q

 أصدر ملتقى النبأ للحوار تقريره الاسبوعي بتاريخ 2/5/2016، بعنوان (الدولة العميقة صفاتها ملامحها) تناول من خلاله مجموعة من المشاركين العوامل والتداعيات لنظام المحاصصة على العملية السياسية وعلى مستقبل البلاد والتي كانت تغذي الصراعات بين القوى التي تريد الإصلاحات وبين المجاميع التي تسعى للوقوف أمام المشروع الإصلاحي.

وشارك في الملتقى مجموعة من المثقفين والنخب في العراق من بينهم ( د. عبد الأمير الفيصل، د. محمد القريشي، د. أحمد الميالي، د. امير الكلابي، د. سامي شاتي، أ. باسم الحسناوي، الشيخ ناصر الأسدي، د. حمد جاسم، الشيخ مرتضى معاش، د. علي السعدي، أ. سعيد ياسين، أ. علي الطالقاني)

وملتقى النبأ للحوار هو مجتمع يسعى إلى تحفيز المناقشات بهدف توليد الأفكار من أجل دعم المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وإسداء النصح لها من خلال تقارير دورية.

د. عبد الأمير الفيصل:

قد يدور في ذهن البعض ان الدولة العميقة لم تجد لها موطئ قدم في العراق باعتبار ان النظام الجديد في العراق بعد التغيير لم يرسخ مفهوم الدولة العميقة وقد يعتقد البعض ان دولة الظل هي الاقرب للمفهوم الموجود ولكن ما يحدث في العراق من مجريات سياسية غير طبيعية بل ومتناقضة تعكس وجود اخطبوط غير مرئي يقود الاحداث وبوجهها وفق تسلسل زمني يتحكم به اصحاب القرار في الدولة العميقة ولذلك تفاجئ الجمهور من قرارات وبيانات لا تعكس اراداتهم ولذلك ينقادون في كل أسبوع لأحداث لم تخطر على بالهم وما جرى في البرلمان وما سبقه من احداث كتقديم الحكومة الجديدة ثم تسويفها خير دليل.

واذا كان البعض وانا منهم يعتقد ان امريكا بعيدة عن الاحداث فهذا وهم سياسي فهي تراقب وتدير وتدبر وتحاول ان تحافظ على استمرار الفوضى السياسية ولذلك فقد نفاجئ بقرارات لسياسيين لم تخطر على بال المحللين والجمهور وقد تختلط اوراق وارادات الدولة العميقة بما يفشل العملية السياسية ليظهر لنا البعض حلوله بالتقسيم والتفتيت.

د. محمد القريشي:

الصروح الديمقراطية التي حصلنا عليها كالبرلمان منجزات لا يجب التفريط بها "بالتقسيم الضار" فكم تنهك امّم وتبذل الخسارات كي تصل إليها، على الإخوة النواب المعتصمين مسك البرلمان كمكتسب أولي وتعزيزه بالتحول نحو المعارضة القوية الحكيمة وبناء مشروع منافس لما موجود تأمينا "لتداولية" مرنة تفرز منجزات بدلا من الصراع الحالي الذي يقضم الهياكل ويعيدنا الى صراعات ما قبل الدولة ولندع السيد العبادي ماضيا في مسيرة التكنوقراط ونراقب ونقوم الأداء لان جوهر الإصلاح يبدأ من معالجة القضايا الاساسية كالفساد والترهل الاداري وضعف الاقتصاد وتراجع الصناعة والزراعة وغيرها.. وهي مفاصل جسد دولة مريضة بحاجة الى (جراحين) كي يقوى الجسد ويلفظ دماءه الفاسدة وتنتعش عروقه بدماء جديدة ليعيش كدولة طبيعية ويسعد مواطنيه!، لكن سؤالي كيف أن ندعم نواب يعتصمون يتبعون كتل سياسية لم تحقق متطلبات الشعب فكيف دعم المشروع الإصلاحي.

من الصعب الحديث عن دولة عميقة في العراق لان مفهوم الدولة العميقة يتعلق بتغلغل شبكة المصالح بشكل متجانس عبر اجهزة الدولة ومؤسساتها وبنمط سري قد يكون جزء منه ظاهري!، في العراق لا توجد دولة بمعناها الحقيقي على السطح حتى توجد دولة في العمق. اي اننا لم ننجح اولا ببناء دولة بأجهزة ومؤسسات كي تأخذ وقتها بنسج شبكة مصالحها والنفوذ الى عمق الدولة! المجاميع الناشطة في الفساد تعمل على سطح (الدولة التي تتشكل وتتراجع) وبشكل مكشوف وهي داخل كيان الدولة الهلامية وخارجها!.

أين السلطة القضائية في العراق؟! يرد بين الفينة والأخرى في الحراك الفكري الجارية مفهوم (هيبة الدولة) وذلك للإشارة إلى ضعف الدولة أو قوة العناصر المؤثرة في صنع الحدث السياسي حولها وداخلها. وغالبا ما يرتبط هذا المفهوم في ادبيات الشرق الأوسط في هيمنة الدولة وخوف المواطن منها كإشارة خفية الى قوة النظام وجبروته.

