الاجتماع الاخير الذي عقد بين الطرفين الرئيسين في النزاع الليبي، القائد العسكري خليفة حفتر و رئيس الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة فائز السراج في أبو ظبي من أجل حل الأزمة الليبية، قائمة منذ 16 شهرا وقوضت الجهود الدبلوماسية لتوحيد البلاد منذ عام 2011. ما تزال محط اهتمام واسع حيث يرى بعض المراقبين، ان هذا الاجتماع المهم قد يكون خطوة للأمام نحو إنهاء الأزمة بين التحالفات الفضفاضة المتناحرة، وأجرى حفتر الذي رفض في السابق دعوات للاجتماع مع الحكومة محادثات مع السراج في أبوظبي، وقال مصدر قريب من القائد العسكري إن المحادثات أسفرت عن اتفاق لإجراء انتخابات في وقت مبكر من العام المقبل. وتضغط قوى إقليمية وغربية على حفتر والسراج منذ شهور لمناقشة إعادة تفعيل الاتفاق الذي جرى بوساطة من الأمم المتحدة وأدى إلى تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي يقودها السراج. وكان الاتفاق محاولة لإنهاء الاضطراب المستمر في ليبيا منذ الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي في 2011. ويسيطر حفتر على فصائل في شرق ليبيا ترفض حكومة الوفاق الوطني مما أسهم في عدم قدرتها على توسيع سلطتها في طرابلس وخارجها. وتدعم فصائل أخرى مسلحة في الغرب حكومة الوفاق الوطني.
وقال مصدر في أبوظبي طلب عدم ذكر اسمه إنه تم الاتفاق على فتح قنوات اتصال دائمة وتشكيل مجموعتي عمل لاستكمال اتفاق بشأن تفاصيل تشكيل حكومة والترتيبات العسكرية بين ضباط من جميع المناطق. وأضاف المصدر أنه تم الاتفاق أيضا على إجراء انتخابيات رئاسية وبرلمانية في موعد أقصاه مارس آذار عام 2018. وهذه هي أول مرة يجتمع فيها السراج وحفتر منذ أوائل العام الماضي. وفشل اجتماع كان متوقعا في القاهرة في فبراير شباط رغم الاتفاق على خريطة طريق بين وفدين برلمانيين من الشرق والغرب لإحياء عملية السلام. وحفتر، الحليف السابق للقذافي، شخصية مثيرة للشقاق يتشكك معارضوه في أنه يسعى للعودة بالبلاد إلى الحكم السلطوي. وكسب القائد العسكري الذي حظي بدعم من قوى خارجية ومنها مصر والإمارات وروسيا أرضا منذ العام الماضي وسيطر على عدد من موانئ النفط الرئيسية وتقدم في حملة طويلة ضد خصوم يقودهم إسلاميون في بنغازي ثاني أكبر مدن ليبيا.
وقد أشار حفتر أيضا إلى أنه يتوقع السيطرة على طرابلس لكن العديد من المراقبين شككوا في قدرته على القيام بذلك. وفي تقدم الجيش الوطني الليبي والقوات المتحالفة معه باتجاه الغرب في الشهور الأخيرة اشتبك مرارا مع خصوم متحالفين مع حكومة الوفاق الوطني حول موانئ النفط وفي منطقتي سبها والكفرة الصحراويتين بالجنوب. ورفض حفتر وأنصاره حكومة الوفاق الوطني في السابق بسبب ارتباطها بفصائل مسلحة تملك نفوذا في طرابلس وباقي مناطق غرب ليبيا.
من جانب اخر يرى بعض الخبراء ان هذه الخطوة وعلى الرغم من اهميتها الكبيرة، قد لا تسهم باعادة ليبيا الى عهدها السابق خصوصا مع وجود اطراف متعددة تسعى الى تحقيق مكاسب خاصة، وأي اتفاق جديد لانهاء الازمة في ليبيا سيحتاج إلى دعم العديد من الجماعات المسلحة والقوية التي أحبطت محاولات سابقة لتوطيد الاستقرار في البلد المنتج للنفط.
تعهدات جديدة
وفي هذا الشأن أصدر المعسكران الليبيان المتنافسان بيانين منفصلين يتعهدان بتهدئة التوترات في جنوب ليبيا ومكافحة الإرهاب لكن دون طرح طريق مشترك إلى اتفاق سياسي لتوحيد البلاد. جاء البيانان بعد يوم من ضغوط دبلوماسية مكثفة أدت إلى اجتماع في أبوظبي بين خليفة حفتر القائد العسكري المتمركز في شرق ليبيا وفائز السراج رئيس الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس.
