التربويون من الشرائح الوظيفية المسحوقة في البلد، وربما من اشد الشرائح المظلومة من بين وزارات الدولة، فالمعلم والمدرس يُحال على التقاعد ولم يُسلّم قطعة ارض او يُحسن مرتبه الشهري ليكمل شهره دون ان يقترض من الآخرين او التقصير على اسرته بعدم تلبية متطلباتها...

ما اشبه الامس باليوم، قبل أكثر من خمس سنوات خرج حملة الشهادات العليا مطالبين بالتعيين وفرص عمل تليق بهم، وقُبلوا بالاعتداء من قبل القوات الأمنية المسؤولة عن حماية المنطقة الخضراء، ومن المعروف ان هذه القوات سيئة الصيت تتعامل بروح وحشية مع جميع من يقترب من اسوار المنطقة.

حصل حينها اعتداء على أصحاب الشهادات العليا ورشهم بالماء الحار، الامر الذي مكنهم من الاستحواذ على الرأي العام الشعبي والتأييد الجماهيري، وكلنا يعلم ماذا حصل وكيف أسهمت الاحداث وقتها بسقوط حكومة عادل عبد المهدي، فهل يُعيد التاريخ نفسه مع خروج الكوادر التربوية؟

مشهد الاعتداء الذي وقع في بغداد عام 2019، نفسه تكرر في محافظة ذي قار قبل أيام في إشارة الى ان المنهجية الحكومية العدوانية لم تتغير، وان أساليب التعامل مع الازمات لا تزال تعتمد على مبدأ القوة والقمع بعيدا عن سياسية التهدئة والاحتواء التي يجب ان تتبعها الحكومات مع مواطنيها.

التربويون من الشرائح الوظيفية المسحوقة في البلد، وربما من اشد الشرائح المظلومة من بين وزارات الدولة، فالمعلم والمدرس يُحال على التقاعد ولم يُسلّم قطعة ارض او يُحسن مرتبه الشهري ليكمل شهره دون ان يقترض من الآخرين او التقصير على اسرته بعدم تلبية متطلباتها.

التربوي هو الموظف الوحيد الذي يقضي اغلب أوقات الدوام الرسمي واقفا على رجليه، ويعطي مادته العلمية دون ملل او كلل، مع النقص الحاد في التأثيث وعدم توفير المكان اللائق بمكانته التربوية ووظيفته الجليلة في تعليم الأجيال ووضعها على جادة الصواب والاخذ بيدها نحو التفوق العلمي والعملي.

لا أحد من الأهالي او بنسبة كبيرة منهم يتحمل ما يصدر من الطلبة في القاعات الدراسية إيذاء او تصرفات غير مسؤولة، ومع ذلك يتعامل التربوي مع الجميع وكأنهم ابناءه، ولا يفرق بين هذا او ذاك، يريد ان يكون النجاح حليف الكل، ويحزن إذا تراجع أحدهم او تلكأ.

بينما اليوم يواجه هذا التربوي مصيرا ماليا مجهولا في ظل الصعود المخيف بالأسعار، الى جانب ازدياد متطلبات الحياة العامة، ففي الماضي لم تكن الحياة بهذا التعقيد، المعلم يسكن في بيت بسيط او مع الاهل، ولا توجد حاجة لتوفير بعض المتطلبات، كخطوط الأولاد الى المدارس، وضرورة إدخالهم في المعاهد الخصوصية.

هذه بعض النقاط التي توجب على الحكومات وبضمنها الحالية، الوقوف مع المطالب لشريحة التربويين، وعدم المماطلة لتسويف المطالب في الوقت الذي يعتبر التسويف الوقود الذي يلهب الأوساط من جديد.

ومن مضار التسويف أيضا الإشارة الى ان حكومة السوداني غير ملتزمة بالمبادئ العامة التي اكدت على مراعاتها ومن بينها حفظ الكرامة الإنسانية وتوفير العيش الرغيد بعيدا عن الشظف والحرمان.

استمرار الاضراب والخروج بهذه الطريقة من قبل الكوادر التربوية يعني ان الخطر لا يزال يحاصر حكومة السوادني، ولا مخرج امامه سوى اتباع أحد الطريقين.

الطريق الأول هو الخروج امام الشعب وتوضيح الوضع المالي الذي يعيشه البلد، وإعطاء التبريرات لزيادة المخصصات المالية للمسؤولين بما يثقل ميزانية الدولة العامة ويضغط عليها كثيرا على حساب المصروفات الأخرى ومن بينها او أهمها صرف الزيادات التي يطالب بها التربويين.

اما الطريق الآخر يأتي بعد العجز عن تلبية هذه المطالب في الوقت الحالي نظرا لجملة من الأسباب، عليه الترجل عن الكرسي؛ ذلك ان النتيجة واحدة، فالخروج بماء الوجه أفضل بكثير من الخروج مرغما.

لا يمكن استبعاد خيار الانهيار الوشيك للحكومة الحالية، مع ظهور المعالجات الحكومية التي لا تصب جميعها بمصلحة المدرس او المعلم المضربين في الشوارع، نية التسويف واضحة، واللعب على وتر الوقت استراتيجية راسخة لدى الحكومة الحالية، ولهذا نقول للحكومة السيد السوداني استعيدي ذكرياتك وصححي مسارك قبل فوات الأوان.

اضف تعليق