على الرغم من الاجراءات الامنية والاعتقالات المكثفة التي تقوم بها السلطات المغربية، في سبيل انهاء انهاء او تحفيف حدة التظاهرات المستمرة في بعض المدن منذ مقتل بائع سمك في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2016 سحقاً داخل شاحنة نفايات. لا تزال حركة الاحتجاجات قائمة في شمال المغرب حيث وجدت السلطات، التي اعتمدت الخيار الامني، ان هامش المناورة لديها يضيق وانها لم تعد قادرة على استيعاب الغضب الشعبي، كما ترى بعض المصادر. حيث استمرت التجمعات في مدينة الحسيمة وفي الرباط وبلدات اخرى مطالبة بإطلاق سراح ناصر الزفزافي زعيم هذا "الحراك"، الذي قد يتحول الى ثورة جديدة يصعب السيطرة عليها، الامر الذي قد يدخل البلاد في دوامة العنف والاقتتال الداخلي.
واتخذت هذه التظاهرات مع الوقت طابعا اجتماعيا وسياسيا للمطالبة بالتنمية في المنطقة التي يعتبر سكانها أنها مهمشة. وتسعى الحكومة المغربية منذ سنوات الى احتواء الاستياء. وبادرت إلى عدد من الإعلانات المتعلقة بتنمية اقتصاد المنطقة، مرسلة وفودا وزارية في الأشهر الستة الأخيرة، لكنها عجزت عن تهدئة الوضع. ومع تواصل الاحتجاجات في مدينة الحسيمة وباقي المدن المغربية. أعلنت الحكومة المغربية أن 31 معتقلا، يتواجدون في مقر فرقة النخبة للشرطة المغربية، في مدينة الدار البيضاء ، على خلفية الاحتجاجات. وبلغة الأرقام، أفادت الحكومة أن الحسيمة شهدت خلال 7 أشهر، أكثر من 700 وقفة، بمعدل 4 وقفات يوميا.
توقيف واعتقالات
وفي هذا الشأن اعلن المحامي عبد الصادق البشتاوي العضو في هيئة الدفاع عن معتقلي هذا الحراك على شبكات التواصل الاجتماعي ان نبيل احمجيق الذي يعتبر الرجل الثاني في الحراك، اوقف. وكان احمجيق ملاحقا منذ اكثر من اسبوع. ونشر شريطي فيديو على شبكات التواصل دعا فيهما الى مواصلة التحرك "السلمي" بعد موجة اعتقالات في نهاية أيار/مايو في الحسيمة شملت بين المعتقلين قائد الحراك ناصر الزفزافي.
كما أوقفت الشابة سيليا الزياني الوجه الجديد بين قادة الحراك التي كانت حاضرة في كل التظاهرات التي نظمت في الايام الاخيرة، في ضواحي الحسيمة اثناء توجهها مع ناشطين آخرين في سيارة اجرة الى الدار البيضاء كما قال أحدهم. واضاف المصدر نفسه انه أفرج عمن كانوا برفقتها.
من جانب اخر قمعت السلطات المغربية احتجاجا نسائيا ضد فساد وانتهاكات المسؤولين في مدينة الحسيمة بشمال البلاد التي تشهد اضطرابات مستمرة منذ شهور. في موقع الاحتجاج طوقت الشرطة مئات من المحتجات في متنزه عام في الحسيمة ومنعت أخريات من الانضمام فيما هتفت النساء "حرية.. كرامة ..عدالة اجتماعية". ودفعت شرطيات قائدة الاحتجاج نوال بن عيسى العضو البارز في الحراك بعيدا عن باقي المجموعة. وكانت نوال بصحبة والدة الزفزافي خلال المظاهرة. وقالت فاطمة الغلبزوري (54 عاما) التي حاولت الانضمام للمظاهرة "ننام ونصحو على خوف... لم نتصور يوما أن هذا سيكون حال مدينتنا".
