الحل بسيط حضارياً وانسانياً، حتى الدول الكبرى والإقليمية تقبل هذا المنطق، وكل الأطراف ينبغي ان تقبل هذا الامر ايضاً، وهو الاحتكام الى صناديق الاقتراع، والتداول السلمي للسلطة، وهذا الحل يحفظ للجميع حقوقهم. ان إجراء الانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة وأطراف دولية محايدة، إضافة الى الدول الإسلامية، سيكون مصدا...

مقدمة

الوضع القائم في سوريا اليوم حساس للغاية ويحمل في طياته الكثير من الغموض، اذ مازالت حالة عدم الاستقرار وتوالي الازمات هي المسيطرة مع تحول السلطة في دمشق، الامر الذي فتح ابواباً من التحديات الصعبة والفراغات السياسية، في الوقت ذاته اثارت هذه التحولات الآمال من جديد في تغير المستقبل نحو الأفضل، وبين الخوف من المجهول والامل في مستقبل مختلف، ما زالت هناك حاجة الى حلول أساسية وجذرية.

ويمكن ايجاز تفاصيل الوضع السوري بالآتي:

1. الوضع السياسي والعسكري: سقوط النظام المستبد في سوريا وهروب رأس السلطة الى خارج البلاد، شكل نهاية لحقبة دكتاتورية سيطر فيها حزب واحد بالحديد والنار لعقود من الزمن على سوريا وشعبها.

بالمقابل فإن الجهات التي اسقطت النظام في سوريا تشكلت من فصائل مسلحة لها أيدلوجيات متنوعة الى حد التناقض، يميل بعضها الى التطرف والتشدد، وقد وفرت لها العديد من الدول الإقليمية والعالمية الدعم لبسط سيطرتها على المناطق الرئيسية في سوريا (ومنها العاصمة دمشق).

أضف الى ذلك مازالت هناك مناطق غير خاضعة لسيطرة هذه الفصائل، والتنافس والصراع على السلطة يمكن ان يندلع في أي لحظة وبالتالي استمرار سوريا في حرب داخلية كبيرة ستبعد المجتمع الدولي من التعاون معها مستقبلاً وستزيد من التدخلات الخارجية التي أوصلت البلد الى ما هو عليه اليوم.

2. الازمة الإنسانية: لا يمكن الحديث عن الوضع الإنساني بصورة دقيقة، فكل ما يكتب وكل الأرقام التي تذكر لا تقترب من حجم هذه الازمة التي دمرت المواطن السوري وهددت أمنه الغذائي. اذ يعاني أكثر من (15) مليون مواطن سوري من الحاجة للمساعدات الإنسانية العاجلة مع تزايد حالات انعدام الامن الغذائي والنقص الحاد في الخدمات الأساسية كالمياه الصالحة للشرب والرعاية الصحية، حيث دمرت اغلب البنى التحتية في معظم انحاء البلاد.

 وأدت الصراعات المسلحة الى مقتل (600) ألف شخص والاضرار بحياة (6.5) مليون طفل، والى تشريد أكثر (7) مليون نازح في الداخل، خصوصاً من الأقليات الدينية التي شعرت بتهديد وجودي على حياتها مع سيطرة الجماعات المسلحة على قراهم ومدنهم ومناطق سكناهم.

3. الوضع الاقتصادي: الاقتصاد السوري في حالة انهيار شديد، حيث يعيش أكثر من (80%) من الشعب السوري تحت خط الفقر (والنسبة في ارتفاع مستمر)، بعد ان كان هذا الرقم لا يتعدى نسبة (10%)، كما تحتاج سوريا الى ما بين (200–300) مليار دولار لإعادة اعمارها.

كما تعاني من نسب تضخم شديدة ونقص حاد في الموارد وانهيار للعملة المحلية، الى جانب تهالك البنى التحتية والخدمات الاساسية التي انهكتها الصراعات المسلحة والحصار الاقتصادي، مع تراجع قطاعات حيوية كالتعليم والرعاية الصحية بشكل حاد.

ضريبة باهظة

يقول سماحة السيد مرتضى الشيرازي في معرض حديثه عن سوريا: "طوال التاريخ البشري كانت بلاد (الشامات) من فلسطين الى سوريا (المعروفة حالياً) والأردن ولبنان وغيرها، مهد الحضارات، لكن منذ سنين عصفت بها اعاصير غريبة، اخذت تعتصر قلوبنا كما تعتصر احبتنا في تلك البلاد".

