قبل أيام من الانتخابات الفرنسية، كثفت مرشحة الجبهة الوطنية اليمنى المتطرف مارين لوبان، التي تسعى لجمع اكبر عدد من الأصوات واكتساب المزيد من الشعبية، حملتها الانتخابية وهجماتها ضد منافسيها في هذا السباق المهم، فبعد أن استخدمت لوبان وبحسب بعض المصادر، كروت الإرهاب والإسلاموفوبيا واستغلال رعب الفرنسيين من الهجمات الإرهابية التي تلحق بالبلاد، انتقلت اليوم للعب على وتر الأقلية المهمشة في فرنسا، هذا بالاضافة الى طرح بعض القضايا الاقتصادية المهمة، وأشارت اليمينة المتطرفة إلى أنها تعتزم محاربة الإسلام المتطرف، على حد تعبيرها، من خلال "إغلاق مساجد السلفيين" التي تقوم ببث خطب الكراهية وسط البلاد ونشر الفكر الراديكالى الذى يحلل العمليات الانتحارية، حسب قولها، وكذلك من خلال حظر "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" الذي وصفته بكونه تابع لحركة "الإخوان الإرهابية". كما يتضمن برنامجها انسحاب فرنسا من معاهدة "شنجن"، بالإضافة للقيام بإجراءات من شأنها الحد من الهجرة إلى الأراضي الفرنسية، عبر تشديد الرقابة على الحدود. وقالت مارين لوبان إن الاتحاد الأوروبي سينتهي لأن الناس لم يعودوا يريدونه وأضافت إن "أوروبا الشعب " ستحل محله. وأضافت "سنتغير لأوروبا أخرى فالفكرة الأوروبية التي تضررت بسبب الاتحاديين ستُفعل نفسها وتجدد نفسها في شكل أوروبا الشعب ..والأمم."
تغيير حضاري
في هذا الشأن وقبل موعد الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية، وجهت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان نداء إلى "شبان فرنسا"، في حين دعا مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلنشون إلى "ثورة المواطن". وشنت مارين لوبان هجوما أمام نحو ألفي شخص من مناصريها في بوردو (جنوب غرب) على المرشح المستقل إيمانويل ماكرون ومرشح اليمين فرانسوا فيون اللذين اعتبرت أنهما "متحالفين"، حيث قالت "أمام الابتسامة التسويقية لأحدهما" في إشارة إلى ماكرون، و"القناع المنزوع للآخر" في إشارة إلى فيون، "فإن ما يقدم إليكم هو ابتسامة العولمة والهجرة والاتحاد الأوروبي".
وتابعت "أقول لشبان فرنسا : اقترعوا ! نشعر جميعا بأننا على أبواب تغيير حضاري" قبل أن تندد باقتراح لماكرون، الذي تتنافس معه في استطلاعات الرأي لاحتلال المركز الأول، "أن التمييز الإيجابي لماكرون يعني التمييز السلبي للآخرين في بلادهم". في شاتورو في وسط فرنسا، أعرب جان لوك ميلنشون عن سروره لوجود "إشارات مناسبة". وقال "تشعرون تماما يا أصدقائي بأن الموجة تكبر" في إشارة إلى ارتفاع نسبة مؤيديه في استطلاعات الرأي، مضيفا أمام تجمع انتخابي "إذا كان لا بد من الحكم فسنعرف كيف نحكم (...) ومنذ اليوم الأول سيكون هناك الفريق اللازم" لذلك. بحسب فرانس برس.
وتابع أن النصر "الذي كان يبدو مستحيلا حتى البارحة، بات يقترب منا اليوم. لا بد من أن نستعد جميعا لحكم البلاد"، وقال ميلنشون أيضا، صاحب شعار "فرنسا الأبية"، إن "ثورة المواطن تعني المواطنين الذين يصنعونها. إن التغيير الذي نقترحه لا يمكن أن يحصل ما لم يكن الشعب نفسه هو الذي يغير كل شيء". وأفاد استطلاع للرأي أن 44% من الفرنسيين يعتقدون أن ميلنشون يجسد بشكل أفضل "أفكار وقيم اليسار" متقدما بكثير على مرشح الحزب الاشتراكي بنوا هامون (31%) والوسطي إيمانويل ماكرون (21%).
