صانع الاستقرار بالنسبة للبعض وحاكم منفرد بالنسبة لاخرين، يقود المشير السابق عبد الفتاح السيسي مصر بلا منازع منذ العام 2013 بما لا يترك الكثير من الشكوك حول نتيجة الانتخابات الرئاسية. بعد ان أزاح سلفه الاسلامي محمد مرسي في العام 2013 اثر تظاهرات جماهيرية كبيرة طالبت برحيله، تمكن السيسي من الفوز بسهولة بالانتخابات الرئاسية في العام 2014.
بدأ المصريون الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية للعام 2018 وهي رابع انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ مصر وثالث انتخابات رئاسية بعد ثورة 25 يناير. ويتوجه بحسب بعض التوقعات حوالي 60 مليون ناخب مصري مسجل للإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات التي يرى البعض انها محسومة بشكل رسمي للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي وصل لكرسي الرئاسة بعد اكتساحه لانتخابات عام 2014، خاصة بعد انسحاب جميع المرشحين المحتملين أصحاب الشعبية التي كان من الممكن أن تشكل تهديداً لسلطة السيسي خصوصا وانه يواجه تحديات امنية واقتصادية كبيرة.
ويقول معارضون مصريون ومنظمات حقوقية مصرية ودولية إن الانتخابات الرئاسية مشكوك بنزاهتها، واصفين إيّاها بالاستفتاء الذي لم يُسمح للمرشحين، من أصحاب الشعبية، بالتنافس فيه. وقال عمرو مجدي الباحث في شؤون مصر "اعتقلت الحكومة أهم المنافسين أو قامت بترهيبهم للخروج من السباق الانتخابي". ووفقاً لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان، ثمة ما لا يقل عن 60 ألفا سجين قابعين في السجون المصرية، بينما خضع نحو 15 ألف مدني لمحاكمات عسكرية منذ تشرين الأول-أكتوبر 2014". كذلك يطالب معارضون مصريون بمقاطعة الانتخابات على الرغم من تعهد اللجنة العليا للانتخابات بإدارة انتخابات نزيهة وعادلة.
وتجرى الانتخابات بحسب بعض المصادر، في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من مصاعب عدة، حيث أدى تحرير سعر صرف الجنيه المصري في تشرين الثاني-نوفمبر 2016 إلى فقدان العملة لنصف قيمتها، وهو ما نتج عنه تفاقم في معدلات التضخم لتقفز إلى أكثر من 30% الصيف الماضي، وازدادت حدّته في ظل رفع الحكومة الدعم عن منتجات الوقود. كذلك فإن انعدام الأمن والحرب التي يخوضها الجيش المصري ضد جماعات إرهابية مسلحة بشبه جزيرة سيناء أثرت بشكل حاد على عائدات السياحة المصرية.
رئيس بلا منازع
صانع الاستقرار بالنسبة للبعض وحاكم منفرد بالنسبة لاخرين، يقود المشير السابق عبد الفتاح السيسي مصر بلا منازع منذ العام 2013 بما لا يترك الكثير من الشكوك حول نتيجة الانتخابات الرئاسية. بعد ان أزاح سلفه الاسلامي محمد مرسي في العام 2013 اثر تظاهرات جماهيرية كبيرة طالبت برحيله، تمكن السيسي من الفوز بسهولة بالانتخابات الرئاسية في العام 2014.
ومنذ توليه الحكم قبل أربع سنوات، اسكت السيسي كل صوت معارض، سواء إسلامي أو ليبيرالي. وخلف نظارته السوداء الشهيرة يظهر ضابط الجيش السابق، الذي استبدل الزي العسكري ببزات مدنية داكنة، كثيرا في وسائل الاعلام المصرية وعبر شاشات التلفزيون فيشارك مرة في اطلاق حدث او في مؤتمرات مع الشباب المصري.
ويتحدث السيسي باللهجة المصرية العامية ويلقي خطبا مسهبة بصوت دافئ تتخللها احيانا ضحكات بصوت مرتفع أمام جمهور منتبه وهادىء. وبلهجة أبوية، يصف السيسي المصريين بانهم "نور عينه" مؤكدا انه ليس أكثر من خادم لشعبه اختير لخدمة بلده. احتفظ السيسي بشعبيته لدى المصريين الذين لا يزالون يرون فيه الرجل الوحيد القادر على الحفاظ على الاستقرار بعد أن سئموا من الفوضى التي سادت في أعقاب ثورة 2011 التي أسقطت حسني مبارك.
دفع السيسي بالجيش في شمال سيناء، حيث ينشط الفرع المصري لتنظيم داعش، ولكنه لم ينجح في القضاء على موجة الاعتداءات الدامية التي تستهدف أساسا رجال الجيش والشرطة. على الصعيد الاقتصادي، أطلق السيسي برنامجا استهدف أساسا تقليص الدعم الذي تقدمه الدولة للسلع الأساسية والكهرباء والمحروقات. ورغم الاستياء الشعبي لم تحدث أي احتجاجات.
