ما تزال أفغانستان التي تعيش صراعات وحروب مستمر مع الجماعات الإرهابية، نواجه ومنذ انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي في نهاية 2014، الكثير من التحديات والازمات التي اثرت سلبا امن واستقرار هذه البلاد، منها ضعف قدرة وتجهيز القوات الامنية وضعف القوانين بسبب تفشي الفساد، الذي اسهم في زيادة قوة التنظيمات الارهابية ومنها حركة طالبان، كما تخوض الحكومة أيضا حربا اخرى ضد تنظيم داعش الذي استطاع ان يحصل على مكاسب مهمة في افغانستان. وحذّر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف في وقت سابق، من مغبة تحول شمالي أفغانستان إلى "قاعدة للإرهاب" بعد توجه الجماعات الإرهابية إليها فرارا من سوريا والعراق.
وقال "الجهاديون الباقون على قيد الحياة الذين يفرون من سوريا والعراق ينتقلون إلى وسط آسيا، بما في ذلك شمالي أفغانستان التي تتحول إلى قاعدة رئيسية للإرهاب الدولي". كما حذر من "النمو غير المسبوق لإنتاج المخدرات في أفغانستان"، ودعا إلى اتخاذ "إجراءات عاجلة للحد من هذا التهديد الذي يذكي الإرهاب الدولي ويقوّض استقرار الدول وصحة الأجيال الشابة وينشر الجريمة والفساد".
وفيما يخص اخر التطورات في هذا البلد فقد أوضح استطلاع أجرته مؤسسة آسيا أن أكثر من 60 بالمئة من الأفغان ما زالوا يعتقدون أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، والهجمات في تزايد على مستوى البلاد. وأشار الاستطلاع، الذي شمل جميع أقاليم أفغانستان الأربعة والثلاثين خاصة في المناطق الريفية، إلى صورة متفاوتة ما بين المكاسب المطردة في قطاعي التعليم والصحة على مدى 15 عاما واستمرار القلق بشأن الأمن وتفشي الفساد والبطالة. وأوضح نحو ثلث الأفغان أو ما يوازي 33 بالمئة أن البلاد تسير في اتجاه إيجابي في ارتفاع بسيط عن نسبة 29.3 بالمئة العام الماضي، وذلك بعد سنوات من التراجع المستمر في الثقة.
من جانب اخر وغداة الاعتداء الدامي بسيارة إسعاف مفخخة في وسط كابول، شن مسلحون قبل هجوما على أكاديمية مارشال فهيم العسكرية في العاصمة الأفغانية، كما أفادت مصادر أمنية أفغانية. وقال الناطق باسم وزارة الدفاع الأفغانية الجنرال دولت وزيري في وقت لاحق إن الهجوم الذي بدأ مع تفجير انتحاري أول أسفر عن "مقتل خمسة جنود وجرح عشرة آخرين". وسرعان ما تبنى تنظيم داعش هذا الهجوم، الأخير ضمن سلسلة من أعمال العنف المستمرة التي تضرب العاصمة الأفغانية. وتقع هذه الأكاديمية في غرب كابول، ويتم فيها تدريب الضباط من ذوي الرتب العالية.
داعش في كابول
من جانب اخر عزز تنظيم داعش وجوده في كابول في الاشهر الاخيرة عبر تعبئة افغان من الطبقة الوسطى عقائديا ما ساهم في تحويل العاصمة الافغانية الى واحد من اخطر الاماكن في افغانستان. وتبنى التنظيم الجهادي الذي كان متمركزا في شرق البلاد حوالى عشرين هجوما في العاصمة خلال 18 شهرا، نفذتها امام اعين السلطات الافغانية والاميركية خلايا محلية ضمت بين افرادها طلابا واساتذة جامعات وتجارا.