لوبان و اليورو
على صعيد متصل قالت مارين لوبان المرشحة لانتخابات الرئاسة الفرنسية لتجمع انتخابي إن عملة اليورو، التي تريد لفرنسا أن تتخلى عنها، سكين في ضلوع الشعب الفرنسي. وقالت زعيمة الجبهة الوطنية المناهضة للهجرة أيضا للتجمع في مدينة بوردو إن انتخابات الرئاسة المقبلة قد تبشر "بتغير في الحضارة". وبعد أن تشجعت بانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة على عكس التوقعات وتصويت بريطانيا بالموافقة على الخروج من الاتحاد الأوروبي تتطلع لوبان إلى الاستفادة من قوة دفع شعبوية مماثلة في فرنسا على الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى أنها ستخسر في جولة الإعادة المقررة في السابع من مايو أيار.
وقالت لوبان وسط تصفيق وهتافات "نحن تحت رحمة عملة تناسب ألمانيا وليس اقتصادنا. اليورو في المقام الأول سكين مغروز في ضلوعنا ليجعلنا نذهب إلى حيث يريد آخرون أن نذهب." وفي تأكيد على آرائها المناهضة للعولمة والهجرة قالت لوبان "لا نريد فرنسا مفتوحة لكل التدفقات التجارية والبشرية بدون حماية وحدود." بحسب رويترز.
وإذا وصلت لوبان للرئاسة فستعمل حكومتها على انسحاب فرنسا من منطقة اليورو وإعادة العملة الوطنية وإجراء استفتاء على عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي وفرض ضرائب على الواردات والشركات التي توظف الأجانب. وتقول لوبان إنها ستحد من الهجرة وستطرد جميع المهاجرين غير الشرعيين وتجعل بعض الحقوق المتاحة الآن لجميع السكان، بما في ذلك التعليم المجاني، قاصرة على الفرنسيين.
من جانب اخر قالت مارين لوبان المرشحة لانتخابات الرئاسة الفرنسية إن المستثمرين لن يسحبوا أموالهم من فرنسا إذا خرجت من منطقة اليورو. وكانت لوبان تعهدت بالدعوة لاستفتاء عام لإعادة العمل بالعملة الوطنية الفرنك إذا ما جرى انتخابها رئيسة للبلاد. وقالت زعيمة الجبهة الوطنية المناهضة للهجرة والاتحاد الأوروبي واليورو "هناك سيولة هائلة في العالم لذا فلن يسحب (المستثمرون) أموالهم من فرنسا، خاصة حين تعود فرنسا مرة أخرى إلى طريق النمو الاقتصادي.
وأضافت "إنهم قلقون لأنهم يدركون أنه لن يصبح بمقدورهم تحقيق الأرباح التي اعتادوا تحقيقها في السابق"...العالم تغير وهذا ما يقلقهم. العالم يتقدم صوب التجارة الحرة وسياسة عدم التدخل." وطالب مشرفون على القطاع المالي في البنك المركزي الأوروبي البنوك في أن تضع جميع السيناريوهات في الاعتبار بما في ذلك الكيفية التي سيردون بها على فوز لوبان و/أو الأثر السوقي الذي يمكن أن ينتج عند إحراز نتائج تفوق التوقعات في الجولة الأولي من الانتخابات الفرنسية.
الى جانب ذلك قال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند ومحافظ البنك المركزي فرانسوا فيلروي دو جالو إن التخلي عن اليورو والعودة إلى الفرنك سيضر بالقوة الشرائية للبلاد في تحذيرات ضمنية من توجهات حزب الجبهة الوطنية. والخروج من منطقة اليورو أحد الأهداف الرئيسية لمارين لوبان وهو مؤشر على موقفها المناهض للمؤسسة الذي يجتذب ناخبين غاضبين من العولمة لكنه يمثل حجر عثرة أمام وصولها للسلطة في بلد تعارض فيه الأغلبية العودة للفرنك. وقال أولوند للصحفيين في روما على هامش الاحتفال بالذكرى الستين للمعاهدة التأسيسية للاتحاد الأوروبي "بعض (المرشحين) يريدون الانسحاب من أوروبا. دعهم يثبتون للشعب الفرنسي أننا سنكون أفضل حالا وحدنا!"
وأضاف في نسخة مكتوبة من تصريحات أصدرها مكتبه "لن يستطيعوا إثبات ذلك لأن... العودة لعملة وطنية سيتسبب في انخفاض قيمتها وخسارة في القوة الشرائية وإغلاق الحدود سيتسبب في فقد الكثير من الوظائف." وتظهر استطلاعات متعددة أن الناخبين الفرنسيين، وخاصة كبار السن، يريدون بقاء فرنسا في منطقة اليورو بأغلبية كبيرة على الرغم من تشككهم في الاتحاد الأوروبي.
