q

الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان المزمع إجراؤه في الأيام المقبلة، أصبح اليوم احد أهم القضايا في العراق الذي يعيش جملة من الازمات والمشكلات المتفاقمة، حيث يرى بعض الخبراء ان قضية الاستفتاء يمكن ان تعمق الخلافات والمشاكل بين الإقليم والحكومة الاتحادية وقد تسهم في خلق صراع جديد قد تتدخل فيه دول وجهات اخرى بسبب التصريحات والاتهامات المتبادلة، حيث اكد رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني وكما نقلت بعض المصادر، ان الاستفتاء سيجرى في موعده ولن يؤجل، متوعداً بأن الشعب الكردي سيواجه حتى آخر شخص فيه أي طرف يحاول استقطاع كركوك من كردستان.

من جانب اخر قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن بلاده مستعدة للتدخل عسكريا إذا أسفر الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق عن حدوث أعمال عنف. وأوضح العبادي أنه في حال تعرض العراقيين "إلى تهديد عبر استخدام القوة خارج إطار القانون فسنتدخل عسكريا". وقال إنه لن يسمح "لإجراء غير دستوري وغير قانوني اتخذ تحت تهديد السلاح والقوة بأن يحقق نتائج"، داعيا زعماء الإقليم إلى التفاوض. من جهة اخرى قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن استفتاء تقرير المصير في إقليم كردستان العراق يمثل "قضية أمن قومي"، وإن بلاده "ستتخذ أي خطوات ضرورية بشأنه". ودعت الولايات المتحدة الجمعة حكومة إقليم كردستان إلى إلغاء الاستفتاء، والبدء في حوار جدي ومتواصل مع بغداد.

وفي هذا الشأن أصدرت المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق) قراراً بإيقاف إجراءات الاستفتاء المزمع في الـ25 من الشهر الجاري في الإقليم الكردي شمالي العراق، فيما حشدت تركيا قواتها على الحدود العراقية في مناورة عسكرية. وقال مدير المكتب الإعلامي للمحكمة الاتحادية العليا، إياس الساموك، في بيان له "إن "المحكمة الاتحادية العليا عقدت جلستها، بحضور الأعضاء كافة ونظرت في الطلبات المقدمة بوقف إجراءات الاستفتاء في الإقليم الكردي وفي المناطق المشمولة بالاستفتاء".

وأضاف الساموك، "بعد المداولة ولتوفر الشروط الشكلية القانونية في الطلبات، أصدرت المحكمة أمراً ولائياً بإيقاف إجراءات الاستفتاء المنوي إجراؤه بتاريخ 25 أيلول 2017، بموجب الأمر الرئاسي المرقم (106) في 8 حزيران 2017 الصادر عن رئاسة الإقليم الكردي لحين حسم الدعاوى المقامة بعدم دستورية القرار المذكور". وأوضح، أن "ذلك جاء استناداً إلى أحكام المادة (151) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969".

من جهته، أكد طارق حرب عضو نقابة المحامين العراقيين إن "الأمر الولائي يصدره القاضي بموجب دعوة قضائية، والقانون خول القاضي إصدار القرار الابتدائي بشكل مستعجل في القضية، لحين البت بها بشكل نهائي". وأوضح حرب أن "الأمر الولائي الذي أصدرته المحكمة الاتحادية من الناحية القانونية واجب التطبيق من قبل الإقليم الكردي"، مبيناً أن "الإجراءات الخاصة بالاستفتاء يجب أن تتوقف وفق القرار الذي صدر، والانتظار لحين حسم القضية المرفوعة في المحكمة بشأن الموضوع، فإن كان القرار لصالح المدعي يتم تثبيت القرار الصادر، وإن كان القرار النهائي لصالح المدعى عليه (الإقليم الكردي) يلغى القرار".

وفي وقت سابق أعلنت القوات المسلحة التركية بدء مناورات عسكرية على الحدود العراقية قبل أسبوع على موعد استفتاء حول الاستقلال في إقليم كردستان العراق تعارضه أنقرة. وقال الجيش التركي في بيان إن "عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة الحدودية تتواصل بالتوازي مع التمارين". وسينظم الاستفتاء في 25 أيلول/سبتمبر في الإقليم العراقي الذي يتمتع منذ 1991 بحكم ذاتي توسع بمرور الزمن. وتعارض أنقرة التي تواجه تمرداً كردياً في مناطقها الجنوبية الشرقية، بشدة تنظيم الاستفتاء. وقال شهود أنهم رأوا ما يصل حتى مئة آلية عسكرية من بينها دبابات تنتشر على الحدود العراقية، بحسب مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية في جنوب شرق تركيا. وكررت تركيا عدة مرات معارضتها للاستفتاء محذرة من أنه "سيكون له ثمن".

