q

صاعدت حدة التوترات بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية، بسبب استمرار التجارب النووية، وفي خطوة كبيرة وجديدة ببرنامج الصواريخ أجرت كوريا الشمالية وكما نقلت بعض المصادر، تجربة إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات وصفه خبراء بأنه يستطيع الوصول إلى ولاية ألاسكا الأمريكية وشمال غرب الولايات المتحدة المطل على المحيط الهادي. هذه التجربة وهي الأولى من نوعها ببرنامج الصواريخ الكورية الشمالية، ودفعت كلا من الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية إلى الدعوة لعقد اجتماع بمجلس الأمن.

ويرى بعض الخبراء ان مثل هكذا امور يمكن ان تسهم في خلق صراع خطير يهدد الأمن والسلم العالمي، خصوصا وان كوريا الشمالية اصبحت اليوم وعلى الرغم من العقوبات الدولية، تمتلك فدرات عسكرية كبيرة قد تستخدمها في الدفاع عن نفسها، وقد حذرت الولايات المتحدة من أنها مستعدة لاستخدام القوة "إذا اضطرت لذلك" لوقف برنامج الصواريخ النووية الكوري الشمالي لكنها أكدت أنها تفضل التحرك الدبلوماسي العالمي ضد بيونيجانج.

وقالت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي إن أفعال كوريا الشمالية "تغلق المجال سريعا أمام إمكانية الحل الدبلوماسي" وإن الولايات المتحدة جاهزة للدفاع عن نفسها وعن حلفائها. وأضافت هيلي في اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بشأن كوريا الشمالية "تتمثل إحدى قدراتنا في قواتنا العسكرية الهائلة. سنستخدمها إذا اضطررنا لذلك لكننا نفضل ألا يتحتم علينا المضي في ذلك الاتجاه".

وقالت هيلي إن الولايات المتحدة ستقترح فرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية في الأمم المتحدة "في الأيام القادمة". وحذرت أيضا من أن واشنطن على استعداد لقطع التجارة مع الدول التي تتعامل تجاريا مع كوريا الشمالية في انتهاك لقرارات الأمم المتحدة. وتشكل تجربة الصاروخ تحديا مباشرا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يحث الصين، وهي الشريك التجاري الرئيسي لكوريا الشمالية وحليفها الكبير الوحيد، على الضغط على بيونجيانج لدفعهاإلى التخلي عن برنامجها النووي. وترأس الصين الدورة الحالية للمجلس. وتقول كوريا الشمالية إن الصاروخ قادر على حمل رأس نووي كبير.

هدية جديدة

وفي هذا الشأن قالت كوريا الشمالية إنها أجرت اختبارا على صاروخ باليستي عابر للقارات، طورته في الآونة الأخيرة ليكون قادرا على حمل رأس نووي كبير. ما دفع واشنطن إلى الدعوة لتحرك عالمي من أجل تحميل بيونغ يانغ المسؤولية عن سعيها لحيازة أسلحة نووية. وذكرت متحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، أن الوزارة خلصت إلى أن كوريا الشمالية أطلقت صاروخا باليستيا عابرا للقارات. وهو ما يعتقد بعض الخبراء أن مداه يصل إلى أجزاء من الأراضي الأمريكية.

وأعلن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون أن التجربة الناجحة وغير المسبوقة التي أجرتها بلاده هي "هدية للأوغاد الأمريكيين" في عيد استقلالهم، كما نقلت عنه وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية. وأفادت الوكالة أن كيم وإثر إشرافه شخصيا على عملية إطلاق الصاروخ "قال إن الأوغاد الأمريكيين لن يكونوا مسرورين كثيرا بهذه الهدية التي أرسلت في ذكرى الرابع من تموز/يوليو". وتابعت أن الزعيم الكوري الشمالي انفجر بعدها ضاحكا "قبل أن يضيف أنه يجب علينا أن نرسل إليهم هدايا بين الفينة والأخرى كي نساعدهم على التغلب على مللهم".

