q
العلاقات الأمريكية التركية تزداد توترا بسبب بعض القضايا والملفات الخلافية المهمة، حيث تفاقم التوتر بشكل كبير في الفترة الأخيرة على خلفية سجن تركيا للقس الأمريكي برانسون، الذي كان يشرف على كنيسة في مدينة أزمير المطلة على بحر إيجه...

العلاقات الأمريكية التركية تزداد توترا بسبب بعض القضايا والملفات الخلافية المهمة، حيث تفاقم التوتر بشكل كبير في الفترة الأخيرة على خلفية سجن تركيا للقس الأمريكي برانسون، الذي كان يشرف على كنيسة في مدينة أزمير المطلة على بحر إيجه، وسجن لمدة سنتين بتهمة الإرهاب، لكنه وضع قيد الإقامة الجبرية في وقت لاحق. وهناك خلاف بين البلدين بشأن عدد من القضايا من بينها سياسة واشنطن في سوريا ومطالبة أنقرة بترحيل رجل الدين فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة والذي تتهمه تركيا بالمسؤولية عن محاولة الانقلاب عام 2016.

وهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض ”عقوبات كبيرة“ على تركيا ما لم تفرج عن قس أمريكي أدى احتجازه إلى زيادة التوتر في العلاقات بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي. وقال ترامب في تغريدة على تويتر ”ستفرض الولايات المتحدة عقوبات كبيرة على تركيا بسبب احتجازها لفترة طويلة للقس آندرو برانسون وهو مسيحي عظيم ورب أسرة وإنسان رائع“. وأضاف ترامب ”هو يعاني كثيرا. يجب إطلاق سراح رجل الدين البريء هذا على الفور!“ وفي وقت سابق لوح نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس وهو مسيحي متدين بتهديد مماثل وجهه مباشرة إلى الرئيس التركي.

وقال بنس في فعالية عن حرية الأديان استضافتها وزارة الخارجية الأمريكية ”إلى الرئيس (طيب) إردوغان والحكومة التركية، لدي رسالة نيابة عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية: أطلقوا سراح القس آندرو برانسون أو استعدوا لمواجهة العواقب“. وأدى التهديد بالعقوبات إلى تراجع في الأسواق المالية التركية.

ورد وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو على تهديدات ترامب بالقول في تغريدة "لا احد يمكنه اصدار امر لتركيا ولن نقبل ابدا التهديدات مهما كان مصدرها. ان دولة القانون تنطبق على الجميع من دون اي استثناء". بدوره اعتبر ابراهيم كالين المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في بيان ان "على الادارة الاميركية ان تفهم انها لن تحصل على النتيجة التي تريدها عبر تهديد تركيا".

أزمة وتحديات

وفي هذا الشأن فاي آمال تركية في أن تخف حدة الأزمة مع الولايات المتحدة بفعل العلاقة الشخصية بين زعيمي البلدين تبددت عندما حذر الرئيس ‭‭ ‬‬الأمريكي دونالد ترامب تركيا مباشرة بفرض عقوبات بسبب احتجازها لقس أمريكي. ومع تزايد العداء لأنقرة في الكونجرس بسبب خلافات تشمل مصير القس المسيحي أندرو برانسون وعقوبات إيران وخطط تركيا لشراء نظام دفاع صاروخي روسي، كان ينظر المسؤولون الأتراك لترامب على أنه يمثل حماية محتملة في مواجهة أسوأ تداعيات لانهيار العلاقات.

لكن في علاقة تعاني من تبادل الاتهامات وسوء التفاهم المتبادل وسياسات الشرق الأوسط التي لا يمكن التوفيق بينها فيما يبدو، قد يتبين أن تعليق الآمال على ترامب قد يكون خطأ في التقدير. وحينما علق الأتراك الآمال في أن يقود ترامب العلاقة إلى أجواء هادئة، وجه الرئيس نفسه ونائبه مايك بنس تحذيرا مباشرا للرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعقوبات تلوح في الأفق.

وقال سنان أولجن الدبلوماسي التركي السابق والمحلل في مركز كارنيجي أوروبا ”تغريدة ترامب عن برونسون تظهر أن ثمة نقاط ضعف في هذه الاستراتيجية“. ولم يكشف ترامب عن الشكل الذي يمكن أن تتخذه العقوبات، لكن مشروع قانون في مجلس الشيوخ الأمريكي لتقييد القروض إلى تركيا من المؤسسات المالية الدولية وافقت عليه لجنة، وهي خطوة مبكرة مهمة لإقرار التشريع.

وفي الآونة الأخيرة، بات القس برانسون محور التركيز المعلن للغضب الأمريكي من تركيا، التي كانت ذات يوم واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكن الثقة بين البلدين الحليفين في حلف شمال الأطلسي ظلت تتآكل منذ سنوات. وكانت اللحظة الأسوأ لتركيا عندما قررت واشنطن في عام 2017 تسليح وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها أنقرة جماعة إرهابية، لقيادة الحرب على تنظيم داعش في شمال سوريا.