ومن يتمعن في مفهوم هيبة الدولة عليه ان يفكك العلاقة بين الدولة ككيان مهمته ادارة الشأن العام وتحقيق العدالة في الفرص والثروات وتأمين السلام الاجتماعي من جهة والنظام السياسي الذي يحقق تنفيذ مهمات الدولة بشكل متوازن ويوظف (عامل ألزمن لصالح المواطن) من خلال تراكم المنجزات، ومن يراقب مسيرة الجمهورية الاسلامية على سبيل المثال ، بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام ١٩٨٨ او مسيرة دولة رواندا بعد انتهاء الحرب الأهلية عام ١٩٩٣ مقارنة بمسيرة الدولة العراقية بعد سقوط نظام صدام عام ٢٠٠٣ يلمس التباين في توظيفات (عامل الوقت) بين هذه التجارب، حيث حققت إيران طفراتها المعروفة لتكرس الى حد ما هيبة دولتها وقفزت رواندا على جروحها وأحسنت تنفيذ عدالتها الاجتماعية وتحديث مفاصلها وحصلت على معدل نمو ( ٨٪) تنمية تنافس به الدول الكبيرة لتخلق دولة (مهابة) جوهر مهابتها سيادة القانون وما حققته من عدالة وتنمية وقبول شعبي عام.

ومن هنا يرتبط مفهوم (هيبة الدولة) في الأديبات الغربية بـ (سيادة القانون) التي تعني مرادفة هذا المفهوم (الهيبة) مع قدرة الدولة على جعل القانون عنصر عدل وسعادة وأسلوب لتنظيم الحياة وتحقيق مؤشرات تنمية متصاعدة.

واستنادا إلى ذلك، لم تكن الدولة العراقية (مهابة) خلال حكم صدام حسين لضعف هيبة مواطنيها وغياب القانون الذي وصل درجة الاذلال من خلال تعبير الحاكم ( القانون جرة قلم عندي!) تلاشت هيبة الدولة إذن لعدم وجود تنمية وغياب المؤسسات التي ترتكز عليها الدولة في تنظيم الشأن العام ، وفي السياق ذاته، فان الحديث عن هيبة الدولة بعد عام ٢٠٠٣ يحب ان يكون مشفوعا بالمؤشرات السلبية التي ميزت اداء النظام السياسي الحاكم لحد الان : فدولة يبذر النظام الحاكم فيها الثروات المتراكمة نتيجة أسعار النفط العالية على الفساد والفشل ويبني جيشا فضائيا ينحني امام عصابة ارهابية ويخسر ثلث الارض ويستند على قضاء مسيس يقدم الباطل على الحق وتتوزع ولاءات رجالاته بين الدول القريبة والبعيدة لا يمكن ان تكون دولة مهابة ولا يصح لنخبها السياسية الحديث عن الهيبة. الدولة الحقيقية التي تمتلك المؤسسات وتعمل بالخطط والمؤشرات وتحتكر العنف وتحسن ادارة التنوعات وينفر مواطنوها خفافا وثقالا لتحقيق المنجزات لا توجد في العراق اصلا حتى توجد لها (هيبة(.

الدولة العراقية الحالية فلك (ذليل) يدور حول نفسه ككيان هلامي وتدور داخله وحوله افلاك بهيئة مجاميع متنوعة تتنازع سحب الثروات العامة وتمتلك الكيانات الراسخة والعلاقات الواسعة وتتقاسم أو تتنافس بينها احتكار العنف. الحديث عن الدولة العميقة نوع من الترف الفكري او الزهو... الدولة العميقة تنمو تحت الدولة الأصلية التي تمتلك مؤسسات قوية كما كان الحال في مصر وتركيا وإيطاليا ويسيطر على مؤسساتها مجموعة من الشخصيات التي تؤلف بينهم شبكة مصالح سرية . الحال في العراق مختلف لان الدولة هلامية الشكل وغير مكتملة والقوى المهيمنة عليها ليست من الداخل (مؤسسات) بل على محيطها (احزاب - شخصيات - رموز)... وقد كتبت في مقالتي السابقة عن هيبة الدولة (بسبب عدم اكتمال شروط الوجود) ولم اكتب عن الدولة العميقة لعدم الوجود أصلا .

وهناك حديث يدور عن شكل من أشكال الدولة العميقة في مصر حيث انها لم تسقط مرسي وتأتي بالسيسي بل المجتمع المدني النشط والتيارات الرافضة للإسلام السياسي ونتذكر جميعا كيف تكاتفت طاقات الإعلام المصري الحر مع شرائح المثقفين وغيرهم والتفت حول المؤسسة العسكرية باعتبارها ركن صلب من أركان الدولة المصرية. نفس المشهد تكرر في تونس ولكن بشكل آخر. تونس التي تمتلك مستوى تعليم عالي وطبقة متوسطة واسعة وتيار مدني ونقابات وغيرها بمستويات عالية النشاط. وقفوا جميعا أمام (التغول التدريجي) لحزب النهضة وقطعوا الطريق عليه حتى قُضي الأمر عندهم.