يثير هذا التوجه قلق المدنيين الذي انهكوا بعد عقود من الحروب وقوات حفظ النظام الافغانية وحلفائها الاميركيين الذين يواجهون صعوبة اصلا في احتواء حركة طالبان. وقال المحلل مايكل كوغلمان من مركز ويلسون في واشنطن "ليس صحيحا انه تنظيم داعش مجموعة محصورة في ارياف الشرق الافغاني. انه يشن هجمات عنيفة جدا وواضحة جدا في وسط العاصمة واعتقد انه امر مثير للقلق".
وظهرت الذراع المحلية للتنظيم التي تحمل اسم "الدولة الاسلامية-خراسان" في المنطقة في 2014 وكانت حينذاك مكونة الى حد كبير من مقاتلين سابقين انشقوا عن طالبان او جماعات جهادية اخرى في باكستان وافغانستان وآسيا الوسطى. وقد تبنى اول اعتداء في كابول صيف 2016 وضاعف منذ ذلك الحين الهجمات على الاقلية الشيعية وقوات الامن. ويقول المحللون ان التنظيم لا ينقصه متطوعون لتنفيذ هذه الهجمات. فافغانستان تشهد منذ عقود تيارا متطرفا نافذا ومنتشرا في كل طبقات المجتمع حتى في صفوف الشباب من سكان المدن.
وقال برهان عثمان المحلل في مجموعة الازمات الدولية (انترناشيونال كرايزس غروب) "نتحدث عن جيل فقد الاحساس بمختلف اشكال العنف والتطرف". واضاف "يفترض الا يفاجئ احد ان بعض الشبان تشربوا العقيدة الجهادية ويتبعون الشكل الجديد للتيار الجهادي وهو الاعنف". وهؤلاء يعيشون بدون ان يختبئوا في العاصمة حيث يعملون ويدرسون، ويلتقون في الليل ليتحدثوا عن حربهم المقدسة او لتخطيط هجمات في مدينة يعرفونها جيدا.
وقال عثمان الخبير في شبكات التمرد في افغانستان انه من الصعب تقدير عدد مقاتلي تنظيم داعش في كابول لكن صفوفهم تتغذى باستمرار بفضل جهود التجنيد التي يقوم بها التنظيم على شبكات التواصل الاجتماعي وفي المساجد والمدارس والجامعات. واضاف "لا يمكننا ان نقول ان جميعهم فقراء، فبعضهم اتوا من الطبقة الوسطى في كابول. بعضهم يحملون شهادات جامعية او انهوا دراستهم الثانوية". ومعظمهم تلقوا تعليما دينيا ايضا. بحسب فرانس برس.
واكد مصدر امني افغاني ان "الموجة الجديدة من المتطرفين ليست مؤلفة من فلاحين اميين. انهم خصوصا اشخاص من مستوى تعليمي جيد". ومع ان حركة طالبان تبقى وبفارق كبير التهديد الرئيسي للسلطات الافغانية، كان التنظيم موضوع العناوين الرئيسية في الاعلام بقتله عشرات الاشخاص. ووقعت بعض الاعتداءات في اماكن قريبة من سفارات اجنبية او مقر بعثة حلف شمال الاطلسي.
مستويات قياسية
من جانب اخر حقق المزارعون الأفغان محصولا استثنائيا من الأفيون في ارتفاع بنسبة 87% نتيجة اتساع المساحات المزروعة إلى مستويات قياسية، وفق ما أفاد تقرير. وبلغت قيمة الأفيون الذي أنتجه المزارعون حوالى 1,4 مليار دولار، بزيادة 55%، وفق هذه الدراسة السنوية التي يصدرها مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، وهي عائدات تساهم في تمويل حركة التمرد التي تزعزع الاستقرار في أفغانستان.
وعزا التقرير هذه الزيادة إلى تزايد انعدام الاستقرار وضعف سيطرة الدولة والفساد وقلة الإمكانات المتاحة على صعيد الوظائف والتربية. ويقارب الإنتاج المحتمل للأفيون تسعة آلاف طن أي حوالى ضعف المستوى السابق (4800 طن) بحسب التقرير الذي أعدته الوكالة التابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع وزارة مكافحة المخدرات في أفغانستان.
