الحرب التجارية الباردة بين بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والتي وصلت الى ذروتها في عهد الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، الذي اتخذ موقفًا متشددًا تجاه الصين، بلغ ذروته أثر جائحة كورونا وما تبعها من اتهامات، وإعلان البلدين فرض رسوم جمركية متبادلة وهو ما أسهم بإشعال وتفاقم الازمات...
الحرب التجارية الباردة بين بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والتي وصلت الى ذروتها في عهد الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، الذي اتخذ موقفًا متشددًا تجاه الصين، بلغ ذروته أثر جائحة كورونا وما تبعها من اتهامات، وإعلان البلدين فرض رسوم جمركية متبادلة وهو ما اسهم بإشعال وتفاقم الازمات بين البلدين يضاف الى ذذلك التوترات الاخرى التي تخص بعض القضايا ومنها قضية تايوان وخلافات بحر الصين الجنوبي، هذه الحرب ماتزال محط اهتمام واسع، خصوصاً وان فصولها ماتزال مستمرة في عهد الادارة الجديدة، التي يعتقد البعض انها ستكون أكثر حزما وتشددا في مواجهة التنين الصيني. كما انها ستسعى الى ايجاد تحالفات جديدة في سبيل اضعاف نفوذ الصين عالمياً.
ويمثل صعود الصين وكما نقلت بعض المصادر، التحدي العالمي الأكثر تعقيداً الذي يواجه بايدن، فالصين هي الخصم الأكثر شراسة الذي يواجه الولايات المتحدة، كما أنها دولة سوف يتعين على أميركا أن تجد سبلاً للتعايش معها، بدلاً من الدمار المتبادل، حسبما يرى الخبير الأميركي في العلوم السياسية والشؤون الدولية جراهام آليسون. ويقول آليسون، الأستاذ السابق بكلية كينيدي للحكم بجامعة هارفارد، في تقرير سابق نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، إنه إذا ما تمكن النظام الأوتوقراطي، بقيادة الرئيس الصيني شي جينبينغ، من تحقيق حلمه، ستزيح بكين واشنطن من كثير من مواقع القيادة التي اعتادت عليها الأخيرة خلال «القرن الأميركي».
وإذا لم يتم إقناع الصين بأن تكبح جماح نفسها، وأن تتعاون حقاً مع الولايات المتحدة، سيكون من قبيل المستحيل تحاشي اندلاع حرب تجارية، أو الحفاظ على مناخ تستطيع فيه الدولتان العيش معاً. وقال آليسون إنه منذ بداية القرن الحادي والعشرين، صعدت الصين لتصبح أكبر اقتصاد في العالم (بحسب نظام القياس الذي تحدد من خلاله وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أفضل معيار للموازنة بين الاقتصادات الوطنية). وقد صارت الصين اليوم ورشة التصنيع في العالم، والشريك التجاري الأول لمعظم الاقتصادات الرئيسية، وأيضاً المحرك الأول لنمو الاقتصاد العالمي منذ الأزمة المالية في عام 2008.
ويشعر الحزب الشيوعي حالياً وكما يقول الكاتب والباحث د. سليم الدليمي، بثقة متزايدة في أنه بحلول نهاية العقد الجاري سيتخطى الاقتصاد الصيني أخيراً اقتصاد الولايات المتحدة ليكون الأكبر في العالم من حيث إجمالي الناتج المحلي في معدلات الصرف السوقية. لكن الصين في الوقت نفسه مستمرة في التقدم على جبهات أخرى كذلك؛ إذ تهدف الخطة السياسية الجديدة، المُعلنة في الخريف الماضي، إلى تمكين الصين من الهيمنة في جميع مجالات التكنولوجيا الجديدة – بما في ذلك الذكاء الاصطناعي – بحلول العام 2035.
