توقفت من جديد محادثات السلام السورية التي تدعمها روسيا وتركيا وإيران من اجل إنهاء الصراع في سوريا، حيث قاطعت المعارضة وكما نقلت بعض المصادر جولة ثالثة في كازاخستان، وهو ما اثار الشكوك بوجود تدخلات خارجية لافشال هذه المحادثات وأكد الكرملين أن هناك انقسامات دولية بشأن العملية، ويرى البعض ان تركيا سعت الى استخدام المعارضة كورقة ضغط جديدة في هذه الحرب، خصوصا وان الفترة الأخيرة قد شهدت تطورات ميدانية مهمة، وتحاول تركيا إقامة منطقة آمنة على الحدود في شمال سوريا خالية من وحدات حماية الشعب الكردية وتنظيم داعش.
واتهمت الحكومة السورية تركيا بالإخلال بالتزاماتها تجاه محادثات السلام بعد مقاطعة جماعات مسلحة معارضة تدعمها أنقرة لجولة ثالثة من الاجتماعات تنطلق في قازاخستان. وبدأت محادثات آستانة في يناير كانون الثاني بدعم من روسيا وإيران اللتين تدعمان الرئيس السوري بشار الأسد وتركيا أحد الداعمين الرئيسيين للمعارضة السورية. وقال بشار الجعفري مبعوث الحكومة السورية في تصريحات من آستانة "عندما يخل أحد الضامنين الثلاثة بالتزاماته وأعني بذلك تركيا فهذا يعني أن تركيا هي التي يجب أن تساءل على عدم حضور أو مشاركة تلك المجموعات المسلحة."
وقال الجعفري إن الحكومة السورية ذهبت إلى آستانة للقاء حلفائها الروس والإيرانيين وليس جماعات المعارضة المسلحة ولإظهار "جدية الحكومة السورية" في المشاركة في عملية آستانة. وأضاف أن عدم حضور الجماعات المسلحة يؤكد وجهة نظر الحكومة السورية ويكشف "العورة السياسية لهذه المجموعات المسلحة". وقال إن قرار عدم الحضور لم يصدر عن مقاتلي المعارضة بل "مشغليهم".
مسار المحادثات
وفي هذا الشأن توقفت محادثات السلام السورية التي تدعمها روسيا حيث قاطعت المعارضة السورية المسلحة المدعومة من تركيا جولة ثالثة في قازاخستان وأشار الكرملين إلى أنه توجد انقسامات دولية بشأن العملية. وقالت روسيا، أقوى حليف للرئيس السوري بشار الأسد، إن الأسباب التي أوردتها المعارضة للمقاطعة غير مقنعة وإن قرارها كان مفاجئا. ووصف مبعوث الحكومة السورية المعارضين بأنهم وكلاء لتركيا وقال إن أنقرة أخلت "بالتزاماتها" إزاء عملية آستانة.
وقالت جماعات المعارضة إنها لن تحضر المحادثات بسبب ما قالت إنه عدم استعداد روسيا لوقف الضربات الجوية على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وفشلها في الضغط على الجيش السوري والمقاتلين الذين تدعمهم إيران للالتزام بوقف إطلاق النار. وسعت روسيا لإحياء الجهود الدبلوماسية بشأن سوريا منذ أن ساعدت قواتها الجوية القوات الحكومية السورية على هزيمة جماعات المعارضة في شرق حلب في ديسمبر كانون الأول في أكبر انتصار للأسد في الحرب الأهلية السورية.
وتركيا أحد أهم الداعمين لجماعات المعارضة التي تقاتل في شمال سوريا وتعاونها حيوي للجهود الدبلوماسية الروسية وساعد في التوصل لوقف لإطلاق النار في ديسمبر كانون الأول بعد هزيمة المعارضة في حلب. وسعت أول جولتين من محادثات السلام في آستانة إلى ترسيخ وقف إطلاق النار وهو ما يسلط الضوء على تحسن العلاقات الروسية التركية التي توترت ووصلت إلى نقطة الانهيار بسبب الحرب السورية.
ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قوله إن وزارة الدفاع تتواصل مع قادة المعارضة السورية الذين قاطعوا المحادثات. وأضاف أن روسيا تتعامل مع الوضع. ووصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف المحادثات بأنها معقدة للغاية. وأضاف قائلا في مؤتمر صحفي عبر الهاتف "أحيانا يكون الوضع في هذه المحادثات معقدا للغاية بسبب اختلافات كبيرة في أساليب مختلف البلدان." وأبلغ ألكسندر لافرنتيف رئيس الوفد الروسي في آستانة الصحفيين أن غياب المعارضة أمر "محزن" لكن ما زالت هناك "أشياء كثيرة لمناقشتها واتخاذ قرارات بشأنها".
ويدعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثات قازاخستان التي تركز على تقليص القتال واستئناف محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف وتسعى لتسوية سياسية للنزاع المستمر منذ ستة أعوام. وانهارت محادثات جنيف دون أي تقدم بسبب استمرار الخلافات التي يبدو أنها غير قابلة للحل والتي تتعلق بشكل رئيسي بمستقبل الأسد المحصن عسكريا على ما يبدو في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية في غرب البلاد.
وحضرت جماعات المعارضة التي تقاتل تحت لواء الجيش السوري الحر جولتي السلام السابقتين في آستانة. واتهم متحدث باسم المعارضة روسيا "بمواصلة جرائمها" ضد المدنيين في سوريا، في إشارة للضربات الجوية الروسية، ودعم "جرائم النظام السوري". وأشار سالم المسلط المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات التي تضم جماعات مسلحة وخصوما سياسيين للأسد إلى أن المعارضة قد تذهب إلى آستانة رغم أن القرار حتى الآن هو المقاطعة. وقال في مقابلة مع قناة الحدث التلفزيونية "هم ينتظرون أن يسمعوا ردا من روسيا ولكن حتى هذه اللحظة لم يأت أي شيء."
وقالت المعارضة إن روسيا فشلت في الوفاء بالتزاماتها كضامن لوقف إطلاق النار مضيفة أن القوات الحكومية وحلفاءها يواصلون تنفيذ هجمات على المناطق الباقية تحت سيطرة المعارضة في غرب سوريا. وقال بشار الجعفري مبعوث الحكومة السورية في المحادثات إن وفده ذهب إلى آستانة للاجتماع مع حلفاء سوريا الروس والإيرانيين وليس فصائل المعارضة. بحسب رويترز.
وقال الجعفري في تصريحات بُثت من آستانة "عندما يخل أحد الضامنين الثلاثة بالتزاماته وأعني بذلك تركيا فهذا يعني أن تركيا هي التي يجب أن تساءل على عدم حضور أو مشاركة تلك المجموعات المسلحة." وأضاف قائلا "على تركيا تحمل المسؤولية عن عدم قدوم المعارضة إلى آستانة 3 باعتبارها الدولة الضامنة." وفي وقت سابق زار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان موسكو سعيا لبناء تعاون مع بوتين بشأن العمليات العسكرية في سوريا. وتحاول تركيا إقامة "منطقة آمنة" على الحدود في شمال سوريا خالية من وحدات حماية الشعب الكردية وتنظيم الدولة الإسلامية. وتقدمت القوات السورية التي تدعمها روسيا إلى حدود المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية لكنها لا تحارب الأكراد.
السلام والحرب
من جانب اخر قالت فيدريكا موجيريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إن سوريا تحتاج إلى "سلام بالوكالة" يدعمه المجتمع الدولي بدلا من الحرب بالوكالة المستمرة منذ ست سنوات والتي قتلت حوالي 320 ألف شخص. والحرب التي شردت ملايين السوريين مستمرة بلا هوادة فيما يرجع إلى حد كبير إلى فشل المجتمع الدولي في الاتفاق على كيفية إنهائها مع مساندة كل من الولايات المتحدة وروسيا وحلفائهما في المنطقة للأطراف المتصارعة.
وستستضيف بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي مؤتمرا دوليا بشأن سوريا في الخامس من أبريل نيسان على أمل إيجاد قوة دافعة جديدة. لكن الاتحاد يكتفي منذ وقت طويل بدور هامشي في المساعي الدولية لتسوية الصراع. وتجري موجيريني منذ أشهر محادثات مع ثمانية لاعبين إقليميين في الشرق الأوسط، من بينهم إيران والسعودية وتركيا ولبنان، سعيا إلى إيجاد حد أدنى لتفاهم فيما بينهم حول شكل محتمل لمستقبل السلام.
وقالت موجيريني الصحفيين "سيستمر عملنا معهم سواء في الوقت الحاضر فيما يتعلق بدعم اللاجئين السوريين الذين يستضيفونهم... وأيضا فيما يتعلق بتحويل حرب بالوكالة بطريقة أو أخرى إلى سلام بالوكالة." "أعتقد أنه يمكن إيجاد أرضية ما مشتركة بين اللاعبين الدوليين والفاعلين الإقليميين تجعل من الممكن تسهيل هذه العملية." وهدد الاتحاد الأوروبي المؤلف من 28 دولة، وهو مانح رئيسي للمعونات، بعدم دفع أموال لأعمال إعادة الإعمار إذا سحقت روسيا وحليفها الرئيس السوري بشار الأسد المعارضة المدعومة من الغرب برمتها.
