q

توتر جديد بين طهران وواشنطن يمكن ان يسهم وبحسب بعض المراقبين بنسف كافة الانجازات والآمال التي اعقبت توقيع الاتفاق النووي، الذي عده البعض اتفاق تاريخي قد يعزِّز فرص حدوث تقارب في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، وهو ما استبعده البعض الاخر لأسباب كثيرة، منها غياب الثقة بين الجانبين ووجود جهات خارجية واطرف داخلية متشددة في كلا البلدين تسعى الى عرقلة تنفيذ الاتفاق من اجل تحقيق مكاسب سياسية، هذا التوتر جاء على خلفية التهديدات الاخيرة التي اعلنت عنها امريكا بخصوص فرض عقوبات جديدة على ايران بسبب استمرارها بتطوير قدراتها الصاروخية، هو ما دفع طهران إلى التهديد واتخاذ خطوات تصعيدية مضادة قد تعيد الجميع الى المربع الاول.

وتستعد إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، لفرض عقوبات جديدة على شركات دولية وأفراد على خلفية برنامج الصواريخ الإيراني، الذي تقول أمريكا إنه قادر على حمل رأس نووية وتعده مخالفا لقرار مجلس الأمن الدولي، فيما تنفي إيران تقديرات الغرب بأن الصاروخ قادر على حمل رأس نووية، ما يعد انتهاكًا للاتفاق النووي. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، أن العقوبات المحتملة سوف تستهدف نحو 12 شركة وفرداً في إيران وهونج كونج والإمارات لدورهم المشتبه به في تطوير برنامج إيران للصواريخ الباليستية، موضحة أن العقوبات التي تنوي وزارة الخزانة الأمريكية فرضها على إيران تتعلق بشبكتين لهما صلة بإيران شاركتا في تطوير برنامج طهران الصاروخي، وتتضمن الكثير من الأشخاص.

وستمنع العقوبات الولايات المتحدة أو المواطنين الأجانب من إجراء تعاملات مع الشركات المفروض عليها العقوبات، وسيتعين أيضًا على البنوك الأمريكية تجميد أي أصول تمتلكها تلك الشركات أو الأفراد داخل المنظومة المالية الأمريكية. تأتي هذه الأنباء بعد أيام قليلة من قرار أثار أيضًا حفيظة المسؤولين في إيران، حيث صوت مجلس النواب الأمريكى لصالح مشروع قانون ينص على تشديد شروط السفر إلى الولايات المتحدة دون تأشيرة، كما سيتعين على مواطني الدول الذين سبق لهم أن زاروا إيران والسودان، وهما دولتان تتهمهما واشنطن بدعم الإرهاب، الحصول على تأشيرة إذا رغبوا بالسفر إلى الولايات المتحدة.

هذه القرارات الأمريكي أثار غضب المسؤولين الإيرانيين، فاعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية أن جماعات الضغط الإسرائيلية مسؤولة عن الإجراء الجديد الذى أقره الكونجرس ووقعه الرئيس الأمريكى، وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، حسين جابرى أنصارى، إن الإجراء أوباما أقرّ تحت ضغوط جماعات اللوبي الصهيوني والتيارات المعارضة للاتفاق النووي، معتبرًا أن طرح الإجراء يهدف إلى تقويض الاتفاق. ونقل التلفزيون الرسمي أنصاري قوله "كما أعلنا للحكومة الأمريكية... برنامج إيران الصاروخي ليس له صلة بالاتفاق (النووي)." وقال "ستتصدى إيران بحزم لأي تحرك للتدخل من جانب امريكا ضد برامجها الدفاعية".

ردا على العقوبات

في هذا الشأن أمر الرئيس الإيراني حسن روحاني وزير دفاعه بتوسيع برنامج إيران الصاروخي ردا على تهديد أمريكي بفرض عقوبات بسبب اختبار صاروخ باليستي أجرته إيران في أكتوبر تشرين الأول. وبموجب الاتفاق الذي أبرمته طهران مع القوى العالمية في يوليو تموز فإنها ستحد من أنشطة برنامجها النووي الذي كان الغرب يخشى من أنه يستهدف الحصول على أسلحة نووية مقابل تخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليها.

