ان استقالة بوتفليقة من الحكم، ربما ستكون بداية لعهد جديد في الجزائر خصوصا وان البعض يتوقع تغيرات مهمة واساسية قد تشمل الكثير من الشخصيات والقادة، وستعطي الشباب دور اكبر في قيادة البلاد، كما توقع البعض الاخر ان ان تدخل الجزائر في ازمة جديدة ربما يتحول الى...
أمام ضغط الشارع الجزائري وبعد أن تخلى الجيش عن مساندتة، قدم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة استقالته بعد أن أمضى نحو عشرين عاما في الحكم، ويأتي قرار بوتفليقة التنحي عن الحكم قبل حوالي أربعة أسابيع من نهاية ولايته في 28 أبريل/نيسان 2019، وبعد ساعات من البيان الذي أصدره قائد أركان الجيش الجزائري نائب وزير الدفاع، أحمد قايد صالح، دعا خلاله إلى تطبيق فوري للمواد الدستورية 102 و7 و8، التي تقضي بالإعلان عن عدم أهلية بوتفليقة للحكم.
ويرى بعض الخبراء ان استقالة بوتفليقة من الحكم، ربما ستكون بداية لعهد جديد في الجزائر خصوصا وان البعض يتوقع تغيرات مهمة واساسية قد تشمل الكثير من الشخصيات والقادة، وستعطي الشباب دور اكبر في قيادة البلاد، كما توقع البعض الاخر ان ان تدخل الجزائر في ازمة جديدة ربما يتحول الى صراع داخلي خطير بسبب تضارب المصالح بين القوى والاحزاب المتنفذة التي ستسعى الى الحفاظ على مصالحها، واعتلى بوتفليقة بحسب بعض المصادر، سدة الحكم في أبريل/نيسان 1999، في انتخابات انسحب منها ستة من منافسيه، واتهموا السلطة الحاكمة «بتزويرها لصالح المرشح عبدالعزيز بوتفليقة».
لكن بوتفليقة رفض تلك الاتهامات وقال إن «انسحاب منافسيه مناورة سياسية فقط لا تستند إلى دلائل ملموسة حول التزوير». وقاوم الرئيس الجزائري، طيلة سنوات حكمه العشرين، عدة هزات سياسية نجح في تخطّيها، في بلد خرج لتوّه من أزمة أمنية خطيرة خلَّفت عشرات الآلاف من الضحايا والمشرَّدين والمفقودين. ونجا بوتفليقة بأعجوبة من محاولة اغتيال نفَّذها انتحاريٌّ من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، واستهدفت موكبه في السادس من سبتمبر/أيلول 2007، في باتنة (شرق)، لكن الانتحاري الذي اكتَشف أمره أحد رجال الشرطة فجَّر حزامه قبل وصول الرئيس. كما قاوم الرجل متاعب صحية، رغم أن المرض أنهكه خلال الأعوام الأخيرة، وجعل هذا «السياسي المحنك»، كما يوصف من مؤيديه ومعارضيه، قليل الظهور في الواجهة.
وتعرَّض بوتفليقة، في 27 أبريل/نيسان 2013، لجلطة دماغية سميت رسمياً «نوبة إقفارية عابرة»، تم نقله في إثرها للعلاج بفرنسا، وهي الوعكة الصحية الثانية التي ألمت به في فترة حكمه، بعد تلك التي أدخلته المستشفى الباريسي في 2005، إثر إصابته بـ «قرحة معدية»، لينجو بأعجوبة من الموت، كما صرح شخصياً. وبعد عودته للبلاد في يوليو/تموز 2013، مارَس بوتفليقة مهامه في شكل قرارات ورسائل ولقاءات مع كبار المسؤولين في الدولة وضيوف أجانب، يبثها التلفزيون الرسمي دون الظهور في نشاط ميداني يتطلب جهداً بدنياً، بحكم أنه ما زال يتنقل على كرسي متحرك.
كما صمد الرجل ضدَّ دعوات وحتى احتجاجات من المعارضة تدعوه لترك الحكم بسبب وضعه الصحي الصعب، وترشح في أبريل/نيسان 2014، لولاية رابعة (مدتها 5 سنوات)، فاز فيها بـ82% من أصوات الناخبين، مع طعن بعض منافسيه في الاقتراع بدعوى وجود تزوير. ورغم الجدل الذي تشهده البلاد منذ تعرّضه لوعكة صحية في 2013، إلا أن الرجل الذي يقول معارضون إنه يعشق العيش في كرسي الحكم يبدو غير عازم على ترك قصر الرئاسة بسبب المرض.