كلمني احد السياسيين الناشطين من الشريحة المدنية التونسية عن احد قصص قطع الطريق أمام حزب النهضة حين تهيأ الأخير لإعداد مشروع قانون (الخدمة الجهادية) لمكافأة (المجاهدين الإسلاميين) على سنوات عملهم السياسي، مكافأة بالمناصب والرواتب... حيث قاوم التيار المدني هذا المشروع بحجة (أنكم جاهدتم في سبيل الله وليس في سبيل الامتيازات الدنيوية) وهو ذات المنطق الذي تمسك به أمير المؤمنين علي عليه السلام حول تقسيم العطاء وجوهره (الناس في العطاء عندي سواسية ، أما من جاهد في الثغور أو من هاجر فأجره عند الله)! وأكرر بان الحديث عن دولة عميقة بعيد عن واقع حال العراق ، فهناك ( كيان دولة ) تتنازع حولها كيانات لها عناصر قوة الدولة الحقيقية ( ثروات / إعلام / قوة عسكرية (ميليشيات )/ علاقات مع دول / أتباع يغلبون مصلحة الكيان على الدولة) مصر وتونس وتركيا وإسرائيل وتركيا وغيرها دول لها مؤسسات قوية وتتمكن أحيانا شخصيات من مسك تلك المؤسسات وتسخيرها لمصالحها وتنشأ نتيجة لدلك دولة أصلية ظاهرة على السطح ودولة عميقة ويحدث بينهما تنافس حول السيادة وغالبا من تنتصر الدولة الأم على العميقة لان الدولة الأم لها علاقات مع المحيط الدولي ( دول ومنظمات وغيرها ) وهي تتضافر مع الدولة الأم لتمكينها من التغلب على الدولة العميقة ( إيطاليا أنموذجا) لان مصلحة المجتمع الدولي مع الشرعية. لا نظلم العراق إذن بهذه المصطلحات المرعبة على كيانه ( المرعب، المرتعش، المقطع، الأسير) ولندع العراق يعيش ظلمه بهدوء بعيدا عن تشبيهه بالدول (المحظوظة(.

د. أحمد الميالي:

الدولة العميقة من يقترب من صناع القرار ويعرف كيف يسهلون امورهم ويعتمدون على بيروقراطيه الدولة البعثية السابقة في تعقيد مطالب الناس والاستخفاف بها والالتزام بكل قوانين المرحلة السابقة يدرك ان العراق لم يغادر مفهوم هذه الدولة و البعثيون ومن يفكر تفكيرهم كساستنا الآن من الناحية الإدارية والقانونية يعلم اننا لازلنا أسرى هذه الدولة الدولة العميقة في العراق حاليا متمثلة بالأحزاب السياسية في كل انحاء العراق. بحيث لا تسمح باي صعود لأي حزب او تكتل جديد وتستخدم وسائل مختلفة يمكنها من سحب الشارع الى جانبها لهذا اعتقد الاصلاح لا يمكن ان ينجح الا بإزاحة هذه الدولة العميقة وانهاءها من خلال نهج (حدك للباب) لن يسمحوا للمواطن والنخب مهما كانوا مهنيين ومستقلين وكفاءات ان يدخلوا الباب هناك فرق بين السياسة وعلم السياسة ولهذا في الحوارات السياسية لابد ان نحدد اما ننشغل بالتنظير وهو موجود بالكتب والدراسات فلا حاجة لأخذ وقتنا فيه اما الفعل السياسي فهو الواقع الذي نعيشه يفرض علينا التركيز عليه بعيدا عن التنظير مع احتياجنا بعض الحلول من علم النظرية مما يمكن انجازه وتطبيقه فلا باس هذه وجهة نظري فيما يخص الدولة العميقة في العراق فهي واقعا قائمه بالممارسة اما اذا لم تكن قائمه بالأسس والمفاهيم والاصطلاحات فهذا يعني انها تختبئ تحت عباءة هذه الاسس الدولة العميقة تمثل السلطة فيها بوصفها غنيمة، وهو ما يجعل المجموعات المتحالفة، سواء كانت مالية أو عائلية أو سياسية، بمثابة اقطاعيات متنفذة. كما ينطبق الأمر على (الثقافة المجتمعية) السائدة في الأوساط الفقيرة والمتوسطة، التي لا تتردد هي أيضا في ممارسة الفساد، عبر الرشى الصغيرة والكبيرة، للحصول على منافع أو لتحقيق رغبات ومنافع، اهم خصائص الدولة العميقة تتمثل بغياب النجاعة والتباطؤ المتعمد في حلحلة الملفات وغياب الشفافية، والعلاقات الشخصية والمحسوبية. الازمة السياسية الاخيرة تقودنا إلى خلاصة قاتمة مفادها أن تحرير الموصل لن يحدث في 2016. وبالتالي، فإن داعش سيبقى موجوداً حتى بعد رحيل العبادي/ الطبقة السياسية الحالية ساعدت أخطاؤها على تقوية الارهاب وداعميه. ولاشك أن ذلك سيمثل الجزء الأقبح من تركة الكتل السياسية. الشعارات المنادية بمقاومة الفساد وضرب المحاصصة تمثل خطوات (محتشِمة) للمطالبين بها. فهولاء يريدون تطبيق الإصلاحات لكنهم يراعون خطوطاً حمراء موضوعة من قبل "الدولة العميقة" بمفهومها السياسي الذي تمثله الكتل السياسية، ولا تتمكن من تجاوزها.. الفساد في العراق ظاهرة كلية، وهو في الأصل أحد أدوات الحكم والتحكم الذي يحدد العلاقات بين الكتل السياسية. وكيف نتخلص من هذه الدولة العميقة برأيكم دكتور حيث أصبحت عائق كبير وهل فعلا تعتبر كذلك. فان نصف ساسة العراق هم رجال أعمال خاضوا غمار السياسة، ليس بفضل شعبيتهم وبرامجهم الانتخابية، بل بفضل تأثيرهم المالي على الأحزاب التي ترشحوا في قوائمها، الأمر الذي يعني أن الديموقراطية بمعناها الانتخابي لا تمنع الفساد بل من العكس من ذلك، فالفساد صار يستفيد من الديموقراطية في العراق ولهذا اتفق أن ساستنا أصبحوا عبئا على الديمقراطية.