وقالت مصادر مطلعة إن واشنطن تجهز عقوبات جديدة ضد شركات عالمية وأفراد بسبب التجربة الصاروخية التي أجرتها إيران على الصاروخ (عماد) متوسط المدى. ويتركز الخلاف على نوعية الصواريخ المسموح للجمهورية الإسلامية بتطويرها وما اذا كانت قادرة على أم مصممة لحمل رؤوس نووية. وقال روحاني في رسالة إلى وزير الدفاع حسين دهقان نشرتها وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية "نظرا لأن الحكومة الأمريكية ما زالت تواصل وبوضوح سياساتها العدائية وتدخلها غير القانوني ... ينبغي للقوات المسلحة أن تزيد سريعا وبدرجة كبيرة قدراتها الصاروخية." وأضاف "وزارة الدفاع بدعم من القوات المسلحة مكلفة بوضع برامج جديدة بكل السبل الممكنة لزيادة القدرة الصاروخية للبلاد."

وكان مسؤولون أمريكيون قد صرحوا بأن وزارة الخزانة تحتفظ بموجب الاتفاق النووي بالحق في إدراج الكيانات الإيرانية المشتبه بضلوعها في تطوير صواريخ في قوائم سوداء. وقال مسؤولون إيرانيون إن الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي سيعتبر هذه العقوبات انتهاكا للاتفاق النووي. وفي وقت سابق ندد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية حسين جابر أنصاري بخطط الولايات المتحدة لفرض عقوبات إضافية بوصفها "تعسفية وغير قانونية."

وفي تقرير سري قال فريق مراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة إن الصاروخ عماد متوسط المدى الذي اختبرته إيران في 10 أكتوبر تشرين الأول صاروخ باليستي قادر على حمل رأس نووي مما يمثل انتهاكا لقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي. ويحظر على إيران إجراء تجارب على الصواريخ الباليستية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1929 الذي صدر عام 2010 وسيظل ساريا لحين بدء تنفيذ الاتفاق النووي. ووفقا لقرار وافق عليه مجلس الأمن الدولي في يوليو تموز عقب إبرام الاتفاق النووي مباشرة فإنه حين يدخل الاتفاق حيز التنفيذ ستظل إيران "مطالبة" بعدم القيام بأي أنشطة مرتبطة بالصواريخ الباليستية المصممة لحمل رؤوس نووية لفترة تصل الى ثماني سنوات.

وتقول إيران إن القرار لن يحظر سوى الصواريخ "المصممة" لحمل رؤوس نووية وليس "القادرة على" حملها وبالتالي فإن هذا لن يؤثر على برنامجها العسكري لأنها لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية. ووصفت إيران الصاروخ عماد بأنه "صاروخ تقليدي". وفي رسالته إلى دهقان قال روحاني إن برنامج إيران الصاروخي لا علاقة له بالبرنامج النووي وإن الصواريخ "ليست مصممة لحمل رؤوس نووية." بحسب رويترز.

كما نقلت وكالة فارس للأنباء عن البريجادير جنرال حسين سلامي ثاني أكبر قائد في الحرس الثوري قوله "سنوسع قدراتنا الصاروخية ما دامت الولايات المتحدة تدعم إسرائيل." وقال في طهران "ليس لدينا مساحة كافية لتخزين صواريخنا. كل مستودعاتنا ومنشآتنا السرية ممتلئة." وقال وزير الدفاع حسين دهقان إن إيران ستعزز برنامجها الصاروخي وإنها لم توافق قط على تقييده. ونقل تلفزيون برس الرسمي عنه قوله "قدرات إيران الصاروخية لم ولن تكون أبدا محلا لمفاوضات مع الأمريكيين. والتزمت إيران بالبنود الرئيسية في الاتفاق الذي يطالبها بالتخلي عن مواد تخشى القوى العالمية إمكانية استخدامها لصنع أسلحة نووية كما يطالبها بقبول قيود أخرى على برنامجها النووي.

مناورات بحرية

على صعيد متصل نفت إيران أن يكون حرسها الثوري أطلق صواريخ قرب حاملة الطائرات الأمريكية هاري إس. ترومان وسفينتين حربيتين أخريين أثناء دخولها الخليج. ونقل موقع الحرس الثوري الإيراني على الإنترنت عن المتحدث باسمه رمضان شريف قوله "قوات الحرس البحرية لم تجر أي تدريبات في مضيق هرمز في الفترة التي زعمها الأمريكيون حتى تطلق صواريخ." وأضاف "نشر مثل هذه الأخبار الكاذبة في ظل الظروف الراهنة أقرب للحرب النفسية.