وحتى بعد المظاهرات غير المسبوقة التي شهدتها البلاد في الأول من مارس/آذار الجاري، وقبلها في 22 فبراير/شباط الماضي، ورفضها لترشح الرئيس لولاية خامسة، إلا أن ذلك لم يثن بوتفليقة من المضي قدماً نحو دخول المعترك الانتخابي. ومنذ إعلان ترشحه لولاية خامسة في 10 فبراير/شباط الماضي، بدأت احتجاجات شعبية في الجزائر توسَّعت يوم 22 فبراير/شباط إلى انتفاضة شعبية ما زالت متواصلة إلى اليوم.
بيان الجيش
وجاءت الاستقالة عقب مطالبة رئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح باتخاذ إجراءات دستورية فورية لعزل بوتفليقة (82 عاماً) الذي أقعده المرض منذ أعوام. وقال صالح في بيان "لا مجال للمزيد من تضييع الوقت وأنه يجب التطبيق الفوري للحل الدستوري المقترح المتمثل في تفعيل المواد السابعة والثامنة و102 ومباشرة المسار الذي يضمن تسيير شؤون الدولة في إطار الشرعية الدستورية".
وأضاف صالح: "قرارنا واضح ولا رجعة فيه، إذ أننا نقف مع الشعب حتى تتحقق مطالبه كاملة غير منقوصة". وتابع البيان "نؤكد أن أي قرار يتخذ خارج الإطار الدستوري مرفوض جملة وتفصيلا"، في تلميح إلى أن الجيش قد يتوقف عن التقيد بقرارات صادرة عن الرئاسة. وطبقا للمادة 102 من الدستور الجزائري سيتولى رئيس مجلس الأمة الجزائري، عبد القادر بن صالح، مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها تسعون يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية. ولا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.
بيد أن العديد من المراقبين يعربون عن شكوكهم في أن هذا السيناريو سيمر بسلاسة نظرا لأن بن صالح من المقربين جدا من بوتفليقة ولا يحظى بقبول لدى المحتجين وقوى المعارضة. وفي أول رد فعل خارجي، اعتبرت الولايات المتحدة أن مستقبل الجزائر يقرّره شعبها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية روبرت بالادينو إن "الشعب الجزائري هو من يقرر كيفية إدارة هذه الفترة الانتقالية". من جانبه قال وزير خارجية فرنسا لودريان إن استقالة بوتفليقة لحظة مهمة في تاريخ الجزائر، مؤكدا على أنه يثق في قدرة الجزائريين على مواصلة الانتقال الديمقراطي بطريقة هادئة ومسؤولة.
وجدد الفريق أحمد قايد صالح قائد الجيش الجزائري في وقت سابق دعوة لتطبيق المادة 102 من الدستور لإعفاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من منصبه لعدم أهليته للمنصب وذلك بعد احتجاجات بدأت قبل أسابيع للمطالبة بإنهاء حكم بوتفليقة المستمر منذ 20 عاما. وندر ظهور بوتفليقة(82 عاما) في أي مناسبة عامة في السنوات الأخيرة ويواجه مظاهرات ضخمة منذ أكثر من شهر. ولم يفلح إعلانه إنه لن يسعى للفوز بفترة خامسة ولكن دون تقديم استقالته على الفور في تهدئة المحتجين.
وللخروج من هذا المأزق طرح قايد اقتراحا بأن يعلن المجلس الدستوري عدم أهلية بوتفليقة للمنصب وفقا لنص المادة 102 من الدستور. وقال صالح في بيان أصدرته وزارة الدفاع ”غالبية الشعب الجزائري رحب من خلال المسيرات السلمية، باقتراح الجيش الوطني الشعبي، إلا أن بعض الأطراف ذوي النوايا السيئة تعمل على إعداد مخطط يهدف إلى ضرب مصداقية الجيش الوطني الشعبي والالتفاف على المطالب المشروعة للشعب“. بحسب رويترز.
وأضاف أن هؤلاء المعارضين التقوا”من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش الوطني الشعبي وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور“. وقال إن ”كل ما ينبثق عن هذه الاجتماعات المشبوهة من اقتراحات لا تتماشى مع الشرعية الدستورية أو تمس بالجيش الوطني الشعبي، الذي يعد خطا أحمر، هي غير مقبولة بتاتا وسيتصدى لها الجيش الوطني الشعبي بكل الطرق القانونية“.
