدول لا تبنى الا على اساس الشعور بهويتها كدولة، وهذا الشعور هو الذي يشد مواطني هذه الدولة بعضهم للبعض الاخر.
اليوم احلامنا ليست احلام عراقية، بل هي احلام البادية واحلام قريش، نحن ننظر لأنفسنا كعرب قبل ان ننظر لأنفسنا كعراقيين، وننظر لأنفسنا كشيعة أو كسنة قبل ان ننظر لأنفسنا كعراقيين، ونشعر اننا امتداد لأخر خارج الحدود اكثر ما نشعر اننا انبثاق لأرض ما بين النهرين، المواطن العراقي والانسان العراقي لا يشعر بانتمائه الحقيقي لهذه التربة لذلك هو يستسهل الهجرة اليوم، ويستسهل التخلي عن الهوية العراقية لمصلحة الهوية الطائفية، ونستسهل التخلي عن هويتنا العراقية لمصلحة الهوية العشائرية والقبلية، وحتى فكرة أن بغداد عاصمة الخلافة الاسلامية هي فكرة من خارج الحدود.
حتى الهجرات التي جاءت لبلاد ما بين النهرين استغرقت وقتا طويلا حتى تندمج مع الحضارة القائمة ولم تكن هجرات غازية، لكننا نحن العرب نظرنا لأنفسنا على اننا غزاة للهيمنة على بلاد ما بين النهرين للاستيلاء على ثروتها، اما اليوم فنحن نعيش (الحماقة الثقافية) ولم نقيم علاقة جيدة مع التاريخ ومع الارض التي نعيش عليها.
- علي حسين عبيد، يرى أن المثقف العراقي عليه واجب تقديم المشاريع الثقافية خدمة للإنسان العراقي والعربي والاسلامي، وذلك لان هذا المسار يشكل حالة تصحيحية لكل المسارات المعوجة والمنحرفة.
- الحقوقي احمد جويد، يصف الشعب العراقي والمجتمع العراقي على انه جوهر المشكلة والسبب، لان الفرد العراقي يجد نفسه ملما في كل مناحي الحياة وهذه اشكالية بحد ذاتها، واقرب مثال على ذلك حال المتظاهرين الان فليست لديها شخصية محددة وحينما تطرح القوى السياسية شخصية كشخصية رئيس الوزراء الحالي علاوي يتم رفضه جملة وتفصيلا ومن دون أي يعطى فرصة، بالتالي على الجميع ان يمارسه دوره المناط به من دون أن يتدخل في التخصصات الاخرى، والا سيبقى الحال على ما هو عليه ولن تبنى دولة في العراق.
- حيدر الاجودي، يدعو للعمل على الوعي المجتمعي لإفشال مخططات الحكام وإبعاد الفاسدين عن الحكم والقضاء عليهم من دون اسقاط هيبة الدولة والمحافظة على النظام العام، لان النضال من اجل تعميق الديمقراطية وبناء الانسان العراقي يحتاج إلى طريق طويل، وهذا لا يأتي الا من خلال احترام القانون والنظام العام.
- عدنان الصالحي، يرى أن قرار الدولة لا يبنى بقرار افراد، بل بقرار شعوب، بالتالي الشعب اذا اراد ان يبني دولة يبنى دولة، لكن الان لو تم طرح استفتاء حول بناء الدولة قسم من الشعب العراقي لا يقبل بهذا الخيار، لعله لان بعض الشخصيات السياسية والاجتماعية والعشائرية والدينية لديها امتيازات عالية وترصد لها الاموال ولديهم مؤسسات تابعة لهم فكيف يتم التفريط بهذا المنجز الشخصي، لذلك القرار ليس قرار افراد بل الشعب لا يريد أن يبنى دولة، وكذلك يريد الحاكم أن يكون من فئة معينة، وأن الانتقال السلمي للسلطة بين جميع مكونات المشهد العراقي هو غبن له ولحقوقه التاريخية ولحقوق الاغلبية، فالاستفادة من تجارب الماضي هو نهج قوي وهو عكس فكرة نقل الماضي بكل حيثياته وتفاصيله المأساوية، فاليوم الصراع على السلطة هو صراع تاريخي.
الجواب على المداخلات
وأجاب مدير الجلسة الدكتور المفرجي على جميع الاستفسارات التي طرحها الحضور وبشكل تفصيلي خاصة فيما يتعلق بضرورة فهم التاريخ والاخذ بجوانبه المشرقة، اما بخصوص الصراع القائم اليوم هو صراع على السلطة، كذلك فان جزئية الرفض الحضاري للمستعمر يأتي بسبب المصالح الضيقة التي ينطلق منها المستعمر وهي لا تخدم الشعوب والحكومات المحتلة، كذلك فان المستعمر يضرب البنى الاجتماعية للمجتمع ويضرب المكونات الاجتماعية، بالإضافة إلى ما تقدم فان الاحتلال شجع الصنمية بشكل مباشر أو غير مباشر.
ايضا من الضرورة أن نتخلص من اوهام المجتمع كي تبني الدولة، كذلك نحن بحاجة لمنتديات ولمؤتمرات ولأفكار المثقفين وافكار النخب ومقالات كي نتخلص من تلك الامراض شيئا فشيئا.
الامر الاخر ان الشعب العراقي إلى الان يعاني من الاحتلال وبأشكال مختلفة، ايضا الاحتلال لا شك ولا ريب يمارس ثقافة التجهيل والتهميش، وهذا امر واقع تم رصده اثناء الاحتلال البريطاني للعراق في عشرينيات القرن الماضي واليوم اثناء الاحتلال الامريكي للعراق.
اخيرا تم طرح مجموعة حلول وتوصيات منها:
اولا: تعزيز الرابطة الدينية.
ثانيا: تنمية الثقافة السياسية العقائدية للتراث الشيعي.
ثالثا: تعزيز الثقافة السياسية عن طريق قراءة المؤلفات في الفكر السياسي.
رابعا: الوصول بالشعب العراقي إلى مرحلة من الوعي والنضج وبالتالي معرفة اتجاهاته ومكوناته وارادته والنظام السياسي المناسب له.
خامسا: نزول فئة النخب إلى المجتمع العراقي وتنمية روح المواطنة وتعزيز القيم الوطنية.
سادسا: الحد من التدخل الخارجي الذي يرى أن مصلحته فوق مصلحة العراق.
سابعا: الابتعاد عن سياسة المحاور والتفكير بالعراق قبل كل شيء من اجل بناء العراق.
وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة الدكتور عدي المفرجي، بالشكر الجزيل والإمتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع، وتقدم بالشكر أيضا إلى وسائل الإعلام التي شاركت بتصوير الملتقى الفكري الأسبوعي.
* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2020Ⓒ
اضف تعليق