وتنوي بكين إكمال برنامج التحديث العسكري الخاص بها بحلول العام 2027، وهدفه الرئيسي هو منح الصين ميزة حاسمة في جميع التصورات المحتملة إذا ما حدث نزاع مع الولايات المتحدة على تايوان. وفي تحدّ واضح لواشنطن، ولأولويات السياسة الخارجية لإدارة بايدن، وقعت بكين وطهران، 27 مارس/آذار 2021، اتفاقية تعاون يكون أمدها 25 عاماً تستثمر فيها الصين ما مقداره 400 مليار دولار في مختلف القطاعات الاقتصادية الإيرانية، وهو ما دفع الرئيس بايدن للتعبير عن قلقه من هذه الاتفاقية. كما قررت الصين زيادة وارداتها النفطية من إيران وفنزويلا بشكلٍ حاد، وهي خطوة تقوّض النفوذ الدبلوماسي الرئيسي الذي تحتاجه واشنطن.
مشاريع منافسة
وفي هذا الشأن اقترح الرئيس الأميركي جو بايدن أن تطلق الدول "الديموقراطية" مبادرة منافسة لمشروع "الحزام والطريق" الصيني للاستثمار في البنى التحتية، وذلك في توقيت تتصاعد فيه التوترات بين العملاق الآسيوي والدول الغربية. وقال بايدن إنه تقدّم بالاقتراح خلال اتصال مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في خضم توتر مع بكين على خلفية فرض عقوبات على مرتكبي انتهاكات بحق أقلية الأويغور المسلمة في منطقة شينيجانغ في شمال غرب الصين، ورد الصين بعقوبات على شخصيات غربية.
وصرّح بايدن للصحافيين أنه اقترح إطلاق "مبادرة مماثلة تصدر عن الدول الديموقراطية، لمساعدة فئات من حول العالم تحتاج حقا إلى المساعدة"، وذلك في إشارة إلى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية. تزايد نفوذ بكين في عدد من الدول في السنوات الأخيرة عبر تقديمها قروضا وإطلاقها مشاريع من خلال مبادرتها، ما زاد مخاوف القوى الإقليمية والدول الغربية. وساعدت الصين عشرات الدول في بناء وتطوير طرق وسكك حديد وسدود وموانئ. وفي مطلع آذار/مارس شدّد الرئيس الصيني شي جينبينغ على أن "الصين ستعمل مع الدول الأخرى لبناء عالم مفتوح وشامل ونظيف وجميل ينعم بسلام دائم وأمن عالمي ورخاء مشترك"، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية "شينخوا".
إلا أن المصارف الصينية تواصل تمويل مشاريع الفحم، وسط سعي بكين إلى استغلال المبادرة لتوسيع نطاق استثماراتها على صعيد الطاقة إلى خارج حدودها. وبين عامي 2000 و2018، أنفقت الصين نحو 57 مليار دولار على مشاريع الفحم، وفق قاعدة بيانات جامعة بوسطن حول التمويل الصيني لمشاريع الطاقة عالميا. ولم يشر البيان الصادر عن لندن حول الاتصال بين جونسون وبايدن إلى مقترح غربي لمنافسة المبادرة الصينية، لكنه شدد على أن رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأميركي بحثا اتّخاذ خطوات جادة لفرض عقوبات على "منتهكي حقوق الإنسان" في شينجيانغ.
وفرض الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة عقوبات على عدد من المسؤولين السياسيين والاقتصاديين في شينجيانغ، في تحرّك منسّق على خلفية تقارير عن حصول انتهاكات لحقوق الإنسان، ما استدعى ردا انتقاميا من بكين التي فرضت عقوبات على شخصيات أوروبية وبريطانية. وتصر بكين على أن الأوضاع في شينيجانغ "شأن داخلي"، وأعلنت افرض عقوبات على تسعة بريطانيين وأربع كيانات اتّهمتهم بنشر الأكاذيب والأضاليل" حول المعاملة التي يلقاها ابناء أقلية الأويغور.