ان الضريبة التي دفعها الشعب السوري طوال سيطرة النظام السابق وما تلاها من احداث وصراعات دموية هي ضريبة باهظة التكاليف، ومازال الامر –حتى هذه اللحظة- غير واضح الملامح، وفرحة سقوط النظام الاستبدادي هناك يقابلها التخوف من المستقبل القريب.

بالتالي فإن من حق الشعب السوري المتعدد الطوائف والمذاهب والاعراق، بعد طول انتظار ومعاناة، أن يعيش في ظل نظام يضمن تحقيق العدالة والحرية والتعددية وينعم فيه الجميع بالأمن والأمان والرفاهية والاحترام.

هذه الآمال لا تتحقق بالأمنيات والوعود وانما بالإيمان والعمل الجاد نحو الإصلاح والتغيير الحقيقي، والذي حتما تسبقه رؤية متكاملة تستند الى الحكم الرشيد ومفاهيم الحكم الإسلامي في العدالة والحرية والشورى، والتي صاغها القران الكريم وطبقها الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) واهل بيته الاطهار (عليهم السلام).

حل حضاري وإنساني

لقد أشار سماحة السيد مرتضى الشيرازي الى حل حضاري وانساني يمكن ان تقبل به جميع الأطراف ووصفه بالحل البسيط الذي يضمن للجميع حقوقهم، رغم صعوبة الوضع في سوريا، لكن هذا الحل يمكن ان ينقذ سوريا وشعبها من مستنقع الفوضى والأزمات.

يقول سماحة السيد الشيرازي: "الحل بسيط حضارياً وانسانياً، حتى الدول الكبرى والإقليمية تقبل هذا المنطق، وكل الأطراف ينبغي ان تقبل هذا الامر ايضاً، وهو الاحتكام الى صناديق الاقتراع، والتداول السلمي للسلطة، وهذا الحل يحفظ للجميع حقوقهم".

ان إجراء الانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة وأطراف دولية محايدة، إضافة الى الدول الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، سيكون مصدا أمام استمرار حمامات الدم.

ودعا السيد مرتضى الشيرازي الأطراف الداخلية والخارجية المتصارعة الى ايقاف محنة الشعب السوري البريء بقوله:

"ان هذا الكلام الذي اطرحه الان ليس طرحاً جديداً، بل قلناه قبل عشر سنوات، ولو التزموا به في ذلك الوقت لجنبنا أنفسنا وشعبنا الخسائر الفادحة التي تجاوزت (100) مليار دولار، بينما كل الأطراف المتصارعة تدعي الإسلام، فهل يسركم ان يتحطم هذا البلد بهذه الطريقة، وقد كانت سوريا جنة في الأرض، والاستقرار فيها كان مذهلا؟

فالحل هو الدبلوماسية الناعمة، الذي هو حل عقلي من المستقلات العقلية، بالإضافة الى كونه حلا قرآنيا تشير اليه الآيات الكريمة: (وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) الأعراف 142، وكذلك قوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرً) النساء 35، فجلوس الأطراف على طاولة المفاوضات هو احتكام الى منطق العقل والا فان (الظلم مرتعه وخيم).

ودعا السيد مرتضى الشيرازي الى تقديم المعونات الإنسانية الى الشعب السوري واللبناني والفلسطيني، الذي يعانون من الجوع والبرد والخوف، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله عز وجل له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أولها الجنة)، وهناك الملايين من المسلمين والشرفاء القادرين على تقديم المساعدة.

كذلك دعا السيد مرتضى الشيرازي الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية المتورطة بشكل او بآخر في الصراع وتهيمن على المشهد السوري الى تحمل المسؤولية، بقوله: "تحملوا مسؤولياتكم الحضارية والتاريخية والإنسانية تجاه هذه البلاد وسائر الشعوب البريئة، فالتأريخ سيسجل ذلك، انه كيف وقفت هذه الدول المسماة بالعظمى وغيرها من الأطراف المتصارعة في هذه المحنة التي تعصف بالأبرياء، والتزموا –على الأقل- بالضغط باتجاه العمل بمواثيق حقوق الانسان التي قبلتم بها ووقعتم على الالتزام بها، خصوصاً وان هذه الأطراف المتصارعة داخل سوريا تخضع لكم كما هو واضح، فلا يمكن لهم ان يتملصوا من هذه المسؤولية تاريخياً". 

