q

اشتعلت في الآونة الأخيرة، حرب جمعت بين مغامرات هوليود وتهديدات السياسية واشباح الانترنت، بين الولايات المتحدة الامريكية وكوريا الشمالية، فيما دخلت الصين وكوريا الجنوبية كجزء من الاتهامات التي طالت اغلب الخصوم، وكان فلم كوميدي من انتاج "شركة سوني" العملاقة بعنوان "المقابلة" الساخر من زعيم كوريا الشمالية الشاب المهووس بتناول الاجبان بشراهة، كيم جونج أون، والمتهم بسجل حافل من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان في كوريا الشمالية، قد صعد من تبادل الاتهامات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، بعد اتهام الأخيرة باختراق موقع الشركة المنتجة للفلم، كإجراء انتقامي، وهددت الولايات المتحدة الامريكية على لسان الرئيس الأمريكي "أوباما" بمعاقبة المعتدين، والغريب ان الرد جاء سريعا، بعد ان تعطلت شبكات الاتصال وخدمات الانترنت عن كوريا الشمالية لعدة ساعات ولأكثر من مرة، ومع ان كوريا الشمالية ترزح تحت عقوبات اقتصادية مستمرة على مدى عقود، الا ان لديها برنامجا نوويا تتخوف الولايات المتحدة الامريكية من استخدامه لشن حرب مدمرة من قبل حاكمها الشاب الذي يحكم البلاد خلفا لوالدة في ظل حكم شيوعي يفرض على المواطنين جميع تفاصيل حياتهم، التي طالت حتى نوع تسريحة الشعر التي يجب ان تشابه نوع تسريحة شعر الزعيم الجديد، والا فإن هناك عقوبات قانونية على المخالفين.

بالمقابل فان كوريا الشمالية لديها مخاوف بان تحاول الولايات المتحدة (من خلال فرض الحصار الاقتصادي والسعي الى عزل كوريا عن العالم، إضافة الى افتعال الازمات)، اسقاط النظام الشيوعي او احتلال كوريا بالكامل، وكان منشقون عن كوريا الشمالية قد سبق أن قالوا إن الهجوم الالكتروني على شركة "سوني بيكتشرز" ربما كان عملية تدريب لاختبار مهارات الجيش الالكتروني في كوريا الشمالية، الدولة الشيوعية المنعزلة، في إطار هدف بعيد المدى لاكتساب القدرة على إصابة شبكات الاتصالات والطاقة في الدول المعادية بالشلل، وقال كيم هيونغ-كوانغ الذي كان أستاذا في علوم الكمبيوتر وانشق على نظام بيونغ يانغ وهاجر إلى كوريا الجنوبية 2004 إن كوريا الشمالية تراودها هواجس بأن تحتلها كوريا الجنوبية أو الولايات المتحدة لذا فهي تعمل منذ سنوات على اكتساب القدرة على إعاقة أو تدمير أنظمة الكمبيوتر التي تتحكم في الخدمات العامة الحيوية مثل الاتصالات ومرافق الطاقة.

أبعاد الحرب الرقمية

فقد اتهمت كوريا الشمالية الولايات المتحدة بحرمانها من الاتصال بالأنترنت ووصفت الرئيس الاميركي باراك اوباما "بالقرد" لتشجيعه دور السينما على عرض فيلم "المقابلة" الذي يتناول بسخرية الزعيم الكوري الشمالي، واكدت اللجنة الوطنية الكورية الشمالية للدفاع ان باراك "اوباما متهور دائما في اقواله وافعاله مثل قرد في غابة استوائية"، متهمة الرئيس الاميركي بتحريض دور العرض على تقديم الفيلم يوم عيد الميلاد، واكد ناطق باسم اللجنة "اذا واصلت الولايات المتحدة الوقاحة والطغيان واستخدام اساليب العصابات على الرغم من التحذيرات المتكررة (من قبل كوريا الشمالية)، فعليها ان تبقي في ذهنها ان افعالها السياسية الفاشلة ستؤدي حتما الى ضربات قاتلة"، واتهم الولايات المتحدة بربط عملية القرصنة بكوريا الشمالية "بدون اي دليل واضح"، مكررا اداة بيونغ يانغ للفيلم الذي قال انه "يهدف الى التحريض على الارهاب انتج بمساعدة سياسيين كبار في الادارة الاميركية".