وقال مصدر قريب من حكومة الوفاق الوطني إن الجانبين حاولا في بادئ الأمر الاتفاق على بيان مشترك قبل أن يقررا إصدار بيانين منفصلين. وفي السابق أدت روايات متضاربة لاتفاقات مبدئية وتسريبات لوثائق لم يوقعها أي من الطرفين إلى إرباك الوساطة الدولية والمفاوضات الرامية لإنهاء الصراع في ليبيا منذ الإطاحة بمعمر القذافي. وقال بيان مكتب السراج إن الاجتماع مع حفتر جاء "سعيا لتحقيق تسوية سلمية للأزمة الليبية" ودعا إلى "حوار مجتمعي موسع لترسيخ الثوابت الوطنية وتأصيل فكرة بناء الدولة الديمقراطية المدنية".
وشدد البيان على الحاجة إلى "الحفاظ على مبادئ ثورة السابع عشر من فبراير" التي أطاحت بالقذافي ووضع "إستراتيجية متكاملة لتطوير وبناء الجيش الليبي الموحد والتأكيد على انضواء المؤسسة العسكرية تحت السلطة المدنية". ودعا البيان إلى مكافحة الإرهاب وتهدئة الأوضاع في جنوب البلاد و"اتخاذ كل التدابير التي تضمن التداول السلمي للسلطة".
ويقود حفتر الجيش الوطني الليبي المتمركز في الشرق ويرى في نفسه قائدا عسكريا قادرا على إلحاق الهزيمة بالمتشددين الإسلاميين والسيطرة على الفصائل المسلحة العديدة في ليبيا. ويخشى معارضوه أنه يسعى لإعادة ترسيخ الحكم الاستبدادي في ليبيا ويقولون إنهم سيناضلون من أجل الدفاع عن ثورة 2011. وركز بيان الشرق الذي نقلته وسائل إعلام موالية لحفتر على حماية الجيش ودعا إلى "ضرورة العمل على معالجة انتشار التشكيلات المسلحة وتنظيم حمل السلاح". بحسب رويترز.
وقال أيضا إن الاجتماع ناقش إجراء تعديلات على الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة الأمم المتحدة والذي أدى إلى تشكيل حكومة الوفاق الوطني في أواخر 2015 دون إعطاء تفاصيل. ومثلما حدث مع اتفاق 2015 قد تواجه أي خارطة طريق يتفق عليها السراج وحفتر معارضة من الفصائل المسلحة والسياسية على الأرض. وتتجمع هذه الفصائل في تحالفات متغيرة ومعقدة في الوقت الذي يتناحر فيه المعسكران المتنافسان على السلطة وثروة ليبيا النفطية على مدى الأعوام الثلاثة الماضية.
دعم المحادثات
الى جانب ذلك أبدت الدول المجاورة لليبيا والأمم المتحدة تأييدها لاجتماع عقد بين فائز السراج رئيس الحكومة الليبية المدعومة من المنظمة الدولية وخصمه خليفة حفتر القائد العسكري بشرق البلاد. وأجرى الرجلان محادثات في أبوظبي كانت الأولى بينهما منذ أكثر من عام ونصف العام وتناولت اتفاقا بوساطة الأمم المتحدة تأمل القوى الغربية أن ينهي القتال بين الفصائل التي تهيمن على ليبيا. ويختلف جيران ليبيا والقوى الإقليمية كثيرا بشأن سبيل التقدم فمصر أقرب إلى حفتر وحملته المناهضة للإسلاميين المتشددين بينما تؤيد الجزائر نهجا شاملا يضم الاستفادة من نفوذ الحركة الإسلامية التونسية المعتدلة. وفي إطار الجهود الدبلوماسية لجيران ليبيا استضافت الجزائر اجتماعا شارك فيه مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر ووزراء من مصر وتونس والسودان والنيجر وتشاد وأيضا ممثلون عن الحكومة الليبية المدعومة من المنظمة الدولية.
