سلطت الاحتجاجات الأخيرة في ايران وما تبعها من تطورات، الضوء على حالة الصراع والتنافس بين الطبقة السياسية في هذا البلد الذي يعيش أزمة اقتصادية خانقة أثرت سلبا على حياة الكثير من الافراد، فقد تصاعدت في الفترة الاخيرة حدة الحرب الإعلامية بين أجنحة النظام المتصارعة التي رأت في الاحتجاجات وكما نقلت بعض المصادر فرصة لتحقيق أهدافها على حساب خصومها، فقد لمحت حكومة الرئيس روحاني في بداية الاحتجاجات إلى تورط المحافظين بهدف الإطاحة بالحكومة، وذلك في رد على دعوات خطيب جمعة مشهد والمرشح الرئاسي الخاسر إبراهيم رئيسي، اللذين دعوَا المواطنين للتظاهر ضد سياسة حكومة الرئيس روحاني. في المقابل وصف المحافظون الاحتجاجات بعد انتشارها وتصاعد شعاراتها التي مست بالمرشد الأعلى ونظام ولاية الفقيه بالمؤامرة الخارجية. وقد انتخب روحاني المرة الاولى عام 2013 قبل إعادة انتخابه من جديد، ويتهمه معارضوه من المحافظين بإتباع سياسة ليبرالية جدا، وتجاهل أوضاع الطبقات الشعبية.
وفيما يخص اخر تطورات ملف الصراع في ايران، قال وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي إن السلطات أفرجت عن معظم من اعتقلتهم خلال احتجاجات مناهضة للحكومة في ديسمبر كانون الأول لكنها لا تزال تحتجز نحو 300 يواجهون اتهامات. وكان مسؤولون بالقضاء قد صرحوا بأن حوالي ألف اعتقلوا خلال الاحتجاجات التي استمرت أسبوعا في نحو 80 بلدة ومدينة. وقال أحد النواب إن عدد المقبوض عليهم 3700.
ونقلت وكالة تسنيم للأنباء عن رحماني فضلي قوله ”لا يزال أقل من 300 شخص ارتكبوا جرائم خلال الاضطرابات الأخيرة مسجونين وقضاياهم معروضة أمام القضاء“. وأضاف أن تسعة فقط ما زالوا محتجزين في طهران. ووقعت الاحتجاجات غضبا من ارتفاع أسعار السلع الغذائية وكانت من أكبر التجمهرات بإيران منذ الاضطرابات الواسعة التي صاحبت حملة إصلاحات عام 2009. وأخذت المظاهرات الأخيرة بعدا سياسيا غير مألوف حين طالبت مجموعة متزايدة بتنحي الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.
وأسفرت الاشتباكات بين المحتجين والشرطة عن سقوط 25 قتيلا وفقا للأرقام الرسمية. وقال مركز حقوق الإنسان في إيران ومقره نيويورك إن بعض المقبوض عليهم يواجهون تهما تصل عقوبتها إلى الإعدام. وطلب رئيس الهيئة القضائية صادق لاريجاني من المحاكم استخدام الرأفة مع من احتجوا سلميا وأن يقتصر العقاب على من ألحقوا أضرارا بملكيات عامة و”اتبعوا أوامر الأعداء“. وتوفي عدد من المعتقلين خلال فترة احتجازهم. وأكدت الهيئة القضائية موت اثنين لكنها قالت إنهما انتحرا. ويقول نشطاء إن ما يصل إلى خمسة توفوا في أثناء الاحتجاز وطالبوا بتحقيق مستقل.
قيود أكثر صرامة
الى جانب ذلك قال آية الله أحمد جنتي، أمين مجلس صيانة الدستور في إيران، إنه تَقرر الاتجاه نحو فرض مزيد من القيود على شبكة الإنترنت لمنع وقوع ما أسماه أعمال الشغب في المستقبل. ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء، تصريحات جنتي وأفادت بأنها جاءت عقب اجتماع المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي بخبراء في مجال الفضاء الالكتروني.