وقال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إن الاختبار الذي أجرته بيونغ يانغ عشية يوم الاستقلال الأمريكي مثل "تصعيدا جديدا للتهديد" ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وتعهد باتخاذ إجراءات أشد. وقالت وكالة الأنباء المركزية الكورية إن الاختبار الناجح أكمل قدرة البلاد في مجال الأسلحة الإستراتيجية التي تشمل قنابل ذرية وهيدروجينية وصواريخ باليستية عابرة للقارات. كما نقلت الوكالة عن كيم جونغ أون قوله إن بيونغ يانغ لن تتفاوض مع الولايات المتحدة للتخلي عن أسلحتها، ما لم تكف واشنطن عن سياستها العدائية تجاه الشمال.

وجاء اختبار الصاروخ قبل أيام من اجتماع زعماء دول مجموعة العشرين لبحث خطوات لكبح جماح برامج الأسلحة التي تطورها كوريا الشمالية في تحد لعقوبات مجلس الأمن. وذكرت وكالة الأنباء الكورية أن الاختبار نجح في التحقق من معاودة دخول الرأس الحربي المجال الجوي للأرض. وحذر تيلرسون في بيان من أن أي دولة تستضيف العمال الكوريين الشماليين أو تقدم دعما اقتصاديا أو عسكريا لبيونغ يانغ أو تتقاعس عن تنفيذ عقوبات الأمم المتحدة فإنها بذلك "تساعد وتعين نظاما خطيرا". وقال "على جميع الدول أن تظهر علانية لكوريا الشمالية أن هناك عواقب لسعيها إلى حيازة أسلحة نووية".

ويحث الرئيس الأمريكي الصين، وهي الشريك التجاري الرئيسي لكوريا الشمالية وحليفها الكبير الوحيد، على الضغط على بيونغ يانغ للتخلي عن برنامجها النووي. والصين أيضا هي الرئيس الحالي لمجلس الأمن. ويقول دبلوماسيون إن الصين لم تطبق بشكل كامل العقوبات الدولية على جارتها، وتقاوم فرض إجراءات أكثر صرامة عليها مثل الحظر النفطي وحظر شركة الطيران الوطنية الكورية الشمالية، وحظر استضافة عمال كوريين شماليين وإجراءات ضد البنوك الصينية وغيرها من الشركات التي تتعامل مع الشمال.

وقدرت وثيقة للأمم المتحدة في 2015 أن أكثر من 50 ألف عامل كوري شمالي يعملون في الخارج ويحولون عملات صعبة إلى النظام، وأن الغالبية العظمى منهم في الصين وروسيا. وأشار ترامب مؤخرا إلى نفاد صبره حيال الخطوات الصينية المتواضعة للضغط على كوريا الشمالية. وقالت إدارته إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة ومنها الخيار العسكري، لكنها أوضحت أنه سيكون ملاذا أخيرا وأن العقوبات والضغوط الدبلوماسية هما المسار المفضل.

ووحدت روسيا والصين جهودهما الدبلوماسية. ودعتا كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة إلى توقيع خطة صينية، لنزع فتيل التوتر بشأن برنامج بيونغ يانغ الصاروخي. وذكرت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية أن الصاروخ هواسونغ-14 حلق لمدة 39 دقيقة لمسافة 933 كيلومترا وبلغ ارتفاع 2802 كيلومتر. وقال بعض المحللين إن تفاصيل رحلة الصاروخ تدل على أنه بلغ مدى يزيد على 8 آلاف كيلومتر. وهو ما يؤهله لبلوغ مناطق مهمة بالبر الرئيسي الأمريكي، وذلك في تقدم كبير لبرنامج بيونغ يانغ الصاروخي.

وقال جون شيلينغ خبير الصواريخ الذي يقيم بالولايات المتحدة إن التجربة مبكرة و"أكثر نجاحا من المتوقع"، موضحا أن كوريا الشمالية أصبحت الآن على بعد عام أو عامين من الوصول إلى "القدرات التشغيلية الأدنى". في غضون ذلك، قال الجيش الأمريكي إن القوات الأمريكية والكورية الجنوبية أطلقت صواريخ في المياه قبالة كوريا الجنوبية في استعراض للقوة بعدما أجرت كوريا الشمالية اختبارا على صاروخ باليستي عابر للقارات. بحسب فرانس برس.