وينظر لاجتماع أبوظبي على أنه خطوة للأمام رغم بقاء الكثير من العقبات في طريق الوصول لاتفاق جديد واسع يحقق الاستقرار في ليبيا ومنها الانقسامات داخل كل فصيل بين المحافظين والمعتدلين الأكثر انفتاحا على المفاوضات. وقال الحضور في بيان مشترك للاجتماع الوزاري لدول جوار ليبيا إن الوزراء يرحبون بالاجتماع الذي عقد في أبوظبي في إطار الجهود المبذولة لدعم عملية التسوية السياسية.
وقال كوبلر في تعليق منفصل بالجزائر "الاجتماع بين رئيس الوزراء السراج والمارشال حفتر بادرة إيجابية". وكابدت حكومة السراج لمد سلطاتها وحتى في طرابلس تواجه مقاومة من جماعات مسلحة وزعماء سابقين بالحكومة يحاولون استعادة نفوذهم. وحفتر شخصية مهيمنة بين الفصائل في الشرق ويرفض حتى الآن حكومة طرابلس. وتدعم فصائل مسلحة في الغرب، أغلبها في مدينة مصراتة، حكومة السراج. بحسب رويترز.
ولم تعلن حتى الآن تفاصيل اجتماع أبوظبي. لكن إحدى نقاط الخلاف الرئيسية كانت اتفاق الأمم المتحدة الذي يمنح السراج السيطرة على التعيينات في الجيش وهو شرط تخشى الفصائل في الشرق أن يضعف الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر. وتعقدت محاولات فرض الاستقرار في ليبيا نتيجة الكتائب الكثيرة التي يقودها متمردون سابقون يدعمون فصائل سياسية متناحرة وارتباطها بقوى إقليمية منها الإمارات وتركيا وقطر وأيضا روسيا.
الى جانب ذلك رحب وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون بالاجتماع الذي عقد بين الطرفين الرئيسين في النزاع الليبي، وذلك خلال زيارة قصيرة أجراها إلى طرابلس. ودعا جونسون الليبيين إلى انتهاز "الزخم" الناجم عن ذلك اللقاء لتمهيد "الطريق أمام المصالحة والوحدة الليبيتين"، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية البريطانية. واعتبر أن "حكما فعالا هو أيضا المفتاح لهزيمة الإرهاب في ليبيا ومكافحة الهجرة غير الشرعية". وناقش جونسون مع السراج ووزير خارجيته محمد الطاهر سيالة سبل استعادة الأمن والاستقرار في البلاد الغارقة في الفوضى.
إيطاليا والدعم الامريكي
على صعيد متصل قلل مسؤولون إيطاليون من شأن تلميحات إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قابل بصدود مساعي رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني لإقناع واشنطن بالقيام بدور أكبر لتحقيق الاستقرار السياسي في ليبيا. واجتمع جنتيلوني مع ترامب في البيت الأبيض وأبلغ الصحفيين إنه يسعى إلى الحصول على دعم للمساعدة في التعامل مع البلد الذي انزلق إلى الفوضى بعد سقوط معمر القذافي في 2011 .
وقال جنتيلوني في مؤتمر صحفي مشترك مع ترامب "الدور الأمريكي في هذا حيوي جدا". ورد الرئيس الأمريكي على الفور قائلا "أنا لا أرى دورا في ليبيا. أظن أن الولايات المتحدة لديها الآن ما يكفي من الأدوار". وقال معلقون إيطاليون إن ترامب نحى جانبا فيما يبدو طلب جنتيلوني للمساعدة. لكن صحفيين تابعوا المؤتمر الصحفي قالوا إن ترامب لم يكن يستمع إلى الترجمة الفورية عندما أدلى جنتيلوني بتعليقه وذكر مسؤول مقرب من رئيس الوزراء الإيطالي إن الاجتماع سار بشكل جيد.
وقال المسؤول "لم يكن هناك أي صدود على الإطلاق" مضيفا أن ثلثي محادثات الزعيمين ركزت على ليبيا. وكدليل على المشاركة الأمريكية في ليبيا قال مسؤولون إيطاليون إن واشنطن دعت فائز السراج، الذي يرأس حكومة تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس، وخليفة حفتر، وهو قائد عسكري بارز في شرق ليبيا، إلى محادثات في العاصمة الأمريكية في وقت لاحق هذا العام. ولم يصدر تأكيد من واشنطن حتى الآن.