وقال جنتي إن العديد من البلدان الأخرى مثل الصين واليابان، تنهج ذات النهج بفرض قيود على شبكة الإنترنت. كما أكد أنه لولا فرض تلك البلدان القيود على شبكة الإنترنت لحدثت فيها احتجاجات أسوأ بكثير من تلك التي حدثت في إيران. وكانت إيران قد شهدت أواخر ديسمبر/ كانون أول من العام الماضي احتجاجات تعد الأكبر منذ احتجاجات عام 2009، لإظهار الغضب من تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار وانتشار الفساد. وقد أشارت بعض التقارير إلى أن عدد المعتقلين منذ انطلاق الاحتجاجات وصل إلى أكثر من 1700 معتقل.
كما نقلت وكالة تسنيم عن جنتي قوله إن السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي في بعض البلدان قد جلبت الأمن لتلك البلدان، وأنه ينبغي على إيران أن تحذو حذوها. وألمح جنتي إلى تعديل وزاري محتمل وقال "أولا يجب أن نستبدل الأفراد غير القادرين على العمل بأشخاص أكفاء ومن ثم نحتاج إلى إحداث بعض التغييرات". وكانت موجة الاحتجاجات في إيران قد بدأت من مدينة مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية، وبلدات أخرى.
وركز المحتجون حينها في انتقاداتهم على حكومة الرئيس حسن روحاني. وكانت حكومة روحاني أغلقت ثلاث مؤسسات مالية واستثمارية كبيرة، وهي ميزان، وفرشتيغان وثمن الحجاج، في إطار حملة روحاني "لتطهير القطاع المالي". و قد أمر روحاني البنك المركزي بتعويض ودائع المستثمرين، ولكن يعتقد أن العملية لا تتم بالسرعة الكافية.
وكانت مشهد من بين المدن الأكثر تضررا من إغلاق مؤسسة ميزان التي كانت تدير نحو مليون حساب بنكي، وأدى إغلاقها إلى العديد من المظاهرات في عام 2015، حسب وكالة الأنباء الإيرانية إيرنا. وتعرضت المدينة إلى ضربة موجعة أخرى بعد فشل مشروع ضخم عام 2015 لبناء مدينة جديدة قرب مشهد، وأدى هذا الفشل إلى خسارة 10 آلاف مستثمر لأموالهم.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن السياسة الخارجية لإيران قد تكون أحد أسباب اندلاع الاحتجاجات. وقد أظهرت شعارات أطلقها المحتجون معارضتهم للإنفاق على التدخل في سوريا ودعم طهران لحزب الله وحماس، بينما تعاني البلاد من أزمات اقتصادية. ورفع المتظاهرون شعارات "لا غزة، لا لبنان، حياتي في إيران". ما عبر عن غضب بعض الإيرانيين، الذين يرون أن حكومة بلادهم تركز جهودها وأموالها على القضايا الإقليمية بدل التركيز على تحسين ظروف مواطنيها.
روحاني يحذر
على صعيد متصل أعلن الرئيس الايراني حسن روحاني أن القادة الايرانيين قد يواجهون مصير الشاه الايراني الأخير نفسه اذا تجاهلوا الاستياء الشعبي مؤكدا أن الشعب سيحارب من أجل الحفاظ على "الجمهورية الاسلامية الى الأبد". وجاءت تصريحات روحاني في خطاب متلفز أمام ضريح الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية، عشية بدء الاحتفالات الوطنية التي تستمر عشرة أيام لمناسبة الذكرى ال39 لوصول الامام الخميني الى السلطة وسقوط نظام الشاه في 11 شباط/فبراير، 22 بهمن بحسب التقويم الايراني.
وصرّح روحاني "جميع قادة البلاد يجب أن يسمعوا مطالب وتمنيات الشعب"، مضيفا "النظام السابق (...) فقد كل شيء لأنه لم يسمع صوت وانتقادات المواطنين". وقال ان الشاه "لم يسمع نصائح الشعب. لم يسمع أصوات الاصلاحيين والمستشارين والأكاديميين والنخبة والمثقفين". وشهدت عشرات المدن الايرانية اضطرابات في فترة رأس السنة. وبحسب السلطات، قُتل 25 شخصا في أعمال العنف التي اندلعت خلال التظاهرات ضد السلطة والصعوبات الاقتصادية والفساد.
وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة صورا لعشرات النساء يتظاهرن في طهران بشكل فردي في الشارع احتجاجا على قرار فرض الحجاب في الأماكن العامة. ويدعو روحاني المحافظ المعتدل الذي أعيد انتخابه رئيسا في أيار/مايو بدعم من الاصلاحيين، بانتظام الى مزيد من الحقوق المدنية في ايران، لكن العديد من الأصوات التي كانت تأمل تحقيق تغييرات بواسطته تعبر عن خيبتها. بحسب فرانس برس.
وفاقمت الاضطرابات الأخيرة التوترات في صلب النظام الايراني بين الرئيس والمؤسسات الأخرى التي يديرها المحافظون المتشددون الذين ينددون بسياسته المنفتحة. وأكد روحاني الذي ذكّر بولائه ل"إرث" الخميني،ان الشعب الايراني "الذي نال استقلاله وحريته وسيحافظ عليهما، سيصون الجمهورية الاسلامية الى الأبد". وأضاف "طالما الشعب حريص على ثقافة الاسلام وايران ويحافظ على وحدته الوطنية، لن تتمكن أي قوة عظمى من تغيير مصير هذه الأمة"، في اشارة الى الولايات المتحدة التي تعتبرها ايران عدوتها الأولى.
كروبي و خامنئي
من جانب اخر قال زعيم إيراني معارض قيد الإقامة الجبرية في رسالة إنه يجب على الزعيم الأعلى أية الله علي خامنئي تحمل مسؤولية الصعوبات الاقتصادية والسياسية التي تواجه إيران بدلا من إلقاء اللوم على آخرين. وفي انتقاد علني نادر لخامنئي، اتهم مهدي كروبي الزعيم الأعلى باستغلال سلطاته وحثه على تغيير أسلوب إدارته للجمهورية الإسلامية قبل فوات الأوان. وقال كروبي في رسالة مفتوحة لخامنئي نشرت على الموقع الرسمي لحزبه الإصلاحي ”تتولى منصب الزعيم الأعلى للبلاد منذ ثلاثة عقود، لكنك ما زلت تتحدث كمعارض“.
ويقصد كروبي بتعبير ”معارض“ أنه يجب ألا يتمتع خامنئي بسلطات مطلقة في الوقت الذي ينتقد فيه حكومة الرئيس المنتخب حسن روحاني وهو شخص عملي يريد تحرير الاقتصاد الذي يهيمن عليه الحرس الثوري وشركات حكومية. وأضاف كروبي ”خلال آخر ثلاثة عقود قضيت على القوى الثورية الرئيسية لتنفيذ سياساتك، والآن يتعين عليك مواجهة نتائج ذلك“.
وكروبي (80 عاما) رجل دين شيعي مثل خامنئي وخاض مع الإصلاحي مير حسين موسوي انتخابات 2009 وأصبحا رموزا للإيرانيين الذين نظموا احتجاجات حاشدة بعد إعادة الرئيس محمود أحمدي نجاد المتشدد للسلطة في انتخابات يعتقدون إنها زورت. وتنفي السلطات ذلك. ووضعت السلطات كروبي وموسوي وزهرة رهنورد زوجة موسوي قيد الإقامة الجبرية منذ 2011 دون محاكمة بأمر مباشر من خامنئي.
والزعيم الأعلى هو رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية وهو الذي يعين رؤساء الهيئة القضائية. ويتم اختيار الوزراء الرئيسيين بعد موافقته عليهم وهو صاحب القول الفصل في شؤون السياسة الخارجية والبرنامج النووي. وبالمقارنة تعتبر سلطات الرئيس محدودة. وانتقد كروبي خامنئي كذلك لسماحه للحرس الثوري بالقيام بدور مهيمن في اقتصاد البلاد ”وقد أضر ذلك بسمعة هذا الكيان الثوري وأغرقه في فساد كبير“.