د. امير الكلابي:

باعتقادي ان الكتل السياسية قد اوغلت في الفساد واثرت على حساب الوطن والمواطن ولن تتراجع او تتخذ اي خطوة نحو الاصلاح فما يجري اصبح استحقاقا دستوريا عندهم ولا يمكن التنازل عنه او العودة الى الوراء. اصلاح القضاء بدعم شخصية نزيهة مدعومة من الشعب والمرجعية الرشيدة وتفعيل القانون بمحاسبة المفسدين هي الخطوة الاولى نحو الاصلاح . فبمعاقبة فاسد واحد سيتهاوى البعض ويهرب البعض الاخر . كما اؤيد تفعيل الحراك الاكاديمي النزيه وتوعية الجميع للضغط بقوة وبكل الاتجاهات لإحداث التغيير والاصلاح المنشود. خلال التظاهرات الاخيرة للنخب الاكاديمية التي خرجت اعتراضا على تطبيق سلم الرواتب الجديد للموظفين، شكلت وفود من الجامعات والتقينا برئيس الوزراء وشرحنا له الاوضاع. وقال الرجل بانني قد استلمت ميزانية خاوية واخوض حربا ضروس تكلفني المليارات شهريا. وبعد ان اوضحنا له ان هذا لم يكن تقصير الشعب بل سياسات الحكومة الفاشلة قدمنا له خططا بديلة تسهم في إنقاذ ما يمكن إنقاذه خلال هذه الفترة الحرجة. ومن هذه المقترحات: 1- الاعتماد على المنتوج الوطني ودعمه فمنتوج معامل السكر في الحلة والعمارة يتعرض للكساد وانتم تستوردون السكر من الخارج بإضعاف قيمته ونحن نعلم لماذا. 2- اعادة بناء التصنيع العسكري فمن غير المعقول ان نستورد الرصاص وقنابر الهاون والمعدات العسكرية البسيطة بأسعار خيالية في حين اننا قد قطعنا شوطا طويلا في صناعة هذه المواد. 3- فرض ضرائب على السلع الاجنبية لحماية المنتوج الوطني. وكثير من الأمور التي لا يتسع لها الوقت لذكرها الا انني سأذكر احدى مداخلات وفدنا التي ترتبط بمحور النقاش وهي: 4- ان اردتم حلولا جذرية يا دولة رئيس الوزراء فعليك بتقليص اعضاء البرلمان الى 100 نائب فقط او انطلقت بعض المنظمات بإطلاق حملات لدعم المنتوج الوطني لكن هذه الحملات كانت مؤقتة.. أمام موضوعة الفساد فالجميع يتحدث بضرورة معالجته لكن دون جدوى فمع شديد الأسف أصبحت حمى تعاطي الرشى تحولت الى ظاهرة حتى مع حصول الموظف على رواتب عالية وابتدئ الفساد من أعلى السلطات لتنتقل هذه الحمى إلى جميع مؤسسات الدولة دون التصدي لها شعبيا مع العلم أن الفساد يظهر بالمواطن قبل غيره لكن مع هذا لم نرى الشعب العراقي تسلح بالثقافة والتصدي لذلك ما لم تتبلور النية الحقيقية في الاصلاح من قبل الدولة بتبني خطط علمية مدروسة من قبل خبراء اكاديميين وطنيين وتطبيقها على ارض الواقع لن يحصل اي تغيير وعلى جميع الاصعدة. نحتاج الى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. نحتاج الى ذوي الخبرة والاختصاص. نحتاج الى تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والفئوية الضيقة. فاذا استمر النهج على هذا المنوال سيحصل مالا يحمد عقباه ولنا في التاريخ عبر فهو مختبر لكل الهفوات عبر العصور وما سقوط صدام ومعمر وحسني وببعيد. والفيلسوف هيجل يقول: تعلمت من التاريخ ان لا احد يتعلم من التاريخ.

د. سامي شاتي:

الدولة غير واضحة المعالم في العراق وهي في طور التشكل وبالتالي فان مصطلح الدولة العميقة قد يكون غير متحقق حاليا وان كان ممارسات اغلب الاحزاب السياسية الحاكمة تمارس نفس الاليات التي تستخدم لدى جماعات الدولة العميقة بل ذهبوا بعيدا في محاولة انشاء المؤسسات الموازية ومنها فكرة المجلس الاستشاري السياسي وقبلها مجلس الحكم والمراد الحفاظ على مصالح الكيانات التي تعتقد انها وصية على العملية السياسية الحل يكمن في تفعيل عمل مجموعات الضغط المجتمعي لتفعيل المؤسسات الدستورية ومنها مجلس النواب. من التوصيات المهمة أول تفعيل الرقابة الشعبية وتعظيم سلطة الرأي العام في متابعة وتقييم أداء مؤسسات الدولة ثانيا إعادة النظر بالأجهزة الرقابية في الدولة العراقية وتفعيل دور الادعاء العام ثالثا مكافحة غسيل وتهريب الأموال وتنظيم القطاع المصرفي ومراقبة حسابات الأحزاب والجهات المتنفذة في الدولة .

أ‌. باسم الحسناوي:

ساسة العراق لم يكونوا يوما ما رجال أعمال، رجل الأعمال عبارة عن عقل يفهم دقائق مهنته ولا يخرج منها وهو في تخطيط دائم ومسبق لتطويرها. اما ساسة العراق استفادوا من الصدفة التي جعلت منهم هكذا فضلا عن عزفهم على الوتر الطائفي والقومي كلا حسب طائفته وقوميته. أما الحديث عن ديمقراطية في العراق فهو حديث لم يكن صائب بامتياز وما طبق في العراق هو في ظاهرة ديمقراطية وفي داخلة كان عكس ذلك.