ولد السيسي في تشرين الثاني/نوفمبر 1954 في حي الجمالية بقلب القاهرة الاسلامية وكان من الصغر متميزاً وسط اقرانه ويتحلى بصفات قيادية، بحسب من عرفوه في تلك الفترة. تخرج من الكلية الحربية في العام 1977 ودرس بعد ذلك في انكلترا ثم في الولايات المتحدة قبل ان يصبح رئيسا للاستخبارات العسكرية في عهد مبارك في العام 2010. وفي 2013 تصدر السيسي المشهد السياسي وشن حملة قمع دام ضد انصار الرئيس الاسبق محمد مرسي ما ادى الى مقتل مئات المتظاهرين الاسلاميين في اسابيع.
ومن المفارقة ان مرسي كان عين بنفسه السيسي وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة في اب/اغسطس 2012. وابدى الناشطون العلمانيون واليساريون الذين ايدوا اطاحة مرسي اسفهم بعد ذلك على موقفهم. وتتهم منظمات حقوق الانسان الدولية بانتظام السيسي بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان. وفي 14 اب/اغسطس 2013 ، بعد شهر من اطاحته مرسي، قتل شرطيون وجنود اكثر من 700 متظاهر من انصار الرئيس الاسلامي خلال بضع ساعات في القاهرة.
وتحدثت منظمة هيومن رايتس ووتش انذاك عن "قتل جماعي" يمكن ان يشكل "جريمة محتملة ضد الانسانية". واثناء حملته الانتخابية في العام 2014 اعتبر ان "الحريات" لا ينبغي ان تكون على حساب "الامن القومي واكد في مقابلة صحافية ان الامر يتطلب "20 الى 25 عاما لاقامة ديموقراطية حقيقية " في مصر. بحسب فرانس برس.
ومنذ عزل مرسي، سجن عشرات الالاف من انصاره وصدرت أحكام جماعية سريعة دانتها بشدة الامم المتحدة بحق مئات من أنصار الاخوان المسلمين من بينهم الرئيس المخلوع نفسه. ويقول المقربون من السيسي، وهو أب لاربعة ابناء وزوجته محجبة، انه رجل متدين يؤدي فروض الصلاة الخمسة يوميا.
حملة ضد المعارضة
قال باحث بمنظمة هيومن رايتس ووتش إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أشرف على حملة قمع غير مسبوقة ضد المعارضة في مصر وإن من شبه المؤكد أن تؤدي الانتخابات إلى بقائه في السلطة لمدة طويلة. ومن المتوقع أن يفوز السيسي بفارق كبير في الانتخابات التي تجرى بين 26 و 28 مارس آذار في ظل انسحاب جميع مرشحي المعارضة. ويقول المرشح الوحيد الذي ينافس السيسي إنه يؤيد الرئيس.
وقال عمرو مجدي الباحث في شؤون مصر بالمنظمة في باريس ”اعتقلت الحكومة أهم المنافسين أو قامت بترهيبهم للخروج من السباق الانتخابي“. وأضاف قائلا ”الطريقة التي تسير بها الأمور تنبئنا بأن (السيسي)... سيحرص على البقاء في السلطة. ربما تجد الحكومة تجري تعديلات لتقليص القيود على المدد الرئاسية وطرح أدوات قمع جديدة“. ويقول أنصاره إن السيسي حسن الوضع الأمني منذ عام 2013 عندما أطاح بالرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي بصفته قائدا للجيش آنذاك رغم استمرار عمليات مسلحة يقوم بها تنظيم داعش في شمال سيناء.
ويقول منتقدون إن شعبية السيسي تضررت بسبب إصلاحات تقشفية والحملة على المعارضين السياسيين والنشطاء والإعلام المستقل. وقال مجدي إن القمع أسوأ مما كان عليه في عهد الرئيس السابق حسني مبارك الذي أطيح به في انتفاضة قبل سبعة أعوام. وقال ”هذه أزمة حقوقية وسياسية غير مسبوقة في البلاد““ ووفقا لهيومن رايتس ووتش فإن ما لا يقل عن 60 ألفا محبوسين لأسباب سياسية وإن نحو 15 ألف مدني خضعوا لمحاكمات عسكرية منذ أكتوبر تشرين الأول 2014. بحسب رويترز.
وذكر مجدي أن مصر شهدت زيادة في عدد أحكام الإعدام منذ 2015 مع إغلاق القضايا التي فتحت منذ نهاية فترة حكم مرسي. ومنذ ديسمبر كانون الأول أعدم 28 شخصا. وقال مجدي ”من السهل تهميش الأشخاص الذين يمارسون العنف وعزلهم لكن النشاط السلمي هو الشغل الشاغل للحكومة“.