من جانب اخر قال مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي في العراق، إن الإقليم يجب أن يجري استفتاء غير ملزم على الاستقلال. وجاءت دعوته رغم أن الإقليم يواجه العديد من الأزمات. البرزاني كان دعا في السابق لإجراء استفتاء على الاستقلال لكنه لم يحدد موعداً لإجرائه. وكان من شأن الفوضى التي أحدثها استيلاء تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق وسوريا أن أتيحت للأكراد فرصة لتعزيز حلمهم الذي طال وقته بالاستقلال، لكن المنطقة تكابد في الوقت الحالي لتجنب الانهيار الاقتصادي في وقت انخفضت فيه أسعار النفط بشدة.

وقال البرزاني إن الوقت حان والموقف مناسب الآن للشعب الكردي لاتخاذ قرار من خلال استفتاء على مصير، وأضاف أن الاستفتاء لا يعني إعلان قيام الدولة، لكن ما يعنيه أن نعرف إرادة ورأي الشعب إزاء الاستقلال، وعلى القيادة السياسية الكردية أن تنفذ إرادة الشعب في الوقت المناسب والظروف المناسبة. في السنوات الأخيرة سعى أكراد العراق لتعزيز الحكم الذاتي في كردستان من خلال بناء خط أنابيب نفط إلى تركيا وتصدير النفط بشكل مستقل في الوقت الذي ضعفت فيه العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد بسبب تقاسم السلطة وعوائد النفط.

وقاومت القوى الإقليمية على مر التاريخ الطموحات الكردية للاستقلال خاصة الدول المجاورة للعراق التي توجد بها أقليات كردية كبيرة. وتقول الولايات المتحدة أيضاً إنها تريد أن يبقى أكراد العراق جزءاً منه. البرزاني قال إنه إذا انتظر شعب كردستان حتى يأتي أحد آخر ليقدم لهم حق تقرير المصير كمنحة فإن الاستقلال لن يتحقق أبداً. وشدد على أن هذا الحق موجود ولابد أن يطالب به شعب كردستان وأن يضعه في حيز التنفيذ. ويرى البعض مثل هذه الدعوات للاستقلال محاولة لتشتيت الانتباه عن القضايا الداخلية وتوحيد الشعب الكردي وراء البرزاني الذي انتهت فترة رئاسته العام الماضي لكنه مازال في المنصب.

تركيا وإيران

في السياق ذاته قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه سيلتقي برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيوريوك، لافتا إلى أنه سيبحث معه الاستفتاء المزمع على استقلال منطقة كردستان العراق. وقبيل توجهه إلى الولايات المتحدة، قال الرئيس التركي في مؤتمر صحفي بإسطنبول إن أنقرة وبغداد متفقتان على ضرورة المحافظة على وحدة الأراضي العراقية، مشيرا إلى وجود ما سماها "عملية توجيه من أجل تقسيم العراق، وتركيا لا تقبل هذا النهج، وقد أعربت عن ذلك مرارًا".

وأضاف أردوغان أن تركيا منزعجة من استفتاء انفصال كردستان "لا سيما أن تركيا تمتلك حدودًا بطول 350 كيلومترًا مع تلك المنطقة، وأن سكان المنطقة من أكرادٍ وتركمان وعرب هم في الواقع ينتمون إلى الحضارة نفسها، ولا يتميزون بشيء عن بعضهم البعض". وأعلنت تركيا أكثر من مرة رفضها إجراء استفتاء في إقليم كردستان متشاركة مع جارتها إيران، في حين جدد البيت الأبيض دعوته منطقة كردستان العراق إلى التخلي عن الاستفتاء، معتبرا أن إجراءه "خطوة استفزازية" و"مزعزعة للاستقرار".

من جانبه قال رئيس البرلمان الايراني علي لاريجاني أن حكومات العراق والدول المجاورة تعارض قرار تنظيم إقليم كردستان العراق في اجراء “استفتاء” للانفصال عن هذا البلد. وبحسب موقع IFP الخبري ، قال لاريجاني في مقابلة تلفزيونية من محافظة اذرابيجان الغربية (شمال شرق البلاد) أن اجراء “استفتاء” في إقليم كردستان العراق سيضر الشعب (الكردي)؛ مضيفا : “ليس الشعب والحكومة العراقيين فحسب وانما كافة الدول المجاورة للعراق أعلنت رفضها تنظيم إقليم كردستان العراق لهذا الاستفتاء”. ولفت لاريجاني إلى أن هذا الاجراء قد يؤدي الى خلق أزمات مستقبلية لهذا البلد كما سيتعرض الإقليم للضرر اقتصاديا ولذلك فإن ايران تعارض تنظيم الاستفتاء في إقليم كردستان.

خطوة نحو الاستقلال

الأكراد هم شعب بلا دولة يتراوح عددهم بحسب المصادر بين 25 و35 مليون نسمة، ويتوزعون بشكل أساسي في أربع دول هي تركيا وإيران والعراق وسوريا. والأكراد شعب من أصول هندو-أوروبية يتحدرون من القبائل الميدية التي استوطنت بلاد فارس القديمة وأسست إمبراطورية في القرن السابع قبل الميلاد. يتوزع الأكراد على غالبية ساحقة من المسلمين السنة وأقليات غير مسلمة، وعلى أحزاب سياسية علمانية في الغالب، في حين تتوزع مناطقهم على مساحة تبلغ حوالي نصف مليون كلم مربع، تتقاسمها أربع دول هي تركيا وإيران والعراق وسوريا.