اعتقد إن جملة المشاكل الإدارية في العراق فيما يخص جوانب الاقتصاد والسياسية والايدولوجيا والتأريخ والجغرافية وغيرها والتي تحجم عمل وفاعلية دولة المؤسسات اليوم لا يمكن ان نطلق عليها مصطلح الدولة العميقة بالمعنى التحليلي البحثي لان مصطلح الدولة يعني الكثير من الامور المكانية والجغرافية والبشرية وغيرها ولان هذا المصطلح الذي يقصد منه يستخدم في الجانب الإعلامي التسويقي الذي يستخدمه بعض الصحفيين كعناوين لمقالاتهم. ان البحث في مصطلح ومفهوم الدولة العميقة كما هو مطروح للنقاش غير نافع وغير مجدي الأسباب التالية. 1- لأنه غير مجدي في النتائج التي ينتظرها منكم جمهور عامة الناس الذي تعنيه معرفة خفايا واسرار الأمور العامة مباشرة وليس عن طريق الألفاظ التي باتت يشمئز منها ويعتبرها باب من ابوب السفسطة . 2-- البحث بهذه الطريقة في الأمور العامة ينفع ويصب في خدمة الفاسدين والسارقين واعتقد انهم يدفعون بصورة مباشرة او غير مباشرة اصحاب الاقلام من كتاب وباحثين للكتابة بهذه الطريقة لأنها لا تنفع إلا جمهور النخبة وبالتالي هم لا تعنيهم النخبة تعنيهم العامة وبالتالي هم يبقون يتحكمون باتجاهاتها. 3-- أكثر ما وجدته وإلى الان من مداخلات حول موضوع الدولة العميقة هو وصفي استقرائي وكأني أتابع فلم وثائقي سردي والحاجة اليوم هي الى مداخلات استشرافية مستقبلية افتراضية للأحداث وفي نفس الوقت افتراضية لعدد من الحلول والخيارات المستقبلية لمواجهتها. وفي النهاية أضع أمامكم رئي وهو ليس رأي مقدس في الموضوع وهو الآتي. الموضوع يمكن تقسيمه إلى المحاور التالية. أ-- محور تحديات الثقافة المجتمعية بما فيها الدينية والغير دينية سواء كانت من موروث تاريخي او اكتساب اني حالي من المحيط الخارجي. ب-- محور تحديات صيرورة الدولة العراقية في ماضيها وحاضرها ومستقبلة . ح -- محور القوى الدينية المؤثرة سلبا او إيجابا في هذه الدولة . ج-- محور الثقافة السياسية التي تواتر على إدارة هذه الدولة . د-- محور المحيط الخارجي وأثره على الدولة العراقية . خ -- محور الموقع والموارد في العراق وأثرها على ماضية وحاضرة ومستقبلة.

الشيخ ناصر الأسدي:

ما يجري على الساحة السياسية من حراك وتوتر وتجاذبات هذه كلها ظواهر طبيعية لبلد عاش حياته مسحوقا تحت حوافر الدكتاتوريات المخضرمة العنيدة والبشعة انها بالقياس مع البلاد التي احدثت تغييرا ت في واقعها تعتبر طبيعية ومع مرور الزمن تقع العجلات على سكة التغيير والنهوض إنشاء الله تعالى في رأيي المتواضع لا داعي للتشاؤم العراق بخير إنشاء الله بجهود أمثالكم من المخلصين الوطنيين الواعين.

د. حمد جاسم:

الدولة العميقة هي مجموعة من التحالفات والتكتلات بين مجموعات سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية تجمعها مصلحة واحدة وهي بسط نفوذها على الدولة بحيث ان اجراء اي تغيير سياسي واقتصادي وعسكري لا يمر الا عبر هذه المنظومة.

واول استخدام للمصطلح كان في تركيا بعد انقلاب اتاتورك وعلمنة الدولة اذ ان اجراء اي تغيير في تركيا يجب ان يكون بموافقة هذه المنظومة غير المرئية والتي تسير دفة الحكم، وقد فشلت العديد من الاصلاحات في تركيا واودت بقادة الاصلاح في الاقامة الجبرية او السجن.

وقد تحدث العديد من القادة الاتراك منهم كنعان ايفون. ونجم الدين اربكان الذي حل حزبه الاسلامي وسجن عن هذه الدولة العميقة. وفي العراق ظهر البوادر الاولى للدولة العميقة بعد 2003 من خلال الكتل والاحزاب السياسية سواء كانت علمانية او دينية وقد اتفقت على هدف غير معلن ولكن متفق عليه بينها انها تدافع عن النظام السياسي الذي اقامته بالاتفاق بينها وهو المحاصصة في الحكم وعدم المساس به . واي خلاف بينها يجب ان لا يصل الى هذا المقدس وهو المحاصصة. واخرها التوقيع على وثيقة الشرف بين هذه الاحزاب والابقاء على مصالحها في الحكم رغم ثورة الشعب ومطالبه بالإصلاح، بل أنها متفقه ايضا على عدم تفرد جهة بالحكم وتحييد الكتل والاحزاب الاخرى. لهذا لو عدنا الى النظام البرلماني وتطبيقه في العراق بعد 2003 . فعلى الرغم من انه نظام سياسي مثالي ورائع ويحقق الديمقراطية المنشودة. الا ان الاحزاب السياسية والكتل اخذت به لا لهذه الاسباب بل لأنه النظام الوحيد الذي يحقق مطالبها ورغبتها بالمحاصصة السياسية في الحكم بدون ان يثير الشبهات . لان النظام الرئاسي معروف عنه الحكم بيد الرئيس وهو شخص واحد وهو لا يحقق مصالح الاحزاب. كما أن الرئيس سيكون من حزب معروف او خارج الاحزاب لهذا لن يبقى لأصحاب النفوذ من زعماء الاحزاب من شيء لهذا نلاحظ استماتت هذه الاحزاب عن النظام البرلماني لأنه يحقق ما تصبوا اليه الدولة العميقة من سيطرة لزعماء الاحزاب على الدولة العراقية وادارتها بطريقة لعبة السيرك اي بالخيوط. وهو ما يطلق عليه الدولة العميقة. في العراق بعضها مرئي وواضح للعيان وذلك بسبب حداثة التجربة فيه. وهم قادة الكتل والذين يديرون اللعبة السياسية وهم خارج الحكم. اما الغير مرئية فاعتقد هم نفوذ دول الجوار وامريكا وبعض اصحاب الاموال والمنتفعين من العملية السياسية.