وكانت محطة إن.بي.سي نيوز قد نقلت عن مسؤولين عسكريين أمريكيين لم تذكر أسماءهم أن الحرس الثوري الإيراني كان يجري مناورة بالذخيرة الحية وأن حاملة الطائرات الأمريكية كانت على بعد نحو 1500 متر من أحد الصواريخ. وفي واشنطن قال كايل رينز القائد في البحرية الأمريكية والمتحدث باسم القيادة المركزية إن عدة سفن تابعة للحرس الثوري أطلقت صواريخ "على مقربة" من السفن الحربية وقرب حركة الملاحة التجارية "بعد أن قدمت إخطارا مسبقا قبل 23 دقيقة فقط." وقال "هذه الأفعال استفزازية للغاية وخطيرة وبعيدة عن المهنية وتشكك في التزام إيران بأمن ممر مائي حيوي للتجارة الدولية."

وسبق أن اشتبكت قوات إيرانية وأمريكية في الخليج لا سيما خلال الحرب بين إيران والعراق في الثمانينات بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. ويأمل الدبلوماسيون أن يخفف الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي من حدة عقود من غياب الثقة ويهدئ التوتر بالشرق الأوسط. ولطالما اشتبه الغرب في أن البرنامج يهدف لصنع أسلحة نووية وهو ما تنفيه إيران التي أرسلت شحنة من اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى روسيا في إطار الاتفاق.

لكن التوتر تصاعد قبيل التخفيف الرسمي للعقوبات الدولية ونفذت السلطات المتشددة في إيران سلسلة اعتقالات لنشطاء يتهمونهم بدعم "التسلل" الغربي في حين اقرت الولايات المتحدة قانونا يقيد حقوق السفر دون تأشيرة لمن يزورون إيران أو للإيرانيين مزدوجي الجنسية وهو إجراء اعتبرته إيران انتهاكا للاتفاق.

الى جانب ذلك قال مسؤول أمريكي إن البيت الأبيض يتوقع أن تنتهي إيران من العمل الذي يتعين عليها انجازه للبدء في تطبيق اتفاق نووي تاريخي مع القوى العالمية في الأسابيع المقبلة ولكن واشنطن بحاجة لمزيد من الوقت لإعداد العقوبات المتعلقة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية. وقال بن رودس نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي إن لدى الإدارة عملا دبلوماسيا وفنيا إضافيا لابد من الانتهاء منه قبل إعلان أي عقوبات جديدة متعلقة ببرنامج الصواريخ ولكنه قال إن هذا التأخير ليس نتيجة ضغوط من طهران. وقال رودس لدينا عمل إضافي يتعين إنجازه قبل أن نعلن عن خطوات إضافية ولكن هذا ليس أمرا سنتفاوض بشأنه مع الحكومة الإيرانية." بحسب رويترز.

في الوقت نفسه قال رودس إن تنفيذ الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية ماض في طريقه بعد أن شحنت إيران مخزوناتها من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى خارج البلاد على الرغم من أنه مازال لديها أمور كثيرة أخرى مهمة تفعلها. وقال "أتوقع أن يكمل الإيرانيون العمل اللازم للتحرك قدما إلى الأمام في التنفيذ في الأسابيع المقبلة."

صواريخ روسية

في السياق ذاته اعلن رئيس اركان الجيوش الاميركية مارتن دامبسي ان حصول طهران على بطاريات صواريخ مضادة للطائرة من طراز أس-300 روسية الصنع لا يضعف القدرة الاميركية على احتمال ضرب منشآت نووية ايرانية. وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدفاع اشتون كارتر ان "الخيار العسكري" اذا اقتضى الامر لمنع الايرانيين من امتلاك القنبلة النووية "لم يمس". واضاف "نعلم منذ عدة سنوات ان هذا النظام يمكن ان يباع لايران واخذنا هذا الامر بالاعتبار في كل خططنا". وذكر بان "الخيار العسكري" ضد برنامج نووي ايراني يهدف على السواء الى تشجيع المفاوضات للتوصل الى حل دبلوماسي والحصول على وسيلة تحرك في حال فشلت المفاوضات.