وتتهم منظمات حقوقية الصين باحتجاز ما يصل إلى مليون مسلم من الأويغور وأشخاص من أقليات أخرى أغلبهم مسلمون في معسكرات اعتقال في شينجيانغ. وتنفي الصين بشدة هذا الأمر وتقول إن هذه المعسكرات هي "مراكز تدريب مهني" تهدف الى إبعاد السكّان عن التطرف الديني والنزعات الانفصالية بعد ارتكاب أفراد من الأويغور العديد من الاعتداءات الدامية ضدّ مدنيين. كما أطلق الرئيس الأميركي جو بايدن خلال أول قمة رباعية له مع قادة أستراليا والهند واليابان مبادرة مشتركة لانتاج مليار جرعة للقاحات مضادة لكورونا في الهند بحلول 2022، في أول خطوة لحملته الدبلوماسية في وجه الصين. وكانت هذه المرة الأولى التي يجتمع فيها التحالف الرباعي على أعلى مستوى منذ تأسيسه في العقد الماضي لمواجهة صعود الصين وإحيائه في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وتعهد بايدن ورؤساء الوزراء الياباني يوشيهيدي سوغا والهندي ناريندرا مودي والأسترالي سكوت موريسون، في إعلان مشترك، بإضفاء الطابع المؤسساتي على هذا اللقاء وعقد أول جلسة "وجها لوجه" قبل نهاية العام. وقال بايدن إنّ "الولايات المتحدة مصمّمة على العمل مع جميع حلفائنا الإقليميين لضمان الاستقرار"، مذكراً بأنّها اول "قمة متعددة الأطراف" ينظمها منذ انتخابه. وقال جو بايدن "نطلق شراكة جديدة طموحة لتعزيز إنتاج اللقاحات لصالح العالم بأسره، ولا سيما اللقاحات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".
وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان إنّ "القادة الأربعة اتخذوا التزاما مشتركا رائعا: مع قدرات الإنتاج الهندية والتكنولوجيا الأميركية والتمويل الياباني والأميركي والخدمات اللوجستية الأسترالية، تعهدت (الرباعية) بتقديم ما يصل إلى مليار جرعة" إلى جنوب شرق آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ "وما يتجاوزهما بحلول نهاية عام 2022".
وسيتناول هذا الالتزام بشكل خاص اللقاح الأميركي جونسون آند جونسون الذي يعطى بجرعة واحدة، وستعمل عليه شركة "بيولوجيكل-اي" الهندية. بذلك، ينخرط الرئيس الأميركي بدوره في "دبلوماسية اللقاحات". ورغم تأكيده حتى الآن التركيز على توفير اللقاحات للأميركيين، إلاّ أنه لن يبقى مكتوف الأيدي في مواجهة الصين التي تواصل زيادة هباتها من شحنات اللقاح إلى دول في أنحاء العالم ولا سيما في جنوب شرق آسيا.
توترات ومخاوف
الى جانب ذلك ألقت الصين بمسؤولية نشوب توتر بشأن تايوان على الولايات المتحدة بعد أن أبحرت سفينة حربية أمريكية قرب الجزيرة التي تعتبرها الصين جزءا من أراضيها وتساءلت بكين إن كان يمكن للصين الإبحار في خليج المكسيك “لإظهار القوة”. وشكت تايوان من تكرار أنشطة بكين العسكرية في الأشهر القليلة الماضية إذ تتوغل القوات الجوية الصينية يوميا تقريبا في منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية.
وقالت الصين إن مجموعة حاملة طائرات تجري تدريبات قرب الجزيرة. وأضافت أن سفينة حربية أمريكية أبحرت عبر مضيق تايوان الذي يفصل الجزيرة عن البر الصيني الرئيسي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان في إفادة يومية إن السفن الأمريكية التي تشارك في “استفزازات... تبعث برسائل خاطئة وخطرة لقوى الاستقلال في تايوان وتهدد السلام والأمن في مضيق تايوان”. وتابع قائلا “أتذهب سفينة حربية صينية إلى خليج المكسيك لتقوم باستعراض للقوة؟”
وفي 2015، أبحرت خمس سفن حربية صينية في المياه الدولية في بحر بيرنج قبالة ألاسكا في سابقة للجيش الصيني، لدى قيام الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما بجولة في تلك الولاية. وتقول البحرية الأمريكية إنها تنفذ بانتظام ما وصفتها بعمليات مرور “روتينية” عبر مضيق تايوان. وعبرت الولايات المتحدة عن قلقها مما وصفته بنمط من الترهيب تتبعه الصين في المنطقة ويشمل تايوان وقالت إن التزامها تجاه تايوان “ثابت كالصخر”.