ثم قالت تركيا إنها بصدد إبرام اتفاق لشراء نظام دفاع جوي روسي في خطوة قالت واشنطن إنها ستضر أمن حلف شمال الأطلسي وتجازف بخطط تركية لشراء مقاتلات أمريكية من طراز إف-35. وتفاقمت الأزمة عندما احتجزت السلطات التركية موظفين بالقنصلية الأمريكية بزعم صلاتهم بمحاولة انقلاب في يوليو تموز عام 2016. وقالت تركيا إن العقل المدبر لمحاولة الانقلاب رجل دين إسلامي يقيم في ولاية بنسلفانيا منذ نحو 20 عاما. وخلال الأزمات المتتالية، وصف كل طرف نفسه بأنه الطرف المظلوم الذي تعرض للخيانة من قبل شريك طويل الأمد يتجاهل وجهة نظره عن عمد.

وقال هوارد ايسنستات الأستاذ في تاريخ الشرق الأوسط بجامعة سان لورانس ”كانت هذه سلسلة من حالات سوء التفاهم أضرت بالثقة حتى نقطة الانهيار“. وأضاف ”هذا يشبه الطلاق البغيض حقا حيث فقد الجانبان الثقة ببساطة في بعضهما البعض. إنهما يشعران بالإساءة، ولأنهما يشعران بالإساءة يشعران بالحق في التجني على حقوق الآخرين“.

وتصر تركيا على أن محاكمة برانسون في تهم تتعلق بالإرهاب مسألة تقررها المحاكم وينفي القس الاتهامات. وقد وصفته واشنطن بأنه رهينة وطالبت بالإفراج الفوري عنه وعن اثنين من موظفي القنصلية الأمريكية المحتجزين بالإضافة إلى موظف قنصلي ثالث رهن الإقامة الجبرية. وكان احتجاز برانسون أحد الأسباب التي دفعت مجلس الشيوخ الأمريكي للمطالبة بفرض حظر على مبيعات مقاتلات من طراز إف-35 إلى تركيا ما لم يثبت ترامب أن تركيا لا تهدد حلف شمال الأطلسي أو تشتري معدات دفاعية من روسيا أو تحتجز مواطنين أمريكيين.

وهونت تركيا من شأن أي تهديد من الكونجرس، قائلة إن ترامب سيقرر في نهاية المطاف الأمور. وقال إردوغان للبرلمان التركي”هذا شيء يعود تماما إلى تقدير الرئيس الأمريكي“، مشيرا إلى مبيعات مقاتلات إف-35. وقال إردوغان ”ليس لدينا أدنى قلق في هذه النقطة“. وتحدث مسؤول تركي عن تفاهم أفضل آخذ في الحدوث. وربط التحسن الملحوظ بما قال إنها سيطرة ترامب المتزايدة على السياسة الأمريكية على النقيض من ”عقلية بعض أعضاء الكونجرس“.

لكن مسؤولين أمريكيين ومحللين يقولون إن التركيز على ترامب، الذي تصافح مع بوتين بقبضة اليد في قمة حلف شمال الأطلسي في أوائل يوليو تموز، كان سوء تقدير كبيرا من تركيا. وقال آرون ستاين الزميل المقيم في المجلس الأطلسي بواشنطن ”المشكلة في تفكير الحكومة التركية هي أنهم ما زالوا يعتقدون أن هذا الأمر يعود إلى السلطة التنفيذية. الكونجرس هو الذي يحدد الأجندة الآن... يجب أن يمثل ذلك تحذيرا“.

وتملك تركيا نفوذا في الشرق الأوسط وما وراءه وذلك بثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي وقواتها في سوريا والعراق وقاعدة جوية لحلف شمال الأطلسي في جنوب البلاد. وكان ينظر إلى تركيا لسنوات على أنها نموذج يمزج بين الإسلام والديمقراطية لا سيما في السنوات الأولى لحكم إردوغان المستمر منذ 15 عاما. لكن واشنطن انتقدت حملة القمع التي أعقبت المحاولة الفاشلة لبعض ضباط في الجيش للإطاحة بإردوغان ويقول منتقدون غربيون إنه يدفع تركيا نحو حكم الفرد.

وإردوغان الذي أعيد انتخابه بسلطات جديدة يرفض الانتقادات ويقول إن تركيا يجب أن تكون قوية للتعامل مع تهديدات الصراع الإقليمي وأنصار رجل الدين فتح الله كولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب. وينفي كولن ذلك. وقدمت تركيا طلبات متكررة دون جدوى من أجل تسليم كولن. وتقول واشنطن إن المحاكم تطلب أدلة كافية قبل أن تتمكن من تسليم رجل الدين. وفي تركيا، يتزايد العداء للولايات المتحدة وفي حين تتباعد المشاعر الشعبية، تتباعد كذلك السياسات التي تتبعها أنقرة وواشنطن في المنطقة لا سيما بشأن سوريا وإيران. بحسب رويترز.