وأضاف الجيش الأمريكي في بيان: "القدرة على توجيه ضربات دقيقة في العمق تمكن التحالف (الكوري الجنوبي) الأمريكي من التعامل مع كل الأهداف الحيوية في مختلف الأحوال الجوية". مضيفا أنه سيجري استخدام منظومة الصواريخ التكتيكية الأمريكية والصاروخ الكوري الجنوبي (هيونمو 2). وذكر مكتب رئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن، الذي أمر بالمناورة، "لم يعد كافيا الرد على استفزازات كوريا الشمالية بالإدلاء ببيانات". وأجرت كوريا الشمالية أربع تجارب صاروخية منذ تولي مون السلطة في أيار/مايو وتعهده بالسيطرة على البرامج النووية والصاروخية لكوريا الشمالية عبر الحوار والضغوط.

ترامب مضطرب عقليا

الى جانب ذلك وصفت كوريا الشمالية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"المضطرب عقليا". وسط ازدياد التوتر بسبب وفاة الطالب الأمريكي أوتو وارمبير الذي أطلق سراحه في وقت سابق، وأعيد إلى الولايات المتحدة وهو في حالة غيبوبة بعد سجنه في كوريا الشمالية. وقالت صحيفة بيونغ يانغ الرسمية "رودونغ سينمون" أن الرئيس الأمريكي "في موقف صعب" في بلاده، ويقول إنه يفكر في تسديد ضربة استباقية لكوريا الشمالية لتحويل الانتباه عن أزمة سياسية داخلية. وأضاف تعليق الصحيفة "على كوريا الجنوبية أن تدرك أن اتباع خطى ترامب المضطرب عقليا ... لن يؤدي إلا لكارثة".

وتصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية منذ العام الماضي، إثر سلسلة من التجارب النووية وعمليات إطلاق الصواريخ التي قام بها النظام الكوري الشمالي. وزادت وفاة وارمبير من توتر العلاقات بين بيونغ يانغ وواشنطن. وهاجم ترامب "النظام الوحشي" في بيونغ يانغ وقال إنه مصمم على "منع مآس كهذه من أن تصيب أشخاصا أبرياء على يد أنظمة لا تحترم حكم القانون أو الأخلاق الإنسانية الأساسية". بحسب فرانس برس.

وكرر هذه اللهجة الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي-إن، الذي قال أن كوريا الشمالية تتحمل مسؤولية وفاة الطالب. وقال مون لبرنامج "ذيس مورنينغ" على شبكة "سي بي إس" التلفزيونية: "أعتقد أننا ندرك الآن أن كوريا الشمالية نظام غير عقلاني". وزادت واشنطن من جانبها عرض قوتها في المنطقة، إذ أرسلت قاذفتي بي-1 حلقتا فوق شبه الجزيرة الكورية في تدريبات مقررة مع اليابان وكوريا الجنوبية. وكثيرا ما استخدم نظام كوريا الشمالية لهجة عنصرية لانتقاد زعماء بسبب مواقف لا تعجب القيادة الكورية الشمالية. وشن النظام الكوري الشمالي هجمات لفظية لاذعة على رئيسة كوريا الجنوبية السابقة في العديد من المناسبات، ووصفها "بالمجنونة" و"القبيحة".

حماية أمريكا

على صعيد متصل لا يشارك الجميع وزارة الدفاع الأمريكية ثقتها في تأكيد أن الجيش الأمريكي يمكنه حماية الولايات المتحدة من الخطر المتنامي الذي تمثله قدرات كوريا الشمالية الصاروخية. فقد طرح اختبار بيونجيانج وللمرة الأولى صاروخا باليستيا عابرا للقارات يمكنه ضرب أهداف في ولاية ألاسكا تساؤلات عن مدى قدرة الجيش الأمريكي على إسقاط صاروخ قادم أو وابل من الصواريخ.

وفي إفادة للصحفيين قال الكابتن البحري جيف ديفيز المتحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاجون) "نحن لدينا الثقة في قدرتنا على التصدي للخطر المحدود، الخطر الناشئ الذي ظهر". وأشار ديفيز إلى الاختبار الناجح الذي أسقط فيه صاروخ اعتراضي أطلق من الولايات المتحدة صاروخا عابرا للقارات يفترض أنه قادم من كوريا الشمالية. لكنه سلم بأن سجل برنامج اختبارات هذا الصاروخ ليس محكما. وقال ديفيز "لدينا نتائج متباينة. لكن لدينا أيضا قدرة على إطلاق أكثر من صاروخ اعتراضي".