من جانب اخر بدأت الفلبين والولايات المتحدة تدريبات عسكرية لمدة أسبوعين على خلفية توتر متزايد في بحر الصين الجنوبي، على الرغم من تقليص حجم التدريبات بسبب جائحة فيروس كورونا. وتمضي الدولتان في التدريبات، التي تم تأجيلها العام الماضي بسبب الوباء، بعد أن اتهمت مانيلا الصين في الآونة الأخيرة بتوغل مئات القوارب المحملة بأفراد ميليشيات في مناطق متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. بحسب رويترز.
لكن دبلوماسيين صينيين قالوا إن القوارب كانت تحتمي فقط من أمواج هائجة ولم يكن على متنها أي ميليشيات. وخفضت بروتوكولات التباعد الاجتماعي بشكل كبير عدد القوات المشاركة إلى نحو ألف مقارنة بما يقرب من 8000 في سنوات سابقة. وقال وزير الدفاع الفلبيني ديلفين لورينزانا، في خطاب ألقاه وكيل الوزارة، إن التدريبات المشتركة “ستعزز قدراتنا في مواجهة التحديات الأمنية التقليدية وغير التقليدية وسط الوضع الذي يزداد تعقيدا في المنطقة”. وأجرى لورينزانا ونظيره الأمريكي لويد أوستن مكالمة هاتفية لمناقشة التدريبات والوضع في بحر الصين الجنوبي والتطورات الأمنية بالمنطقة.
على صعيد متصل أعلنت حكومة تايوان أنّ عددا قياسيا من 25 طائرة عسكرية صينية اخترق منطقة دفاع الجزيرة ، غداة توجيه وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن تحذيرا الى الصين. وسارعت وزارة الدفاع التايوانية إلى إطلاق تحذير وطلبت مغادرة الطائرات الصينية، بما في ذلك 18 مقاتلة، مع دخولها منطقة تحديد الدفاع الجوي في جنوب غرب الجزيرة. وجاء الاختراق، الأكبر خلال عام، غداة تحذير وزير الخارجية الأميركي الصين "العدوانية بشكل متزايد" من محاولة تغيير الوضع القائم في تايوان، معتبرا أن ذلك سيكون "خطأ جسيما".
وتعتبر الصين أن تايوان التي يحكمها نظام ديموقراطي، جزء من أراضيها ستتوحد معها يوما ما وبالقوّة إن لزم الأمر. وجاءت تصريحات بلينكن غداة إعلان الخارجية الأميركية أنها تعتزم "تسهيل" الاتصالات بين المسؤولين الأميركيين والتايوانيين، متحدية بذلك الضغط الصيني في خضم التوتر بين القوتين العظميين. وتصاعدت حدة الخلاف بين بكين وتايبيه منذ وصول الرئيسة تساي إنغ وين التي ترفض فكرة أن الجزيرة جزء من "صين واحدة".
وحذّر محللون ومسؤولون عسكريون أميركيون من أن التوترات بين تايوان والصين وصلت الآن إلى أعلى مستوياتها منذ منتصف تسعينات القرن الماضي. وقال بلينكن في تصريح لبرنامج "ميت ذي برس" عبر شبكة "إن بي سي" الأميركية "ما رأيناه، وما يقلقنا حقا، هو الإجراءات العدوانية المتزايدة لحكومة بكين إزاء تايوان، ما يفاقم التوتر في مضيق (تايوان)".
وأضاف أن للولايات المتحدة التزاما عريقا تجاه الجزيرة "لضمان أن يكون لتايوان القدرة على الدفاع عن نفسها، وضمان محافظتنا على السلام والأمن في غرب المحيط الهادئ". ولم يوضح بلينكن إن كانت الولايات المتحدة سترد عسكريا على أي تحرك صيني يطاول تايوان. لكنه تابع "كل ما يمكنني قوله لكم إنه سيكون من الخطأ الجسيم أن يحاول أي طرف تغيير الوضع القائم بالقوّة". وتعرض أسطول تايوان المقاتل المتهالك لسلسلة من الحوادث الدامية خلال السنوات الأخيرة، فيما تواجه قواتها الجوية ضغطا مستمرا من الصين. والعام الماضي، قامت الطائرات الصينية بعدد قياسي من عمليات الاختراق في منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية بلغ 380 توغلًا، وفقًا لسلطات تايبيه.
اضف تعليق