الشيخ مرتضى معاش:

الدولة العميقة يمكن ان تكون بذلك الجهاز البيروقراطي المتجذر بسلبياته والذي تشبع فيه الفساد، فحتى مع تغيير المسؤولين يبقى هؤلاء يمارسون الفساد بأساليب مغطاة بقوانين العهد البائد لنحدد اولا ماهي صفات الدولة العميقة؟ 1- انها خفية وغير مرئية 2- تتمركز في القطاع العام هل الدولة العميقة هي نفسها الدولة الظل ام هما شيئان مختلفان؟ واقصد دولة الظل ليست كالمعروفة في بريطانيا، بل دولة المنظمة السرية التي يديرها بضعة أشخاص. الدولة العميقة لا يقصد بها بالمعني الحقيقي بل القصد هو تلك الدولة الخفية التي تعمل تحت الأرض وتقاوم الإصلاح والتغيير وتعيش على الفساد الوظيفي،، وهي نتيجة لسنين طويلة من الترهل والبيروقراطية السلطوية والتضخم الوظيفي.. وهي قوية في حالتها المؤسسية الشبكية وخبرتها باستغلال القوانين وعقابها للمجتمع الذي يقاومها (الكهرباء نموذجا).. وقد شاهدنا كيف أسقطت الدولة العميقة مرسي في مصر وجاءت بالسيسي. الناشطين المدنيين الذي قادوا الثورة ضد مبارك كانوا مستائيين من سرقة الإخوان للثورة واستيلائهم الكامل على السلطات.. لكنهم أيضا انخدعوا بثورة يونيو التي قادتها الدولة العميقة.. واليوم تعيش مصر أسوء عقودها بنظام شمولي قمعي بحيث أصبح نشطاء المجتمع المدني يترحمون على مبارك.. تصور طغيان الدولة العميقة وكيف قتلوا الايطالي ريجيني.. مع ذلك يبقى مصطلح الدولة مجرد مصطلح لتسليط الضوء ومحاولة فهم المتسبب بالأزمات.. يمكن تسميتها الدولة الشبحية او الدولة المافيوية.. كلها مصطلحات تعبر عن الدولة الهشة التي اريد لها ان تكون فاشلة حتى تصبح سهلة النهب... لذلك اقترح ما يلي:

1- التداول المستمر للسلطات الوظيفية وعدم استمرارها في مكان واحد مما يسمح لها بالتعمق 2- الاعتماد على الدولة الديناميكية التي تعتمد على النتائج المتحققة وليس على القوانين البيروقراطية 3- تطوير القطاع الخاص الاعتماد على القطاع الخاص يقلل الفساد ويحجم القطاع العام فالتغول في القطاع العام هو الذي يتسبب بالدولة العميقة في بعض الدول الغربية حتى السجون يديرها القطاع الخاص.

أ‌.علي الطالقاني:

الدولة العميقة اليوم في العراق تنازع من اجل البقاء، وتستعيد الأمل مع حدوث أي أزمة. ولنستذكر شيء من وقت قريب عندما تسلم السيد نوري المالكي السلطة كان ذكيا في دورته الأولى للإدارة ما مكنه من استيعاب فكرة التعاون مع جميع الأطراف من أجل إحكام السيطرة والهيمنة. ومن ثم عمل على توزيع الوزارات ووكلاء الوزراء والدرجات الخاصة أثناء هذه الفترة. كان بعض الاشخاص الجيدين لديهم قدرة والوقوف أمام المالكي في الكثير من الاحيان ما يكفي ليكونوا عقبة في سير أي حركة سياسية غير مدروسة او ربما تخص شريحة ما. فشعر العديد من اصحاب هذه المناصب ممن لا ينتمي معظمهم لحزب الدعوة تحت التهميش حيث كانت القرارات تتغير على يد رئيس الوزراء أو من خلال الضغط عليه من حاشيته. أدى هذا الامر إلى استقالات وآخرين رفضوا البقاء فيما بقت مجموعة أخرى مجاملة وأخرى خائفة. وهو الأمر الذي استغلته الحكومة وقتها لتعيين الدرجات الخاصة وعلى ما اذكر حتى القادة العسكريين من قادة الفرق والأولية اصبحوا تحت تصرف مكتب رئيس الوزراء، فضلا عن استحداث اجهز جديدة امنية وإدارية ترتبط بمكتب رئيس الوزراء. (بمعنى آخر دول موزاية لأي حكومة جديدة) وربما هي دولة بذاتها وبتنظيمها وأدواتها لكننا في العراق لم نصل إلى هذا الحد. شيئان مختلفان تماما هي دولة تكون قوتها من قوة مؤسساتها المصطنعة وقابلة على الإدارة حتى مع وجود الدولة الشرعية والحديث هنا لسنا في صدد إدارة واعية من عدمها. لكن أصبحت الممارسات التي يقوم بها اتباع أي جهة سياسية وتحديدا ما يتمخض من صراعات تقف أمام التغيير أو الاصلاحات تجعل من موضوع الدولة العميقة يطفو على السطح وان كانت هذه الدولة غير ظاهرة للعيان وهنا تلعب الولاءات دورا هاما في الوقوف أمام أي حركة اصلاحية أو تغييرية والكلام هنا ليس بصدد نوع وجنس هذا التغيير... "الملك عقيم" وصف للقوى السياسية وتشخيص دقيق لذلك لننطلق من توعية شعبنا من خلال البرامج المختلفة التي تناغم متطلبات الفرد من الحاجات الروحية والبدنية وهو أمر سهل لكن يحتاج أن نتفاعل بشكل أكبر من خلال المؤسسات والحوارات و"التربية الحقيقة للكوادر والاهتمام بجيل جديد" ورعاية الطاقات بطريقة شفافة مرنة ونتحمل مسؤوليتنا كاملة.