ويقول مسؤولون بالاتحاد إن دول الشرق الأوسط تتفق على أنها لا تريد تجميد الصراع في سوريا أو تمزيق أوصال البلد لأن ذلك سيستمر في تغذية عدم الاستقرار على أعتابها لسنوات. ونقل الاتحاد ذلك إلى مفاوض الأمم المتحدة بشأن سوريا الذي افتتح في أواخر فبراير شباط جولة أخرى من المحادثات في جنيف بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة المسلحة والسياسية الساعية للإطاحة بالأسد. بحسب رويترز.
وقالت موجيريني "أعتقد انه يمكن أن يكون هناك مكان لجميع اللاعبين الدوليين وخصوصا جميع الفاعلين الإقليميين... لإدراك أن من الملائم بشكل أكبر في هذا الوقت تحويل هذا إلى سلام بالوكالة والسماح ببداية ثانية لسوريا." وستعرض موجيريني أفكارها على اجتماع لوزرا خارجية الاتحاد الأوروبي في الثالث من أبريل نيسان. وخرجت محادثات منفصلة بشأن سوريا تقودها روسيا عن مسارها بسبب مقاطعة جماعات المعارضة المسلحة التي تدعمها تركيا.
أسباب الفشل
على صعيد متصل أعرب عدد من الكُتّاب في صحف عربية عن اعتقادهم بأن الجولة الأحدث من محادثات السلام بشأن الأزمة السورية في أستانة، عاصمة كازاخستان، قد باءت بالفشل. وسعى الكُتّاب إلى تحليل أسباب "فشل" المحادثات التي ترعاها روسيا وتركيا وإيران، وقاطعت المعارضة أحدث جولاتها قبل أيام. ويعدد هاني عوكل في صحيفة الأيام الفلسطينية أسباب "فشل اجتماع أستانا 3"، مشيراً إلى رفض المعارضة السورية المشاركة والاختلافات بين القوى الدولية الراعية للمحادثات بشأن الملف السوري، ووقوع تفجيرين في دمشق بالتزامن مع الاجتماع.
يقول عوكل "يخشى أن يكون الوجود العسكري الروسي والأمريكي والتركي والإيراني الداعم للأطراف المحلية مقدمة تمهد لصب الزيت على النار بين فرقاء النزاع السوري باتجاه تكريس التجزئة والانفصال وإعلان دويلات مدعومة من الغرب".
ويستغرب فؤاد الوادي في صحيفة الثورة السورية غياب ممثلي المعارضة وتركيا عن أحدث جولات مباحثات أستانة. ويقول الوادي "غياب تركيا عن آستانا يؤكد مجدداً عدم رغبتها وجاهزيتها بعد للولوج في حل سياسي كطرف يمكن تصنيفه في خانة الحيادية والنزاهة أو حتى الضامن لوقف إطلاق النار، وأن كل ما تفعله وتقوم به ليس إلا عبث وفوضى ولعب على هوامش الفراغات والتناقضات ورمادية المواقف وتخبطها وعجزها عن بلورة رؤية حقيقية وواضحة لمعالجة قضايا وأزمات المنطقة". ويؤكد الكاتب علي مضي دمشق في "طريق الحل السياسي برغم كل تلك الهستيريا التي تجتاح أطراف الإرهاب وأدواته". بحسب بي بي سي.
من جهته، يُرجع حسن سلامة في الديار اللبنانية فشل المفاوضات إلى أن "نظام (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان لا يزال يمسك العصا من الوسط، بما يتعلق بالتسوية في سوريا، أي أنه في معظم الأحيان لا يلتزم بما تعهد به". ويضيف الكاتب "التركي يسعى من موقفه الأخير إلى ممارسة الضغوط على الجانبين الروسي والإيراني لمنع تمدده في شمال سوريا". أما سميرة المسالمة، فترى في الحياة اللندنية أن المفاوضات لم تعد بين المعارضة السياسية والنظام "بل هي مفاوضات بين دول باتت تبسط سيطرتها في الميدان وعلى مسارات الصراع مع دول تتنازع معها على هذا النفوذ".
اضف تعليق