من جانب اخر قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مقابلة أذيعت إنه كان يرغب في وجود العديد من المرشحين في الانتخابات الرئاسية لمنح الناخبين فرصة أكبر للاختيار لكن الأحزاب ليست جاهزة بعد لذلك. وأضاف السيسي، أنه ليس له دور في غياب المرشحين. وقال السيسي ”والله العظيم أنا كنت أتمنى أن يكون موجود معانا واحد واتنين وتلاتة وعشرة من أفاضل الناس وتختاروا زي ما أنتم عايزين“.
تثبيت الدولة
الى جانب ذلك قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن فترته الرئاسية الأولى ثبتت الدولة وعززت مؤسساتها ودافع عن إجراءات التقشف القاسية. وأضاف السيسي، أثناء زيارته قاعدة جوية في سيناء حيث ينفذ الجيش والشرطة حملة واسعة ضد متشددين موالين لتنظيم داعش أن المتشددين سيهزمون قريبا.
ومضى يقول في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي ”السنوات الأربع الماضية كانت عبارة عن فترة تثبيت الدولة المصرية وتقوية مؤسساتها وإقامة بنية أساسية قوية“. وأضاف السيسي ”الإجراءات الاقتصادية اللي اتعملت كانت جزءا من تثبيت الدولة. أنا عايز أقول لكم إن كلنا بنعاني لكن هذه المعاناة لا تساوي شيئا جنب ضياع الدولة وانهيارها“. ونقل بيان نشر على صفحة المتحدث العسكري في فيسبوك قول السيسي للضباط والجنود في القاعدة ”سنأتي (إلى) هنا قريبا للاحتفال بالنصر علي خوارج هذا العصر“ مشيرا إلى المتشددين الذين قتلوا مئات من أفراد الجيش والشرطة خلال السنوات الماضية.
وقال بيان المتحدث العسكري إن وزير الدفاع والإنتاج الحربي الفريق أول صدقي صبحي ووزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار والفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة رافقوا السيسي في زيارته. وفي نوفمبر تشرين الثاني قتل أكثر من 300 شخص في هجوم على مسجد في شمال سيناء وقالت السلطات إن أحد المهاجمين كان يحمل راية تنظيم داعش. وعقب الهجوم أمر السيسي القوات المسلحة بسحق المتشددين المنتمين لتنظيم داعش. ويقول الجيش إنه قتل مئات المتشددين في الحملة بشمال سيناء والتي تشارك فيها الشرطة.
من جانب اخر قال المرشح الرئاسي المصري موسى مصطفى موسى إن إنجازات منافسه الرئيس عبد الفتاح السيسي مثال يحتذي به حاضرا ومستقبلا فيما بدا أنه اعتراف مبكر بضآلة فرصه في الفوز. وقدم موسى الذي يرأس حزب الغد أوراق ترشحه فجأة في الدقائق الأخيرة التي سبقت غلق باب الترشح ليصبح المنافس الوحيد للسيسي. وقال ”أتوجه بالشكر للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي... ومهما تكن النتائج النهائية سيكون تقديري لسيادتكم وإنجازاتكم هما مثال أحتذي به في حياتي ومستقبلي“.
وقبل ترشحه كان موسى ينظم فعاليات تؤيد ترشح السيسي لفترة رئاسية ثانية وأخيرة يسمح بها الدستور وبعد ترشحه ظل يجاهر بتأييده للرئيس الذي تنتهي ولايته الحالية في يونيو حزيران. وجاء جلوس موسى، وهو رجل أعمال أيضا، في مقعد المنافس للسيسي بعد انسحاب جميع مرشحي المعارضة بزعم تعرض مؤيديهم لحملات تخويف وتشويه إعلامي قائلين أيضا إن الظروف التي تجري فيها الحملات الانتخابية لا توفر منافسة حرة ونزيهة.
وينفي موسى ما يتهمه به منتقدوه بأنه ترشح فقط حتى لا يخوض السيسي الانتخابات وحيدا، وتقول حملة السيسي إنه لم يتم منع أي مرشح محتمل من الترشح لكن أوضاع المنافسين الآخرين ساهمت في تأمين فوز ساحق للرئيس. وعلى مدى الأسابيع الماضية، لم يكن يظهر موسى علنا سوى في بعض المقابلات التلفزيونية، بينما تكسو آلاف الملصقات التي تدعم السيسي شوارع القاهرة. ويصف نشطاء معارضون وصحفيون ومحللون موسى بأنه مرشح ”كومبارس“ ويقولون إنه ترشح فقط لإعطاء انطباع بوجود منافسة ديمقراطية كاملة. وقال موسى إنه ليس ”كومبارس“، وهو الحديث الذي يكرره منذ ذلك الحين.
اضف تعليق