د. علي السعدي:

هل هناك دولة عميقة في العراق؟، التفحص الموضوعي لحيثيات نشوء الدولة العراقية المعاصرة، والظروف التي رافقت أو ساهمت في ذلك النشوء إستناداً إلى المفاهيم الحديثة في تكونّ الدول، سيفضي إلى أن مفهوم الدولة بمعناه المعاصر ربما لم يعرفه العراق، ومرد ذلك إلى أن المرتكزات الأساسية لتكون الدولة ـ الشعب -الأرض - السلطة - والإرادة ـ لم تنصهر يوماً في تفاعل حي، إذ بقيت تعمل بمعزل - في الجوهر- كل عن الأخرى، فالدولة بما تعنيه من مؤسسات وهيئات رسمية وأهلية وحكومة ومعارضة وأحزاب، اختزلت بسلطة الفرد الواحد، أما الشعب وبما تتضمنه الكلمة من حقوق وواجبات ومشاركة وهوية سياسية وثقافية وغيرها، فقد أختصر هو الأخر إلى "رعايا" أو عشائر يسيّرها العرف وتحكمها الجغرافيا وما تصنعه من أنماط عيش وسلوكيات، وهذه ايضاً لم يكتب لها النجاة من جور السلطة التي احتكرت موارد الأرض لصالحها وجندت الشعب لحروبها . إن معادلة ( الاستخدام – القمع ) من جانب السلطة ( والخوف – النفور) من جانب الشعب هي التي حكمت العلاقة بين هذين العاملين فدفعت الجغرافيا بدورها الثمن (سيادة ضائعة وثروات مهدورة أو منهوبة) لذا فمن المتوقع والحالة هذه أن تنفصم عرى الكيان الوطني الواهنة أصلاً أمام الأحداث ،سواء الوافدة منها، أم الداخلية الخالصة، وتعود الروابط الكامنة أو القائمة فعلاً إلى الظهور بقوة لتكون لها الكلمة الفصل في حياة الأفراد كما في حياة المجتمع. المرحلة الحالية ، ورغم كل ما يعانيه العراق من مشكلات وأزمات، إلا أنها المرة الأولى التي يمكن أن تتوفر فيها فرص حقيقية، لبناء دولة تحمل ملامح الحداثة . الدولة والسلطة – بين الكيان والوظيفة الحديث عن الدولة كوظيفة والدولة كأداة، سيختلف بالكثير من حيث الشكل، لكنهما يلتقيان في محاور أساسية، ذلك لأن التاريخ الحضاري بأكمله، لم يشهد في الواقع سوى نوعين من الدول هما : 1- الدّولة الإستبدادية: (الدولة / الأداة ) وهي أكثر أنواع الدول ظهوراً في التاريخ وأطولها ديمومة، وفيها تستطيع مجتمعية ما – قد تكون قبيلة أو إثنية أو جماعات تعتنق ديانة أو عقيدة واحدة – الخ، تكوين عناصر قوّة تستطيع بواسطتها إقامة دولة تُخضع جماعات أخرى إلى سيطرتها ،وبالتالي تمارس عليها سلطة مطلقة تستمر فيها طالما احتفظت بعناصر القهر والإكراه، لكنها قد تتمكن مع دوام ممارستها (للسيطرة والتحكّم) ان تدمج مكونات مختلفة وتضمّها من ثم إلى (أمّتها) لكن هذا النوع من الدولة في كلّ حال، يبقى عرضة للاضطراب وعدم الثبات، مادامت الدولة أداة تملّك وسيطرة، حيث تبتلع السلطة مقومات الدولة وتجيّرها لمصلحتها الخاصّة على حساب المقومين الآخرين (الأرض والشعب) . 2- الدولة التوافقية (دولة الوظيفة): ذلك النوع من الدولة لم تصله البشرية إلا قبل قرون قليلة خلت، وتحديداً فيما سمي بعصر النهضة، وقد جاء بعد مخاضات عسيرة تخللتها ثورات اجتماعية كبرى وحروب دينية طاحنة، خلخلت بتأثيراتها أساسات دولة الأداة التي استمرت آلاف السنين وكانت تمثل بدورها (توافقاً) بين الطبقات الحاكمة و(طبقات) الكهنة ورجال الدين. لقد أنتجت تلك الثورات (توافقاً) من نوع جديد تشكّل أساساً من الطبقات الصناعية الصاعدة بثرواتها وفلسفتها وثقافتها ومكتشفاتها العلمية المتطورة، وبين الطبقة العاملة الصاعدة كذلك بمهاراتها واتحاداتها ونقاباتها وحيويتها، وهكذا نشأت من ذلك (التوافق) دولة أطلق عليها دولة الرفاه والعقد الاجتماعي، وهو ما يشير إلى فلسفة جديدة للدولة، فكلمة (عقد) تعني توافقاً حرّاً بين أطراف تجد مصلحتها في قيام نظام يرعى مصالح المجتمع كلّ حسب قدراته وموقعه في الهرمية الاجتماعية، وليس هناك من عقد يحمل معنى آخر، وإلا تحوّل إلى إكراه تنتفي معه صفة العقد . لكن الدولة هنا لا تعني السلطة أو مجموع السلطات الثلاث وحسب - بل تشمل الأرض والمجتمع كذلك ،فهي تتكون من عوامل أربعة متكاملة كما أسلفنا (ارض – شعب – سلطة – إرادة ) فماذا يقصد بالدولة العميقة أو الدولة الفاشلة أو ما شابه من المصطلحات ؟؟ أنها أشبه بمصطلح دولة داخل الدولة اي تلك القوى غير الظاهرة التي تؤثر في القرار ..لكن كلمة دولة تطلق هنا في باب المجاز .. لقد صنفّ فلاسفة اليونان خمسة أنواع من الحكومات، وذلك منذ عصور ماقبل الميلاد مروراً بما شهدته البشرية على مختلف الحقب - كان نصيبنا منها كبيراً- وصولاً إلى العصر الحديث، أما تلك الحكومات بنظرهم فتتدرج نزولاً حسب مايلي : 1-الأرستقراطية –أي حكم الأقلّية المختارة، وكان الاختيار فيها يتحدد بمقدار الفضيلة وفعل الخير والمواصفات السامية، ولم يكن (الاختيار ) الديني كما حددته الرسالات السماوية قد ظهر بعد، وفيه خصص الله أجناساً بعينها لتكون في موقع السيادة والمُلك (وهو مازال مستمراً في موروثنا الاجتماعي بمصادره الدينية) 2:التيموقراطية - حكم الطامحين الى المجد، أو(القادة الرموز) كما عُرف لاحقاً . 3:ا الأوليجاركية - حكم أصحاب الثروات، وفيه تتقدم الثروة باعتبارها الحسنة الكبرى والوحيدة في الدولة والمجتمع على السواء . 4:الديمقراطية – حكم الشعب للشعب كما بات معروفاً، وفيه تأخذ الحرية موقعها الأول 5: الاستبدادية – الحاكم الجائر أو الطاغية المستبدّ (راجع: المصدر السابق – ص101-. لم يعرف العراق في عهده الحديث، سوى النوع الأخير من الحكم، مع فترات قصيرة اختلطت فيها وتمازجت جميع المفاهيم المذكورة أعلاه، لكن الاستبداد كانت له الكلمة الفصل . بعد انهيار ذلك النوع من الحكم مع سقوط نظام صدام، كان يفترض ان العراق دخل عهداً جديداً بالانتقال من ثم إلى الديمقراطية وهي صنو الحرية ومقامها الأول، لكن الملابسات المرافقة تشير إلى انه دخل في الواقع مرحلة الضبابية، فقد حضرت التسميات السابقة كلها دفعة واحدة وتصارعت فيما بينها من دون ان يكتب لأحدها تسجيل الغلبة أو تصدّر المشهد . لقد ارتدت الارستقراطية الدينية أو الحزبية، ثوب الديمقراطية المدنية، فاحتفظت بالأولى وعززتها، فيما استخدمت الثانية واستغلتها، وهكذا كانت الديمقراطية سبيلاً لتثبيت وتوسيع نفوذ الارستقراطية، في وقت رفعت فيه الارستقراطية كلّ شعاراتها وخطابها للحصول على مقدار متزايد مما تحققه الديمقراطية من مكاسب . أما الاوليغاركية، فقد غلّفت نفسها بغلاف التيموقراطية فتكاثر (القادة ) شكلاً ونفوذاً، وانحسروا فعلاً وعطاءاً، لكن الحصول على الثروات كان جامعهم الأول – ومصدر خلافاتهم كذلك – لذا ظهر الفساد باعتباره المعْلم الأبرز لهذا التداخل .