وكانت العديد من كبرى دور السينما الاميركية خشيت عرض الفيلم بعد تهديدات الكترونية من مجهول، ما دفع شركة سوني المنتجة للفيلم الى منع عرضه، واعتبر اوباما قرار سوني "خطأ"، لكن سوني بيكتشرز غيرت موقفها فجأة مع السماح بعرض الفيلم بشكل محدود في مركز ابحاث دبلوماسي وتكنولوجي بعد عملية القرصنة الالكترونية التي تعرضت لها المجموعة، وجذب الفيلم الكوميدي الذي يتحدث عن مؤامرة وهمية لاغتيال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون واثار غضب بيونغ يانغ، عند عرضه اعدادا كبيرة من المشاهدين الى دور السينما لأنه اصبح رمزا لحرية التعبير، واعلنت استوديوهات "سوني" ان الفيلم حصد مليون دولار في اليوم الاول لعرضه، وقال روري بروير مسؤول التوزيع الدولي في الشركة "رغم عدد محدود من الصالات هو اقل من عشرة في المئة من المتوقع، حصدنا اكثر من مليون دولار منذ اليوم الاول"، وذكر موقع متخصص بدراسة تقاسم المعلومات على الانترنت ان الفيلم تم تحميله بطريقة غير قانونية 750 الف مرة. بحسب فرانس برس.

وكانت الشبكات الإلكترونية لأجهزة ألعاب الفيديو بلايستايشن من سوني وإكسبوكس لمايكروسوفت تعطلت يوم عيد الميلاد وتواصل الانقطاع بسبب هجوم معلوماتي منع النفاذ إليها في أنحاء العالم أجمع على الأرجح، وأصلح العطل الذي ضرب تقريبا كل خدمات "اكسبوكس"، ما عدا ثلاثة تطبيقات كانت لا تزال معطلة، بحسب الموقع الإلكتروني المخصص لهذا الجهاز، وكانت الاتصالات عبر الانترنت قطعت لعدة ساعات في كوريا الشمالية وسط شائعات بانه رد اميركي على الهجوم المعلوماتي ضد سوني والذي نسبته اليها واشنطن، وتعطلت شبكات الانترنت الاربع في كوريا الشمالية والتي تمر عبر "تشينا نتكوم" التابعة ل"تشينا يونيكوم" لمدة تسع ساعات و31 دقيقة، حسب ما قال الخبراء في مؤسسة "دين ريزرتش" ومقرها الولايات المتحدة والمتخصصة بامن المعلوماتية، وجاء هذا التوقف في الانترنت بعد ايام على وعد قطعه الرئيس الاميركي بالانتقام بعد الفيروس الذي تعرضت له شركة سوني ونسبته الشرطة الفدرالية الاميركية لبيونغ يانغ، وتنفي كوريا الشمالية اي صلة لها بهذا الهجوم الالكتروني الذي كشف ايضا معلومات شخصية عن 47 الف موظف ومتعامل مع سوني بيكتشرز لكنها اشادت به وبمنفذيه، وعرض الناطق باسم اللجنة الوطنية الكورية الشمالية للدفاع مجددا اجراء تحقيق مشترك وهو اقتراح كانت رفضته من قبل الولايات المتحدة، وقال "في الواقع بدأت الولايات المتحدة البلد الكبير تعطيل الانترنت للمواقع الكبرى في كوريا الشمالية بدون خجل".

الصين تحت مظلة الاتهام

 

من جهتها وصفت وزارة الخارجية الصينية تقارير تحدثت عن أن الصين لعبت دورا في انقطاع خدمات الإنترنت في كوريا الشمالية بأنها "غير مسؤولة"، وأدلت المتحدثة باسم الوزارة هوا تشون ينغ بهذه التصريحات خلال إفادة يومية، ودعت الصين كلا من الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إلى إجراء حوار بشأن الهجوم الإلكتروني الذي استهدف شركة سوني بيكتشرز، وقالت هوا "لاحظنا مؤخرا تصريحات أمريكية وتعليقات من جانب كوريا الشمالية، نعتقد أن على الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إجراء اتصال في هذا الشأن"، وألقت الولايات المتحدة مسؤولية الهجوم الإلكتروني على سوني على بيونجيانج، كما طلبت الولايات المتحدة من الصين تحديد أي مخترقين من كوريا الشمالية يعملون في أراضيها وترحيلهم إلى بلدهم إذا توصلت اليهم، وقالت شركة أمريكية تراقب البنية التحتية للإنترنت إن الخدمة عادت في كوريا الشمالية بعدما شهدت انقطاعا استمر لساعات، وصلة كوريا الشمالية الوحيدة بالشبكة العنكبوتية هي من خلال الصين، وقال مسؤولون أمريكيون قريبون من التحقيقات التي تجريها الحكومة الأمريكية عن الهجوم على سوني بيكتشرز إن حكومة الولايات المتحدة لم تشارك في أي عمل إلكتروني استهدف بيونجيانج. بحسب رويترز.