الخيار الامني والاحتجاجات
من جانب اخر قالت صحيفة "ليكونوميست" "هناك توازن قوى في شوارع الحسيمة، حيث يقف من جهة المتظاهرون مع مطالبهم المتعلقة بالعمل والصحة والتربية، وقوات الامن من جهة اخرى"، معتبرة ان الاعتقالات كانت بمثابة "ذخيرة" للمتظاهرين. واعتقلت السلطات المغربية منذ السادس والعشرين من ايار/مايو ناصر الزفزافي وابرز الناشطين في "الحراك". ومثل نحو عشرين منهم امام النيابة العامة في الدار البيضاء بعدما اوقفوا بتهم "ارتكاب جنايات وجنح تمس بالسلامة الداخلية للدولة وافعال اخرى تشكل جرائم بمقتضى القانون".
ومنذ سبعة اشهر تحولت مدينة الحسيمة الى معقل لحركة الاحتجاج التي تطالب بانماء منطقة الريف في شمال البلاد والمعروفة تاريخيا بانها متمردة. وبمعزل عن بعض المواجهات التي حصلت في الحسيمة وفي امزورن فان الحراك حافظ على "سلميته" كما يشدد منظمو هذا التحرك. وافادت صحيفة "ماروك إبدو" ان الاحتجاجات تتوسع لتشمل مناطق جديدة. وقالت "ان الاعتصامات وتظاهرات التضامن جرت في نحو 15 مدينة"، متسائلة عن "كيفية العمل لتجنب الاشتعال".
وكتبت صحيفة اخبار اليوم المغربية "ان جرح الريف اصيب بالتهاب بسبب اهماله، والوعود بتحقيق تقدم تحولت الى تهديدات بملاحقات قانونية"، معتبرة ان "الوضع يتفاقم يوما بعد يوم". الا ان الحكومة اكدت ان "ابواب الحوار لا تزال مفتوحة"، في حين من المقرر ان يشرح وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت الوضع في منطقة الريف امام البرلمان. لكن المتظاهرين لا يزالون متمسكين بمطالبهم ويبدون خشيتهم من الممارسات "البوليسية" للدولة، ويرفضون اي وساطة من المسؤولين المحليين في المدينة الذين يعتبرونهم فاسدين.
والكثير من المتظاهرين باتوا يطالبون العاهل المغربي الملك محمد السادس بالتدخل، وهو ما قامت به والدة الزفزافي لاطلاق سراح ابنها المعتقل. وكتبت "ماروك ابدو" متسائلة "هل نحن امام سيناريو منقح لما حصل في العشرين من شباط/فبراير 2011" عندما انفجر تحرك شعبي اخاف السلطات كثيرا في بداية ما سمي بالربيع العربي. وقالت الصحيفة ان هناك نقاط تشابه بين تحرك اليوم وتحرك العام 2011 "حيث ان المتظاهرين لا يشعرون بانهم ممثلون لا بالحكومة ولا بالمعارضة وبالتاكيد ليس بالممثلين المحليين والنواب". بحسب فرانس برس.
وقالت اسبوعية "تل كيل" ان "شبان الريف والمسؤولين عن الحراك لا يثقون باي شخص باستثناء الملك". واعتبرت الصحيفة ان "المواجهة الحالية تذكر بما حصل في العشرين من شباط/فبراير 2011"، محملة المسؤولية "لبعض الهيئات العليا في السلطة التي تعمل على خنق التحرك (...) واهانة الطبقة السياسية". وختمت الصحيفة قائلة "يبدو ان الملك هو الوحيد الذي يملك وسائل تهدئة الوضع". وكتبت في عنوان رئيسي لها "الشعب يتوجه الى الملك"، متسائلة "هل سيتدخل؟".
ما ينبغي أن تعرفه
تشهد منطقة الريف، شمالي المغرب، اضطرابات وغضبا شعبيا مستمرا منذ 7 أشهر. وكان شرارة الغضب الأولى مقتل بائع السمك، محسن فكري، مطحونا في شاحنة نفايات، عندما أراد استعادة سلعته التي صادرتها الشرطة منه. بادرت السلطات المغربية إلى التهدئة واحتواء الحادث الفظيع، فأرسلت وزراء وكبار المسؤولين، إلى مدينة الحسيمة، وأصدرت المحاكم إدانات في حق الضالعين في مقتل فكري. ولكن يبدو أن الأمور كانت قد أفلتت من يد المسؤولين، وعائلة الضحية.