أ‌. سعيد ياسين:

عودة لم وضع الدولة العميقة. ..الحقيقة برأيي القاصر... لم تتشكل عندنا دولة عميقة كما المعنى... لدينا شبكة مصالح سياسية واجتماعية متغيرة والذي يجمع هذه الشبكة ويوحدها ..هو الفساد والاستحواذ وهذا من ملامح الدول الضعيفة وفيها تتشكل المافيات وحتى الميليشيات للدفاع عن مكاسب الفساد والاستقواء بها بالاستحواذ... أما الفساد فقصته قصة خصوصا عندما تكون الجريمة عابرة للوطنية أي تمتد الشبكة إلى خارج الحدود منها تفلت الزمام لتستلم القوى النافذة إمام القرار أي أن طرق باب من أبواب الدولة العميقة وتبادل المصالح ستكون بالنهاية وبالتالي على من يحاول اللعب بأوراق السياسة لأن الجمهور بلحظة ممكن أن يقلب الطاولة. ... إن معالجة هكذا أمراض سياسية في إدارة الحكم. ..هو فرض سيادة القانون وإنفاذ القانون ووجود نظام عدالة أي قضاء وادعاء عام متمكن ونزيه وغير مسيس مع مؤسسات رقابية مستقلة فعلا.. وأجهزة إنفاذ القانون... والآخر مواطن ومواطنة برفض مجتمعي للفساد والفاسدين وإساءة استخدام النفوذ.

اضف تعليق