مليونية جديدة
في السياق ذاته قال ضباط في الشرطة إن نحو مليون جزائري احتشدوا في وسط العاصمة للمطالبة باستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في أكبر مظاهرة منذ انطلاق الاحتجاجات قبل حوالي ستة أسابيع. وفي موقع واحد على الأقل، وتجمع هذا العدد الضخم بعد أيام من دعوة الجيش لتنحي الرئيس الموجود بالسلطة منذ 20 عاما بهدف إنهاء الأزمة السياسية المتصاعدة. وعرض التلفزيون الرسمي احتجاجات في عدة مدن أخرى. والاحتجاجات التي بدأت يوم 22 فبراير شباط سلمية إلى حد بعيد لكنها شكلت ضغطا على الجيش ليعيد الاستقرار إلى البلاد.
ويطالب بعض المحتجين برحيل النخبة السياسية برمتها قائلين إنهم مع معارضتهم لبوتفليقة فإنهم يرفضون أيضا تدخل الجيش في الحياة السياسية. وقال طالب يدعى محمد (25 عاما) ”ضغط الشارع سيستمر حتى يذهب النظام“، فيما راقب المئات من أفراد شرطة مكافحة الشغب الاحتجاجات وحلقت طائرات هليكوبتر في الأجواء. وقال تاجر يدعى علي ”لدينا كلمة واحدة نقولها اليوم. يجب أن ترحل العصابة كلها فورا. انتهت اللعبة“، بينما صاح محتجون آخرون ”الشعب يريد إسقاط النظام“.
وهتفت عائلات من شرفات المنازل لتحية المحتجين الذين وزعوا التمور والماء على بعضهم واشتروا المثلجات من الباعة الجائلين. وزادت الخطوة الضغوط على بوتفليقة الذي أخفق في استرضاء الجزائريين بتراجعه عن قرار الترشح لولاية خامسة. وتخلى حلفاء رئيسيون عن رئيس الدولة الذي لا يظهر إلا نادرا منذ إصابته بجلطة في عام 2013 ويواجه الآن أكبر أزمة منذ توليه السلطة قبل 20 عاما.
وللمحتجين مطالب طموحة في بلد خضع طويلا لهيمنة قدامى المحاربين الذين خاضوا حرب الاستقلال عن فرنسا والذين يراهم الكثير من الجزائريين منفصلين عن تطورات الأوضاع. ويريد المحتجون استبدال النظام السياسي بجيل جديد من القادة قادر على تحديث البلد المعتمد على النفط ومنح الأمل للسكان الذين يتوقون لحياة أفضل. وظل الجيش في ثكناته طوال الاضطرابات. وقال ضابط سابق بالمخابرات العسكرية ”هناك خطورة من انضمام جنود للاحتجاجات لأنهم صغار السن. قد ينتهي الأمر بهم إلى عدم تنفيذ الأوامر بمواجهة المحتجين“.
لكن دعوة صالح لرحيل بوتفليقة كانت إنذارا واضحا للجزائريين بأن الجيش ينوي الاحتفاظ بنفوذه الكبير في السياسة. وقالت امرأة تدعى سعدية بلعيد وهي تبكي، ”أبكي لأنهم خطفوا الجزائر واقتراح الجيش مهزلة حقيقية“. وكُتب على لافتة ”نريد رحيل صالح“. ومع ذلك، حظيت دعوة رئيس الأركان بدعم حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم واتحاد العمال الرئيسي، فيما يشير إلى أن حكم بوتفليقة أوشك على النهاية. بحسب رويترز.
وفي ضربة أخرى للرئيس، استقال رجل الأعمال البارز علي حداد، أحد الحلفاء القلائل الباقين لبوتفليقة، من رئاسة منتدى رؤساء المؤسسات. وكان حداد، الذي منحته الحكومة مشروعات عامة كبيرة وله استثمارات في وسائل الإعلام، قد ساعد في تمويل الحملات الانتخابية لبوتفليقة على مدى سنوات. وقال موظف في مكتب للبريد يدعى نور الدين (33 عاما) ”يجب أن يرحل الفاسدون، نحن مصممون على تنظيف البلاد“.
