من المؤسف أن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الحكومة إلى سياسة "الإطفاء المؤقت"، بدلًا من العمل على حلول استراتيجية طويلة الأمد. مرّت سنوات على مطالبات المعلمين بحقوقهم المشروعة، من دون أن تترجم تلك المطالب إلى تحولات جذرية في واقعهم اليومي. ومع كل حركة احتجاجية، يخرج المسؤولون بتصريحات مُطمئنة، يعقبها فتورٌ في التنفيذ...

شهدت الساحة التربوية والتعليمية في البلاد خلال الأيام القليلة الماضية واحدة من أكثر التحركات جدية من قبل الكوادر التعليمية، تمثلت في إضراب شامل استمر ثلاثة أيام. جاء هذا الإضراب تعبيراً صارخاً عن حجم المعاناة التي تعيشها هذه الفئة الأساسية في المجتمع، في ظل تردّي الأوضاع المعيشية وغياب الحوافز المهنية الكافية، ناهيك عن شعور متزايد بالتهميش والإهمال من قبل الجهات الرسمية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، بعد إصدار رئاسة الوزراء عدداً من القرارات "الاستثنائية" كما وُصفت: هل ستُترجم هذه الوعود إلى أفعال، أم أننا أمام فصل جديد من فصول الوعود غير المُنجزة؟

القرارات التي أعلنتها الحكومة في أعقاب الإضراب بدت في ظاهرها وكأنها خطوة نحو تهدئة الأوضاع واحتواء الأزمة، ومن أبرزها تعديل سلم الرواتب، وتحسين بيئة العمل داخل المدارس، وزيادة بعض الحوافز المالية. ورغم الترحيب الحذر من بعض النقابات التعليمية، فإن الغالبية بقيت متشككة، استناداً إلى تجارب سابقة مليئة بالوعود المؤجلة والتنفيذ الانتقائي.

من المؤسف أن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الحكومة إلى سياسة "الإطفاء المؤقت"، بدلًا من العمل على حلول استراتيجية طويلة الأمد. مرّت سنوات على مطالبات المعلمين بحقوقهم المشروعة، من دون أن تترجم تلك المطالب إلى تحولات جذرية في واقعهم اليومي. ومع كل حركة احتجاجية، يخرج المسؤولون بتصريحات مُطمئنة، يعقبها فتورٌ في التنفيذ، وضياعٌ في التفاصيل البيروقراطية، ثم يعود الوضع إلى ما كان عليه.

التشكيك في جدية الحكومة هذه المرة لا ينبع من موقف عدمي، بل من تجارب موثقة. فالمعلمون الذين انتظروا تحسين رواتبهم أو تطبيق نظام التأمين الصحي أو إعادة تأهيل المدارس، لم يروا في السنوات الماضية سوى خطوات بطيئة، إن لم نقل شكلية، لا ترتقي لحجم التحديات. وما يزيد الأمر سوءًا هو أن الخطاب الحكومي غالبًا ما يُحمّل المعلمين جزءًا من المسؤولية، وكأنهم عبء على الدولة وليسوا عمادها.

لكن رغم كل هذا، لا بد أن نعترف أن الإضراب الأخير نجح، ولو جزئيًا، في إعادة الاعتبار إلى صوت المعلم، وفي فرض قضايا التعليم على طاولة النقاش الوطني. وهذا يُحسب للحراك التربوي الذي أدار معركته المهنية بأسلوب حضاري وسلمي، متسلّحًا بحقه المشروع في العيش الكريم والعمل ضمن بيئة عادلة.

إلا أن الطريق ما زال طويلًا. إن تحقيق العدالة للكوادر التعليمية يتطلب ما هو أكثر من قرارات لحظية. نحتاج إلى رؤية وطنية واضحة تُعيد هيكلة القطاع التعليمي برمته، وتُعلي من مكانة المعلم، لا فقط عبر الرواتب بل أيضًا من خلال التدريب المستمر، وتخفيف الأعباء الإدارية، وتوفير بيئة تعليمية محفزة وآمنة. فالمعلمون ليسوا مجرد موظفين، بل شركاء في صناعة المستقبل.

ختامًا، لا يمكننا أن نُجزم اليوم ما إذا كانت قرارات رئاسة الوزراء ستُنفّذ كما يجب، أم ستُضاف إلى أرشيف التصريحات المُنمقة. لكن المؤكد أن المعلمين قد كسروا حاجز الصمت، وأثبتوا أن الكلمة إذا صارت جماعية، فبإمكانها أن تهزّ أركان الصمت الرسمي. الكرة الآن في ملعب الحكومة: فإما أن تحوّل هذه اللحظة إلى نقطة تحول حقيقية في ملف التعليم، أو أن تعود إلى سيرتها الأولى، وتخسر ما تبقّى من ثقة الناس.

اضف تعليق


التعليقات

الست سُرى علاء الياسري
العراق
السلام عليكم ان شريحة المعلمين لم يطالبوا إلا بحقوقهم البسيطة وكنا نأمل من الحكومة العراقية الاستجابة السريعة لكي يأخذ كل ذو حق حقه لأنهم الشريحة الأول لبناء جيل متعلم واعي ونحن بدورنا ندعمهم ونشد على ازرهم و نأمل من الجهات المعنية النظر إلى هذا الأمر بجدية.2025-04-14
حوراء حرب البزوني
احسنتم2025-04-14
آمنة الأسدي
بورك قلمك واحسنت2025-04-14
ضياء الكناني
هناك اعتبارات حزبية ضيقة مشوب بالشحن الجماهير والمصلحة التثقيفية لجهات سياسية تجير طرف على حساب طرف اخر تتارجح بينهم مسألة سلم رواتب الموظفين عدم العدالة فيه عدم وجود ثقة في الاطراف صاحبة القرار من يكسب اربعة ملايين ونصف موظف او صوت انتخابي لذلك كانوا كلهم في منأى من هذا من المصحلة لهم التبقى الامور على وضعها كل اربع سنوات2025-04-14