على الرغم من التحديات العديدة التي تواجه المخيمات الكشفية، إلا أن هناك فرصا كبيرة تحقق النجاح، من خلال تقديم الدعم الحكومي، وتحسين الأوضاع الأمنية، وتقديم برامج تدريب متطورة، يمكن للكشافة أن تستعيد دورها الفعال في تنمية الشباب، فإن التعاون بين مختلف الجهات، وإطلاق حملات توعية واسعة...
خلال حياتنا، تنتقل بنا القصص بين مشاهد مختلفة تكشف لنا عن تجارب ملهمة، في إحدى رحلاتي كنت أتوق لمشاهدة سينما هادفة، فاستوقفني فيلم عن مخيم كشفي ينبض بالحياة، ينسج بخيوط من الأمل والإبداع، يحمل براءة الأطفال وعبق المستقبل.
وفي اليوم التالي شاهدت فيلم آخر، لكن هذه المرة أبهرني بقصة طفلة من عائلة فقيرة، واجهت الحياة ببراءة وعزيمة، تبتكر بقدراتها الكامنة مشروعا، وتدخل بإرادة فولاذية سباقا مع تحديات الحياة ولا تعرف الهزيمة، كأنما كان إبداعها جزءا من صورة المخيم الكشفي، فكما أن الأطفال يتعلمون مواجهة التحديات وبناء ذواتهم، كذلك كانت هذه الطفلة حولت تمنياتها إلى واقع وهي متسلحة بالثقة.
بينما أتنقل بين مشاهد هذين الفيلمين، اجتاحني شعور عميق منسوج بالألم، متسائلًا: لماذا لا يعيش أطفالنا وشبابنا تجارب الثراء هذه؟ لماذا يُحرمون من اكتشاف قدراتهم عبر أنشطة تحفز المهارات والإبداع؟ هذه الأسئلة أخذتني إلى رحلة ذهنية في عالم التجارب وتحقيق النجاح.
كانت هذه المشاهدات أكثر من مجرد فعاليات أو تسلية، بل هي تجارب تؤمن مساحة خصبة لنمو المهارات، ودعوة لاكتشاف الإمكانيات الكامنة للأطفال والشباب وهم يخوضون تجارب فريدة، تشكل مستقبلهم كما تصقل المهارات وتبني الثقة بالنفس والإصرار من أجل حياة أفضل.
تاريخ طويل لكنه فقير
برغم أن المخيمات الكشفية من أقدم وأهم الأنشطة التي تعزز غرس القيم الاجتماعية، وروح التعاون والانضباط، وإعداد القادة، وبما أن الحركة الكشفية لها تاريخ طويل ومؤثر في العديد من دول العالم، إلا أن تجربة العراق في هذا المجال فقيرة، نتيجة قلة الوعي، وضعف التأثير والمشاركة، والسياسات الحكومية الضعيفة، ودور المنظمات والقطاع الخاص المنعدم.
نحن بحاجة إلى أن نعيد التفكير في ولادة بيئة داعمة تمكن الأطفال والشباب من اكتشاف ذواتهم، تماما كما حولت تلك الطفلة التحديات إلى نجاح، وكما عاش أطفال المخيم الكشفي تجاربهم الإبداعية، وأن نعطي مساحة تؤمن الدعم الابتكاري للأجيال التي هي مستقبل البلد.
أسباب الفشل
أولا: المتتبع للظروف والبيئة العراقية بشقيها الأمني والسياسي يجد أن الصراعات المستمرة كانت سببا رئيسيا، هذه الظروف المعقدة أدت إلى تعطيل الحركة الكشفية، كما أن غياب الأمان منع تنظيم أنشطة تعتمد على التخييم.
ثانيا: فشلت الحكومات في تقديم الدعم اللازم للمخيمات الكشفية، بخلاف الدول التي نجحت فيها تلك المخيمات والتي كان فيها الدعم واضحا من المؤسسات الحكومية ومن خلال الشراكة مع المؤسسات الثقافية والتعليمية، ولم تُولَ تلك الحركات الكشفية الأهمية المطلوبة، مما أدى إلى تراجع تأثيرها على الأطفال والشباب.
ثالثًا: عانى العراق من أزمات اقتصادية حادة نتيجة لأسباب مختلفة، هذه الأزمات أثرت على العائلات العراقية، وجعلت الأولويات تركز على تأمين الحاجات الأساسية بدلاً من تلك الأنشطة الكشفية.
رابعا: لم تحظَ المخيمات الكشفية بوعي إعلامي وترويجي من خلال وسائل الإعلام، وبالتالي أدى ذلك الضعف إلى انعدام الوعي بأهمية المخيمات الكشفية.
خامسا: تفتقد المؤسسات بمختلف هوياتها إلى التخطيط والتنفيذ الفاعل، وقلة عدد الكوادر المؤهلة لقيادة الحركات الكشفية.
فرص النجاح والحلول
أولاً: يشهد العراق اليوم تحسنا في البيئة الأمنية والوفرة المالية، ويمكن استثمار هذه الفرصة لتأسيس حركات كشفية حقيقية كخطوة أولية، مع التركيز على خلق بيئة آمنة ومشجعة لمن يرغب في الانضمام.
ثانياً: إعادة النظر في دعم الحركة الكشفية عبر تقديم التمويل اللازم وتسهيل الحصول على الموارد، كما يمكن التعاون مع المؤسسات التعليمية لإدخال الكشافة كجزء من المناهج الدراسية أو كنشاط، مما يعزز من دورها وتأثيرها.
ثالثاً: استثمار وسائل الإعلام من أجل إطلاق حملات هدفها زيادة الوعي بين الأطفال والشباب وأسرهم، وتعريفهم بما تقدمه الكشافة من قيم صالحة تؤهلهم إلى مواقع ذات نفع عام وخاص.
رابعاً: أصبح الاستثمار في الشباب حاجة عالمية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تدريب القادة الجدد وتأهيلهم عبر تنظيم ورش عمل، ودورات تدريبية لتزويدهم بالمهارات اللازمة لإدارة الأنشطة الكشفية بشكل فاعل.
خامساً: الاستفادة من المنصات الرقمية لتعزيز التواصل وتنظيم الأنشطة واللقاءات الشخصية عن بُعد في حال عدم توفر الظروف المناسبة، يمكن أن يسهل ذلك مشاركة أكبر عدد من الشباب.
سادساً: يمكن للمخيمات الكشفية أن تستفيد من الدعم والخبرات المماثلة ومن تجارب قريبة، مما يساعد في تقديم موارد إضافية تعزز التعاون بين الشباب العراقي وشباب الدول الأخرى.
خلاصة
على الرغم من التحديات العديدة التي تواجه المخيمات الكشفية، إلا أن هناك فرصا كبيرة تحقق النجاح، من خلال تقديم الدعم الحكومي، وتحسين الأوضاع الأمنية، وتقديم برامج تدريب متطورة، يمكن للكشافة أن تستعيد دورها الفعال في تنمية الشباب، فإن التعاون بين مختلف الجهات، وإطلاق حملات توعية واسعة، والاستفادة من التكنولوجيا، يسهم في بناء حركة كشفية فعالة قوية ومستدامة في العراق.
اضف تعليق