وقال كروبي إن في ظل قيادة خامنئي تحولت الهيئات التي تأسست بعد ثورة عام 1979 بغرض القضاء على الفقر إلى شركات ضخمة تملك نصف ثروة إيران دون أي جهة رقابية تراجع تصرفاتها. وقال كروبي نقلا عن بيانات رسمية إن أكثر من عشرة ملايين من بين 80 مليون إيراني يعيشون في فقر مدقع الآن. وقال ”في ظل مثل هذه الظروف من الطبيعي أن تتحول الطبقات الدنيا التي تمثل الظهير الشعبي للثورة الإسلامية إلى برميل بارود“.
وكثيرا ما يلقى خامنئي باللوم على حكومة روحاني في عدم تحقيق تقدم للحد من معدلات البطالة المرتفعة والتضخم وعدم المساواة. وألقى اللوم كذلك على أعضاء في البرلمان والرؤساء السابقين وقوى غربية. لكن روحاني فاز بسهولة بفترة رئاسة ثانية في انتخابات عام 2017 مما يشير إلى أن العديد من الإيرانيين ما زالوا يرون أنه يمثل أفضل فرصة لتحسين الاقتصاد وتخفيف القيود الدينية والاجتماعية. بحسب رويترز.
وقال كروبي إن الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها البلاد في شهر ديسمبر كانون الأول ضد ”الفساد والتمييز“ كانت جرس إنذار للسلطات من أجل إصلاح النظام السياسي والاقتصادي. وأضاف أن خامنئي جعل البرلمان”مجلسا خانعا“ رهن إشارته وتحت تأثير نفوذ جماعات الحرس الثوري وذلك من خلال التحري الدقيق عن المرشحين في الانتخابات.
الاقامة الجبرية
الى جانب ذلك خففت اجراءات الاقامة الجبرية المفروضة منذ 2011 على المسؤول الاصلاحي الايراني مير حسين موسوي المرشح الذي لم يحالفه الحظ في الانتخابات الرئاسية في 2009، بحسب وكالتي انباء مقربتين من الاصلاحيين. وقالت وكالة الانباء العمالية الايرانية انه تم رفع بعض القيود عن زيارة موسوي وزوجته زهرة رهنورد وذلك نقلا عن النائب الاصلاحي قاسم ميرزاي نيكو العضو في اللجنة البرلمانية لرفع الاقامة الجبرية عن الزوجين موسوي والمسؤول الاصلاحي الآخر مهدي كروبي.
وقال ميرزاي نيكو لوكالة الانباء العمالية الايرانية "بات في امكان ابنتي موسوي وزوجيهما واولادهم زيارتهما بصورة طبيعية" معربا عن الامل في اتخاذ تدابير "قريبا جدا" للسماح "لافراد آخرين من الاسرة" بالزيارة. ونقلت وكالة الانباء الطلابية الايرانية عن نائب اصلاحي آخر غلام رضا حيدري العضو في اللجنة نفسها قوله انه مسرور "لتسجيل انفتاح" في ملف موسوي.
واضافت الوكالة نقلا عن حيدري قوله "ان النظام ادرك ان ابقاء الاقامة الجبرية لا يخدم المصلحة الوطنية ولا مصلحة النظام". واضاف حيدري انه يأمل في رفع الاقامة الجبرية نهائيا عن اسرة موسوي "لكن بالطبع علينا التحلي بالصبر". ونظام الزيارات لاسرة موسوي اشبه بالنظام المطبق على كروبي (80 عاما) منذ آب/اغسطس 2017 اثر نقله الى المستشفى. بحسب فرانس برس.
وبعد هزيمتهما في الاقتراع الرئاسي في 2009 كان موسوي البالغ اليوم ال75 من العمر وكروبي قادا في ذلك العام حركة الاحتجاج على اعادة انتخاب الرئيس الشعبوي محمود احمدي نجاد، بسبب عمليات غش على نطاق واسع. ودون توجيه اي تهمة اليهما وضع الرجلان قيد الاقامة الجبرية منذ شباط/فبراير 2011. ووعد الرئيس حسن روحاني المحافظ المعتدل الذي خلف احمدي نجاد في 2013 بالقيام بكل ما في وسعه لانهاء اقامتهما الجبرية.
اضف تعليق