في الوقت نفسه حذر رئيس البنك المركزي فرانسوا فيلروي دو جالو، وهو أيضا أحد صانعي سياسات المركزي الأوروبي، من خطورة الخروج من منطقة اليورو. وقال فيلروي "الخروج من منطقة اليورو وتخفيض قيمة عملتنا بنسبة 20 بالمئة يعني أن تكلفة السلع المستوردة ستزيد بنفس القدر." وأضاف أن العضوية في منطقة اليورو سمحت لفرنسا بالاستفادة من تكاليف اقتراض أقل مما أدى لتوفير ما بين 30 و 60 مليار يورو سنويا مضيفا أن التخلي عن العملة يعني التخلي عن تلك المبالغ.
في الكرملين
على صعيد متصل وفي موسكو التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع مارين لوبان مرشحة اليمين المتطرف في انتخابات الرئاسة الفرنسية في الكرملين مانحا إياها مستوى من الاعتراف الدولي لم تتمكن من الحظوة به حتى الآن مع استمرار العد التنازلي للانتخابات. وتظهر استطلاعات الرأي أن لوبان التي عبرت عن إعجابها بالزعيم الروسي ستتمكن من الفوز في الجولة الأولى لكنها وفقا للاستطلاعات ستخسر في النهاية أمام مرشح الوسط إيمانويل ماكرون. وتؤيد لوبان رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا بسبب دورها في الصراع الأوكراني وهو موقف كررته.
وقال بوتين للوبان خلال اجتماعهما "نولي أهمية كبيرة لعلاقاتنا مع فرنسا لكن في ذات الوقت نحاول الحفاظ على علاقات متكافئة مع السلطات الحالية وممثلي المعارضة." وأضاف قائلا "لا نريد أن نؤثر على سير الأحداث بأي حال لكننا نحتفظ بحق التحدث إلى ممثلي كل القوى السياسية في البلاد بالضبط كما يفعل شركاؤنا في أوروبا والولايات المتحدة." وقال إن لوبان تمثل مجموعة من القوى السياسية التي بدأت تكتسب زخما.
وفي فرنسا كان لقاء بوتين ولوبان الموضوع الرئيسي على الموقع الإلكتروني لصحيفة لو فيجارو الفرنسية المحافظة في حين قالت صحيفة لو موند إن بوتين "بارك" لوبان. لكن بعض الناخبين الفرنسيين ربما يشعرون باستياء من ارتباط لوبان بزعيم ينظر إليه الكثيرون في الغرب على أنه سلطوي. وفي مقابلة نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية قال ماكرون إن لوبان لديها افتتان "مسموم" بروسيا. وأضاف قائلا "بالتأكيد يجب علينا أن نتحدث مع روسيا لضمان الاستقرار في الشرق الأوسط. لكن علينا ألا ننسى من هم وماذا يفعلون وطبيعة نظامهم الحاكم."
واقترض حزب الجبهة الوطنية الذي تتزعمه لوبان تسعة ملايين يورو من بنك مقره موسكو في 2014 ويبحث عن مصادر جديدة للتمويل. ونفت لوبان، في حديث إلى الصحفيين داخل فندق في موسكو بعد لقائها مع بوتين، أن تكون ناقشت أي مساعدات مالية لحزبها وهو ما يتسق مع نفي في وقت سابق من الكرملين. وأضافت لوبان أن المناقشات ركزت على ما قالت إنها مصالح روسية وفرنسية مشتركة في محاربة "إرهاب الإسلاميين".
وقالت "عالم جديد ظهر في هذه السنوات الماضية. إنه عالم فلاديمير بوتين.. عالم دونالد ترامب في الولايات المتحدة.. عالم السيد (ناريندرا) مودي في الهند وأعتقد أنني على الأرجح الشخصية التي تتقاسم مع تلك الأمم العظيمة رؤية للتعاون وليس رؤية للخضوع." وسئلت عن أول قرار لها بشأن روسيا إذا انتخبت رئيسة لفرنسا فقالت إنه سيكون التفكير في رفع العقوبات بشرط أن ترفع موسكو القيود التي تفرضها على واردات بعض الأغذية الأوروبية.
وأضافت قائلة "عارضت على الدوام العقوبات التي أعتبرها مجحفة جدا وغير بناءة." وذكرت وكالات أنباء روسية أن لوبان تزور موسكو تلبية لدعوة من ليونيد سلاتسكي رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب. وكان رئيس البرلمان الروسي قال للصحفيين إن لوبان ألغت عددا من الفعاليات في البرلمان حتى تذهب إلى الكرملين لحضور معرض للفن القوطي الفرنسي. وبعدها بقليل بث التلفزيون الرسمي الروسي لقطات للوبان وهي جالسة مع بوتين في الكرملين. وقال مساعد للوبان "شعرنا أنهما تفاهما وكانا على نفس الموجة" مشيرا إلى أن بوتين تمنى لها التوفيق في الانتخابات.
اضف تعليق