استقرار الجزائر
من جانب اخر وبما أن الجيش فضل دائما البقاء وراء كواليس المشهد السياسي، فمن المستبعد أن تحذو الجزائر حذو مصر بعد انتفاضة عام 2011. فقد أطاح قائد الجيش المصري في عام 2013 عبد الفتاح السيسي بالرئيس الإسلامي محمد مرسي قبل أن يُنتخب رئيسا في نهاية المطاف، لينضم إلى قائمة طويلة من رجال الجيش الذين حكموا البلاد. لكن في الوقت نفسه، من المستبعد أن يتنازل الجيش الجزائري عن قدر كبير من السلطة لأي رئيس مدني في المستقبل.
وفي الاضطرابات الحالية، يمكن للجيش أن يدرس استخدام القوة إذا تفاقم الأمر. لكن هذا يبدو احتمالا بعيدا. فقد احتفظت المظاهرات بالطابع السلمي حتى الآن بل وتخللتها أجواء احتفالية. واختار الجيش البقاء على الهامش، في تناقض حاد مع أوائل التسعينيات عندما أثار إسلاميون ملتحون قلق القادة بتجمعات جماهيرية للمتشددين. ولا يريد أي جزائري العودة إلى تلك الأيام، عندما ألغى الجيش الانتخابات التي كان الإسلاميون بصدد الفوز فيها، مما أشعل حربا أسفرت عن مقتل ما يصل إلى 200 ألف شخص. لكن لا يمكن استبعاد العودة إلى الاضطرابات المدنية التي هزت البلاد بين عامي 2001 و2002 إذا تزايدت الاحتجاجات.
ما تتفق عليه جميع الأطراف هو الحاجة إلى زعيم يضع إصلاح الاقتصاد القائم على النمط السوفيتي على رأس أولوياته. وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في تقرير إنها تتوقع أن يلقي استمرار الضبابية لفترة طويلة بظلاله على الآفاق الاقتصادية للبلاد. وقال القائد العسكري المتقاعد ”الجيش يريد الاستقرار والقادة يعرفون أن هذا لن يتحقق إلا إذا كان لديك رجل يملك رؤية اقتصادية تحمل مقومات البقاء لإقناع الجزائريين بأن الإصلاحات الاقتصادية هي السبيل الوحيد للمضي قدما“.
ويرقب الجيش الموقف عن بعد انتظارا للحظة المناسبة للتدخل بعد أن كسب إلى صفه حلفاء بوتفليقة في عملية أفرغت دائرة المقربين من الرئيس، أملا منه في فترة انتقال سلس. لكن قادة الاحتجاجات التي بدأت قبل أسابيع وفجرها الغضب من مزاعم فساد ومحسوبية وسوء إدارة اقتصادية قالوا إن الخطة ليست كافية وتهدد بمواجهة مع الجيش.
وقال مصطفى بوشاشي المحامي والناشط إن الاحتجاجات ستستمر وإن مطالب الجزائريين تشمل تغيير النظام السياسي. وأضاف أن تطبيق المادة 102 من الدستور يعني أن رموز النظام سيشرفون على الفترة الانتقالية وسينظمون الانتخابات الرئاسية. وقال المتظاهرون مرارا إنهم سيرفضون أي ترتيب لخلافة سياسية أو أي تدخل للجيش في السياسة وإنهم يريدون تحولا يقود إلى حكومة توافقية. وقال زكريا الجزيري (26 عاما) الموظف بهيئة البريد ”نريد ديمقراطية حقيقية وليس ديمقراطية صورية“.
ومن شأن أي رفض واضح من الجيش لمطالب التحول الديمقراطي أن يعمق أكبر أزمة سياسية تشهدها البلاد منذ عام 1992 عندما ألغى الجيش انتخابات كان الإسلاميون على وشك الفوز فيها مما أشعل حربا أهلية أودت بحياة 200 ألف شخص. وقالت لويزا إدريس أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر ”هل هناك خطر .. وقوع مواجهة إذا رفض المتظاهرون نهج الجيش؟ هذا افتراض لا يمكن استبعاده تماما“. بحسب رويتر.
وقال مسؤول من وكالة الطاقة الدولية إن المخاطر كبيرة لكون لجزائر عضوا مهما في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومصدرا رئيسيا للغاز لأوروبا وإن كان إنتاجها من النفط والغاز لم يتأثر فيما يبدو حتى الآن بالاضطرابات التي تشهدها البلاد. وتنظر الدول الغربية للجزائر أيضا باعتبارها شريكا في مكافحة الإرهاب وقوة عسكرية مهمة في شمال أفريقيا وطرفا دبلوماسيا رئيسيا في جهود حل الأزمات في مالي وليبيا.
اضف تعليق