وازدادت المساحات المزروعة بنسبة 63% لتصل إلى مستوى قياسي قدره 224 ألف هكتار موزعة على 24 ولاية، بفارق كبير عن المستوى القياسي السابق البالغ 224 ألف هكتار عام 2014، كما أن المردود في ارتفاع أيضا. وحذر التقرير بأن "مستويات زراعة الخشخاش العالية والاتجار غير المشروع بالمواد الأفيونية سيعززان على الأرجح انعدام الاستقرار وحركة التمرد وسيزيدان التمويل الذي تحظى به المجموعات الإرهابية في أفغانستان". وتابع أن "المزيد من الهيرويين العالية النوعية والمتدنية الكلفة ستصل إلى الأسواق العالمية، ما سيؤدي على الأرجح إلى تزايد الاستهلاك والأضرار المرتبطة بها".
وسجلت جميع الولايات الرئيسية المنتجة للخشخاش تقريبا زيادة كبيرة في المساحات المزروعة ولا سيما ولاية هلمند الجنوبية التي بلغت الزيادة فيها 79%. وتتركز حوالى 60% من زراعة الخشخاش في ولايات جنوب البلاد حيث تنتشر حركة طالبان ولم تجر أي حملة لاستئصالها. وتبقى هلمند الولاية الأولى المنتجة للأفيون (44% من الإنتاج)، تليها قندهار وبادغيس وفرياب وأوروزغان ونانغرهار. في المقابل، سجلت حملة استئصال زراعة الأفيون كذلك زيادة حيث شملت 750 هكتارا في 14 ولاية (مقابل 355 هكتارا في 7 ولايات عام 2016)، لكنها تبقى ضعيفة بالمقارنة مع تزايد المساحات المزروعة. بحسب فرانس برس.
وأنفقت الجهات المانحة الدولية مليارات الدولارات على حملات مكافحة المخدرات في أفغانستان خلال السنوات العشر الأخيرة، سعيا لإقناع المزارعين بالتوجه إلى زراعات أخرى مثل الزعفران، لكن هذه الجهود لم تسفر عن نتائج كبرى. بموازاة ذلك، ارتفع عدد مدمني المخدرات بقوة في أفغانستان بعدما كان زهيدا في ظل نظام طالبان (1996-2001). كما ترتبط زيادة مساحات الأراضي المزروعة بالأفيون بتراجع دعم الأسرة الدولية الذي أدى إلى انحسار الفرص الاجتماعية والاقتصادية المتاحة في المناطق الريفية، وفق التقرير. كما لفت التقرير إلى أن تقدم الزراعة ولا سيما استخدام أنظمة الري بواسطة الألواح الشمسية والأسمدة ومبيدات الحشرات، قد تكون ساهمت في جعل زراعة الأفيون أكثر مردودية وبالتالي مربحة أكثر، حتى في المناطق الصحراوية.
مكافحة الفساد
على صعيد متصل أدت مجموعة من الهجومات العنيفة التي تستهدف الجهات الفاعلة على صعيد مكافحة الفساد في أفغانستان، إلى التذكير بتكلفة التصدي للأثرياء والاقوياء في بلد تنخره هذه الآفة. ومنذ بدأ "مركز العدالة لمكافحة الفساد" جلسات الاستماع العامة قبل سنة، اغتيل ثلاثة من محققي الشرطة الجنائية. وتقول منظمة "ترنسبرنسي انترناشونال" ان افغانستان واحدة من أكثر البلدان فسادا في العالم، مشيرة الى ان هذه الآفة تنخر مؤسساتها حتى الصغيرة منها.