كما أوضحت مذكرة داخلية أن البنتاجون قام بتحديث تقديره للدفاعات الأمريكية بعد الاختبار الذي أجري في مايو أيار. ورغم إنفاق مئات المليارات من الدولارات على نظام دفاع صاروخي متعدد الطبقات ربما لا تتمكن الولايات المتحدة من تحصين نفسها بالكامل من هجوم تشنه كوريا الشمالية بالصواريخ العابرة للقارات. ويحذر خبراء من أن الدفاعات الصاروخية الأمريكية مجهزة الآن لإسقاط صاروخ واحد أو ربما عدد صغير من الصواريخ الأساسية المنطلقة صوب أهداف. وإذا ما استمر تطور تكنولوجيا الصواريخ وإنتاجها في كوريا الشمالية فمن المحتمل أن تعجز الدفاعات الأمريكية عن التصدي لها ما لم تساير الولايات المتحدة التطورات.

وقال ريكي إليسون مؤسس تحالف مناصرة الدفاع الصاروخي "على مدار الأعوام الأربعة المقبلة يتعين على الولايات المتحدة أن تزيد قدراتها الحالية لنظمنا المنشورة وأن تعمل بهمة ونشاط من أجل نشر المزيد بوتيرة أسرع". وتباينت أيضا النتائج في سجلات الاختبارات لدى وكالة الدفاع الصاروخي الأمريكية المكلفة بمهمة تطوير نظام دفاعي للتصدي للصواريخ الباليستية واختباره ونشره.

ولنظم هذه الوكالة طبقات متعددة ويمكنها الوصول لمسافات مختلفة كما أنها تستخدم أجهزة استشعار في الفضاء والبحر والبر تشكل معا دفاعا عن مناطق وأراض أمريكية مختلفة. وقد أظهر أحد المكونات، وهو نظام الدفاع في منتصف المسار، معدل نجاح يفوق 55 في المئة بقليل. وقالت الوكالة إن معدل نجاح مكون ثان هو نظام إيجيس، الذي يطلق من على سفن البحرية الأمريكية ومن البر، بلغ 83 في المئة.

وحقق نظام ثالث هو نظام الدفاع الصاروخي للارتفاعات العالية المعروف باسم ثاد معدل نجاح بلغ 100 في المئة في 13 اختبارا منذ عام 2006 وفقا لبيانات الوكالة. وطبقا لبيانات هيئة أبحاث الكونجرس أنفقت الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس رونالد ريجان في الثمانينات أكثر من 200 مليار دولار على تطوير عدد من نظم الدفاع الصاروخي ونشرها بدءا من أعمال الرصد بالأقمار الصناعية إلى نظام ايجيس. وبلغ متوسط تمويل وكالة الدفاع الصاروخي 8.12 مليار دولار خلال عهد الرئيس باراك أوباما. وقد طلب الرئيس دونالد ترامب 7.8 مليار دولار للوكالة في السنة المالية 2018.

وأمام لجنة بالكونجرس قال نائب الأميرال جيمس سيرنج، وكان حينها مديرا لوكالة الدفاع الصاروخي، إن ما أحرزته كوريا الشمالية من تقدم في الأشهر الستة الأخيرة أثار قلقا شديدا لديه. وقال خبير الصواريخ جون شيلينج إن وتيرة التطور الصاروخي في كوريا الشمالية أسرع مما كان يتوقع. وأضاف "ومع ذلك فربما يحتاج الأمر سنة أخرى أو سنتين من التطوير قبل أن يمكن لهذا الصاروخ أن يصيب بدقة يعول عليها أهدافا أمريكية ذات قيمة عالية لاسيما إذا ما أطلق في ظروف حرب". بحسب رويترز.

وقال مايكل إيلمان الزميل الباحث في الدفاع الصاروخي بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إنه رغم أن كوريا الشمالية تفصلها عدة خطوات عن صنع صاروخ عابر للقارات يمكن الاعتماد عليه "فلا توجد ضمانات على الإطلاق" أن تتمكن الولايات المتحدة من حماية نفسها. وأضاف "حتى إذا كان سجل الاختبارات 100 في المئة (في الدفاع الصاروخي) فلا توجد ضمانات".

اضف تعليق