الأزمة كشفت أهمية الحوار الدبلوماسي المباشر بين العراق والدول العظمى لمعالجة القضايا الحساسة والوقوف على حقيقة ما يتم الإدلاء به من تصريحات أو معلومات، وقد تكون تصريحات السفير بداية لحراك دبلوماسي يهدف إلى اتفاقيات وجزء من استراتيجية واسعة هدفها التأثير في مسار السياسة العراقية...

عندما تتزامن تصريحات السفير البريطاني ستيفن هيتشن حول الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي في العراق مع إطلاق برنامجه "السفير شو"، تشتعل النقاشات حول دور بريطانيا في العراق، مما يكشف لنا النقاب عن ما وراء الكواليس.

تحدى هيتشن الصمت وكشف عن نظرة بريطانيا لما يجري في العراق، خاصة في مرحلة حساسة ونحن نقترب من الانتخابات التي قد تؤدي إلى تغييرات في التوازنات الداخلية.

تصريحات مدروسة

تصريحات هيتشن ليست عشوائية، فأي تصريح أو تصرف يمكن أن يُفسر ضمن سياقات تاريخية وحديثة، بريطانيا تسعى بالتأكيد إلى الحفاظ على نفوذها ومصالحها في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، وان إظهار الدور البريطاني في العراق يعكس الجدل المستمر داخل بريطانيا حول دورها، وتصريحات هيتشن تعكس محاولة الدبلوماسيين البريطانيين توجيه الرأي العام في المملكة المتحدة نحو ضرورة استمرار الاهتمام بالعراق، تواصلاً مع دورها التاريخي.

على المستوى الدولي، يمكن اعتبار هذا التصريح رسالة تفيد بأن العراق لا يزال يواجه تحديات كبيرة، وبالتالي يتطلب اهتماماً دولياً، وهو جزء من جهد دبلوماسي واسع لحضور المجتمع الدولي وتبني مواقف أكثر صرامة تجاه ما يهدد مصالحها، بريطانيا كانت جزءا من التحالف الدولي الذي أسقط نظام صدام، مما يعني أن تصريحات السفير هيتشن قد تكون محاولة للضغط على الحكومة العراقية لتأمين تلك المصالح، خاصة وأن العراق يعتبر ساحة لتنافس القوى الدولية والإقليمية، وقد تُقرأ تصريحات السفير كجهد بريطاني لمواجهة النفوذ الإيراني الإقليمي والتأثير على مسار السياسة العراقية، وضمان بقاء العراق حليفاً مهماً لها.

تصريحات السفير هيتشن أثارت جدلاً واسعاً، وعلى أثر ذلك استدعت وزارة الخارجية العراقية القائمة بالأعمال البريطانية لتسلم مذكرة احتجاج رسمية، وفي وقت سابق، قال هيتشن: "إن الميليشيات الخارجة عن نطاق الدولة تمثل مشكلة دولية وتؤثر على البيئة الأمنية في العراق، مما ينعكس سلبا على عمل الشركات الأجنبية، بما فيها البريطانية."

وزارة الخارجية العراقية وصفت تصريحات السفير بأنها "تدخل في الشأن الداخلي" واعتبرتها خروجا عن المهام الدبلوماسية. هذا الرد يعكس حساسية العراق تجاه أي تصريحات دولية تتعلق بالسيادة الوطنية أو الأمن الداخلي، خاصة عندما تأتي من دولة مؤثرة مثل المملكة المتحدة.

حراك غير تقليدي

وفي خطوة تالية، أطلق هيتشن برنامج "السفير شو"، وهو حراك غير تقليدي على المستوى الدبلوماسي، حيث استخدم منصات الإعلام الجديدة والمباشرة من أجل التواصل مع الجمهور العراقي، هذه الخطوة أتت مباشرة بعد تصريحاته المثيرة التي فتحت الباب لنقاشات أوسع حول ما أدلى به من معلومات وتصريحات ورسائل.

استخدام ستيفن هيتشن لوسائل التواصل الاجتماعي يمثل نهجا وتحولا في أسلوب التعاطي الدبلوماسي مع الأحداث داخل العراق.

عندما اختار هيتشن شوارع بغداد القديمة، كان ذلك رسالة واضحة برغبة بريطانية بلعب دور أكثر تأثيرا في الساحة العراقية، وهذا يتضح من خلال ردوده الساخرة تجاه أحمد البشير الذي استضافه في وقت سابق، واستخدامه الخطاب الإعلامي بطريقة غير تقليدية، مستفيدا من التواجد الشعبي على وسائل التواصل.

تعديل استراتيجية

من خلال هذا الحدث، يتضح أن الحضور الدبلوماسي بهذا الشكل له أهمية كبيرة، ويتطلب تدخلات دبلوماسية رفيعة المستوى لتخفيف حدة التوترات.

قد تشعر السفارة البريطانية بضرورة تعديل استراتيجيتها بعد ما جرى، وقد تتبع نهجا أكثر تحفظا في المستقبل. من جهتها قد تستفيد الحكومة العراقية من هذه المعلومات أو التصريحات برفع الاحتياطات الأمنية التي تواجهها.

في النهاية، الأزمة كشفت أهمية الحوار الدبلوماسي المباشر بين العراق والدول العظمى لمعالجة القضايا الحساسة والوقوف على حقيقة ما يتم الإدلاء به من تصريحات أو معلومات.

وقد تكون تصريحات السفير بداية لحراك دبلوماسي يهدف إلى اتفاقيات وجزء من استراتيجية واسعة هدفها التأثير في مسار السياسة العراقية والحفاظ على مكانة بريطانيا كلاعب مؤثر في الشرق الأوسط.

* كاتب صحفي عراقي

اضف تعليق