ومع تمركز القوات الأمريكية إلى جانب مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا، حذر إردوغان في وقت سابق من هذا العام من أن الجنود الأمريكيين قد يقعوا في مرمى نيران أي عمل عسكري تركي ضد المقاتلين الأكراد قرب مدينة منبج. وتلوح في الأفق خلافات جديدة بشأن إيران. وأعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع طهران ودعا إلى فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية.

وتقول تركيا، التي تشتري قدرا كبيرا من نفطها من إيران المجاورة، إن واشنطن لا تستطيع أن تملي شروطها فيما يتعلق بالتجارة مع الدول الأخرى. وقال المسؤول التركي ”ثمة شيء واحد كان دائما نقطة الخلاف في هذه العلاقة... عندما يتخذ الأمريكيون قرارا بشأن شيء، يريدون من الجميع الانصياع لهم. يعتقدون أن قرارهم ملزم دوليا وهو ليس كذلك“.

إنقاذ العلاقات

الى جانب ذلك قال المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بإمكان تركيا والولايات المتحدة إنقاذ العلاقات بينهما وذلك بعدما هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات على أنقرة مع تفاقم التوتر بين البلدين الشريكين في حلف شمال الأطلسي. وكتب إبراهيم كالين المتحدث باسم أردوغان في مقال رأي نشرته صحيفة صباح المؤيدة للحكومة ”يمكن إنقاذ العلاقات وتحسينها إذا نظرت الإدارة الأمريكية بعين الجدية لمخاوف تركيا الأمنية“. وحذر ترامب تركيا مباشرة من عقوبات محتملة إذا لم تطلق سراح القس الأمريكي المحتجز لديها أندرو برانسون الذي تصفه واشنطن بأنه رهينة. ونُقل برانسون إلى الإقامة الجبرية في منزله بعدما قضى أكثر من 20 شهرا في سجن تركي أثناء محاكمته بتهم تتعلق بالإرهاب. بحسب رويترز.

وصعدت إدارة ترامب حملتها لإطلاق سراح برانسون بعد قرار المحكمة الذي يرى كثيرون أنه قد يساهم في تخفيف التوتر بين البلدين الحليفين. وقال كالين ”ربما يكون لدى الرئيس ترامب نوايا حسنة تجاه العلاقات مع الرئيس أردوغان وتركيا. سيكون هناك رد على ذلك عندما تستند العلاقة إلى الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة“. وأضاف في مقاله أن التهديدات الموجهة لتركيا لن تجدي مشيرا إلى أنها ستضر العلاقات بين أنقرة وواشنطن.

وأصبحت قضية برانسون أحدث وأشهر مثار للغضب الأمريكي من تركيا التي كانت أحد أقرب الحلفاء لواشنطن في الشرق الأوسط لكن الثقة بين البلدين تتدهور منذ أعوام. وفي السابق ربط الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مصير القس الأمريكي بمصير رجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن الذي تريد تركيا محاكمته باعتباره مدبر محاولة الانقلاب. وينفي كولن التهمة.

ماجد عزام، الباحث في الشأن التركي، قال إن "هناك أبعاد وعلاقات استراتيجية بين الولايات المتحدة وتركيا ومصالح مشتركة على الرغم من وصولها إلى نقطة حرجة كما قال وزير الخارجية التركي في أبريل/ نيسان الماضي، إما معالجتها بشكل جيد أو سيكون صعب إعادتها إلى المسار الصحيح". على الجانب الآخر، قالت د. عبير كايد، الأكاديمية والباحثة السياسية في الشؤون الأمريكية والشرق أوسطية، إن "الولايات المتحدة بحاجة إلى تركيا لأنها الباب للمهاجرين وأيضا لقضايا أخرى خاصة الملف السوري". وأشارت إلى "أننا لا نجزم أن كل ما يقوله ترامب سينفذ لعدة أسباب، أولها أن تركيا عضو في الناتو، إضافة "لعدم وجود أي عداء عسكري بين أمريكا وتركيا لفرض تلك العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على إيران وكوريا الشمالية".

وفي محاولة لتخفيف حدة هذا التوتر اعلن مسؤول تركي كبير ان وزيري خارجية البلدين تشاوش اوغلو ومايك بومبيو تحادثا هاتفيا بشأن قضية القس الاميركي. ويعتبر اعتقال القس الاميركي احد اسباب توتر العلاقات بين واشنطن وانقرة. ويبدو ان الولايات المتحدة قررت اعتبار اعتقال القس الاميركي رمزا للاضطهاد الديني في العالم، وذلك خلال هذا الاجتماع الوزاري الاول من نوعه حول الحريات الدينية والذي اعلن بومبيو انه ينوي جعله سنويا. وبعد اتهامها بتجاهل قضايا حقوق الانسان قررت ادارة ترامب جعل قضية القس برانسون في اولويات اهتماماتها.

اضف تعليق