فتح تحقيق مشترك

على صعيد ذي صلة قالت كوريا الشمالية إن الاتهامات الأمريكية لها بشن هجوم الكتروني على شركة سوني بيكتشرز "افتراء لا أساس له" وإنها ترغب في فتح تحقيق مشترك في الأمر مع الولايات المتحدة، وذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية أن متحدثا باسم وزارة الخارجية في كوريا الشمالية حذر من "تداعيات خطيرة" إذا رفضت واشنطن التحقيق المشترك وتمادت في اتهام الشمال، وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد ألقى باللائمة على كوريا الشمالية في الهجوم الالكتروني الكبير الذي دفع سوني إلى إلغاء طرح فيلم المقابلة (ذا انترفيو The Interview) الكوميدي الذي يروي قصة خيالية عن اغتيال زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، وفي أول رد على الاتهام قالت كوريا الشمالية إن بإمكانها نفي أي صلة لها بالهجوم الالكتروني واسع النطاق، وقال المتحدث من كوريا الشمالية "نقترح اجراء تحقيق مشترك مع الولايات المتحدة ردا على افتراء لا أساس له من الصحة ترتكبه الولايات المتحدة من خلال تعبئة الرأي العام.

وكان مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي قد أعلن في وقت سابق أنه خلص إلى أن كوريا الشمالية مسؤولة عن اختراق شبكة الكمبيوتر الخاصة بشركة سوني وقال إن تصرفات بيونجيانج "تجاوزت حدود التصرفات المقبولة للدول"، وذكر أوباما أن كوريا الشمالية ربما تصرفت من تلقاء نفسها، وبدأت واشنطن مشاورات مع اليابان والصين وكوريا الجنوبية وروسيا وطلبت مساعدتهم في كبح جماح كوريا الشمالية، وتعهدت اليابان وكوريا الجنوبية بالتعاون، ولم يصدر رد بعد من الصين أكبر حليف لكوريا الشمالية لكن صحيفة تديرها الدولة قالت إن "فيلما مثل المقابلة (ذا انترفيو)، لا يدعو هوليوود والمجتمع الأمريكي للفخر، السخرية غير الأخلاقية من كيم ليست سوى نتيجة للغطرسة الثقافية الفارغة"، وهذه هي المرة الأولى التي تتهم فيها الولايات المتحدة مباشرة دولة أخرى بشن هجوم الكتروني بهذا الحجم على الأراضي الأمريكية وينذر الهجوم بمواجهة جديدة محتملة بين الخصمين اللدودين واشنطن وبيونجيانج، وقال أوباما إنه كان يأمل أن تتحدث سوني معه أولا قبل أن تسحب الفيلم مشيرا إلى أن الأمر قد يمثل سابقة سيئة، وتابع "أعتقد أنهم أخطأوا". بحسب رويترز.

وأصر مايكل لينتون الرئيس التنفيذي لشركة سوني بيكتشرز انترتينمنت على أن الشركة لم ترضح للمتسللين وقال إنها ما زالت تبحث عن وسائط بديلة لطرح الفيلم من خلالها، وقالت متحدثة باسم سوني إن الشركة ليست لديها خطط جديدة لطرح الفيلم الذي بلغت ميزانيته 44 مليون دولار ومن بطولة سيث روجن وجيمس فرانكو، ورغم تحذير أوباما الشديد لكوريا الشمالية فإن خياراته للرد على الهجوم الالكتروني محدودة فيما يبدو، وامتنع الرئيس الأمريكي عن تحديد التحركات قيد البحث، وتفرض الولايات المتحدة عقوبات على كوريا الشمالية منذ 50 عاما لكنها لم تؤثر كثيرا على سياسات البلد المنعزل في مجال حقوق الإنسان أو تطويره للأسلحة النووية.

اضف تعليق