ويختلف تعداد الأكراد باختلاف المصادر بين 25 و35 مليون نسمة، يعيش القسم الأكبر منهم في تركيا (ما بين 12 إلى 15 مليون نسمة، حوالي 20% من إجمالي السكان)، ثم إيران (حوالي 6 ملايين، أقل من 10%) ثم العراق (4,69 مليون نسمة، ما بين 15 إلى 20%) وأخيرا سوريا (أكثر من مليوني نسمة، 15% من السكان). وسهلت جغرافيا المناطق الكردية الجبلية بمعظمها والواقعة في الداخل من دون أي منفذ بحري، على الأكراد الحفاظ على لغتهم، بلهجاتها المختلفة، وعلى عاداتهم وتقاليدهم وتنظيمهم المجتمعي القائم بشكل أساسي على النظام القبلي.

وبالإضافة إلى هذه الدول الأربع فإن أعدادا كبيرة من الأكراد تعيش في كل من أذربيجان وأرمينيا ولبنان إضافة إلى أوروبا. إثر انهيار السلطنة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى رأى الأكراد حلم الحصول على وطن خاص بهم على وشك أن يتحقق بعدما أصبح حبرا على ورق في معاهدة سيفر التي أبرمت في 1920 ومنحت الأكراد حق تقرير المصير. ولكن هذا الحلم تبخر بعد انتصار مصطفى كمال في تركيا واضطرار الحلفاء للتراجع عن بنود معاهدة سيفر واستبدالها في 1923 بمعاهدة لوزان التي وضعت الشعب الكردي تحت سيطرة تركيا وإيران بالإضافة إلى بريطانيا وفرنسا اللتين كانتا دولتي الانتداب على العراق وسوريا على التوالي.

بسبب نزعتهم للاستقلال في كردستان موحدة وجد الأكراد أنفسم في الدول الأربعة التي يتوزعون عليها في نزاع مع الحكومات المركزية التي ترى فيهم تهديدا لوحدة أراضيها. في تركيا، استؤنف النزاع المسلح بين القوات الحكومية وحزب العمال الكردستاني في صيف 2015، مما بدد آمال حل هذه الأزمة التي أودت بحياة أكثر من 40 ألف شخص منذ عام 1984. وفي إيران، تدور بين الفينة والأخرى اشتباكات بين قوات الأمن ومتمردي حزب الحياة الحرة الكردستاني (بيجاك) الذي توجد قواعده الخلفية في العراق. وكانت إيران شهدت بعد الثورة الإسلامية في 1979 انتفاضة كردية قمعتها السلطات بشدة.

في العراق، استغل الأكراد الذين اضطهدهم نظام صدام حسين الهزيمة التي مني بها بعد انسحابه من الكويت فقاموا بانتفاضة ضده في 1991 وأقاموا في إقليمهم الشمالي، بحكم الأمر الواقع، حكما ذاتيا أقر رسميا في 2005 بموجب الدستور العراقي الذي أنشأ جمهورية اتحادية. وفي سوريا، عانى الأكراد على مدى عقود من تهميش واضطهاد مارسهما بحقهم النظام البعثي، وكانت خلالها أقصى طموحاتهم الاعتراف بحقوقهم. وعندما اندلع النزاع بين النظام والمعارضة في 2011 وقف الأكراد على "الحياد"، لكنهم ما لبثوا أن استفادوا من الفوضى التي ولدتها الحرب لإقامة إدارة كردية تتمتع بحكم ذاتي في قسم من المناطق الشمالية.

ينقسم الأكراد -الذين لم يسبق لهم أن عاشوا تحت سلطة مركزية- إلى عدد لا يحصى من الأحزاب والفصائل والحركات موزعة على الدول الأربع. وهذه الحركات، التي تكون أحيانا عابرة للحدود، غالبا ما تناصب بعضها العداء اعتمادا بالخصوص على تحالفات كل منها مع الأنظمة المجاورة. ففي العراق، خاض أبرز فصيلين كرديين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و "الحزب الديمقراطي الكردستاني" حربا أوقعت نحو ثلاثة آلاف قتيل بين 1994 و 1998. ثم تصالحا في العام 2003. بحسب فرانس برس.

وفي سوريا، يشكل الأكراد الدعامة الأساسية لقوات سوريا الديمقراطية التي تقاتل تنظيم داعش بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2016 شن هذا الائتلاف المكون من فصائل كردية وعربية هجوما لدحر التنظيم من مدينة الرقة الواقعة في شمال سوريا والتي تعتبر معقل الجهاديين في هذا البلد. وفي العراق، تعتبر قوات البشمركة الكردية حليفا أساسيا في الحرب ضد الجهاديين.

اضف تعليق