وأنشىء مركز العدالة لمكافحة الفساد في حزيران/يونيو 2016، تطبيقا لوعد قطعه الرئيس غني للمجموعة الدولية. لكن موظفيه يشعرون انهم لا يتمتعون بالحماية الكافية في بلد يعصف به العنف وتعد فيه عمليات الخطف أمرا مألوفا. واعترفت القاضية أنيسة رسولي، في مكتبها بوسط المجمع الذي يضم "مركز العدالة لمكافحة الفساد" "بأننا، ويا للأسف، لا نشعر بالأمان، فمنازلنا ليست محمية، والطريق التي نسلكها للتوجه الى المركز ليست آمنة، وحتى في داخل المركز نشعر أننا معرضون للخطر". وأضافت "نعمل على ملفات شخصيات بارزة، اننا نواجه اشخاصا خطرين جدا".
وضعت في تصرف أنيسة رسولي وقاض آخر سيارة مصفحة استعيرت من المحكمة العليا للذهاب الى مركز العدالة لمكافحة الفساد والعودة منه. لكن هاتين السيارتين ستعادان الى المحكمة لدى ملء المراكز الشاغرة فيها. وباستثناء هذين القاضيين، يتنقل الجميع بمن فيهم القضاة والمدعون والمحققون بسيارات "عادية" او سيارات للشرطة. ويقود بعض الموظفين سياراتهم الخاصة او يستخدمون وسائل النقل المشترك.
وفي اعقاب مقتل اثنين من المحققين، أمر الرئيس الافغاني بموجب مرسوم اصدره في وقت سابق، بتعيين حوالى خمسين حارسا امنيا لمركز العدالة لمكافحة الفساد. لكن القاضية أنيسة رسولي، على غرار مسؤولين آخرين رفيعي المستوى، مضطرون للتخلي عن هذه الحماية خلال الليل، لأنهم لا يستطيعون ان يؤمنوا في منازلهم أماكن لايواء افراد الحماية. وقال المدير التنفيذي للمركز روح الله عابد الذي يعيد الحراس الثلاثة المفروزين لحمايته الى منازلهم، "لا يتوافر لدي فعلا مكان لهم". واضاف "اذا ما احتجت الى شيء، اتصل بهم".
ويعالج "مركز العدالة لمكافحة الفساد" قضايا تتعلق بشخصيات رفيعة المستوى، مدنية وعسكرية، متهمة بالحصول على خمسة ملايين افغاني (حوالى 74 الف دولار) على الاقل من الرشاوى، او اختلاس 10 ملايين افغاني على الاقل. لكن اعماله بطيئة جدا، كما يقول سيد إكرام أفضلي، مدير منظمة "انتغريتي واتش افغانستان" غير الحكومية. واضاف ان "مركز العدالة لمكافحة الفساد يواجه نقصا كبيرا في الامكانات". واضاف ان 12 قضية قد بتت، و36 شخصا أدينوا خلال سنة، "لكن عددا كبيرا من الملفات ما زال ينتظر".
وأمر المرسوم الرئاسي أيضا وزارتي الداخلية والدفاع "بتأمين حماية فعالة" للمركز وأماكن اقامة المسؤولين عنه، وتقديم "عربات مدرعة" الى الذين يواجهون "تهديدات كبيرة". ولم يحصل شي من كل ذلك، كما يؤكد روح الله عابد. من جهة اخرى، ما زالت الاشغال تحتاج الى سنة على الاقل لانجاز مقر اقامة لاستضافة الموظفين وعائلاتهم. واحتج نجيب دنيش، المتحدث باسم وزارة الداخلية التي وصفها الرئيس الافغاني مرارا بأنها المؤسسة "الاكثر فسادا" في البلاد، وقال "قدمنا لهم وسائل الحماية". ورد أفضلي ان "الحكومة غالبا ما قطعت وعودا لكن لم يحصل شيء فعلا. كيف نصدقهم؟". بحسب فرانس برس.
وعلى رغم كل شيء، تبقى انيسة رسولي والقاضي شير منيب، عاقدي العزم على متابعة عملهما. واكد منيب ان "المشاكل التي نعرفها في أفغانستان ناجمة عن الفساد". واضاف "اذا لم نقم بأي تحرك، من سيقوم به؟ ومن سيتيح للناس في هذا البلد ان يعيشوا في أمان؟"
اضف تعليق