وتبنى الشارع القضية، في مسيرات ومظاهرات تجاوزت مطالب القصاص والعدالة، إلى العزلة و البطالة والفقر والخدمات الاجتماعية التي تفتقر إليها منطقة الريف، التي تعد من أفقر المناطق في المغرب. تقع منطقة الريف على البحر المتوسط وهي منطقة جبلية معزولة، ويتميز أهلها بالشدة والاعتزاز بتاريخ منطقهم في مقاومة الاستعمار الإسباني. ويحتفظ أهل الريف في الذاكرة الجماعية بجمهورية الريف التي أسسها ما بين 1921 و1927رمز المنطقة عبد الكريم الخطابي، الزعيم الذي تجاوز صيته ومكانته حدود المغرب.
وتعرض أهل الريف إلى قمع سلطات الاستعمار الإسباني أثناء مقاومة الخطابي، استعملت فيه الغازات السامة، ويعتقد أن آثارها لا تزال موجودة إلى اليوم، إذ تسجل المنطقة أعلى معدلات الإصابة بالسرطان في المغرب. ويفتخر أهل الريف أيضا بوقوفهم في وجه السلطة، إذ تعد مدينة الحسيمة مركز الاحتجاجات التي تعرف "بانتفاضة الخبز" عام 1984. وكانت الحسيمة أيضا المدينة الوحيدة التي وقع فيها قتلى في احتجاجات 2011.
وتتميز منطقة الريف بالخصوصية الثقافية، إذ أن أغلب سكانها ينتمون إلى القبائل الأمازيغية، يحتفون بتقاليدهم ولغاتهم الشعبية، ولكن هذه الخصوصية أخذت أبعادا اقتصادية واجتماعية. فمصادر الدخل الرئيسية في الريف هي الأموال التي يرسلها المهاجرون إلى أهاليهم، وأموال التهريب وزراعة القنب الهندي. ويحمل أهل المنطقة مسؤولية هذه الوضعية إلى الملك الراحل، الحسن الثاني، الذي يبدو أنه لم يغفر لهم الثورة على ملك والده في عامي 1958 و1959، إذ أن الاستثمار في المنطقة شبه منعدم، حسب أهل الريف، وهو ما أدى إلى ازدهار زراعة المخدرات.
ويعتقد أن عشرات آلاف الهكتارات تزرع اليوم بالقنب الهندي في الريف من قبل 800 ألف شخص. ويتسلل نحو 50 ألف شخص من سكان الريف إلى مدينتي سبتة ومليلة التابعتين إداريا لإسبانيا من أجل في رحلات تهريب تشمل المخدرات والسلع الاستهلاكية وغيرها من المواد، مثل الملابس والخمور، والتبغ. وحاول الملك محمد السادس فك العزلة عن الريف، إذ أعلن مشاريع لتطوير شمال البلاد، وقرب منه مسؤولين من المنطقة، ولكن يبدو أن الاستثمارات التي أعلن عنها اقتصرت على المدن الكبيرة ولم تصل إلى القرى والمناطق الأكثر عزلة.
وشهدت منطقة الريف على مر السنين هجرة عدد متزايد من أبنائها لعدم توفر أسباب المعيشة في منطقتهم، على الرغم من ازدهار وتطور العديد من المدن المغربية الاخرى واستفادتها من البنى التحتية والخدمات الاجتماعية والاقتصادية، مثل الدار البيضا والرباط وحتى طنجة. وأمام هذه الضغوط والأوضاع الصعبة، أمسك الشباب في الحسيمة، بحادث مقتل واحد منهم، في ظروف مأساوية، للتعبير عن غضبهم وتوصيل مطالبهم إلى أعلى سلطات البلاد. وكان ناصر الزفزافي، الشاب العاطل عن العمل، يتحدث باسمهم ويعبر عن معاناتهم، وهو يقاطع خطيب الجمعة في مسجد مدينته، ليتحدث عن ظروف المعيشة الصعبة والبطالة والفقر وغيرها من الآفات التي يعاني منها أهل الريف.
اضف تعليق