وإيطاليا حريصة بشكل خاص على إعادة السلام إلى ليبيا لأن البلد الواقع في شمال أفريقيا أصبح مركزا لمهربي البشر مع وصول أكثر من نصف مليون مهاجر إلى إيطاليا على مدى السنوات الثلاث المنقضية في سفن متهالكة وقوارب مطاطية. وقال جنتيلوني في كلمة ألقاها في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن قبل اجتماعه مع ترامب "حان الوقت لأن تعمل الولايات المتحدة وإيطاليا معا من أجل استقرار الوضع وتوسيع الدعم لحكومة طرابلس ليشمل فاعلين آخرين... تقسيم ليبيا ليس فكرة صائبة. إنه سيكون خطيرا على مصر وخطيرا على تونس وعلى مصالح أوروبا". بحسب رويترز.
وأضاف أن دول حلف شمال الأطلسي بما في ذلك الولايات المتحدة عليها مسؤولية خاصة تجاه ليبيا قائلا إن تدخلها العسكري في 2011 أدى إلى التخلص من القذافي لكنه جلب الفوضى والعنف. وقال جنتيلوني "كان من الواضح أنه تدخل افتقر إلى رؤية أو منظور للمستقبل". وتشعر إيطاليا بقلق من أن الولايات المتحدة ربما تلقي بثقلها في نهاية المطاف خلف حفتر تحت إلحاح من مصر التي تدعم القائد العسكري للتصدي للمتشددين الإسلاميين.
معارك لاجل الاسيطرة
من جانب اخر قالت قوات متمركزة في شرق ليبيا إنها سيطرت على المعقل الأخير لمنافسين يقودهم إسلاميون جنوب غربي بنغازي مما ينهي مقاومة استمرت لأسابيع من جانب مقاتلين تحصنوا بمجموعة من الأبراج السكنية. ويشن الجيش الوطني الليبي الذي يتخذ من شرق ليبيا مقرا له حملة في ثاني أكبر مدن ليبيا منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام وما زال يواجه جيوبا للمقاومة في حيين شماليين رغم تحقيق مكاسب كبرى منذ أوائل العام الماضي.
وقال ميلاد الزاوي المتحدث باسم القوات الخاصة في الجيش الوطني الليبي إن الحصار عند منطقة (العمارات 12) انتهى عند محاولة المقاتلين المنافسين الهرب فجرا. وقال إن 23 منهم قتلوا فيما اعتقل ستة آخرون في حين قتل خمسة من قوات الجيش الوطني الليبي وأصيب ستة منهم. وكان داخل تلك المباني المحاصرة عشرات من أعضاء العائلات الذين اعتقل عدد غير معلوم منهم. ولم يتضح على الفور أيضا ما إذا كان أي من المقاتلين أو أسرهم قد لاذ بالفرار.
وقال الجيش الوطني الليبي إنه فقد طائرة من طراز ميج-21 فوق حي الصابري في بنغازي رغم أن قائدها نجح في القفز منها. وما زال الجيش يواجه معارضة مسلحة في حيي الصابري وسوق الحوت الشماليين.
وبدأ خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي عملية الكرامة في بنغازي في مايو أيار 2014 قائلا إنه يريد أن يخلص المدينة من المتشددين الإسلاميين بعد سلسلة من التفجيرات وعمليات القتل. وأعلن عدد من خصومه مبايعتهم لتنظيم داعش أو لجماعات على صلة بتنظيم القاعدة لكن خصوما آخرين يقولون إنهم يقاتلون لمنع عودة الحكم الاستبدادي إلى ليبيا.
ورفض حفتر الحكومة المحاصرة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس والتي كان الهدف منها إعادة توحيد البلد الذي انقسم في عام 2014 بين حكومتين، إحداهما في شرق ليبيا والأخرى في غربها، وفصائل مسلحة. و خرجت مظاهرات ضد حكم الفصائل المسلحة في وسط طرابلس في أعقاب اشتباكات عنيفة غير معتادة على مدى الأيام الماضية. وعبر البعض عن دعمه لحفتر قبل أن تندلع احتجاجات وسط إطلاق للنار. بحسب رويترز.
وتحدث حفتر، الذي يعتقد كثيرون في أنه يسعى لتولي حكم البلد، إلى سكان بنغازي عبر محطة تلفزيونية محلية بعد اندلاع الاحتجاجات مؤكدا أن الجيش الليبي لن يتخلى عنهم حتى تعود طرابلس إلى "حضن الوطن". وأصدرت مجموعة، مؤلفة من 22 فصيلا مسلحا يتخذ من طرابلس مقرا له، بيانا يوم الجمعة أكدت فيه معارضتها لحفتر.
اضف تعليق