لقد قدم سماحة السيد مرتضى الشيرازي مفتاح للحل الأمثل لتطبيب جراح سوريا وشعبها البريء في جملة من كلماته التي خص بها الوضع السوري والصعاب التي تواجهها في هذه الفترة الحساسة من تاريخها، وهي حلول منطقية وعقلائية وبسيطة بحسب وصفه، وأشار الى ان تجاهل هذه الحلول والذهاب الى لغة التعصب والسلاح والتدمير ستكون له عواقب لا تحمد عقباها: "خلاف هذا الامر فإن سوريا ستغرق في حمام دم لا ينتهي، خصوصاً وان القدرة والقوة موزعة بيد أطراف داخلية عديدة، وهي مدعومة ايضاً من قوى عظمى ودولية وإقليمية كثيرة، بالسلاح والعدة والعدد، ولديها الإرادة الجادة على تدمير الطرف الاخر، وتدمير الطرف الآخر يعني تدميرك ايضاً، بل وتدمير البلاد ايضاً". 

الخلاصة:

بناءً على ما تقدم من رسائل طرحها سماحة السيد مرتضى الشيرازي الى جميع الأطراف المعنية في الوضع السوري، بل والى المسلمين وجميع الاحرار في العالم، يمكن تلخيص اهم الأسس التي طرحها سماحته لتشكيل ملامح الحل السوري وفق رؤيته من خلال:

1. بناء نظام قائم على الشورى والعدالة: فالشورى أحد الأسس الرئيسية لنجاح أي نظام حكم تتحقق فيه العدالة والحرية. فبعد زوال النظام الاستبدادي هناك ينبغي ان يكون نظام سياسي شفاف وعادل يتيح للشعب اختيار قياداته من خلال صناديق الاقتراع في ظل انتخابات حرة ونزيهة. كما يرى أن المؤسسات التمثيلية، مثل البرلمان، هي ضرورة لضمان الرقابة الشعبية على الحاكم ونظام الحكم فيها.

2. ضمان الحرية السياسية والفكرية: وحرية طرح الآراء وعدم تكميم الافواه من قبل السلطة الحاكمة، حيث يسمح للأفراد والنخب بالمشاركة الفاعلة في بناء مستقبل البلد.

ويشدد على ان الطغيان لا ينتهي بسقوط شخص الطاغية فقط، بل يجب ان يكون هناك تحول فكري واجتماعي لبناء الانسان على رفض مفاهيم الظلم والاستبداد وسلب الحرية وانعدام العدالة، من خلال بناء مؤسسات تحمي الحريات وتحول دون عودة الطغاة من جديد.

3. التعددية واحترام التنوع: سوريا بلد متعدد الطوائف والمذاهب والاعراق، وبالتالي فإن السيد مرتضى الشيرازي يرى ان الحكم ينبغي ان يكون جامعاً لا اقصائياً، وعلى النظام الجديد القادم ان يحترم حقوق الأقليات ويضمن مشاركتهم في الحياة السياسية وغيرها.

وان يدعو الى حوار وطني شامل يشارك فيه جميع مكونات الشعب السوري لضمان تمثيل عادل وشامل للجميع.

4. التنمية والعدالة الاجتماعية: بالقضاء على الفقر والظلم الاجتماعي، والحكومة يجب ان تكون هي المسؤولة عن إعادة اعمار البلاد بعد الحرب مع التركيز على دعم الفئات الأكثر تضرراً (الفئات الهشة) وضمان توزيع عادل لثروات البلاد.

5. الابتعاد عن الانتقام وبناء المصالحة الوطنية: وتجنب الانتقام السياسي او الديني او الاجتماعي وغيرها. فالصفح والمصالحة الوطنية هي التي ينبغي ان تسود من اجل ضمان استقرار البلاد وتجنب الانقسامات والصراعات الداخلية.

6. السيادة والاستقلال: ان أي نظام جديد من المفترض ان يحافظ على سيادة سوريا واستقلالها عن أي تدخلات اجنبية سواء اكانت إقليمية او دولية. وأن تكون جميع القرارات السياسية نابعة من إرادة الشعب السوري ومن دون أي ضغوط خارجية.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2024

http://shrsc.com

اضف تعليق