من جانبه قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن سعي إيران لإيجاد حل في المحادثات الخاصة ببرنامجها النووي كان هو الدافع وراء قراره إحياء عقد تسليمها نظام إس-300 للدفاع الصاروخي. وأغضب تحرك موسكو لتزويد طهران بالنظام الصاروخي أرض جو المتقدم الغرب وأثار احتجاجات من جانب اسرائيل وجاء في أعقاب اتفاق مبدئي مع القوى العالمية من شأنه أن يحد من برنامج طهران النووي في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الدولية.

وقال بوتين في لقاء تلفزيوني سنوي يتلقى خلاله اتصالات هاتفية من المواطنين "بعد إحراز تقدم على المسار النووي الإيراني -وهو شيء إيجابي كما هو واضح- فإننا لا نرى أي سبب للانفراد بمواصلة الحظر" على تسليم أنظمة إس-300. وتحركت موسكو بسرعة في محاولة لتأمين العقود مع إيران قبل رفع العقوبات وحثت على إشراك طهران بشكل أكبر في محاولات حل الأزمات الإقليمية.

وفي لاهاي أشارت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موجيريني إلى تحركات روسيا بوصفها "تعقيدات" لكنها قالت إنها لن تعرقل التقدم صوب اتفاق نهائي. وقالت "الاتفاق.. التفاهم الذي توصلنا إليه في سويسرا قوي بما يكفي للسماح لنا بمواصلة صياغة الاتفاق النهائي." وفي فيينا قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها أجرت "محادثات بناءة" مع إيران هذا لكن لا يوجد مؤشر على حدوث انفراجة بشأن جوانب من برنامجها النووي تقول الوكالة إن إيران تقاعست عن التعامل معها بشكل كامل. وتجري الوكالة التابعة للأمم المتحدة تحقيقا بشأن برنامج إيران النووي بالتوازي مع المحادثات وستلعب دورا مهما في مراقبة التزام إيران بأي اتفاق نهائي.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف متحدثا في مؤتمر أمني في موسكو إن التوصل لاتفاق أولي يعني أنه يتعين وضع نهاية للعزلة الدولية "الشريرة" المفروضة على ايران. وقال وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان إن روسيا وإيران تناقشان موعد تسليم أنظمة إس-300 الصاروخية. وكانت روسيا هي الحليف الأساسي لإيران في المحادثات مع القوى العالمية. لكن بوتين قال أيضا إن روسيا ستعمل مع شركائها بشأن ايران وإن تسليمها نظام إس-300 للدفاع الصاروخي سيمثل عامل ردع في الشرق الأوسط.

ولموسكو وطهران وجهات نظر متشابهة حول الكثير من الصراعات في الشرق الاوسط. فهما تنتقدان الولايات المتحدة بسبب قيادتها ضربات جوية ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق بدون تعاون وثيق مع دمشق. كما استغل دهقان مخاوف روسيا من خلال عرضه العمل مع موسكو وبكين ونيودلهي لمنع توسيع حلف شمال الأطلسي ونشر درع صاروخية مضادة للصواريخ في اوروبا. بحسب رويترز.

وقال لافروف إن خطط الدرع الصاروخية لحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة يتعين أن تتغير الآن نظرا لأن النظام كان الهدف منه أساسا الحماية ضد دول مارقة مثل إيران. وتشك موسكو في أن هذه الدرع على الرغم من طبيعتها الدفاعية موجهة ضدها. وأضاف "إذا استمر تنفيذ خطط درع الدفاع الصاروخية المضادة للصواريخ بدون أي تعديل حتى مع التقدم في المحادثات بشأن برنامج إيران النووي... فإن الدوافع وراء بناء الدرع في اوروبا تصبح واضحة للجميع." وقال حلف شمال الأطلسي في بيان إن نظام الدفاع الصاروخي يهدف لحماية الأعضاء الأوروبيين من انتشار الصواريخ الباليستية، وأضاف البيان "اتفاق الإطار الخاص بطهران لا يغير هذه الحقيقة".

اضف تعليق